تزايد الانقسامات داخل المجلس الرئاسي الليبي يكشف هشاشة بنيته التنظيمية وسط أزمات متشابكة

قسم الأخبار الدولية 09/06/2025
تصاعدت وتيرة الانقسامات داخل المجلس الرئاسي الليبي، بعد سلسلة من الخلافات العلنية بين رئيسه محمد المنفي ونائبيه موسى الكوني وعبد الله اللافي، الأمر الذي يعكس، بحسب محللين، عيوباً جوهرية في الهيكلية التنظيمية للمجلس وآلية اتخاذ القرار داخله.
وتعود جذور هذه الأزمة إلى طبيعة المجلس ذاته، الذي تشكل أول مرة عام 2016 بموجب اتفاق الصخيرات، قبل أن يُعاد تشكيله عام 2021 في إطار مخرجات ملتقى الحوار السياسي بجنيف. ورغم منحه صلاحيات تشمل قيادة المؤسسة العسكرية وتمثيل البلاد خارجياً، فإن اشتراط الإجماع بين أعضائه في اتخاذ القرارات جعل منه جسماً عاجزاً عن الاستجابة للمتغيرات، وفق ما أكده عضو الهيئة التأسيسية لصياغة الدستور، الهادي بوحمرة.
آخر فصول الخلافات بين أعضاء المجلس برز في مايو الماضي، بعد تسريبات إعلامية عن جدل داخل المجلس بشأن إقالة حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد الدبيبة، إثر احتجاجات غاضبة في طرابلس. وفيما دعم اللافي والكوني مطلب الشارع، رفض المنفي اتخاذ موقف علني، ما فُسّر كتماهٍ مع الحكومة القائمة، وفتح الباب أمام تشكيك في حياد المجلس ذاته.
وزاد الطين بلة “نزال المبادرات” الذي اندلع بين النائبين، حيث اقترح الكوني العودة إلى نظام الأقاليم الثلاثة، بينما طرح اللافي رؤية تقضي بتقسيم البلاد إلى 13 محافظة لا مركزية. وما لبث التوتر أن تصاعد بعد اعتراضهما على مرسوم أصدره المنفي لوقف العمل بقانون المحكمة الدستورية وتشكيل مفوضية للاستفتاء، واعتبراه “انفراداً بالقرار”.
في المقابل، ترى جازية شعيتير، العضو السابقة بملتقى جنيف، أن المجلس الرئاسي صُمم كهيئة انتقالية بصلاحيات محدودة تنتهي بانتخابات رئاسية وتشريعية في ديسمبر 2021، غير أن تعثر هذه الانتخابات أطال عمر المجلس وفتح المجال لصراعات داخلية لم يكن مؤهلاً لمواجهتها.
ورغم أن المجلس يتمتع، نظرياً، بقيادة الجيش وتوحيد المؤسسات، إلا أنه يفتقر لأي نفوذ فعلي على القوى العسكرية المتصارعة شرقاً وغرباً، كما تتداخل صلاحياته مع حكومة طرابلس في ملفات رئيسية كالعلاقات الخارجية، ما أضعف دوره وأفقده التأثير.
ويرى محللون، من بينهم رمضان شليق، أن المجلس فقد حتى رمزية الوحدة الوطنية التي أُنشئ لأجلها، بعد أن بات طرفاً في الانقسام، ما دفع بعض المتظاهرين في طرابلس إلى المطالبة برحيله. وذهب الأكاديمي علي الصبيحي إلى أبعد من ذلك، معتبراً أن المجلس بات عائقاً أمام أي عملية سياسية، داعياً إلى مسار تأسيسي جديد بقيادة جمعية وطنية تضع دستوراً جديداً وتعيد بناء الشرعية على أسس توافقية.
وبينما يغرق المجلس الرئاسي في نزاعاته الداخلية، تستمر ليبيا في حالة جمود سياسي وأمني، في وقت يبدو فيه أن الشارع الليبي بدأ يفقد ثقته في كل المؤسسات الانتقالية التي عجزت عن تحقيق الاستقرار أو السير بالبلاد نحو انتخابات ديمقراطية حقيقية.