المواجهة بين أمريكا والصين تتجاوز التجارة إلى الحرب الباردة
موسكو-روسيا-15نوفمبر2019
نشر مركز(كاتيخون) الروسي،مقالا للكاتب قحطان السيوفي،جاء فيه: صراع الأكباش بين أميركا والصين أساسه أن الأولى تنطلق كقوة أعظم قديمة، بينما الثانية تتقدم كقوة عظمى صاعدة، تسعى إلى مكانة أعلى في العلاقات الدولية..
وبين القوة القديمة والقوة الصاعدة، يعيش الإقتصاد العالمي مرحلة صعبة مليئة بالقلق.
في ديسمبر العام الماضي اتفق الرئيسان الأميركي والصيني على تعليق الحرب التجارية والبدء في مفاوضات للتوصل إلى صفقة تتيح للولايات المتحدة تصحيح عجزها التجاري مع الصين
. بلغ التوتر بين البلدين ذروته بانهيار تلك المفاوضات، وفرض عقوبات أميركية جديدة على ما قيمته 200 مليار دولار من وارداتها من الصين.
استمر التدهور مع إعلان ترامب عزمه فرض رسوم جمركية انتقامية على ما تبقى من واردات الولايات المتحدة من الصين.
انتقلت المواجهة بسرعة من ميدان التجارة إلى ميدان التكنولوجيا، وأصبحت شركة “هواوي” الصينية للإتصالات هي المرمى الذي تستهدفه السياسة الأميركية المعادية للصين، كما أصبحت تكنولوجيا اتصالات الجيل الخامس أحد أهم موضوعات الصراع.
صراع الأكباش بين واشنطن وبكين أكبر بكثير من مجرد الحرب التجارية، وحتى لو استطاعت واشنطن تقليل عجزها التجاري، فإنها ستظل في حالة رعب من التقدم الصيني في ميادين التكنولوجيا والتسلح وتكنولوجيا الفضاء وأجهزة الذكاء الإصطناعي، وهي جميعاً أدوات التفوق في المستقبل..
إنه صراع عقود من الزمن. ترامب لم يبدأ فقط حرباً تجارية ضد الصين، وإنما أشعل حرباً باردة جديدة أصبحت تهدد العالم كله وذلك دفاعاً عن الهيمنة الأميركية العالمية، التي تشهد انحداراً وأفولاً..
ترامب يتبنى بوضوح فلسفة الحرب الباردة الجديدة بشعاره “أميركا أولاً” الذي تتبناه بعض مؤسسات ودوائر أجهزة صنع السياسة الخارجية. ويعتقد مفكرون أمركيون، منهم اليميني المتطرف ستيف بانون وهنري كيسنغر أن الولايات المتحدة يجب أن تحافظ على قيادتها للعالم.. بانون يقود حملة عالمية لنشر الفكر الشعبوي المعادي للعولمة في الولايات المتحدة وأوروبا، وهنري كيسنغر، المتعاطف مع إدارة ترامب عرض في كتابه “النظام العالمي” دور الولايات المتحدة العالمي بالهيمنة لحماية مصالحها ونفوذها.
سياسة ترامب تعكس جانباً من المصالح في الولايات المتحدة، وانقساماً حاداً في المجتمع الأميركي، وتمثل امتداداً متطرفاً لسياسة الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش الإبن، التي مضمونها “من ليس مع الولايات المتحدة فهو ضدها”،في حين أضاف ترامب “من ليس مع الولايات المتحدة فهو ضدها، وسيخضع للعقاب
“. تمثل الحرب الباردة نموذجاً للصراع ووسائله، باستثناء الحرب المسلحة المباشرة، تشمل التهديدات الدبلوماسية والسياسية، والعقوبات الإقتصادية، وسباق التسلح، والحروب بالوكالة.
أما الحرب التجارية، فإنها تهدف إلى حماية الصناعات المحلية بفرض رسوم جمركية حمائية، أو بحظر دخول بضائع أو بفرض عقوبات تجارية، وقد تأخذ الحروب التجارية شكل إجراءات إغراق أسواق الدول الأخرى بمنتجات رخيصة.
وقد وقعت الدول العربية ضحية لسياسات الإغراق في القطاع الزراعي، بسبب مزاحمة الواردات الأرخص من الحبوب من الدول الصناعية المتقدمة.
الصراع الحالي وضع العالم أمام حرب باردة جديدة يتصارع فيها نموذجان سياسيان، تحاول فيه أميركا الدفاع عن نظام أحادي القطبية، كما يعتقد ترامب أن تنامي التقدم التكنولوجي الصيني، يمثل تهديداً للأمن القومي الأميركي.
خلال قمة مجموعة العشرين الأخيرة التي عقدت في اليابان بدا أن العلاقة بين واشنطن وبكين قد دخلت فترة من الهدنة، تبنى الرئيس الأميركي دونالد ترامب لهجة تصالحية، سامحاً بتصدير المكونات التكنولوجية إلى “هواوي” ومؤجلاً تنفيذ زيادة على رسوم استيراد المنتجات الصينية، ورد نظيره الصيني شي بوعود لشراء منتجات زراعية أميركية.. فهل يمثل هذا بداية لنوع جديد من العلاقات بين البلدين أم هدنة مؤقتة؟
الرئيس ترامب في وضع داخلي صعب: انتخابات الرئاسية عام 2020، وضغوط من خصومه الديمقراطيين الذين يسيطرون على مجلس النواب ويحاولون عزله.
في الوقت نفسه يواجه شي في الصين تخوفاً من بداية نوع من الركود الإقتصادي تحت تأثير الحرب التجارية خاصة صناعات الصادرات إلى الولايات المتحدة. بالنسبة لترامب، تؤثر التوترات مع الصين بشكل سلبي كبير على المناطق الريفية ومناطق التصنيع حيث يعيش معظم مؤيديه مما قد يؤثر سلباً على فرص إعادة انتخابه. هدنة قمة مجموعة العشرين، كانت حلاً وسطاً توصل إليه الزعيمان.
ولكن لا تزال جذوة النزاع مستمرة، وقد يتصاعد الأمر في أي لحظة إذا فشلت المحادثات التجارية القادمة. الصين مستمرة في تطوير مجالات التقنية مثل القيادة الذاتية، الذكاء الإصطناعي، والروبوتات. بسرعة مدهشة، وقد استثمرت حجماً هائلاً من الموارد في الأبحاث والتطوير لتكون معقلاً كبيراً للعلوم والتكنولوجيا..
ومع تراجع معدلات المواليد وتزايد أعمار السكان، أجبرت الصين على التوجه نحو التشغيل الذاتي بشكل أكبر للإستمرار في معدلات النمو الإقتصادي..
في هذا السياق تتواصل معركة الهيمنة التكنولوجية بين الولايات المتحدة والصين، وفي بعض الحالات استطاعت الشركات الصينية التفوق على مثيلاتها الأميركية.
المواجهة الحالية بين الولايات المتحدة والصين ترسم ملامح حرب باردة عالمية جديدة، تغطي مجالات التجارة والدبلوماسية والثقافة والتمويل والتكنولوجيا والصناعة والتسلح، وهذه الحرب ليست فقط مجرد حرب بين نظامين، وإنما هي حرب من جانب الولايات المتحدة ضد الصين وروسيا وإيران وكوريا الديمقراطية وغيرها، في محاولة يائسة لاستمرار هيمنة الولايات المتحدة العالمية لدرجة أن الرئيس دونالد ترامب مستعد لفرض إجراءات انتقامية حتى ضد حلفائه، مثل ألمانيا وفرنسا وكندا واليابان، لضمان الهيمنة الأميركية للعالم.