بريطانيا خزان تاريخي لنفث السموم والعدوان على الشعوب
بريطانيا-08 مارس 2022
تَميّزت الرأسماليات الاستعمارية الغربية، على مدى قرون، بقدرة عالية على توظيف التناقضات الاجتماعية والسياسية، الداخلية منها والخارجية، لتنفيذ مشاريعها ومخطّطاتها.
وأيّ مراجعة جدّية لتاريخ الاستعمار الاستيطاني الغربي، بما فيه المشروع الاستيطاني الصهيوني، تُلحَص بالضرورة هذه الخاصية الفريدة. المنطق نفسه ينسحب على استغلالها التناقضات الاجتماعية والسياسية في بلدان الجنوب المستعمَرة سابقاً، لتحقيق أهدافها الاستراتيجية، كما أظهرت القصة، التي باتت معروفة، لكيفية صناعة “الجهاد” الأفغاني ضدّ السوفيات في بداية ثمانينيات القرن الماضي، عندما أشرفت أجهزتها الأمنية، بالتعاون مع أنظمة عربية وباكستان ، على تنظيم تدفّق آلاف المتطوّعين المضلَّلين العرب والمسلمين لـ”الجهاد” في بلاد الأفغان وليس في فلسطين المحتلة.
بريطانيا ظلت على مدى قرون رأس الحربة في العدوان وزرع بؤر التوتر والتقسيم من جنوب إفريقيا إلى المالفيناس مرورا بكشمير وصولا إلى احتلال فلسطين، ومساندة عمياء لأمريكا في عدوانها على الشعوب العربية وشعوب أمريكا الوسطى والجنوبية.
جونسون،رئيس الوزراء الحالي،حسب صحيفة “الأخبار”اللبنانية، نشر في “نيويورك تايمز”، الأحد الماضي، خطّة من ستّ نقاط للتعامل مع الأزمة الأوكرانية، داعيا إلى أن تتلاقى الجهود الدولية لإفشال محاولة الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، “إعادة كتابة قواعد النظام الدولي بمحض القوّة العسكرية”. وتغطي الخطّة محاور لتوجيه عمل “المجتمع الدولي”(والمقصود هنا الدول الغربية الإستعمارية) نحو مزيد من الدعم “الإنساني” والعسكري للنظام الأوكراني، وتصعيد الضغط الاقتصادي على روسيا، ومقاومة ما سمّاه “التطبيع المتزايد” مع الأفعال العسكرية الروسية.
وبرغم أن المقال بدا شكلاً كأنّه يضع أسساً لدور قيادي لبريطانيا في بلورة خطّة المواجهة مع الاندفاعة الروسية، إلّا أن قراءة معمّقة للنص تكشف عن حالة العري الكامل التي انتهت إليها الإمبراطورية المتقاعدة.
تجنّب جونسون ذكر الصين في كلّ المقال، مع معرفته بأن ما يعرقل الجهود الدولية لحصار موسكو ليس إلّا رفض الصين الصريح الانخراط فيها.
وأشار إلى أن “المملكة المتحدة من بين حفنة من الدول الأوروبية التي أرسلت مساعدات “دفاعية” إلى أوكرانيا. والآن، هناك أكثر من 25 بلداً تشترك في هذا الجهد، كما أن الإنفاق الدفاعي لدول الحلف آخذ في الارتفاع”، لكنه استدرك بقوله إن “الأمر سيستغرق بعض الوقت حتى يترجم ذلك الإنفاق إلى قدرة فعليّة”. وهو بذلك يقرّ بعجز الحلف عن منع سقوط النظام الأوكرانيّ، ويريد من الحلفاء الأوروبيين العمل معاً لجعل تكلفة الانتصار الروسي باهظة. لكن الجليّ أن ما تبقّى من أوراق بيد “الناتو” يظلّ محدوداً بسقف لا يمكن لأحد أن يغامر بتجاوزه، وهو العمل العسكري المباشر.
إن غاية ما يمكن للبريطانيين فعله هو استعادة رصيدهم المتراكم من عتاة اليمين الفاشيست المتطرّفين، والمرتزقة المتقاعدين من خدمة القتل باسم “جيش جلالة الملكة” في العراق وأفغانستان واليمن وليبيا وسوريا، وتصديرهم إلى أوكرانيا بصفة متطوّعين بغرض تنفيذ عمليات تخريبية وراء الخطوط الروسية في أوكرانيا. وبالفعل، لم تخفِ عدّة صحف بريطانية الأنباء عن وصول عدد من هؤلاء إلى الداخل الأوكراني عبر بولندا، وذكرت أنهم مدجّجون بأسلحة متطورة، وحصلوا على تسهيلات من الحكومات الأوروبية للانتقال إلى مواقع القتال ضمن تشكيلات نازية يتمّ تجميعها من مختلف أنحاء العالم.
على أساس هذا البرنامج المتهالك، التقى جونسون، أمس الاثنين، زعيمَي كندا وهولندا في لندن للبحث في إنشاء أوسع تحالف ممكن، واليوم الثلاثاء، يستضيف قادة بولندا وسلوفاكيا والمجر وجمهورية التشيك، التي يتوقّع منها أن تدخل خطّ المواجهة مع روسيا من خلال أزمة اللاجئين، متهرّباً بالطبع من مواجهة شعبه بحقيقة “الديستوبيا” الاقتصادية التي بدأت تلفّ عنق المملكة، نتيجة سياسات حكومته الفاشلة.