النزاع الباكستاني- الأفغاني
مصطفى شلش قسم البحوث والدراسات الإستراتيجية والعلاقات الدولية 11-01-2025
نفذت باكستان غارات جوية استهدفت ثلاثة مواقع في أفغانستان ضد جماعة طالبان الباكستانية المسلحة في ولاية باكتيكا، وأعلن المتحدث باسم طالبان ذبيح الله مجاهد أن الضربات وقعت في منطقة بارمال، بالقرب من منطقة جنوب وزيرستان القبلية في إقليم خيبر بختونخوا، حيث قُتل 46 شخصًا، معظمهم من النساء والأطفال. كما أكد أن الضحايا شملوا اللاجئين الذين قدموا مؤخرًا إلى باكتياك من وزيرستان الباكستانية.
كما اتهمت وزارة الدفاع التابعة لحركة طالبان باكستان بالمسؤولية عن الهجمات، وقالت إن المدنيين كانوا مستهدفين. وقال المتحدث باسم الوزارة عنايت خوارزم إن الجيش الباكستاني قصف منطقة بارمال؛ مما أسفر عن مقتل وإصابة عدد من الأطفال والمدنيين الآخرين.
وأضاف خوارام: “إن إمارة أفغانستان الإسلامية تعتبر هذا العمل البربري مخالفًا لكل المبادئ الدولية، وعدوانًا واضحًا، وتدينه بشدة، ويجب على الجانب الباكستاني أن يعلم أن هذه الإجراءات التعسفية ليست حلًا لأي مشكلة، وإن الإمارة الإسلامية لن تترك هذا العمل الجبان دون رد، ونحن نعتبر الدفاع عن أراضينا حقًا أصيلًا غير قابل للتفاوض”.
وهذه هي الحادثة الثانية من نوعها خلال عام 2024 في أفغانستان، وجاءت بعد ساعات فقط من وصول المبعوث الباكستاني الخاص إلى أفغانستان محمد صادق إلى كابول ولقائه مع كبار قادة طالبان.
والتقى صادق بوزراء الداخلية والخارجية في كابول، حيث ناقش الجانبان القضايا المتعلقة بالقضايا الثنائية، ومنها قضايا الأمن والحدود، لكن:
هل هناك أي صلة بين زيارة صادق لكابول والغارات الجوية الباكستانية؟
وما الرسالة التي تريد باكستان إيصالها إلى قيادة طالبان في وقت يوجد فيه مبعوثها الخاص بالفعل في كابول للقاء قادة طالبان؟
وأهم من ذلك، ما الرسالة التي سيتركها صادق عندما يغادر كابول عائدًا إلى إسلام آباد؟
حتى الآن، حاولت باكستان إقناع حركة طالبان الأفغانية بكبح جماح حركة طالبان الباكستانية من خلال اللجوء إلى الحوار، لكنها لم تنجح. ولا معنى لإعادة تعيين صادق خان إلا في إعطاء إسلام آباد أهمية للمفاوضات.
والآن، أظهر الهجوم على باكتيكا أن الجيش الباكستاني يفضل تجنب اللجوء إلى القوة بالتوازي مع المفاوضات -وما لا نعرفه هو ما إذا كانت إسلام آباد ستحقق هدفها أم لا.
والأمر الأكثر أهمية هو أن باكستان أظهرت من خلال إقالة آصف دوراني، وإعادة تعيين صادق خان وإرساله إلى كابول، أنه لا ينبغي لها أن تقع في فخ الوهم بأن إسلام آباد ملزمة بالجلوس إلى طاولة المفاوضات طويلًا، لكن من الواضح أن باكستان تتجنب الدخول في “حرب حاسمة” مع طالبان.
ففي الوقت الحالي، تفضل إسلام آباد شن غارات جوية متقطعة، وفي الوقت نفسه إبقاء الباب مفتوحًا للحوار. وبالمثل، تكره طالبان أيضًا الدخول في الحرب، وتسعى بدلًا من ذلك إلى إنشاء حكومة، وإطالة عمر حكمها، وليس التورط مع باكستان، التي كانت -ولا تزال- داعمًا جديًّا لها.
بالتزامن مع هذا التوتر الباكستاني- الأفغاني، أثار استهداف وزير اللاجئين الأفغاني وأحد الأعضاء الرئيسين في شبكة حقاني كثيرًا من التساؤلات؛ فمنذ عودة طالبان إلى السلطة أصبح خليل حقاني ثالث أهم شخصية تُستهدَف من جانب انتحاري داخل مجمعه الوزاري الأكثر حراسة في كابول.
وقد كان خليل حقاني على علاقات طويلة الأمد بإسلام آباد، ومن المرجح أن تواجه باكستان تراجعًا في نفوذها السياسي في أفغانستان التي دمرتها الحرب. كما أن ردود فعل الإمارة الإسلامية إزاء مقتل خليل حقاني في هجوم انتحاري تستحق التوقف عندها، لا سيما أنه لم يحضر زعيم واحد من طالبان جنازته. ولم يحضر جنازة خليل حقاني أو مراسم دفنه سوى وزير الخارجية أمير خان متقي، ومولوي عبد الكبير، وكلاهما من المنطقة الجنوبية الشرقية، وليس من قندهار.
الخلافات داخل صفوف طالبان ليست جديدة، ولكنها مستمرة منذ منتصف عام 2021، ففي ذلك الوقت، اتخذت القيادة العليا لطالبان قرار احتكار الحكومة التي تشكلت، ولكن عارضها خليل حقاني. وقد قدم رئيس جهاز المخابرات الباكستاني السابق الفريق أول (متقاعد) فايز حميد المساعدة لخليل في هذا الصدد، لا سيما أن سراج الدين حقاني الذي يقود شبكة حقاني العائلية السيئة السمعة أقل خبرة، وكان عمه خليل حقاني يرشده دائمًا إلى الاتجاهات الصحيحة. الآن عندما لم يعد خليل حقاني موجودًا، فإن سراج الدين حقاني سيواجه بالتأكيد صعوبات.
من خلال كثير من الأفراد الجهاديين والمتشددين وغيرهم، أنشأت باكستان نفوذًا في جميع أنحاء أفغانستان. في وقت سابق، تعرض هذا النفوذ لأول انتكاسة على الإطلاق عندما أقامت الولايات المتحدة روابط مباشرة مع طالبان عبر قطر. ومع ذلك، نجحت باكستان في تعويض هذه الخسائر -إلى حد ما- من خلال استغلال المواقع الجيوسياسية، ولكن الآن، من المرجح أن يؤدي الموت المفاجئ لخليل حقاني إلى إنهاء نفوذ باكستان في أفغانستان، حيث كان خليل بعد شقيقه الأكبر جلال الدين حقاني يعد الأكثر ولاءً وطاعة لإسلام آباد.
ويبدو أن باكستان فشلت في التعامل مع قضية حركة طالبان الباكستانية من خلال القنوات الدبلوماسية، واتجهت إلى اتخاذ إجراء عسكري. ولقد استخدمت باكستان على الدوام أداتين ضد أفغانستان؛ فمن ناحية، تمضي قدمًا في نهجها الدبلوماسي، ومن ناحية أخرى، تستخدم الاستخبارات لممارسة الضغوط.
والواقع أن التحرك الباكستاني الأخير يشكل تناقضًا واضحًا، ولكن الحقيقة هي أن الجيش هو الذي يتخذ هذا القرار، وليس النظام الدبلوماسي. وفي الوقت نفسه، أدى ضعف طالبان الدبلوماسي إلى تهيئة الأرضية المناسبة للتدخل العسكري الباكستاني، وشن الهجمات. ومن أجل الدفاع عن هذه الهجمات، من الضروري تشكيل نظام شرعي وشعبي في أفغانستان.
لقد شهدت العلاقات بين إسلام آباد وحركة طالبان تقلبات كبيرة خلال الأعوام الثلاثة الماضية. وخلال هذه الفترة، استهدف الجيش الباكستاني -مرارًا وتكرارًا- ما يعتقد أنها مواقع حركة طالبان الباكستانية في أفغانستان، وكانت لقاءات الممثل الخاص الباكستاني صادق مع مسؤولي طالبان في كابول مشجعة، ولكن الهجوم الذي شنه الجيش الباكستاني في باكتيكا سوف يخلف تأثيرًا سلبيًّا جدًّا على رحلته، وهذه التدابير ليست الحل، ويتعين على الجانبين أن يعملا على إنهاء التوترات من خلال الحوار.
حذرت إسلام آباد -مرارًا وتكرارًا- من وجود حركة طالبان الباكستانية واستخدامها في أفغانستان ضد أمن باكستان، وأكدت باستمرار أنها زودت طالبان بالأدلة اللازمة على أن حركة طالبان الباكستانية تخطط لشن هجمات من أفغانستان.
والآن، يعتقد أن باكستان تحاول فرض الدبلوماسية لإجبار طالبان على التحرك ضد حركة طالبان الباكستانية في أفغانستان، ولكن طالبان نفت دائمًا وجود حركة طالبان الباكستانية وأنشطتها داخل أفغانستان.
وفي سياق آخر، قد لا تكون عودة دونالد ترمب إلى البيت الأبيض في مصلحة باكستان؛ لأن وجهة نظره ليست إيجابية تجاه هذا البلد؛ ومن ثم قد يشجع هذا طالبان على شن هجمات، وبالفعل اندلعت اشتباكات قُتل فيها جندي باكستاني على الأقل، وأصيب 7 آخرون في المنطقة الحدودية.