آسياأخبار العالمأمريكاأوروباإفريقياالشرق الأوسط

العالم العربي يعيد تموضعه بعد عامين من «الطوفان» بين إرث المواجهة وملامح الحقبة الفلسطينية الثالثة

دوّنت الذكرى الثانية لعملية السابع من أكتوبر فصلاً مفصلياً في مسار الصراع الفلسطيني–الإسرائيلي، إذ لم تعد تُستحضر فقط كحادثة عسكرية أو كرمزٍ للمقاومة، بل تحوّلت إلى محطةٍ لإعادة قراءة التاريخ الفلسطيني الحديث وتقييم تحولات المنطقة بأكملها. فبعد عامين على اندلاع الحرب في غزة، بدا أن الحدث لم يغيّر موازين القوى فحسب، بل غيّر أيضاً أدوات النضال وأساليب الخطاب السياسي العربي والدولي تجاه فلسطين، لتبدأ معها مرحلة يمكن وصفها بـ«الحقبة الثالثة» من النضال الفلسطيني، تتجاوز ثنائية البندقية والانتفاضة نحو أفقٍ أوسع من الفعل السياسي العالمي.

منذ تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية عام 1964، ارتكز النضال على الكفاح المسلح كخيار وجودي، رافقه صدام مباشر مع إسرائيل وتبعات سياسية دولية صنّفته ضمن «الإرهاب» في سردية الغرب. ثم جاءت انتفاضة 1987 لتؤسس لمرحلة المقاومة الشعبية المدنية التي مهدت لاتفاق أوسلو عام 1993، قبل أن يتآكل الزخم بفعل الاستيطان وتآكل الثقة في مسار التسوية. غير أن السابع من أكتوبر 2023 مثّل نقطة انعطاف جديدة، إذ تزامنت مأساة غزة مع عودة غير مسبوقة للقضية الفلسطينية إلى صدارة الاهتمام العالمي، وسط نقاش متجدد حول العدالة والشرعية والاحتلال.

فالهجوم الذي شنّته «حماس» فتح الباب أمام حربٍ مدمّرة أوقعت أكثر من 65 ألف شهيد، لكنه في الوقت ذاته فرض على العواصم العربية مراجعة سياساتها، ودفعها إلى توحيد الجهود الدبلوماسية لإعادة الاعتراف بفلسطين كقضية مركزية، لا كملف إنساني فحسب. وقد قادت الرياض وباريس تحركاً مشتركاً في الأمم المتحدة لدفع مسار الاعتراف الدولي بالدولة الفلسطينية، في مؤشرٍ على تحوّل دبلوماسي يُخرج القضية من إطارها الإقليمي إلى مشهدٍ عالمي متعدد الأقطاب.

كما أفرزت المرحلة مفارقة جوهرية: فبينما انقسمت المواقف تجاه «حماس»، توافقت القوى العربية على دعم النتائج السياسية للحدث، المتمثلة في موجة الاعترافات الغربية المتزايدة بفلسطين وإعادة طرح حلّ الدولتين بجدية جديدة. وهكذا انتقلت القضية من كونها محصورة في جغرافيا المقاومة إلى طورٍ من «عولمة النضال الفلسطيني»، حيث أصبح صوت الفلسطينيين جزءاً من خطابٍ عالمي حول الحرية والكرامة والعدالة.

ويبدو أن الدرس الأعمق الذي كشفت عنه الذكرى الثانية هو أن عملية السابع من أكتوبر — رغم مأساتها الإنسانية — أطلقت مساراً لا رجعة فيه نحو إعادة بناء المشروع الوطني الفلسطيني على أسس جديدة. مسارٌ قد يقود إلى «حقبة رابعة» يكون عنوانها النضال السلمي والدبلوماسي، تقوده نخبة فلسطينية شابة تتفاعل مع العالم بلغة السياسة لا السلاح، وتحوّل التضحيات الجسيمة إلى خطوةٍ عملية على طريق الدولة المستقلة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق