القوى الدولية الشاملة وحساباتها في المنطقة الإفريقية
تقرير فاتن جباري قسم البحوث والدراسات والعلاقات الدولية
مراجعة: الدكتورة بدرة قعلول
تونس 17-02-2024
تعتبر منطقة الساحل الأفريقي أحد أهم المجالات الجيوسياسية في العالم، ما يجعلها محلّ أطماع القوى الكبرى والمتنافسة، نظراً إلى ما تتميّز به من موقع استراتيجي مهمّ فبقدر هذه الأهمية تبرز المخططات التي تحاك من هنا وهناك فيما تثبت التقارير المنشورة أن مستوى التحسن الاقتصادي الكبير في افريقيا بدولها الساحلية والصحراوية والمنطقة المغاربية في كل من الجزائر وتونس والمغرب وليبيا… سيكون رهين مواجهة التحديات والضغوطات التي تحاك من جهات دولية معينة لمحاولة إغراق المنطقة ككل.
فماهي الحسابات الجديدة لهذه القوى؟
شهدت أفريقيا في بداية العقدين الأخيرين ولادة جيوسياسية جديدة لمنطقة الساحل والصحراء الأفريقية في الرؤى والحسابات الجيوستراتيجية الدولية كمركز ثقل لأفريقيا، بسبب التداعيات الأمنية التي تعيشها دول المنطقة داخلياً والتخوف الخارجي من هذه التداعيات، على المنطقة المغاربية والاتحاد الأوروبي وغيرهما.
تعتبر منطقة الساحل الأفريقي أحد أهم المجالات الجيوسياسية في العالم، ما يجعلها محل أطماع القوى الكبرى والمتنافسة، نظراً إلى ما تتميز به من موقع استراتيجي مهم فضلاً عن الثروات النفطية والغازية وما تتمتع به من موارد معدنية. هذا ما جعلها محط اهتمام القوى الكبرى وساحة لتنافس الفواعل الدولية.
تضمّ المنطقة المعروفة باسم منطقة الساحل 5 دول وهي: موريتانيا ومالي وبوركينا فاسو والنيجر وتشاد.
كما إنّ الخصائص الجغرافية والبيئية لمنطقة الساحل، من مساحات شاسعة وتضاريس وعرة وجبال وتصحر وارتفاع في درجات الحرارة، ألقى بظلاله على مناخ الحاضنة الجغرافية الأمر الذي جعلها ملاذاً لـ:
- الجماعات الإرهابية والشبكات الإجرامية التي شكلت تهديداً حقيقياً للسلم والأمن في دول الساحل وكل المنطقة المجاورة.
- الجريمة المنظمة، إذ تعتبر المنطقة فضاء خصباً للجريمة المنظمة العابرة للحدود، كالمخدرات، والهجرة السرية، والمتاجرة بالبشر والسلاح والجريمة الإلكترونية، وغسيل الأموال وهو الأمر الذي جعلها مصدراً لتهديدات أمنية إقليمية ودولية خطرة.
هذا المشهد في الساحل الأفريقي جمع كل المتناقضات، التي حالت عن إمكانية التطور والنهوض الاقتصادي من جهة، وعوامل التفكك والهشاشة والاضطراب الداخلي من جهة أخرى، الأمر الذي جعل المنطقة تشهد تنافساً جيوسياسياً كبيراً بين القوى الكبرى، أهمها الولايات المتحدة الأميركية وروسيا وفرنسا، إضافة إلى الصين القوة الصاعدة بوتيرة متسارعة دفع ذلك الى عسكرة المنطقة وتجنيدها من كل حدب وصوب على الشكل التالي:
الولايات المتحدة الأميركية
تتبنى واشنطن مفهوماً واسعاً لمنطقة الساحل الأفريقي، وترى أن”البحر الأحمر” يتمتع بموقع استراتيجي كبير يجعله يتحكّم في حركة العالم، لكونه منطقة لنقل البترول من ليبيا بأفريقيا ثم الخليج العربي وإيران إلى أوروبا الصناعية والولايات المتحدة الأميركية واليابان.
كما يعتبر حلقة وصل بين المحيط الهندي والبحر المتوسط، ما يجعله طريقاً بحرياً للقوات العسكرية….
لقد كان لأمريكا والغرب بشكل عام، القدرة على استنزاف الطاقات والموارد التي تمتلكها دول افريقيا، والتي تجعلها تتحرك في المسرح السياسي بهدف تحقيق المصالح القومية لها وبعبارة أخرى فإن القدرة هي الموارد الخام التي لم تستخدم لصالح هذه الشعوب المفقرة بل تم نهبها ونقلها الى الخارج دون أن تنعم شعوب تشبع تاريخها بمحاولات النهب بالاستقرار والأمن …
فرنسا
منذ 2009-2007، كثفت فرنسا حضورها العسكري إلى جانب شركات المرتزقة في منطقة “آغادار” ومناجم “أرليت” و”إيمورارن”، وكانت تعتمد أساساً على الخيار العسكري، وقامت بالعديد من العمليات العسكرية المشتركة لمواجهة تنظيم “القاعدة” بهدف تحرير رعاياها المختطفين، كالعملية العسكرية المشتركة التي قام بها الجيش الموريتاني المدعّم بالقوات الخاصة الفرنسية منذ 2010.
كما سمحت اتفاقيات موقعة بين بوركينا فاسو والنيجر وموريتانيا لباريس بنشر قواتها في منطقة الساحل، لتدريب الجيوش الوطنية لمكافحة الإرهاب ورصد المعلومات.
إضافةً إلى ذلك هناك عامل دولي مهم يُحسب لمصلحة استمرار الدور الفرنسي في منطقة دول الساحل، هو الاتحاد الأوروبي الذي يمثل دعامة حقيقية لفرنسا. ويمكننا هنا أن نلحظ أن الاستراتيجيات الأوروبية تجاه منطقة الساحل شهدت تطورات كثيرة، أهمها: برخان وتاكوبا.
ظهرت مهمة “تاكوبا” التي تشكلت عام 2020 بقيادة فرنسا كعملية تهدف إلى تدريب القوات في مالي والنيجر وبوركينا فاسو، وتتكون من قوات خاصة أوروبية.
وكانت وزيرة الجيوش الفرنسية “فلورانس بارلي” قد أعلنت أثناء الإعداد لتلك المهمة أن فرنسا، في سبيل مساعدة تلك الجيوش في تحقيق انتصارات.
لقد ضمت عملية تاكوبا نخبة من قوات عسكرية أوروبية، وهدفت إلى جمع 2000 عسكري وتزويدهم بسيارات رباعية الدفع ودراجات نارية لمكافحة الجماعات المسلحة إلى جانب القوات المحلية.
ورغم كلّ هذه الجهود فإنَّ الأوروبيين فشلوا في جلب الاستقرار إلى هذه المنطقة، بل تزايد فيها الإرهاب وتفشّى بدرجة أخطر من ذي قبل وباتت الجيوش الوطنية، وقوّة “G5، يواجهون مخاطر أكبر من قدراتهم، لأن الاستقرار لا يتحقق من دون تنمية.
الاتفاقيات العسكرية والتدريب بين روسيا والدول الأفريقية
نشطت المؤسسة العسكرية الروسية في توطيد علاقاتها مع نظيراتها الأفريقية فمنذ عام 2015، وقعت 21 اتفاقية عسكرية مع مجموعة من الدول، من بينها: أنغولا وبوتسوانا وبوركينا فاسو وتشاد وإثيوبيا وغينيا ومدغشقر ونيجيريا والنيجر وسيراليون وتنزانيا وزيمبابوي.
تشمل هذه الاتفاقيات مجالات متعددة، منها التدريب الأمني والعسكري، وتبادل المعلومات، والتعاون في مكافحة الإرهاب.
يظلّ أنجح خطوات روسيا في هذا السياق هو اتفاقها مع الخرطوم على بناء مركز دعم لوجستي على الساحل السوداني، والذي طرحه الرئيس السوداني السابق عمر البشير في قمة جمعته بفلاديمير بوتين عام 2017.
وقد أصدر الأخير قرار الشروع في بناء المركز اللوجستي في ولاية البحر الأحمر ديسمبر 2020، إثر الإعلان عن توقيع اتفاقية مع الجانب السوداني والمشروع الفيلق الإفريقي.
وسيدعم هذا المركز العمليات الروسية في أماكن أخرى من المنطقة، ويشكّل منصة لجمع المعلومات الاستخباراتية لمراقبة أنشطة القوى المنافسة لموسكو في حوض البحر الأحمر والقرن الأفريقي وشبه الجزيرة العربية، كالقوات الأميركية أو الصينية أو الفرنسية أو السعودية أو الإماراتية.
الصين
نظرة بكين إلى أفريقيا ليست وليدة اليوم. منذ ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، تركّز اهتمامها على بناء جسر مع البلدان النامية لتعزيز الحضور الصيني ومحاصرة الإمبريالية الغربية. ويمثل العمق الاستراتيجي وبناء منطقة حيوية عن طريق العامل الاقتصادي أهم دوافع الصين للتفاعل مع أفريقيا ككلّ، ودول الساحل الأفريقي بصفة خاصة.
تعي الصين نظرة الأفارقة إلى الغرب على أنه مستعمر قديم. وبناء عليه، تستعمل القوة الناعمة وبناء شراكات اقتصادية استراتيجية بعيدة من السياسة، وتضع في أعلى سلم أولوياتها الاحتفاظ بعلاقات قوية مع موردي الطاقة الأفريقيين، وهي الَّتي تستورد نحو 25% من الطاقة، من خلال:
– التزام سياسة عدم التدخل في شؤون الدول الداخلية.
– تقديم بكين نموذجاً تنموياً فريداً، انطلاقاً من النمو الاقتصادي الكبير الذي تحققه.
– بناء علاقات استراتيجية مع دول الساحل الأفريقي إذ أصبحت الصين ثالث شريك اقتصادي بعد الولايات المتحدة وفرنسا.
اهتمت الصين بمنطقة شرق أفريقيا، نظراً إلى موقعها الجيوسياسي على طريق التجارة العالمية وأصبحت في العقدين الأخيرين أهمّ مستثمر اقتصادي في المنطقة وخصوصاً مشروعها “الحزام والطريق”، وهو ما يجسد البعد الجيوسياسي في مفهومها الواسع وفي تحقيق المصالح العليا للدولة.