أخبار العالمالشرق الأوسطبحوث ودراسات

الحرب على إيران: معادلات توحش للتحكّم

الهدف الإستراتيجي الإسرائيلي-الأميركي، هو إسقاط النظام الإسلامي الولاياتي  في إيران، للمضي في تكريس المشروع التوسعي الصهيوني وفتح الطريق أمام قيام إسرائيل الكبرى، لتظهير ليس وجه شرق أوسط جديد وتكريس الهيمنة والعلو على مجمل المنطقة تحت فصل التطبيع وتكريس الديانة الإبراهيمية الجديدة، بل أيضاً  لتكريس توحش القطب الأوحد الذي يسعى ليحكم مختلف معادلات و دول الكرة الأرضية.

ومن ضمن إستراتيجية الرئيس الأميركي: فرض السلام بالقوة، سيواصل هذا الرئيس توسعه ليبسط نفوذه تباعاً في روسيا والصين وغيرها من الكيانات الإقليمية والدولية .

الهدف التكتيكي التشغيلي هو ضرب المفاعلات النووية الإيرانية، وصولاً إلى إكراه  إيران على تفكيكه أو تجميده، فضلاً عن تقديمها تنازلات أخرى على حساب دورها الإقليمي الداعم للقوى المناهضة للإستكبار الأميركي-الصهيوني  أي تحجيم الدور إلى أقصى مدى .

المشروع كاملاً هو مشروع  أميركا المُخادعة وبتخطيط مشترك بينها وبين إسرائيل 

لقد أُعلنت الحرب على إيران وتعرضت الجمهورية الإسلامية لضربات قاسية، وظهر المخطط المتوحش ضدها من خلال ضربات اليوم الأول فجر يوم الجمعة في 13 يونيو2025 والتي كانت عملية مركّبة أمنية وعسكرية فاقت توقعات الجميع لجهة الإستهداف ولجهة الإختراق: هذا المخطط قام على مسارات أربعة :

  • القضاء على القيادة العسكرية والإستخبارية الإيرانية، بهدف إفقادها الضبط والسيطرة في الداخل الإيراني وفي إدارة الحرب .
  • القضاء على قائد الثورة وولي أمرها والذي يشكل ضمانة إستمرار النظام الإسلامي.
  • تحرّك العملاء في الداخل لإثارة الفوضى وللقيام بعمليات أمنية مفتعلة بهدف زعزعة النظام والتمهيد للبدء في تحريك الناس لإسقاط النظام. وكان نتنياهو يروّج لفكرة أنه لا يمكن لأحد تصور كيف أن الإمبراطوريات تنهار بسرعة.
  • ضرب المفاعلات النووية بالقدر الممكن للتعمية على الهدف الأساس وهو إسقاط النظام. فالعدو يعرف عدم القدرة على إنهاء البرنامج النووي الإيراني عبر الضربات الجوية بسبب التعقيدات الجغرافية لها، وبسبب المهارة الإيرانية في توزيعها في مناطق متعددة وواسعة ومخفية. إذن المخطط هو بعد سقوط القيام بهجوم بري على منشأة فودو وهي الأكبر والاهم لتفكيكها وتدميرها من الداخل لتفادي الوباء والإشعاع النووي الذي سيطال الدول المجاورة .

القدرة على تنفيذ المخطط أظهر أيضاً

  • أن العدو قد نجح في بناء بنية امنية تخريبية تحتية قوية وصلبة وتقنية داخل إيران، تكلمت بعض التقارير عن أن الأجانب مثل الهنود والأفغان عامودها الفقري، إلى جانب إثنيات إيرانية محددة، ساهمت مساهمة فعالة في الحرب على إيران وشكلت خطر عليها لربما أكثر من الإعتداء الخارجي وكانت العنصر الأساس في نجاح الضربة الأولى فجر الجمعة وسقوط القادة الشهداء .إن فشل المخطط لإغتيال قائد الثورة وربّان سفينتها في إيران في الضربة الأولى، أفشل النقطة المركزية في هذا المخطط… وأنقذ النظام الإسلامي من الفراغ القاتل الممهد لزعزعته، حيث أن عدم وجود قائد مع غياب القادة العسكريون والأمنيون نتيجة الضربة، وفي ظل عدم وجود صلاحية لأحد في ملء الفراغات، سيكون النظام عاجز مشلول ومكشوف وغير قادر على القيام  أو المبادرة أو التصدي، خصوصاً مع مخطط إستمرار الإغتيالات للقيادات العسكرية والأمنية ومن ثم السياسية والدينية خصوصاً لتفكيك المجلس المخصص لإنتخاب ولي فقيه . كما  أن نجاح أجهزة الأمن والإستخبار المختلفة داخل إيران ولا سيما الدور الحيوي الإستراتيجي الذي قامت به قوات التعبئة الباسيج، في إلقاء القبض وتفكيك ومطاردة الكثير من هذه الشبكات المتعاملة مع العدو، هو على درجة بالغة الأهمية في إفشال أهداف العدو بل والتصدي له وخوض حرب في الظل معه أبطالها الباسيج،.و لهذا بدأت إسرائيل بضرب بعض مواقع الباسيج .وطالما توحدت بشكل طبيعي جهود الباسيج والحرس الثوري  والجيش الوطني، نجت إيران من مخطط الضربة الأولى الصادمة وإستوعبتها رغم قوتها وعمقها .
  • أن إيران تعرضت لخيانة دبلوماسية على حد تعبير وزير خارجيتها وتعرضت للخداع والتضليل، بحسب تعبيرات رئيس جمهوريتها بزرشكيان، بدءاً من تثبيت أميركا لموعد جولة التفاوض الجديدة يوم الأحد في 15 حزيران 2025 مروراً بتسريب مضمون المكالمة بين نتنياهو وترامب بشكل لا يطابق الواقع لإيهام إيران بأن لا خطر داهم، وصولاً إلى خدعة موعد زفاف ابن نتنياهو في إسرائيل، وللدور الدبلوماسي المُخادع التي قامت به بعض الجهات والدول .لقد بدأ المشهد كأن إيران لم تلتقط  مؤشرات التحذير الإستراتيجي من التفاصيل ووقعت في سوء تقدير للموقف  بسبب الغفلة عن تحضيرات العدو .

إن التفاصيل الكثيرة المتداولة  للضربات الإسرائيلية التي حصلت في اليوم الأول للحرب عليها أظهر أن هناك إنكشاف أمني بل إختراق صادم أدى لإغتيال معظم قادة الضبط والسيطرة ورجال إدارة الحرب بمظهر شبيه لما حصل مع قوة الرضوان في لبنان، فضلاً عن عدد كبير من العلماء النوويين، لتدمير إمتلاك المعرفة وهو الأهم على المدى الإستراتيجي البعيد المدى من تفكيك القدرات النووية لأن إمتلاك المعرفة سيجعل من المخاوف من إعادة بناء هذه المقدرات أمراً قائماً. 

ومن ثم ضرب المقدرات الإيرانية العسكرية من صواريخ ورادارات ومواقع طاقة ومفاعل نووية، في إطار خطة حرب ومراحل معدة مسبقاً، ومع ظهور وجود مجموعة عمل من داخل إيران قامت بتنفيذ عمليات تعطيل للدفاعات الجوية الإيرانية وعمليات إطلاق مسيرات وصواريخ ، هاجمت العديد من الأهداف العسكرية والمدنية وبشكل واضح وكبير ساهم في نجاح الضربات الإسرائيلية، يكتمل مشهد السيناريو الأول في المرحلة الأولى لخطة الحرب ومع تسريب كلام عن تحركات لفرق داعشية ولمجاهدي خلق بهدف زرع البلبلة ومحاولة القيام بزعزعة الأمن كخطوة متناسقة مع مجموع ما حصل لفتح الطريق أمام  زعزعة النظام الإيراني.

بدت إسرائيل أنها نفذت نفس السيناريو اللبناني  

ضرب القادة

 ضرب المقدرات

ومن بعد ذلك العمل على إخضاع إيران .

إنقلاب الصورة :

لقد إستطاعت إيران إنقاذ نفسها من مخطط إسقاطها من الداخل، وإستوعبت  بعد ساعات مجمل ضربات  هذه الخطة، وطوّقت تداعياتها بعد تحرك ميداني للحرس الثوري والباسيج في الأماكن ذات الصلة وإحباط هذه المحاولة وحصول إعتقالات كبيرة، وكشف العديد من الطائرات المسيّرة في الداخل والمجهزة في سيارات إستعداداً لإطلاقها وبعض المصانع لتصنيع و تجهيز  المسيّرات و العبوات الناسفة وخصوصاً بعد ملء الفراغات في رأس هرم القيادة والسيطرة والإدارة العسكرية .

الملفت أنه طيلة النهار كانت السماء الإيرانية مستباحة والضربات الإسرائيلية مستمرة في ظل تعطيل كامل للمنظومة الدفاعية الجوية الإيرانية، الأمر الذي تغير في المساء حيث عادت للعمل بفاعلية وأحبطت العديد من الهجمات وأسقطت العديد من الطائرات.

المشروع كان كبيراً جداً له علاقة بإسقاط النظام وليس فقط ضرب القدرة النووية أو إجبار إيران على تقديم تنازلات تفاوضية، هذه أهداف تكتيكية لو نجحت لن يتوقف المشروع الأكبر .

الرد الإيراني المدعوم شعبياً وبقوة والذي ظهر بصورة الأكثر من متكافئ مع العدوان الصهيوني، يقول أنه لا مكان الآن لأي مرحلة تفاوض جديدة إلا بعد إعادة التفوق في الردع لتحسين الشروط، مما يساعدها على العودة بشكل قوي لتواصل تثبيت حقوقها .

لذا فإن هذه الحرب التي أعلنتها إسرائيل ومن ورائها أميركا والتي  جاهرت عبر رئيسها ترامب بمشاركته بها وتغطيته لها ومدحه لها، سوف تستمر حتى تستبين معادلتها السياسية .

 خيارات إيران العسكرية وقدرتها على تخريب الإقتصاد العالمي المعادي متعددة وقوية و سوف نرى كيف تتدحرج الأمور بين الرد الإسرائيلي والردود المتعاقبة من الطرفين، وما يمكن أن تستهدف إسرائيل في الأيام القادمة لأن هزيمتها الحاصلة  الآن سريعة وستجهد هي وأميركا على إبعاد هذه الهزيمة لهما في المنطقة وعلى صعيد العالم. ونتنياهو لن يتخلى عن مشروعه حتى لو أحرق الدول ومن بينها دولته التي إذا إستمرت بتلقي الضربات الإيرانية بهذه الوتيرة وهذه القوة التدميرية لتل أبيب وللمراكز الحساسة داخل الكيان سيكون موقف إسرائيل محترقاً .

لقد بدأت الحرب والكلام للميدان ولن يحمي إيران في المستقبل إلا حيازتها للسلاح النووي الأمر الذي حصل مع كوريا الشمالية وباكستان والهند، هذه الدول التي لا أحد يتجرأ على القيام بعمل عدواني لإسقاطها بسبب حصانتها النووية .

كل الحروب تستثمر في السياسة وكل الأمر له علاقة بالمعادلات السياسية القوية .

لنرى نتنياهو وماذا سيضرب، ولنرى مدى قوة النظام الإيراني الذي سيعمل على تكريس معادلة أنه عصي على السقوط. 

ويمكن القول هنا، أن هذه الحرب المُعلنة على الجمهورية الإسلامية في إيران، إذا إستمرت بها إيران بهذه الوتيرة من تدمير وإيلام إسرائيل وإستطاعت رد الحجر الصهيوني عنها والذي تواصل وستواصل إسرائيل رميه عليها وعلى مقدراتها ومشروعها النووي وعلى مدنييها لدفعهم للصراخ ..

فإن الردع الإيراني للصهيونية ولنتنياهو قد تؤدي لتسوية في المنطقة بشروط إيرانية وتوقف حرب غزة والعدوان المتكرر على لبنان  أي أن يلتزم بتنفيذ القرار 1701، وحتى أنه قد يفتح  البحث في الملف السوري .

مما يعني أنه سيكون نصر إستراتيجي يقلب صورة ومشهد وجه الشرق الأوسط المهتز على وقع المشروع الأميركي – الإسرائيلي .

ويبقى السؤال المطلوب إستراتيجياً: هل ستغير إيران عقيدتها النووية وتدخل نادي الدول النووية أم لا؟

إن لم يتم ردع مشروع الهيمنة على المنطقة من بوابة هذه الحرب المُعلنة على إيران الهوية والقوة والدور ويعلو كنتيجة لهذه الحرب القاسية على طرفيها والتي قد تطول أو تتوسع في منطقة الشرق الأوسط، ستكمل إسرائيل وأميركا مشروعهما وستقتل الجميع .

الرد الحاصل من إيران، حجمه وشكله ومداه وقدرته وتداعياته هو الذي سيرسم مسار الأمور .

على إيران أن لا تخسر معادلات الحرب فضلاً عن الحرب ذاتها حتى لو ذهبت إلى الحرب الشاملة، وإلا فإنها ستتعرض لإنكسارات قد تطال حتى ضمانة نظامها ألا وهو نفس شخص القائد لها .

إسرائيل التي تلقت وتتلقى الرد الإيراني المؤلم جداً لها لجهة حجمه ونوعه وآثاره على جبهتها الداخلية وبنيتها، ستكون  قد حضرت أو هي في طور تحضير وبرمجة مراحل إعتداءاتها وعلى إيران أن تتحضر لتفادي أو إستيعاب  المفاجآت القادمة وأن تواصل وبقوة، وهو ما تقوم به، الضرب على رأس الكيان الغاصب، حتى لا تدخل في مرحلة  أن إيران العظمى ودورها الإقليمي يؤول إلى كونه  إنتهى وهذا له إنعكاسات كارثية على دول وفصائل محورها .

إن إيران القوية وإستفاقتها السريعة من مؤثرات سلبية كالتضليل والغفلة والإنكشاف و سوء تقدير الموقف، هو عنصر أساس في رد الحجر من حيث أتى .

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق