زهور المشرقي-تونس
رحّب العديد من دول العالم بإعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، مقتل أخطر الإرهابيين على مستوى العالم، زعيم تنظيم “داعش” الارهابي أبوبكر البغدادي، في عملية عسكرية أمريكية في شمال غربي سوريا، قال ترامب إنه قد ينشر مقاطع فيديو لها.
مقتل أبو بكر البغدادي في سوريا إنجاز ينسبه الرئيس الأمريكي لنفسه بكل فخر وحماس، بينما يؤكد في نفس الوقت على رغبته بالانسحاب من سوريا وكل “الحروب التي لا تنتهي”.
وأخيرا تأكّد مقتل أبو بكر البغدادي،زعيم تنظيم”الدولة الإسلامية” بعدما كان قد أُعلن عن ذلك في مرات سابقة.
غارة أمريكية أنهت مسار زعيم دموي نصب نفسه في 2015 من العراق خليفة “لدولة إسلامية”، وذلك بعد عملية استخباراتية يُفترض أن دولا أخرى شاركت فيها.
ويرى خبراء ان القضاء على زعيم “داعش”لن يكون نهاية تنظيم بث الرعب والقتل والفوضى في مناطق عراقية وسورية لمدة غير قصيرة ونشر خلاياه في دول أخرى، بل إنها مجرد ضربة قد يستوعبها التنظيم ويواصل نشاطه الإرهابي.
وجاء مقتل ابن سامراء “العاق” ليضع نهاية لمسيرة المطلوب الأول عالميا الذي نشر تنظيمه الرعب والقسوة وعانت منه عدة دول في العالم على مدى السنوات الخمس الماضية.
مصير التنظيم بعد وفاته زعيمه؟
في هذا الاطار قال الباحث المختص في الجماعات الجهادية الدكتور عمرو فاروق، في حديث مع موقع “ستراتيجا نيوز”، اليوم الثلاثاء 29 أكتوبر2019،إن تنظيم داعش مرتبط باسم ومشروع دولة أبو بكر البغدادي، ولم يرتبط بفكرة الجهاد العالمي، التي طرحها أسامة بن لادن في مواجهة واستهداف المصالح الأمريكية والغربية داخل منطقة الشرق الأوسط، الأمر الذي ربما يتسبب في انتشار التنظيم في ظل مرور عناصره بحالة من التناحر والإنشقاق فيما بينهم.
وأضاف فاروق، أن اعتماد داعش على فكرة الدولة وأركانها، ربما يكون سببا في اهتزاز التنظيم وفلوله وروافده في العديد من المناطق الجغرافية التي يسعى إلى إيجاد حاضنة تنظيمية له فيها، بسبب خسائره الفادحة في سوريا والعراق التي مثلت له أرض الخلافة أو أرض الميعاد،متابعا أن مقتل قائد التنظيم، لا يعني انهيار التنظيم وأركانه بشكل كامل ونهائي، وإلا لكانت جماعة الإخوان، انتهت تماما عقب مقتل حسن البنا، وإعدام سيد قطب، وعبد القادر عودة، أو انتهى تنظيم القاعدة عقب مقتل أسامة بن لادن، وأبو مصعب الزرقاوي، وأبو عمر البغدادي وغيره، وفق قوله.
وأكد المختص في الجماعات الجهادية،أن سقوط مشروع ‘دولة البغدادي’، وسقوط التنظيم أيضا، لا يعني في النهاية سقوط الفكرة، إذ أن التنظيمات تنتهي وتظهر تحت مسميات ونسخ جديدة تحمل نفس التوجهات والأدبيات والأفكار، في ظل وجود إرث ضخم من المرجعيات والمناهج والأطروحات الفكرية التكفيرية، التي يتم من خلالها إنتاج عشرات التنظيمات التي تنتهج العنف والقتل تحت غطاء الدين ومشروع إقامة دولة الخلافة الذي رسم ملامحه حسن البنا وسيد قطب، وأبو الأعلى المودودي وعمر عبد الرحمن، وشكري مصطفى.
وذكّر محدث ستراتيجيا نيوز،بالثروة المالية التي تتجاوز الـ400 مليون دولار، لتنظيم داعش الإرهابي بالإضافة إلى كميات ضخمة من الذهب الخام تقدر بـ40 طنا، مع تمكنه من تهريب عشرات الملايين عبر شركات وكيانات غير رسمية إلى أوروبا كضمان لبقائه، إذ يمثل المال عصب وجود التنظيمات التكفيرية المسلحة، لافتا إلى وجود عدد من الولايات والفروع التي تمثل للتنظيم حاضنة جغرافية وتنظيمية تمكنه من البقاء في إطار المواجهة المسلحة مع مختلف الأنظمة في المناطق التي يتمركز بها، وإعادة تشكيل هيكله وتريتب أرواقه الداخلية تحت قيادة جديدة مسردبة، تحرك الفروع دون أن تكون في قلب المشهد.
وتحدث الدكتور عمرو فاروق، عن رعاية بعض الدول التي تسعي إلى توظيف داعش لتحقيق مصالحها ومآربها الخاصة داخل منطقة الشرق الأوسط مثل إيران وتركيا وقطر، مشيرا إلى اضطرار التنظيم إلى الالتجاه نحو ما يسمى بـ”حرب العصابات” والخلايا العنقودية التي تعتبر تنفيذا لسيناريوهات “الذئاب المنفردة” أو “خلايا التماسيح”، بهدف إعادة الإنتشار واستغلال الأحوال السياسية، واستهداف تنفيذ سلسلة من الهجمات والتفجيرات التي تمنحه نوعا من البروباغندة الوجودية، وهي عودة بالتنظيم إلى سابق عهده ملتحفا بأدبيات الزرقاوي ونهجه وأسلوبه، وسياسة القتل العشوائي الإنتقامي، وفق تعبيره.
من سيخلف أبو بكر البغدادي؟
يقول الدكتور المختص في الجماعات الجهادية مصطفى حمزة في حوار مع موقع’ ستراتيجيا نيوز’ اليوم الثلاثاء 29أكتوبر2019، إن التنظيمات الإرهابية وخاصة الدينية منها “لا تتأثر كثيرا بفقدان زعمائها، بل تصاب بنوع من الخيبة لوقت معين لكن ما تلبث أن تعيد ترتيب أوراقها وتركيب نفسها من جديد وبشكل سريع جدا”.
ويضيف الخبير المصري، أنه لا يمكن إلى حد اللحظة تحديد المرشح الأقرب لخلافة البغدادي، لكنه سيكون عسكريا عراقيا من البعث في الغالب، وسيزعمون انتسابه إلى أصول قرشية ليكون محل قبول وفق الإشتراطات التي يعتمدونها في الخليفة المزعوم، وأغلب الأسماء التي ترددت في هذا الشأن وردت أنباء سابقة غير مؤكدة بمقتلهم في عمليات مختلفة.
وأكد الدكتور مصطفى حمزة، أن غياب القيادة داخل التنظيمات الإرهابية تؤثر سلبا بلا شك لكنها لا تؤدي إلى انهيار التنظيم لأنها سرعان ما تبايع بديلا لمن قتل، مثلما حدث في السابق بعد مقتل أبي مصعب الزرقاوي وأسامة بن لادن وأبو عمر البغدادي وغيرهم الكثير. وتابع محدثنا:”
ربما يؤدي الإختلاف حول شخص القيادة الجديدة والشروط المتوفرة فيها إلى خلافات يمكن أن تصل إلى الإنشقاق داخل التنظيم في الأفرع القريبة مثل سوريا والعراق وتبقى الأفرع البعيدة في إفريقيا والساحل والصحراء متماسكة خلف قيادتها التي بايعت البغدادي في السابق، أما الذئاب المنفردة فستسعى إلى الثأر بضرب عدد من المصالح في الدول المختلفة كجزء من سياسة دفع الثمن التي تحدث عنها القيادي الداعشي أبو بكر الناجي في كتابه “إدارة التوحش””.
وأضاف مصطفى حمزة”لاأعتقد أن يحقق تنظيم داعش الإرهابي أي أهداف بعد مقتل البغدادي ولكن سيعيد التنظيم بناء نفسه مجددا بقيادة جديدة ، خاصة أن الأخير لم يكن له كاريزما ولا تاريخ جهادي أو علمي ومن سيأتي بعده سيكون مشابها له”.
ترامب يسعى إلى الإستفادة من مقتل البغدادي “انتخابيا”
يعتقد الكثير من المراقبين أن الرئيس دونالد ترامب يريد أن يستفيد “انتخابيا” من عملية مقتل زعيم تنظيم داعش الإرهابي أبو بكر البغدادي، خاصة مع سعي المعارضة منذ مدة إلى الإطاحة به عبر حجب الثقة.
ويرى آخرون أن القضاء على الإرهاب يستدعي مواجهة أفكاره أيضا، حيث ذكّر هؤلاء بمقتل زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن عام 2011 في عهد الرئيس السابق باراك أوباما الذي حاول استغلال مقتل المطلوب رقم 1 في العالم في حملته الإنتخابية لولاية ثانية .
مقتل البغدادي في هذا الوقت يشكل عقبة كبيرة أمام منافسي ترامب في الإنتخابات المُقبلة، لاسيما الديمقراطيين.
إستمرار عمل التنظيم
يرى ملاحظون أن مقتل البغدادي زعيم التنظيم، لا يعني شهادة وفاة التنظيم، متوقعين حدوث أعمال إرهابية ردًا على العملية الأمريكية، وليثبت التنظيم الإرهابي استمرارية وجوده .
وتحمل العمليات الإرهابية التي تتبع عملية مقتل أحد القادة أو السيطرة على مكان للتنظيم، رسائل إلى الدول التي تحاربه بأن التنظيم لم يمت بموت قياداته، وتعطي دفعة معنوية لعناصر التنظيم، وفق خبراء .
رمزية المنطقة التي قُتل بها البغدادي ؟
تُعرف المنطقة التي قُتل فيها البغدادي بالتوتر المتصاعد باعتبارها مركزا تستعرض فيها مختلف القوى الإقليمية والدولية كتركيا وروسيا والولايات المتحدة عضلاتها في مشهد زاد من تعقيد الخريطة السورية.
وغير بعيد أيضا عن نفس المكان، يوجد سجن قوات سوريا الديمقراطية ‘قسد’ أين يقبع العشرات من عناصر التنظيم في سجن الأكراد، حيث وبالعودة إلى الحماس والفخر الّذين تحدث بهما ترامب عن عملية قتل البغدادي وإمعانه في تفاصيلها، لا يعلم أحد كيف سيتم التعامل مع بقايا التنظيم في سوريا مع قرار واشنطن سحب قواتها من المنطقة برغم كل المخاوف والإنتقادات للقرار المنسجم مع الموقف المعروف لترامب برغبته في الإنسحاب “من الحروب السخيفة التي لا تنتهي”، حسب تعبيره.