أخبار العالمأنشطة المركزإفريقيابحوث ودراسات

المركز الدولي للدراسات الاستراتيجية والأمنية والعسكرية يعقد ورشة فكرية حول السودان بين المأساة الإنسانية وصراع المصالح

نظّم المركز الدولي للدراسات الاستراتيجية والأمنية والعسكرية يوم الأربعاء 12 نوفمبر 2025 ورشة علمية موسّعة تحت عنوان “السودان بين المأساة الإنسانية وصراع المصالح: قراءة في جذور الإبادة وأبعادها الجيوسياسية والاقتصادية”

وقد شارك في هذه الورشة سعادة سفير السودان بتونس والمستشار خالد محمد علي ابراهيم بسفارة جمهورية السودان بتونس، ومن لندن كان الاستاذ وائل عابدين رئيس حزب بناء السودان ومن مصر الدكتورة ريم حسام ابراهيم، كما حضر وشارك في النقاش نخبة من الشخصيات الدبلوماسية والأكاديمية والسياسية من السودان ومصر والجزائر وليبيا وتونس ولبنان واليمن وفلسطين والاردن.

كانت ورشة عمل مهمة جدا من أجل تصحيح المفاهيم وتصحيح ما يذاع من اخبار حول الصراع القائم في السودان، كذلك كان اللقاء يهدف الى تعميق الفهم حول الحرب الدائرة في السودان منذ عام 2023، والتي مثّلت منعطفًا مأساويًا في التاريخ الإفريقي المعاصر، ليس فقط لطبيعتها الدموية، بل لكونها تكشف حجم التنافس الدولي على ثروات هذا البلد وموقعه جيواستراتجي الهام جدا في قلب القارة.

افتتحت الجلسة بكلمة سعادة سفير السودان السيد بخاري غانم محمد الذي وضع الإطار السياسي العام للأزمة، مؤكّدًا أن ما يجري في السودان ليس حربًا أهلية بالمعنى التقليدي، بل هو صراع بين مؤسسات الدولة الوطنية وميليشيات مسلّحة خرجت عن القانون وتغذت من الدعم الخارجي.

  وبيّن سعادة السفير في طلمته الافتتاحية، أن قوات الدعم السريع التي تمثل الوريث المباشر لميليشيات “الجنجويد” تحوّلت تدريجيًا إلى جيش موازٍ، مدعوم من قوى خارجية تستثمر في تفكيك السودان وإضعاف مركزه السيادي لتحقيق مصالح اقتصادية مرتبطة بالذهب والموارد الطبيعية والبشرية في السودان.

وشدّد سعادة السفير على أن الشعب السوداني يرفض هذه الميليشيات رفضًا قاطعًا لأنها لم تعد تعبّر عن أي مشروع وطني، بل أصبحت أداة لاحتلال داخلي وتفتيت اجتماعي.

كما أوضح في كلمته أن المؤسسات السودانية، رغم الحرب، ما تزال قائمة وتمثل ركيزة أمل لإعادة بناء الدولة، في حين يتجذر الصراع بين قوى الشعب التي تدافع عن كيان السودان، والمرتزقة الذين يسعون لتقويضه من الداخل.

وفي مداخلة عميد المحامين العرب الأستاذ طارق عبد الفتاح، تم تحليل الأزمة من منظور قانوني ودستوري بنيوي، حيث أشار إلى أن جذور التصدّع الراهن تعود إلى فشل النخبة السياسية منذ الاستقلال في ترسيخ نظام حكم مدني مستقر، وتكرار الانقلابات العسكرية التي عطّلت عملية بناء الدولة القانونية.

واعتبر الأستاذ طارق عبد الفتاح أن النظام الفيدرالي الحالي عمّق الانقسام بدل أن يرسخ اللامركزية الديمقراطية، إذ أصبح أداة لتفتيت السلطة وشرعنة الولاءات الجهوية والقبلية.

ودعا إلى عودة الجيش إلى ثكناته، وعودة المدنيين إلى قيادة الدولة عبر عقد اجتماعي جديد يضمن وحدة التراب السوداني ويعيد الاعتبار للمؤسسات المنتخبة. وشدّد على أن استمرار عسكرة السياسة سيقود البلاد إلى مزيد من التشرذم والانقسام الإقليمي، ما لم تُستعاد الثقة بين المكوّن العسكري والمدني على أسس وطنية لا وصائية.

أما الأستاذ وائل عمر عابدين، رئيس حزب بناء السودان، فقد تناول الأزمة من منظور اجتماعي–سياسي وإقليمي، مؤكدًا أن الانقلابات المتكررة حطّمت فكرة الدولة الحديثة في السودان، إذ لم تعرف البلاد دستورًا دائمًا ولا عقيدة وطنية جامعة، ما جعل الولاء للأيديولوجيا أو القبيلة يتفوّق على الولاء للوطن.

وأشار الأستاذ وئل إلى أن الهجرة الجماعية لما يقارب 12 مليون سوداني تعبّر عن انهيار البنية الاجتماعية والنفسية للمجتمع، في ظل انقسام النخب وتشتتها في المنافي.

وأضاف أن القبيلة تحولت من إطار تضامن اجتماعي إلى فاعل سياسي سلبي يُستثمر في تأجيج الصراعات، بينما بقي المواطن العادي هو الضحية الوحيدة لحروب تُدار بالوكالة على أرضه.

وفي قراءة معمّقة للبعد الجيوسياسي، كشف الدكتور عابدين أن الأزمة الحالية ليست فقط حربًا على الذهب والمعادن، بل هي أيضًا حرب على الموانئ وخطوط النفوذ في البحر الأحمر، حيث تتقاطع مصالح قوى إقليمية كبرى مثل قطر وتركيا ومصر في مواجهة المحور السعودي والإماراتي.

وأوضح أن هذه القوى تتنافس على السواحل والموانئ والممرات التجارية التي تمثل بوابة إفريقيا نحو الأسواق العالمية، ما يجعل من السودان نقطة ارتكاز في مشروع إعادة تشكيل موازين القوى الإقليمية.

كما أشار إلى 270 هجومًا على مدينة الفاشر كمؤشر على أن الحرب بلغت مستوى من الوحشية يقترب من الإبادة، وسط صمت دولي مريب. وتساءل عن دور الأمم المتحدة ومنظمة الاتحاد الإفريقي في وقف النزاع، داعيًا إلى بناء استراتيجية إعلامية جديدة لإحلال السلام تقوم على فضح شبكات التمويل والتسليح بدل الاكتفاء بخطابات الإدانة. كما كشف أن نحو ملياري دولار من ثروات السودان تُهرّب سنويًا نحو الإمارات، محذرًا من أن الحرب قد تمتد لثماني سنوات أخرى إذا استمرت هذه المعادلة دون تدخل حاسم.

وفي سياق آخر، ركّزت الدكتورة ريم حسام الدين على العامل الجغرافي كأحد أسباب الانقسام البنيوي في السودان، معتبرة أن اتساع الرقعة الجغرافية وتعدد الإثنيات والديانات واللغات جعل من بناء الدولة تحديًا مستمرًا منذ الاستقلال.

 وأشارت الدكتورة ريم إلى أن غياب العدالة في توزيع الموارد بين الأقاليم وتركّز السلطة في المركز ولّد شعورًا بالتهميش التاريخي في مناطق دارفور وجبال النوبة والشرق، ما جعل هذه المناطق أرضًا خصبة لتجنيد الميليشيات واستقطاب الغاضبين.

 وربطت بين الجغرافيا السياسية والاقتصادية للأزمة، مؤكدة أن الذهب والنفط والمعادن النادرة ليست موارد طبيعية فحسب، بل أدوات لإعادة رسم النفوذ الدولي في إفريقيا، حيث تسعى قوى عالمية لفرض حضورها عبر دعم الفصائل المسلحة بدل دعم المؤسسات الشرعية.

وفي ختام الورشة، خلص المشاركون إلى أن ما يحدث في السودان يتجاوز كونه صراعًا داخليًا إلى كونه معركة على مستقبل القارة الإفريقية وموازين القوى فيها. وأجمع الحضور من الخبراء والأساتذة والأكادميين على ضرورة صياغة مقاربة عربية وإفريقية موحدة تعيد الاعتبار للمجتمع المدني في السودان، وتضع حدًا لهيمنة الميليشيات متعددة الجنسيات والشبكات العابرة للحدود.

كما شدد الحضور على أهمية تعبئة الرأي العام الدولي والبحثين لتوثيق الجرائم والانتهاكات الاجرامية التي تمارس على الشعب السودني وعلى الأبرياء والأطفال، وطرح مبادرات سياسية واقعية عملية توازن بين مقتضيات العدالة ومتطلبات الاستقرار، ليست نظرية.

بهذا، مثّلت الورشة منصة فكرية رفيعة المستوى سلطت الضوء بشكل موضوعي على عمق المأساة السودانية وتشابك مصالح القوى الفاعلة فيها، وقدّمت قراءة جريئة تزاوج بين التحليل الجيوسياسي والإنساني والأمنيى والعسكري، لتؤكد أن إنقاذ السودان يبدأ بإعادة الاعتبار للدولة المدنية الجامعة، وبإرادة إقليمية صادقة تضع الإنسان قبل المصالح.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق