آسياأخبار العالمأمريكاأوروبا

ترمب يعيد تشكيل قواعد اللعبة الدبلوماسية في أوكرانيا وسط تحفظات كييف وحسابات موسكو والناتو

في خطوة قد تعيد رسم ملامح الأزمة الأوكرانية، أعلن الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب عن تفاهم مع نظيريه الروسي فلاديمير بوتين والأوكراني فولوديمير زيلينسكي للبدء الفوري بمفاوضات لإنهاء الحرب المستمرة منذ عامين. هذا الإعلان المفاجئ، الذي جاء عقب محادثات هاتفية مع الزعيمين، كشف عن مساعٍ أميركية جديدة قد تتجاوز النهج التقليدي لإدارة الأزمة، في وقت يزداد فيه الضغط العسكري والاقتصادي على جميع الأطراف.

موسكو تناور بشروط استراتيجية

أكد الكرملين أن بوتين أبلغ ترمب استعداده لمناقشة “حل بعيد المدى” للنزاع، لكنه شدد على ضرورة “معالجة الجذور العميقة للأزمة”، وهو تلميح إلى مطالب موسكو السابقة المتعلقة بوقف توسع حلف الناتو شرقًا، وضمانات أمنية تلزم أوكرانيا بالبقاء خارج التحالفات العسكرية الغربية. لكن التصريحات الروسية لم تتطرق إلى أي استعداد للتراجع عن الأراضي التي سيطرت عليها موسكو، مما يطرح تساؤلات حول مدى جدية الكرملين في تقديم تنازلات ملموسة.

كييف ترفض التسويات الترابية والكرملين يغلق الباب

في المقابل، أبدى الرئيس الأوكراني زيلينسكي موقفًا أكثر حذرًا، حيث اقترح في مقابلة مع صحيفة “الغارديان” البريطانية إمكانية مقايضة بعض المناطق المحتلة من كلا الجانبين كجزء من التسوية. غير أن هذا الطرح قوبل برفض قاطع من موسكو، حيث وصف المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف الفكرة بأنها “مستحيلة”، مما يعكس استمرار الهوة بين مواقف الطرفين، لا سيما أن كييف لا تزال تتمسك باستعادة أراضيها وفق حدود عام 1991.

الناتو يراجع موقفه وواشنطن تغير أولوياتها

على المستوى الأطلسي، أثارت تصريحات وزير الدفاع الأميركي بيت هيغسيث، التي اعتبر فيها أن “عودة أوكرانيا إلى حدود ما قبل 2014 غير واقعية”، جدلًا واسعًا، حيث تعكس تغيرًا ملحوظًا في الرؤية الأميركية تجاه الصراع. هذا التصريح، الذي يُفهم منه اعتراف ضمني بأن استعادة كييف لشبه جزيرة القرم والمناطق التي سيطرت عليها موسكو قد لا يكون جزءًا من أي اتفاق مستقبلي، قد يعيد ترتيب الأولويات الغربية بشأن طبيعة الدعم المقدم لأوكرانيا.

ضغوط اقتصادية وعسكرية على جميع الأطراف

يأتي هذا الحراك الدبلوماسي في وقت يتزايد فيه الضغط الاقتصادي والعسكري على جميع الأطراف. فروسيا، رغم نجاحها في الصمود أمام العقوبات الغربية، لا تزال تواجه تحديات اقتصادية متزايدة، بينما تعاني أوكرانيا من استنزاف مستمر في قدراتها العسكرية والبشرية، وسط مخاوف من تراجع الدعم الغربي، لا سيما مع تصاعد أولويات أميركية داخلية قد تعيد ترتيب التزامات واشنطن الخارجية.

هل نحن أمام تغيير استراتيجي أم مناورة سياسية؟

يبقى السؤال الأهم: هل يشكل هذا الاتفاق بداية لمسار تفاوضي جاد يمكن أن يؤدي إلى إنهاء النزاع، أم أنه مجرد جولة أخرى من المناورات السياسية؟ فبينما يسعى ترمب إلى إعادة تشكيل دوره الدولي حتى قبل الانتخابات الأميركية، تبقى مواقف موسكو وكييف مرهونة بحسابات ميدانية واستراتيجية معقدة قد تعيق أي حل سريع. في ظل هذه المعطيات، تبدو الدبلوماسية وكأنها تخوض اختبارًا صعبًا في واحدة من أكثر الأزمات الجيوسياسية تعقيدًا في القرن الحالي.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق