القسّام: أقوى منظمة في تاريخ المقاومة العربية: عقيدة تحرر وتحرير
تقرير من إعداد: فاتن جباري قسم العلاقات الدولية والشؤون الاستراتيجية
تونس 12-12-2023
القسام هو الشيخ المعروف بالشهيد “عز الدين عبد القادر القسام” (1882–1935) وهو أحد أكبر رموز المقاومة والجهاد في تاريخ فلسطين، بل وفي العالم العربي والإسلامي، وكان يطلق عليه معاصروه من أبناء فلسطين “أبو الوطنية”.
وكانت حركة حماس موفقة في إطلاق اسمه على جناحها العسكري سنة 1990، تعبيراً عن المواصفات الفَذَّة التي حملها، واستمراراً لرؤيته الإسلامية ومسيرته.
تميّز القسام بقدراته وإمكاناته التنظيمية العالية، فقد كان من أبرز رواد العمل الإسلامي الحركي في التاريخ الحديث في فلسطين والعالم الإسلامي. حتى إن القياديين الذين عاصروه وصفو تنظيمه بأنه “أخطر منظمة سرية، وأعظم حركة فدائية عرفها تاريخ الحركة الوطنية الفلسطينية، بل تاريخ الجهاد العربي الحديث”.
كان القسام قد قدم من شمال غرب سورية، وكان عالماً تلقى تعليمه في الأزهر الشريف، وقد عُدَّ من العلماء المجتهدين. وجمع بين صحّة العقيدة وبين عُمق التربية الإيمانية “الصوفية” البعيدة عن الغُلو والانحراف، وبين استيعاب فقه الواقع والعصر المتمدن وكان يرى في الإسلام ديناً شاملاً لكافة مناحي الحياة، وأنه أساس توحيد الأمة، وأساس نهضتها وعزتها، والأقدر على استنهاض طاقاتها وإمكاناتها.
نشأة المنظمة، “هذا جهاد نصر أو استشهاد “
نجح القسام في أن ينشئ “المنظمة الجهادية”، التي غلب عليها بعد استشهاده اسم جماعة القسام أو القساميين. وهي تنظيم جهادي سري، يستمد فهمه ومنهجه من الإسلام وتعاليم القرآن ويَعدّ حب الوطن والدفاع على الأرض والجهاد في سبيل التحرير طريقاً وحيداً لإنقاذ فلسطين. وكان لا يقبل في تنظيمه إلا من كان “مؤمناً مستعداً أن يموت في سبيل بلاده”، من أهل الدّين والعقيدة الصحيحة.
وتمكن القسام من العمل السري الفعال على مدى عشر سنوات (1925–1935) دون أن ينكشف عمله لأقوى أجهزة المخابرات العالمية (المخابرات البريطانية)، وأن يضم تنظيمه قُبيل إطلاق الثورة 1935 نحو 200 كادر أكثرهم يشرف على حلقات توجيهية من الأنصار يبلغ عددهم نحو 800 نصير من أسلاك تعليمية مختلفة في الهندسة والرياضيات والطب وغيرها… وقد أنشأ تنظيم القسام خمس وحدات متخصصة، تضمنت وحدة لشراء السلاح، ووحدة للتدريب، ووحدة للتجسس على الإنجليز والصهاينة، ورابعة للدعاية للثورة، وخامسة للاتصالات السياسية.
وكان من منهج التنظيم أن يتدرب جميع الأعضاء على السلاح، وأن يتدبر كلّ فرد تجهيز نفسه بالسلاح، بالرغم من أنهم كانوا يكدون للحصول على لقمة العيش، فقد منع عديدون “أنفسهم الخبز من أجل ابتياع السلاح” كما تشير المصادر.
وكانت تمويل الحركة ذاتيا، بشكل أساس على نفسها فكان أعضاؤها يدفعون اشتراكات ثابتة. وقد أعطى هذا العمل التنظيمي الفعال ثماره بعد استشهاد القسام، إذ إن تنظيم القسام وقياداته هم الذين فجروا الثورة الكبرى في فلسطين في مرحلتها الأولى 1936 وفي مرحلتها الثانية 1937–1939، وهم الذين قادوا الجهاد في شمال فلسطين وأجزاء واسعة من وسطها، حيث تركزت قوة الثورة وعنفوانها.
عاش القسام مسكوناً بالجهاد وبتحرير أرض الإسلام من “المستعمرين الصهاينة”، من تجهيزه لكتيبة المتطوعين للجهاد في ليبيا، إلى مقاومة الاستعمار الفرنسي، إلى مقاومة الإنجليز والصهاينة. وكان هذا مصحوباً بإنزال فقه الجهاد على الواقع، وتهيئة الأمة للجهاد، وبناء الكفاءات والكوادر المجاهدة.
وتّوج القسام ذلك كله بأن يتقدم صفوف إخوانه وأن يستشهد في أول معركة يخوضها تنظيمه بعد إعلان الثورة في منطقة أحراش يعبد في 20 نوفمبر 1935.
المقاومة الفلسطينية المسلحة “عقيدة تحررية” أنشأت جيلا وليست إرهاب
لقد أنشأت المقاومة الفلسطينية المسلحة إيديولوجية عقائدية ذاع صيتها من الشرق الى الغرب لقد أعادت الى الضمير العربي الحي صوابه في الدفاع عن أرضه وعرضه، يقودها شبابٌ يحملون اسم القسّام، ويسيرون على درب القسّام؛ ويدافعون عن الأرض والمقدسات وعن شرف الأمة وكرامتها حتى في تعاملهم مع الأسرى كانوا إنسانيين وتتحدث كل التقارير ووسائل الإعلام الأجنبية عن الرسالة الإنسانية لكتائب المقاومة الفلسطينية المسلحة وهكذا فعلى مدى المائة عام الماضية سار العمل المقاوم “من قسّامٍ إلى قسّامٍ”.
ليست إسرائيل الضحية بل الجلاد و”حماس” ليست “داعش”، بل حركة تحرّر وطني استطاعت أن تزعزع صورة إسرائيل دولة قوية، وتقوّض أسطورة الردع الإسرائيلي المزعوم وجيش الشعب الذي لا يُقهر.
والمعركة الدائرة اليوم لا تخوضها قوى ظلامية تريد أن تعيد عجلة التاريخ إلى الوراء، بل حركة مقاومة بطولية، نجحت بقدراتها العسكرية، المتواضعة بالمقارنة مع الجيش الإسرائيلي، وبشجاعتها وجرأتها وتضحياتها وعدم خوفها من الموت، في تلقين إسرائيل درساً قاسياً، وأن تقدّم للشعب الفلسطيني انتصاراً تاريخياً تحاول إسرائيل القضاء عليه في ساحة القتال، ومن خلال حملاتها المحمومة لتشوية صورة حركة المقاومة الإسلامية.
الغرض الرئيسي للحملة الإسرائيلية المسعورة التي تعمل على تشويه صورة “حماس” حركة مقاومة وطنية لتحرير الأراضي الفلسطينية من الاحتلال الإسرائيلي، بمشابهتها بتنظيم الدولة الإسلامية “داعش”، المتشدّد، إيقاظ الخوف العميق والمتأصّل في الغرب من هذا التنظيم الذي صبغ بالدم والسواد في نحو عشر سنوات مضت عدة دول في المنطقة، وترويج السردية الإسرائيلية الرسمية التي ترمي إلى تصوير مقاتلي “حماس” برابرة و”وحوشا” وليس مقاومين ومقاتلين يدافعون عن حقهم الشرعي في استعادة أرضهم وفي الثورة على الجوْر والظلم المستمرّين اللذيْن تمارسهما إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني منذ عقود. وهُم، في النهاية، يمثلون ثورة عارمة ضد سنوات من القمع والإخضاع والحصار التجويعي الذي حوّل قطاع غزّة إلى سجن كبير منذ 2007.
يشهد التاريخ، على أن الغرب هو صانع الإرهاب فالقتل اليومي الذي يجري في مدن الضفة الغربية وأعداد الشهداء الفلسطينيين، الأطفال والنساء والشبان والشيوخ والذاكرة تأبى النسيان، لقد بقيت صورة الطفل الشهيد “محمد الدرة” والفتى الفلسطيني “محمد أبو خضير” الذي قُتل حرقاً على أيدي خمسة مستوطنين يقودهم حاخام، وبعائلة الدوابشة التي أشعل المستوطنون النار في منزلها في الضفة الغربية، ما أدّى إلى استشهاد أفرادٍ من العائلة بينهم رضيع، والشهيدة الصحافية شيرين أبو عاقلة وغيرهما كثير من جرائم القتل والإبادة وصور الدم…
أما عن حرب الكفاح والتحرير فهي اليوم في قلب كل فلسطيني وعربي وأعجمي في قلب كل العالم الذي إعتنق عقيدة واجب الدفاع عن الأرض .