الجزائر و الرباط: أي ورقة في منطقة الساحل للسيطرة التجارية؟
فاتن جباري: قسم العلاقات الدولية والشؤون الاستراتيجية
تونس 19-01-2024
“المغرب والجزائر يلعبان لعبة متوترة للسيطرة التجارية على المنطقة…”، تلك هي أحدى العناوين التي جاءت بها أحدى التقارير المطلعة .
يعتبر النزاع الجزائري المغربي من أطول النزاعات التي عرفتها المنطقة الإفريقية والعربية، إذ استغرقت القطيعة بين الجارتين أكثر من 7 عقود، بشكل يذكر بحرب المائة عام التي كانت بين كل من إنجلترا وفرنسا…
قضية لطالما أثارت جدلا إقليميا واسعا بخصوص أسباب هذا النزاع الدائم، البارد وشديد التوتر، فهل هو يرجع فقط إلى تقارب القدرات العسكرية بين الدولتين؟
حيث من الصعب على أحدهما تحقيق انتصار عسكري حاسم ودائم، أم إلى تأثير القوى الإقليمية والدولية على مجريات أي حرب عسكرية بين الدولتين، ففرنسا لا ترغب في حرب بينهما حفاظا على مصالحها لتخوفها من أي تدخل أجنبي في أحدى معاقل نفوذها قلب القارة الإفريقية .
في حين أن الولايات المتحدة الأمريكية تسعى للحفاظ على مصالحها البترولية مع الجزائر وإستدامة فرص التطبيع مع المغرب.
هل إطالة أمد التوتر القائم يوشك على تقويض مبدأ التوازن في شمال إفريقيا؟
ذلك أن الأمر الأشد خطورة هو تسرب عوامل زعزعة الإستقرار في المنطقة، من تطرف وإرهاب وتهريب وغيره.
ولسائل أن يتساءل أي أوراق اقتصادية- عسكرية وسياسية للضغط بين جارتين دائمتا الصراع والتنافس؟.
منطقة الساحل : أي ورقة
بالنسبة للأوروبيين وخاصة فرنسا، إيطاليا وإسبانيا كانت منطقة الساحل الإفريقي أكبر موارد رزق أشبعت بطون الغرب دون أن ينعم أبناء هذه المناطق بثرواتهم الجمة…
فبالنسبة لفرنسا فقد كانت الخاسر الأكبر على معاقلها التي تركت فيها فراغا فاقدة لكل مصداقية هناك، وهذا ما يبدو على الطاولة، أما في سياق أخر فأن كل من المغرب والجزائر تتضح الخطوات في محاولة ملأ هذا الفراغ.
فمنطقة شمال إفريقيا الذي يمسح مليون ميل من مساحته أي ما يعادل 30.3 مليون كم 2 بضمنها الجزر الساحلية وهي بذلك تحتل المكانة الثانية بعد قارة اسيا.
منطقة الساحل: أكبر منطقة تجارية حرة
إن الخصمين لديهما ورقة يلعبانها في منطقة الساحل، فقد اقترح المغرب في نهاية شهر ديمسبر من العام 2023 إنشاء “منطقة تجارة حرة” مع إمكانية الوصول إلى ساحل المحيط الأطلسي، وهو ما تستجيب له الجزائر الآن بتحالف مع دولة ساحلية أخرى، هي موريتانيا.
“فالجزائر” تراهن على كسب تأييد هذا المشروع حيث قام الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون بدعوة رئيس الدبلوماسية الموريتانية محمد سالم ولد مرزوق الثلاثاء الماضي للتفاوض الكبير حول نقاط هذا المشروع، وهو بذلك يعمل على مواجهة الهجوم الدبلوماسي والتجاري الذي يشنه منافسه الأكبر المغرب.
في 23 ديسمبر من العام 2023 “بمراكش”، استجاب وزراء خارجية مالي والنيجر وبوركينا فاسو وتشاد بشكل إيجابي للمبادرة الملكية لتسهيل وصولهم إلى المحيط الأطلسي، عبر” ميناء الداخلة”.
ومن جانبه، أعرب ولد مرزوق، عن تصميمه على دفع العلاقات الثنائية بين البلدين الشقيقين قدما، الجزائر وموريتانيا في كسب هذا الرهان مقابل مشروع مضاد للتجارة الحرة في دول الساحل، يتمثل في تعزيز الوصول إلى ساحل المحيط عبر”ميناء نواكشوط”.
وفي هذا الصدد فقد شهد المغرب إرتفاعا في الضرائب الجمركية التي فرضتها السلطات الموريتانية، التي تريد حماية سوقها مما أجبر الشاحنات على التكدس على الحدود.
أوروبا حائرة، أم تحفر ألغاما جديدة للعودة …
الصحيفة الفرنسية “لاكروا”، وهي الصحيفة الأكثر اهتماما بشؤون المغرب العربي، جاءت على تقرير مفاده وأن:
“كل هذه التحركات على رقعة الشطرنج الساحلية هي نتيجة “الفرصة” التي تركها أو خلقها انسحاب فرنسا والدول الأوروبية من منطقة الساحل، مما أدى إلى تحفيز الجزائر العاصمة والرباط… فلدى هاتين الدولتين حلفاء أقوياء: (الولايات المتحدة بالنسبة للمغرب، والصين وروسيا وتركيا بالنسبة للجزائر)، لكنهم شركاء بعيدون لا يسمحوا لهما حقًا بسياسة تنموية إقليمية.” في إشارة ضمنية وأن أوروبا هي الأقرب.
تواصل الصحيفة في تقريرها قائلة:
“يدرك المغرب والجزائر أن هناك الكثير مما يجب فعله مع جنوبهما، حيث يوجد حوض يتراوح عدد سكانه بين 250 و300 مليون نسمة”
مسألة الحدود، البوليساريو ودول الساحل الأفريقي
هذا المنفذ إلى البحر، علاوة على الفوائد التجارية التي سيحققها المشروع، فإنه يرسخ الشرعية الفعلية للطابع المغربي للصحراء الغربية متى وقع تهيئته حيث سيوضح على “المستوى الحدودي الجغرافي”، مدى قرب المنطقة المتنازع عليها بين الجزائر– المغرب وانفصاليي جبهة البوليساريو.
أما الجانب الجزائري، فمن الطبيعي أن يتجه نحو موريتانيا التي ما تزال مستاءة من إعتراف المغرب بها متأخراً عام 1969، والتي تتأرجح العلاقات معها وتسعى إلى الحفاظ على علاقة متوازنة بين جارتيه الشماليتين.
أما مالي والنيجر وبوركينا فاسو، من جانبها، فتنظر أخيرا إلى هذا الوصول إلى ساحل المحيط الأطلسي عبر الصحراء الغربية بشكل إيجابي للغاية كبديل للمنفذ الذي يمر عبر خليج غينيا والذي تقوضه القرصنة، وغير مستقر سياسيا.
بالنسبة لدول الساحل الأربع، التي يتراوح ناتجها المحلي الإجمالي بين 9.2 و18.4 مليار يورو وفق أحدث المعطيات الصادرة عن البنك الدولي، فإن هذا يعني تعزيز التجارة مع المغرب الذي وصل إلى 120 مليار يورو في عام 2022
فيما يصل معدل الناتج الإجمالي التي تزنها الجزائر مع الدول الاربع الى 175 مليار يورو بينما هذه الدول ذاتها مالي والنيجر وبوركينافاسو والعالقة داخل القارة ستكون براغماتية للغاية، وستفتح كل القنوات الممكنة حتى لا تضطر إلى اختيار الجانب الذي ستعتمد عليه كليا وتخسر الاخر …
مالي، ليس لديها مصلحة في المزيد من التدهور في علاقتها مع الجزائر التي تشترك معها في حدود بطول 1400 كيلومتر. وكان استدعاء السفراء بين البلدين مؤخرا بشأن إدارة الصراع مع الانفصاليين الطوارق، بمثابة تذكير بأهمية الحفاظ على الروابط الهامة بين الدولتين.
النيجر، الواقعة على طريق المبادرة الجزائرية لـ”الطريق العابر للصحراء” الذي يربط البحر الأبيض المتوسط بخليج غينيا في نيجيريا، لن تتخلى عن هذا الشريان الذي ظل قيد الإنشاء منذ عقود.
خلاصة:
اللعبة لم تنته بعد بين المغرب والجزائر، فبينما يراهن البلدين على الريادة الاقتصادية، يغامر الجزائر والرباط بإرث العلاقات التي تجمع خمس دول في مشروع مغاربي واحد “هو مستقبل المنطقة في المغرب العربي ككل “.
وبالتالي حان الوقت لجلوس الجزائر إلى طاولة المفاوضات مع المغرب بإعتبارها الطرف الأساسي والوحيد في هذا النزاع المزمن، الدبلوماسي والاقتصادي، للبحث عن حل سياسي وواقعي بهذا الشأن مقابل تنازل المغرب عن أي تحريك للملف القبائلي-الصحراوي الحدودي فالسياسة قبل كل شيء لعبة تفاوض وكسب أوراق.
المصادر المعتمدة
– الموقع الإلكتروني : “European Environment Information and Observation Network”.- بوابة إفريقيا
-إحصائيات البنك الدولي
– مقال صحفي مأخوذ عن صحيفة “La Croix “الفرنسية .