القضاء على “حماس”، حلم أكبر من حجم “إسرائيل” وداعميها
إعداد قسم البحوث الأمنية والعسكرية
تونس 14-12-2023
كيان الإحتلال” وبدعم أميركي غربي مفتوح، دخلت غزة وبدأت تدمّر كلّ شيء، إلا أنها غير قادرة على السيطرة على مكان ما في القطاع، بحيث لا يتمّ استهداف جنودها وآلياتها من قبل المقاومة لكي تتمكّن من البقاء فيها ثم تتحدّث عن الحكم عليها؟
أثناء حرب هستيرية يشنّها الكيان الإسرائيلي على غزة، يسمع بين فينة وأخرى حديث كبار مسؤولي الكيان العبري عن حلم يسمّونه الحكم في غزة بعد حماس، الأمر الذي يبدو بعيد المنال في ظلّ ما يسرده الواقع الميداني.
يكاد لا يمرّ يوم إلّا ويتحّدث فيه المسؤولون الإسرائيليون عن خطط الحكم في غزة بعد أن تضع الحرب أوزارها، كأنّهم حقّقوا أهدافها وانتهوا من مهمة بدأوها بارتباك وتخبّط يستمّران لحد الآن.
وزير الحرب يوآف غالانت يتحدّث عن بدء تفكّك حماس في شمال غزة، وبنيامين نتنياهو يقول إنه أكد للرئيس الأميركي بايدن أنه لن يسمح لـ “إسرائيل أن تكرّر خطأ أوسلو، وغزة لن تكون حماسستان ولا فتحستان”.
ويرغب مسؤولون أميركيون بأن تخضع كلّ من غزة والضفة الغربية في نهاية المطاف لحكم حكومة موحّدة تقودها السلطة الفلسطينية، لكن تعارضهم الحكومة الإسرائيلية، وهو ما لم يخفِه نتنياهو عندما اعترف أن هناك خلافات بشأن الحكم في غزة بعد حماس.
إن الصورة التي يقدّمها الكيان الإسرائيلي عن غزة ما بعد حماس ليست إلا مناورة سياسية أثناء حرب ورّطته في أزمة يؤجّجها عامل الوقت، لأنّ الواقع الميداني مختلف عمّا يروّجه الكيان، ومن جهة أخرى نرى أن صنّاع السياسة الأميركية بدأوا يطلقون تسريبات مربكة للكيان بهذا الشأن.
وعلى سبيل المثال ولا الحصر، سأل وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن خلال زيارته إلى فلسطين المحتلة، كابينت الحرب عن المدة التي سيستغرقها إنهاء الحرب. فأجاب وزير الحرب غالانت، “بعد بضعة أشهر”. وردّ بلينكن بأنّ “إسرائيل” ليس لديها سوى بضعة أسابيع.
وفي وقت آخر سرّب مسؤول في البيت الأبيض، لم يكشف عن اسمه، لموقع بوليتيكو الإخباري أن “بايدن أعطى إسرائيل إنذاراً لإنهاء الحرب بحلول نهاية العام”.
مثل هذه التصريحات ولّعت دعاة الحرب في الكابينت الإسرائيلي المتعطّشين للثأر لأن أهداف الحرب لم تتحقّق بعد، رغم مرور أكثر من شهرين وقصف غير مسبوق وإسقاط آلاف الأطنان من قنابل أميركية الصنع وتدمير معظم قطاع غزة. فمن الواضح أنْ لا أنفاق قد اكتشفت وتدمّرت، ولا رهائن قد تمّ تحريرهم، ولا حماس قد اجتثت كما تحلم به “إسرائيل”.
كلّ ذلك يعدّ أهداف الحرب التي بدأت قبل شهرين ولا تزال تحتاج إلى بضعة أشهر إضافية بحسب قول غالانت.
إضافة إلى ذلك، لا تزال حماس موجودة ونشطة وتدير المعركة في أرجاء قطاع غزة كافة، وتقتل وتصيب يومياً جنود الجيش، وتدكّ دبابات ميركافا وعربات النمر وتوثّق عملياتها من خلال نشر مقاطع فيديو عن المعركة يومياً، لتوصل هذه الرسالة للبيت الأبيض بأن حلم اجتثاث المقاومة في غزة أكبر من حجم “إسرائيل”.
ويقول مصدر إسرائيلي رفيع لموقع “ماكور ريشون” الإسرائيلي “إننا لسنا قريبين من نهاية القتال”، مضيفاً “نواصل العمل بكثافة ونقوم بما يجب ومع ذلك فإن الجيش بعيد عن السيطرة على قطاع غزة، وهناك العديد من المناطق الأخرى التي لم تصل إليها القوات بعد، بينما حتى في المناطق التي سيطر عليها الجيش الإسرائيلي، يواصل العديد من الإرهابيين حرب العصابات ضدنا”.
ويمكن إضافة إلى ما قاله المصدر الإسرائيلي أنه وعلى الرغم من شهرين من القتال العنيف، لا تزال حماس قادرة على إطلاق صواريخها على “إسرائيل”، فما بالك بالحديث عن القضاء عليها والحكم في غزة بعدها.
إن الحقيقة هي أن “إسرائيل” وبدعم أميركي مفتوح، دخلت غزة وبدأت تدمّر كلّ شيء، إلا أنها غير قادرة على السيطرة على مكان ما في القطاع، بحيث لا يتمّ استهداف جنودها وآلياتها من قبل المقاومة لكي تتمكّن من البقاء فيها ثم تتحدّث عن الحكم عليها؟
إن العملية البرية في شمال غزة استغرقت شهرين ولم تتمكّن “إسرائيل” من تحقيق أيّ من أهدافها، وفي مثل هذه الظروف المليئة بالفشل فتحت جبهة أخرى في الجنوب لكي تشتّت تركيز قوات المقاومة، إلّا أنها أدركت أنّ الحرب باتت عبئاً وأكثر تعقيداً، ومن هنا بدأت تتحدّث عن أسابيع وأشهر أخرى إضافية للقضاء على حماس، لكنها تكاد لا تتوقّف أيضاً عن الحديث عن حلمها لشراء المزيد من الوقت والقول للجبهة الداخلية بأنّ الحرب تسير وفق ما تريده “إسرائيل”، تفادياً للانشقاق الداخلي قبل أن ترغم “تل أبيب” على إنهاء الحرب في ظل الضغط الدولي الذي بدأ يزداد؛ الأمر الذي سيجعل من الصعب على “الجيش” الإسرائيلي تحقيق أهداف هي أكبر من حجم الكيان الإسرائيلي.