انعقاد مؤتمر الإحاطة بنتائج الدورة الكاملة الثالثة للجنة المركزية ال20 للحزب الشيوعي الصيني
قسم الدراسات الاستراتيجية 10/12/2024
في إطار تعزيز شراكاتها الدولية وإيضاح رؤيتها المستقبلية، نظّمت الصين مؤتمرًا في تونس يوم 9 ديسمبر 2024 لعرض نتائج الدورة الكاملة الثالثة للجنة المركزية الـ20 للحزب الشيوعي الصيني. تناول الخبير في الدراسات الاقتصادية، صاي فانق، النقاط المحورية لهذه الدورة، مقدّمًا رؤية شاملة واستراتيجية تنموية طموحة للصين حتى عام 2035.
ركائز الدورة الكاملة: رؤية شاملة لتطوير المجتمع والاقتصاد
تمحورت الدورة حول سبع ركائز رئيسية، تعكس الأبعاد المختلفة لرؤية الصين نحو مستقبلها:
- بناء نظام اقتصاد سوق اشتراكي رفيع المستوى:
أكدت الصين ضرورة تطوير نظام يوازن بين الكفاءة الاقتصادية والعدالة الاجتماعية. تسعى إلى تحسين آليات السوق، مع ضمان بقاء الاقتصاد تحت إشراف الدولة لتعزيز التنمية المتوازنة. - تعزيز الديمقراطية الشعبية الكاملة العملية:
أوضحت الدورة مفهوم الديمقراطية الشعبية، التي لا تقتصر على الانتخابات، بل تشمل آليات مشاركة الشعب في عملية صنع القرار وتنفيذه لضمان توافق السياسات مع احتياجات المواطنين. - بناء دولة قوية ثقافيًا:
تسعى الصين لترسيخ قيمها الثقافية الاشتراكية، مع تعزيز هويتها الوطنية في مواجهة التحديات الثقافية العالمية، وذلك من خلال دعم الإبداع الفني والتراث الثقافي. - رفع جودة حياة الشعب:
وضعت الصين تحسين معيشة المواطنين كأولوية. تشمل هذه الجهود إصلاحات في قطاعات التعليم، والصحة، والإسكان، مع تخفيف الأعباء المعيشية عن الفئات الأكثر احتياجًا. - تحقيق الاستدامة البيئية من خلال بناء “صين جميلة”:
ركزت الدورة على تحويل الصين إلى نموذج عالمي للتنمية الخضراء، من خلال تقليل الانبعاثات الكربونية، وتشجيع استخدام الطاقة المتجددة، وتعزيز الاقتصاد الدائري. - تعزيز الأمن بمستوى أعلى:
أكدت الصين على ضرورة تحقيق الأمن الشامل، بما يشمل الأمن الغذائي، والتكنولوجي، والسيبراني، لضمان استقرار البلاد في وجه التحديات العالمية. - رفع مستوى قيادة الحزب وقدرته على الحكم طويل المدى:
تبنّت الدورة خطة لإصلاح الحزب الشيوعي داخليًا، بما يشمل تعزيز الكفاءة الإدارية ومكافحة الفساد لضمان استمرار قيادته للدولة بفعالية.
إصلاحات اقتصادية هيكلية لتحقيق أهداف 2035
رسمت الدورة خارطة طريق تهدف إلى تحقيق أهداف التنمية لعام 2035 من خلال:
- تعزيز الابتكار: التركيز على تطوير التكنولوجيا ذات الجودة العالية، بما يشمل الذكاء الاصطناعي والطاقة المتجددة.
- زيادة الإنتاجية: رفع كفاءة القطاعات الإنتاجية عبر رقمنة الصناعات التقليدية وتطوير البنية التحتية الرقمية.
- توسيع الطلب المحلي: تعزيز الاستهلاك المحلي كركيزة لدفع عجلة الاقتصاد وتقليل الاعتماد على الأسواق الخارجية.
وأظهرت التوقعات أن الصين قد تحقق معدل نمو إجمالي للناتج المحلي بين 4.5% و4.8% بحلول 2035، وهي نسبة تعكس مرونة اقتصادها مقارنة بالبلدان ذات التركيبة الديموغرافية المماثلة.
التحديات الديموغرافية وتحولات السياسات الاجتماعية
تناولت الدورة أيضًا التحديات المرتبطة بالتحولات الديموغرافية. أوضح صاي فانق أن الصين دخلت مرحلة “الشيخوخة المبكرة” قبل تحقيق الثراء الكامل، مع بلوغ نسبة الشيخوخة 51%. وفي مواجهة هذه الظاهرة، تبنّت الحكومة سياسات داعمة للإنجاب، متخلية عن سياسة الطفل الواحد.
رغم هذه التحديات، أظهرت الدورة نقاط قوة، مثل رغبة كبار السن في العمل، مما ساعد على تأخير سن التقاعد. كما أُنشئ أكبر نظام تأمين اجتماعي عالمي يغطي 1.7 مليار نسمة، لضمان حماية المسنين والفئات الضعيفة.
فيما يتعلق بسوق العمل، سلطت الدورة الضوء على انخفاض اليد العاملة نتيجة تراجع النمو السكاني، وهو ما دفع الحكومة لتحسين آليات التوظيف وخلق فرص للشباب.
تمثلت إحدى الاستراتيجيات الرئيسية في رفع نسبة التحضر، مما يفتح الباب أمام فرص جديدة للاستثمار وتحفيز النمو الاقتصادي.
تعزيز العلاقات الدولية ودعم دول الجنوب
أكد صاي فانق خلال المؤتمر الصحفي التزام الصين بتعزيز علاقاتها مع الدول النامية، وخصوصًا في القارة الإفريقية، في إطار رؤية استراتيجية تسعى إلى تحقيق التنمية المشتركة. يُعد هذا التوجه جزءًا من السياسة الصينية الشاملة لدعم دول الجنوب عبر الاستثمار في القطاعات الحيوية مثل البنية التحتية والتكنولوجيا الخضراء، مما يعكس رغبة الصين في بناء شراكات قوية ومستدامة. في مجال البنية التحتية، تهدف الصين إلى تنفيذ مشاريع تعزز الربط الإقليمي وتدعم الاقتصاديات المحلية، مثل بناء شبكات الطرق والموانئ ومحطات توليد الطاقة، وهو ما يساهم في تحسين البيئة الاستثمارية وخلق فرص عمل في الدول الإفريقية.
أما في مجال التكنولوجيا الخضراء، تركز الصين على نقل المعرفة والتكنولوجيا المتطورة التي تدعم التنمية المستدامة وتقليل الأثر البيئي. من خلال الاستثمار في الطاقة النظيفة مثل الطاقة الشمسية والرياح، تعمل الصين على تعزيز قدرة الدول الإفريقية على مواجهة التحديات البيئية وتحقيق الاستقلال الطاقي. كما تشكل هذه المبادرات جزءًا من نهج أوسع لتطوير التعاون التجاري، حيث تتيح الصين فرصًا لدول الجنوب لزيادة صادراتها والاستفادة من السوق الصينية الواسعة. هذه الديناميكيات الجديدة ليست فقط تعبيرًا عن تضامن الصين مع الدول النامية، بل تمثل أيضًا نموذجًا مبتكرًا للشراكة الدولية يقوم على التوازن بين المصالح المتبادلة والتنمية المستدامة.
انعكاسات على العلاقات التونسية الصينية
تتيح نتائج الدورة الكاملة الثالثة للجنة المركزية الـ20 للحزب الشيوعي الصيني لتونس فرصة استراتيجية لتعزيز العلاقات الثنائية مع الصين، خاصة في مجالات البنية التحتية والطاقة والتكنولوجيا. من خلال مبادرة الحزام والطريق، يمكن لتونس أن تستفيد من الخبرة الصينية في تطوير مشاريع ضخمة تشمل تحديث شبكات النقل والموانئ وتحسين الخدمات اللوجستية، مما يعزز مكانتها كمركز إقليمي للتجارة والاستثمار.
في قطاع الطاقة، يمثل التوجه الصيني نحو التكنولوجيا الخضراء فرصة لتونس لتطوير مصادر طاقة مستدامة مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، بما يواكب أهدافها البيئية. في مجال التكنولوجيا، يمكن للصين أن تصبح شريكًا رئيسيًا في رقمنة الاقتصاد التونسي من خلال نقل المعرفة والتكنولوجيا المتقدمة، مما يسهم في خلق فرص عمل وتحفيز الابتكار.كما عكست الدورة الكاملة رؤية الصين الطموحة لبناء مجتمع اشتراكي حديث وقوي، متوازن في أبعاده الاقتصادية والاجتماعية والبيئية.
بالتالي يقدم التزام الصين بتحقيق تنمية مستدامة محليًا ودوليًا نموذجًا للدول الساعية للموازنة بين التطور الاقتصادي والحفاظ على البيئة. كما لم تكتف الصين بإصلاحاتها الداخلية بل تضع التنمية العالمية ضمن أولوياتها، خاصة عبر دعم الدول النامية في مجالات البنية التحتية والتكنولوجيا والتجارة. هذا التوجه يعكس رؤية شاملة لا تهدف فقط إلى تعزيز مكانة الصين عالميًا، بل إلى بناء نظام اقتصادي عالمي أكثر تكاملًا وإنصافًا، مما يشجع التعاون الدولي كركيزة أساسية لتحقيق الازدهار المشترك.
رؤية شاملة لمستقبل الصين والعالم
عكست الدورة الكاملة للجنة المركزية الـ20 رؤية الصين الطموحة لبناء مجتمع اشتراكي حديث وقوي، مع التزامها بتحقيق التنمية المستدامة على المستويين المحلي والدولي. يمثل هذا المسار نموذجًا يحتذى به للدول التي تسعى لموازنة التنمية الاقتصادية والاجتماعية مع الحفاظ على البيئة وتعزيز التعاون العالمي.