الصراع الإقليمي حول منطقة شرق البحر المتوسط
عطيف محمد: باحث بسلك الدكتوراه في القانون العام والعلوم السياسيةتخصص الدراسات الدولية.
إن العلاقات الدولية لا تخلو من النزاع والتنافس والصراع الذي ينتج عنه التصادم بين المصالح والاستراتيجيات الدولية في منطقة معينة ،وقد يكون هذا الصراع حول المناطق الاستراتيجية التي تكمن فيها المصالح الاقتصادية والطاقية ، إذ تعتبر الطاقة في القرن الواحد والعشرين سر التطور والتفوق ومفتاح السيطرة على العالم، ومن هنا جاءت أهمية الصراع على موارد الطاقة بين الدول، ومن الناحية الجيوبوليتيكية هي النزعة الراتزلية التي أضحت الأسلوب الذي لايمكن أن تستغني عنه القوى الدولية والإقليمية في سياستها الخارجية ،باعتبار الدولة ككائن حي الذي لايمكن أن ينمو بدون التوسع وضم المناطق الإستراتيجية وتغذيته من المصادر الطاقية ،وهذا ما يدفع الدول إلي اتخاذ خطوات توسعية لزيادة التقسيمات القائمة للحدود ، النتيجة المادية لصراعات القوى علي المستوى الدولي .
وخلال الأيام الماضية تصاعدت حدة التوتر بين تركيا واليونان منذ أن قامت تركيا بإرسال سفينتها “أوروتش رئيس” إلى مياه متنازع عليها في شرق البحر المتوسط في خطوة اعتبرتها اليونان بأنها غير قانونية ومخالفة للقانون الدولي ،وإن هذا التوتر الشديد بين تركيا واليونان، العضوين في حلف شمال الأطلسي(الناتو)، جاء حول السيادة على الموارد الطاقية التي تزخر بها تلك المنطقة ،وفي هذا السياق تسعى كل من الدولتين(اليونان- تركيا) إلى الوصول للثروات النفطية الموجودة في شرق حوض المتوسط . ولقد كانت تركيا قد بدأت منذ عدة شهور عمليات التنقيب عن الغاز مصحوبة بتعزيزات عسكرية إلى جزيرة “كاستلوريزو” اليونانية.
ومن جهة أخرى ازدادت حد المشادات الكلامية بين الرئيس التركي والرئيس الفرنسي حول ما يقع في شرق حوض المتوسط بسبب إرسال طائرات حربية فرنسية إلى قبرص تضامنا مع اليونان. مما دفع وزير الدفاع التركي بالخروج بتصريح مخاطبا فيه فرنسا (زمن العربدة انتهى. لا توجد لديكم أية فرصة للحصول على أي شيء بمثل هذا التصرف) ،وتنظر فرنسا إلى تركيا كمعادية لها في المنطقة على أنها قوة مثيرة للشغب وتسعى إلى خلق الفوضى في المنطقة ، وهذا ما يتضح جليا أن التنافس بين القوى الدولية والإقليمية حول تلك الرقعة الجغرافية أصبح يزداد يوما بعد يوم نظرا بما تزخر به من الموارد النفطية والغازية ،يعني أن التحركات العسكرية التي تعرفها منطقة شرق البحر المتوسط لم تأت من أجل التضامن مع بعض الدول التي تم انتهاك حقوقها البحرية ،بل العكس ذلك فالتدخلات جاءت لحماية المصالح الاستراتيجية الموجودة في تلك الرقعة الجغرافية.
إذن فالمصادر الطاقية أصبحت مسرحا للتنافس والصراع الدولي في شرق حوض البحر المتوسط ،لأن بعض القوى في المنطقة أصبحت تتحرك بإرادتها المنفردة للتنقيب عن الغاز ،السبب راجع لعدم تقنين بحر الأبيض المتوسط بشكل خاص في اتفاقية 1982 لقانون البحار ،حيث أن ترسيم الحدود البحرية للمناطق الاقتصادية الخالصة حددت في 200 ميل ،يعني إن أرادت مصر مثلا أن ترسم حدودها البحرية ستصل إلى السواحل القبرصية وهذا لا يتوافق مع بنود قانون البحار نظرا لضيق البحر الأبيض المتوسط على عكس البحار الاخرى التي تكون كبيرة كالمحيط الاطلسي والمحيط الهادي …. الخ،هذا ما استغلته بعض الدول في تلك الرقعة الجغرافية منها تركيا و هذا يعتبر ثغرة في قانون البحار التي أصبحت تستغل أو يتم تأويلها كما تفهمها دول المنطقة.