أخبار العالمأنشطة المركزبحوث ودراسات

الحوكمة العالمية مبادرة من أجل السلم والعدالة العالمية

نظم المركز الدولي للدراسات الاستراتجية الأمنية والعسكرية ورشة عمل أمس الخميس 16 أكتوبر 2025 تحت عنوان “مبادرة الحوكمة العالمية للرئيس شي جين بينغ: قراءة في أبعادها الإستراتيجية ودلالاتها في التحولات الجيوسياسية الراهنة”.

 وشارك الدكتور أحمد ميزاب من الجزائر في ورشة العمل بمحاضرة علمية بين فيها أهمية مبادرة الرئيس شي جين بينغ من أجل النظام العالمي الجديد الذي تطمح اليه الإنسانية وهو الاستقرار والتعامل الإنساني المكفول بالاحترام المتبادل والعدالة.

كما ركّز الدكتور أحمد ميزاب على أهمية المبادرة في هذه الفترة التاريخية الحساسة التي يمر بها العالم من شرقه الى غربه ومن شماله الى جنوبه.

كما أشار الدكتور ميزاب الى أهمية المبادرة بالنسبة لدول الجنوب والدول العربية فهي تعتبر فرصة تاريخية من أجل اثبات الموقع والتحول من دول مهيمن عليها الى دول منتجة وذات سيادة تدخل في صياغة التحولات العالمية.

ومنها طرح الدكتور ميزاب سؤالا جوهريا: هل يمتلك الجنوب، والعالم العربي على وجه الخصوص، رؤية مستقلة تمكّنه من دخول هذه الحوكمة بصوته لا بصدى غيره؟

 فالتحول الجاري يفتح الباب لمن يملك مشروعًا واضحًا ورؤية استراتيجية، ويُقصي من يكتفي بالمراقبة أو التبعية.

وأكد الدكتور أحمد ميزاب على فكرة مهمة جدا وهي أنّ: “النظام الدولي القادم لن يُكتب في واشنطن أو بكين فقط، بل في يجب أن يكتب كذلك في عواصم الجنوب أيضًا”.

وفي الأخير طرح الدكتور أحمد ميزاب بعض التوصيات الهامة التي تجدونها في أخر نص المقال.

النص الكامل: الحوكمة العالمية مبادرة من أجل السلم والعدالة العالمية

المقدمة:

يشهد العالم اليوم حالة اضطراب متزايدة في موازين القوة، تتجلى في اتساع رقعة الحروب وتعمق التفاوت الاقتصادي وتراجع الثقة في المؤسسات الدولية التي يفترض أن تضبط العلاقات بين الدول وتضمن الاستقرار العالمي. هذا الواقع كشف حدود النظام الدولي القائم وعجزه عن معالجة الأزمات بطريقة عادلة ومتوازنة.

في خضم هذا المشهد، برزت الصين بمبادرة جديدة تحت عنوان “الحوكمة العالمية”، تسعى من خلالها إلى طرح مقاربة مختلفة لإصلاح النظام الدولي. المبادرة لا تقتصر على الخطاب السياسي أو إعلان النوايا، بل تمثل رؤية استراتيجية لإعادة بناء العلاقات بين الدول على أسس أكثر عدلاً ومساواة، بعيداً عن منطق الهيمنة والانفراد بالقرار الذي ميّز النظام الدولي خلال العقود الماضية.

تهدف بكين من خلال هذه المبادرة إلى إرساء قواعد جديدة للتعاون الدولي، تقوم على الاحترام المتبادل والسيادة الوطنية والتكامل بين الشعوب، في محاولة لإعادة التوازن إلى النظام العالمي وإفساح المجال أمام صوت الجنوب العالمي ليكون شريكاً فاعلاً في صياغة المستقبل المشترك للبشرية

اولا- جوهر المبادرة وأبعادها 

قدّم الرئيس الصيني شي جين بينغ مبادرة الحوكمة العالمية كجزء من رؤية متكاملة تقوم على ثلاث ركائز مترابطة هي: مبادرة التنمية العالمية، ومبادرة الأمن العالمي، ومبادرة الحوكمة العالمية. هذا الترابط ليس تنظيريًا، بل يعكس تصورًا شاملًا يرى أن الأمن والتنمية والإدارة العادلة للنظام الدولي عناصر لا يمكن فصلها، وأن اختلال أحدها يؤدي إلى اضطراب الكل.

تعتمد المبادرة على مجموعة من المبادئ الواضحة التي تمثل جوهر الفكر السياسي الصيني المعاصر في إدارة العلاقات الدولية. أولها احترام سيادة الدول باعتبارها أساس الاستقرار العالمي، وثانيها المساواة في الفرص والحقوق بوصفها شرطًا لتوازن العلاقات بين الشمال والجنوب، وثالثها رفض العقوبات الأحادية التي تحولت إلى أداة ضغط خارج الشرعية الدولية، ورابعها اعتبار التنمية المشتركة الطريق الحقيقي لتحقيق السلم العالمي.

من هذا المنطلق، تطرح الصين سؤالًا جوهريًا يتجاوز الأبعاد النظرية: هل يمكن بناء نظام عالمي بلا مركز واحد للقرار؟

الإجابة الصينية تأتي حاسمة وواضحة: نعم، يمكن ذلك من خلال نظام يقوم على التعددية والتكامل بدل منطق التحالفات والانقسامات الذي ساد خلال الحرب الباردة وما بعدها.

هذا الطرح يمثل تحوّلًا نوعيًا في التفكير الجيوسياسي. فبينما سعت القوى الغربية إلى فرض نموذجها عبر القوة الاقتصادية والعسكرية، تدعو الصين إلى إدارة تعددية للعالم، تسمح لكل دولة بالمشاركة في صياغة القرار الدولي وفق قدراتها ومصالحها.

بهذا المعنى، لا تسعى بكين إلى استبدال هيمنة غربية بهيمنة شرقية، بل إلى بناء توازن جديد يحدّ من مركزية القرار العالمي ويعيد الاعتبار لمبدأ الشراكة العادلة بين الأمم

ثانيا-الأثر الواقعي في النظام الدولي 

تحوّلت مبادرة الحوكمة العالمية من إطار نظري إلى مسار عملي تُرجم في سياسات ومواقف ملموسة داخل النظام الدولي. فالصين لم تكتف بطرح خطاب بديل، بل شرعت في تطبيق مبادئ المبادرة على الأرض، ما منحها بعدًا واقعيًا يعكس رؤيتها لدور جديد في إدارة الشؤون العالمية.

في إفريقيا، مثّلت مبادرة الحزام والطريق المجال الأوسع لتجسيد هذه الرؤية. فقد موّلت الصين مشاريع بنية تحتية كبرى في أكثر من أربعين دولة، شملت الموانئ والطرق والسكك الحديدية وشبكات الطاقة. غير أن أهم ما يميز هذا النموذج أنه لم يُربط بالوصاية السياسية أو الإملاءات الاقتصادية التي ميزت القروض الغربية، بل ارتكز على نقل التكنولوجيا وتكوين الكفاءات المحلية.

هذا التحول غيّر معادلة القوة بين دول القارة والمؤسسات المالية الدولية التقليدية، إذ فتح أمام الدول الإفريقية هامشًا أوسع للمناورة الاقتصادية والسياسية، وأعاد تعريف مفهوم الشراكة من علاقة تبعية إلى علاقة تعاون متبادل.

في الشرق الأوسط، أظهرت الصين قدرتها على ترجمة مبادئها الدبلوماسية إلى نتائج عملية عندما رعت اتفاق استئناف العلاقات بين السعودية وإيران في مارس 2023. كان الحدث نقطة تحول استراتيجية، لأنه مثّل خروجًا من منطق الصراعات الصفرية نحو منطق “الأمن المشترك”. وبهذه الخطوة، أثبتت بكين أن الوساطة يمكن أن تكون أداة استقرار، لا نفوذ، وأن بناء الثقة أكثر جدوى من فرض التوازنات بالقوة. هذا المسار أعاد للمنطقة جزءًا من التوازن المفقود وفتح آفاقًا جديدة للحوار الإقليمي بعيدًا عن الاستقطاب التقليدي.

أما في الأمم المتحدة، فتقود الصين مسعى واضحًا لإصلاح بنية النظام الدولي من الداخل، عبر المطالبة بتوسيع عضوية مجلس الأمن وزيادة تمثيل دول الجنوب، خصوصًا في إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية. كما تدافع عن مبدأ “صوت واحد لكل دولة” داخل المنظمات متعددة الأطراف، في مواجهة النظام التصويتي غير المتكافئ الذي يمنح الأفضلية للقوى الكبرى.

هذا التوجه لا يعكس مجرد طموح سياسي، بل يعيد طرح سؤال العدالة في الحكم العالمي: من يملك حق اتخاذ القرار؟ ولمن يخدم النظام الدولي الحالي؟

من خلال هذه التحركات، تترجم الصين مبادرتها إلى سياسة خارجية نشطة تُعيد تعريف دور القوة في القرن الحادي والعشرين، من السيطرة إلى الشراكة، ومن الإكراه إلى التعاون

ثالثا- الرؤية الفكرية والسياسية

تقوم مبادرة الحوكمة العالمية على رؤية فكرية وسياسية ترى أن العدالة ليست قيمة أخلاقية فقط، بل شرط أساسي لتحقيق السلم العالمي، وأن التنمية تمثل جوهر الأمن الحقيقي. فالصين تنطلق من تصور يعتبر أن جذور الصراعات ليست سياسية أو عسكرية بالأساس، بل تنموية، وأن معالجة اختلالات العدالة في توزيع الثروة والفرص هي الطريق لضمان الاستقرار الدولي.

كما عبّر الباحث الصيني وانغ يي وي، فإن “العالم لا يحتاج إلى قائد بل إلى تنسيق بين الحضارات”. هذه المقولة تلخّص الفلسفة التي تستند إليها بكين في رسم سياستها الدولية. فهي ترفض منطق القيادة الأحادية الذي طبع النظام العالمي بعد الحرب الباردة، وتطرح بدلًا منه منطق “التنسيق بين الحضارات”، أي الاعتراف بالتنوع الثقافي والسياسي كقيمة إنتاجية في إدارة الشأن الدولي لا كتهديد للنظام.

بهذا المعنى، تعيد الصين تعريف مفهوم القوة. فهي لا تراها في السيطرة أو الهيمنة، بل في القدرة على خلق التوافق وصياغة الحلول المشتركة. هذه المقاربة تنقل الصراع من منطق الإخضاع إلى منطق التأثير، وتضع الثقة محل الإكراه كأداة نفوذ سياسي.

الصين تمارس ما تسميه “التأثير الهادئ” الذي يقوم على تراكم الثقة والاحترام والتعاون الاقتصادي طويل المدى بدل القواعد العسكرية أو العقوبات الاقتصادية. هذا النموذج يمنحها نفوذًا متدرجًا لكنه مستدام، لأنه يُبنى على المصالح المشتركة لا على الخوف.

في المقابل، يكشف هذا الطرح عن تناقض واضح مع النموذج الغربي القائم على الردع والتفوق. فبينما تعتمد القوى الغربية على إظهار القوة الصلبة لضمان الأمن، تراهن بكين على بناء بيئة آمنة عبر التنمية والتكامل.

هذه الفلسفة تمثل انتقالًا من “السياسة بوصفها إدارة للصراع” إلى “السياسة بوصفها إدارة للتوازن”، وهو تحول جوهري في بنية التفكير الجيوسياسي المعاصر، يعكس طموح الصين في صياغة نظام عالمي أكثر استقرارًا وتكافؤًا دون اللجوء إلى منطق الهيمنة أو الاصطفاف

رابعا- موقع الجنوب والعالم العربي 

يجد العالم العربي نفسه اليوم أمام فرصة استراتيجية لإعادة التموضع داخل النظام الدولي الجديد الذي تسعى الصين إلى هندسته عبر مبادرة الحوكمة العالمية. فالمسار الصيني لا يقوم على فرض الوصاية أو تصدير نموذج جاهز، بل على بناء شراكات متوازنة تقوم على الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة. وهذا ما يمنح دول الجنوب، والعالم العربي تحديدًا، هامشًا واسعًا للمبادرة بدل الاكتفاء بردّ الفعل.

غير أن هذه الفرصة تظل مرهونة بقدرة دول الجنوب على الانتقال من موقع المتلقي للحوكمة إلى موقع المساهم في صياغتها. فالنظام العالمي القادم لن يمنح مكانة لأحد بالوكالة، بل سيكافئ الفاعلين القادرين على بلورة رؤى وطنية منسجمة مع قيم السيادة والتنمية المستقلة.

ويقتضي ذلك ثلاث خطوات أساسية:

أولًا، بناء تصورات وطنية واضحة حول مفهوم التنمية والأمن تتجاوز التبعية للنماذج الخارجية.

ثانيًا، توحيد الموقف العربي داخل المحافل الدولية من خلال تنسيق سياسي واقتصادي يعيد للعالم العربي وزنه التفاوضي.

ثالثًا، تبني مقاربة “التنمية من أجل الأمن” التي تضع الإنسان والاقتصاد في صلب الاستقرار، بدل المقاربة التقليدية التي تضحي بالتنمية لصالح الأمن العسكري أو السياسي.

في هذا السياق، تشكل تونس والجزائر مثالًا بارزًا على هذا الاتجاه الجديد. فهي تبني سياستها الخارجية على مبدأ الدبلوماسية الوقائية، وتعمل على ترجمة مفهوم “السلم العادل” من خلال مقاربات عملية في منطقة الساحل وإفريقيا. الجمع بين التنمية الداخلية والنشاط الدبلوماسي الخارجي جعل من الجزائر فاعلًا يُجسد التوازن بين الاستقرار والسيادة، وهو ما يتقاطع مع الفلسفة الجوهرية لمبادرة الحوكمة العالمية.

تحليل هذا المسار يبيّن أن موقع الجنوب في النظام الدولي لن يُصان إلا بالمبادرة لا بالانتظار، وأن المشاركة الفاعلة تتطلب امتلاك رؤية مستقلة تُسهم في صياغة قواعد الحوكمة بدل الخضوع لمنطوقها. فالمستقبل لن يُكتب من العواصم الكبرى فقط، بل من الدول التي تملك إرادة الفعل وصوتًا واضحًا في معادلة العدالة والسلم العالمي

خامسا- آفاق المبادرة ومستقبل النظام الدولي

تمثل مبادرة الحوكمة العالمية أحد أبرز مؤشرات التحول في طبيعة النظام الدولي المعاصر. فهي لا تستهدف الغرب كمجموعة دول أو حضارة، بل تسعى إلى إعادة التوازن إلى العلاقات الدولية التي ظلت لعقود تميل لصالح مركز واحد للقرار. جوهر المبادرة هو بناء نظام متعدد الأقطاب يستوعب التنوع الحضاري والثقافي كقيمة مضافة للاستقرار، لا كعامل تهديد أو صدام كما حاولت أطروحات غربية سابقة أن تروّج له.

الصين في هذا السياق لا تسعى إلى استبدال الهيمنة الغربية بهيمنة شرقية، بل إلى ترسيخ مبدأ التعددية الحقيقية. أي أن النظام الدولي لا يجب أن يُدار بمنطق القطب الواحد، بل من خلال شبكة من القوى المتعاونة التي توازن بين المصالح وتمنع الاحتكار في القرار العالمي. هذا التحول يعني الانتقال من “النظام الدولي القائم على السيطرة” إلى “نظام دولي قائم على المشاركة”.

لكن نجاح هذا المشروع ليس مضمونًا بذاته، بل يتوقف على مدى قدرة الدول الصاعدة، خصوصًا في الجنوب العالمي، على التحرك ضمن رؤية مشتركة. فبدون خطاب سياسي موحد يعبر عن مصالحها الجماعية، ستبقى هذه الدول مجرد أطراف في لعبة تدار من مراكز القوة الكبرى. كما أن تقوية المنظمات الإقليمية – في إفريقيا، وآسيا، والعالم العربي – يمثل شرطًا أساسيًا لتثبيت التعددية على أرض الواقع، إذ لا يمكن لنظام عالمي متوازن أن يقوم دون أقطاب إقليمية فاعلة وقادرة على صياغة المواقف المستقلة.

أما التحالفات الجديدة، فيجب أن تُبنى على أساس المصالح المتبادلة لا على الولاءات الأيديولوجية أو الحسابات التاريخية. فالمبادرة الصينية تنطلق من براغماتية واضحة ترى في الاقتصاد والتنمية المشتركة أدوات للتأثير السياسي، وليس العكس. هذا النموذج من التحالفات يعيد تعريف العلاقات الدولية كمجال للتعاون لا للانقسام.

كما عبّر هنري كيسنجر في عبارته الأخيرة، “النظام الدولي القادم لن يُكتب في واشنطن أو بكين فقط، بل في عواصم الجنوب أيضًا”. هذه الجملة تختصر جوهر التحول الجاري: مراكز القرار تتوزع، والجنوب العالمي لم يعد مجرد متلقٍ لسياسات الآخرين، بل بات مطالبًا بأن يشارك في صياغة قواعد اللعبة الجديدة.

من هنا، فإن مستقبل مبادرة الحوكمة العالمية سيتحدد بمدى استعداد دول الجنوب لاقتناص اللحظة التاريخية والمساهمة في بناء نظام دولي أكثر عدلًا وتوازنًا، يعبّر عن مصالحها ويجعل صوتها جزءًا من معادلة الحكم العالمي لا مجرد صدى لها.

خاتمة 

العدالة في مفهوم الحوكمة العالمية ليست شعارًا أخلاقيًا يُرفع في المحافل، بل عملية هندسة دقيقة لمصالح متوازنة بين الدول. فهي تسعى إلى بناء نظام يقوم على توزيع عادل للفرص والموارد، بما يضمن استقرار العلاقات الدولية ويحد من منطق الإخضاع الذي ساد خلال العقود الماضية. أما السلم، في هذا التصور، فلا يعني مجرد غياب الحرب، بل يقوم على حضور التنمية والاحترام المتبادل كشرطين أساسيين لاستدامة الأمن العالمي.

من هذا المنطلق، تمثل مبادرة الحوكمة العالمية فرصة تاريخية لإعادة تعريف العلاقات بين الشمال والجنوب، وبين القوى الكبرى والدول الصاعدة، على أسس الشراكة لا السيطرة. إنها دعوة لإعادة تنظيم العالم بطريقة أكثر شمولًا وتوازنًا، تجعل كل دولة فاعلًا في تقرير مصيرها ومصير النظام الدولي.

غير أن السؤال الجوهري يبقى مطروحًا:

هل يمتلك الجنوب، والعالم العربي على وجه الخصوص، رؤية مستقلة تمكّنه من دخول هذه الحوكمة بصوته لا بصدى غيره؟

فالتحول الجاري يفتح الباب لمن يملك مشروعًا واضحًا ورؤية استراتيجية، ويُقصي من يكتفي بالمراقبة أو التبعية.

إذا لم يبادر الجنوب إلى صياغة تصوره الخاص للنظام العالمي الجديد، فسيُعاد رسم العالم من دونه مرة أخرى، وستُكتب قواعد الحوكمة المقبلة في غيابه، كما حدث في مراحل سابقة من التاريخ.

ولهذا، نوصي بما يلي:

  • أولاً، ضرورة تبني رؤية عربية وإفريقية موحدة لإصلاح منظومة الحوكمة الدولية، تقوم على مبدأ التعددية المتكافئة واحترام سيادة الدول.
  • ثانيًا، إنشاء آلية تعاون عربي–صيني دائمة تُعنى بملفات التنمية المشتركة والحوكمة الرقمية والطاقة والأمن الغذائي.
  • ثالثًا، تطوير دبلوماسية وقائية فاعلة بين دول الجنوب تجعل من الحوار أداة لحل النزاعات، لا القوة أو العقوبات.
  • رابعًا، تأسيس مرصد عربي للحوكمة العالمية داخل المركز الدولي للدراسات الاستراتيجية الأمنية والعسكرية، لمتابعة التحولات الجارية وصياغة بدائل فكرية من منظور الجنوب.
  • خامسًا، الدعوة إلى إصلاح حقيقي في منظومة الأمم المتحدة يعيد التوازن في التمثيل ويمنح الجنوب موقعًا مؤثرًا في صناعة القرار.

بهذه الخطوات يمكن للعالم العربي أن يتحول من مجال لتطبيق سياسات الحوكمة إلى طرف في صياغتها، وأن يساهم في ترسيخ سلم عالمي يقوم على العدالة والتنمية، لا على الهيمنة والتبعية

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق