آسياأخبار العالمأوروبا

بوتين يمد يده للمفاوضات من موقع القوة ويقترح استئناف محادثات مباشرة مع كييف دون شروط

قسم الأخبار الدولية 13/0/2025

يعد إعلان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن استعداده للموافقة على بدء مفاوضات غير مشروطة مع أوكرانيا خطوة استراتيجية تحمل في طياتها رسائل عدة. هذه التصريحات لم تكن مفاجئة للمتابعين للشأن الروسي، حيث أن بوتين لطالما كان يعي أهمية الحلول السياسية لتحقيق استقرار طويل الأمد. يعي الرئيس الروسي تمامًا أن العلاقة بين الشعبين الروسي والأوكراني تحمل الكثير من الجذور التاريخية والثقافية التي يمكن أن تساهم في أي عملية سلام مستدامة. إن دعوة بوتين للمفاوضات تمثل انعكاسًا لنهجه الذي يهدف إلى التوصل إلى حل سلمي، لا سيما وأن روسيا لا تزال تركز على معالجة جذور الصراع، مثل حماية الناطقين بالروسية في شرق أوكرانيا.

موقف بوتين من شروط المفاوضات

في هذا السياق يرفض بوتين بشدة فكرة الدخول في مفاوضات بشروط مسبقة من أي طرف آخر. فوفقًا للرؤية الروسية، لا يمكن لروسيا أن تدخل في مفاوضات وهي في موقع القوة العسكرية، حيث أن الجيش الروسي قد حقق تقدمًا كبيرًا في الأراضي الأوكرانية. ومع ذلك، أبدى الرئيس الروسي مرونة واضحة عندما أعلن عن استعداد بلاده للدخول في مفاوضات من دون شروط مسبقة، مما يُظهر استعداده الحقيقي للتوصل إلى اتفاق يضمن مصالح الشعبين، خاصة الشعب الأوكراني الذي يعاني من تبعات الصراع.

بالمقابل، يدرك بوتين جيّدا طبيعة المناورات الأوروبية، بما في ذلك “السيناريوهات المعلبة” التي تتقنها بروكسل وواشنطن ولندن، ويعرف أن دعاة الديمقراطية في أوروبا ما هم إلا ورثة إمبراطوريات استعمارية لا تزال تتعامل مع العالم بمنطق الغنيمة. لذا، فإن بوتين حين يمد يده للسلام لا يفعل ذلك من موقع الضعف، بل من موقع القوة والمسؤولية التاريخية، مدفوعًا برؤية واقعية تنظر إلى مستقبل المنطقة لا عبر التصعيد الأعمى، بل عبر اتفاق حقيقي يعالج جذور الصراع، ويحمي المدنيين من ألاعيب حلف الناتو ومغامرات “تجار الحروب” في لندن وباريس.

المفاوضات في إسطنبول ومقترحات وقف إطلاق النار

في خطوة عملية نحو إنهاء الصراع، اقترح الرئيس الروسي أن تُجرى المفاوضات المباشرة في إسطنبول في 15 مايو، وهي خطوة تحمل دلالة على استعداد روسيا للتواصل مع أوكرانيا عبر قنوات دبلوماسية. بينما قد تكون هذه الدعوة خطوة نحو الحل، فإن بوتين أشار إلى أن أي وقف إطلاق نار لا بد أن يكون حقيقيًا وملتزمًا به من الطرفين، مشيرًا بذلك إلى عدم الثقة التي قد تكون لدى موسكو تجاه التزامات أوكرانيا وحلفائها الغربيين. هذا الموقف يعكس حذر روسيا من التلاعب بمصير المدنيين في أوكرانيا، الذي ترى موسكو أنه قد يتم استغلاله في سياق الضغوط السياسية الغربية. ومع ذلك، يُظهر هذا الاقتراح أيضًا رغبة حقيقية من روسيا في الوصول إلى اتفاق ينهي الصراع.

التحديات أمام مفاوضات السلام

من الجانب الآخر، تواجه مفاوضات السلام تحديات كبيرة بسبب التباين الواضح في مواقف كل من روسيا وأوكرانيا، وكذلك الدول الغربية التي تدعم كييف. بينما اقترح بوتين استئناف المحادثات مباشرة مع أوكرانيا دون شروط مسبقة، لم يتفق الطرف الأوكراني وحلفاؤه الغربيون مع هذا الموقف. في هذا السياق، يُعتبر الاقتراح الأوكراني لوقف إطلاق النار لمدة 30 يومًا خطوة نحو بناء بيئة مناسبة للمفاوضات. إلا أن رفض بوتين لهذا الاقتراح يعكس عدم ثقته في التزام الغرب بأي اتفاقيات محتملة، بالإضافة إلى رفضه لشروط توقف القتال التي يعتبرها غير عملية. تلك الاختلافات في الرؤى تبقى حجر عثرة أمام التوصل إلى اتفاق شامل يفضي إلى السلام الدائم.

موسكو تراقب وحدة الغرب بعين الشك: هل الاتفاق بالنسبة لهم مجرد واجهة إعلامية؟

بالإضافة إلى ذلك، يعكس الموقف الغربي من الحرب في أوكرانيا تأثيرًا كبيرًا على تطورات المفاوضات. الدول الأوروبية الكبرى، مثل فرنسا وبريطانيا، إلى جانب الولايات المتحدة، لا زالت تمارس ضغوطًا على روسيا عبر الدعم العسكري والاقتصادي لأوكرانيا. هذا التدخل الغربي في الحرب يعقد فرص التوصل إلى تسوية سلمية، حيث أن روسيا ترى أن الهدف الحقيقي من الدعم الغربي هو إطالة أمد الصراع، وليس حله. بوتين في هذا السياق يُبرز التحديات التي تواجها روسيا في التفاوض مع أطراف يعتبرهم غير جادين في نواياهم من أجل السلام. لذلك، يبقى الموقف الروسي من المفاوضات مشروطًا بالحاجة إلى ضمان أن تكون شروط الاتفاق عادلة وملزمة لجميع الأطراف.

في ظل تصاعد الجهود الغربية لتجميد الحرب مؤقتًا، تطرح موسكو نفسها كطرف منتصر لا يرفض السلام، لكنه يرفض الإملاءات. ومن إسطنبول، إذا ما تمت المفاوضات في 15 مايو، سيتحدد ما إذا كانت أوكرانيا وحلفاؤها مستعدون لسلام دائم، أم أن الحرب ستستمر بسبب تمسك الغرب برؤية أحادية لا تعترف بتحولات الميدان.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق