الانتخابات ومستقبل الدولة.. ليبيا إلى أين؟
ورقة بحثية من إعداد: الصحفي ورئيس تحرير العربي الافريقي.. حاتم عبد القادر
مقدمة:
الأزمة الليبية واحدة من الأزمات العربية التي مازالت شائكة حتى اللحظة، منذ سقوط نظام الزعيم الراحل معمر القذافي ومقتله في 20 أكتوبر 2020 في تتويج للانتفاضات التي اندلعت ضد نظامه في 17 فبراير 2011 في هبات ما عرف بـ”ثورات الربيع العربي” والتي طالت من قبله نظام زين العابدين بن علي في تونس، ونظام الرئيس الراحل حسني مبارك في مصر.
وما أطال أمد الأزمة الليبية هو كثرة الأطراف اللاعبة في المشهد بحسب مناطق النفوذ والمصالح لدى هذه الأطراف سواء الإقليمية منها أو الدولية.
وبالرغم من أن مصر طرفا ضمن هذه الأطراف بسبب علاقة الجوار الليبي من الجهة الغربية لمصر وما يمثله هذا الجوار من تحديات بالغة الأهمية، حيث يعد أحد ركائز الأمن القومي المصري، ولا يخفى على أحد كم المخاطر والمعاناة التي تكبدتها مصر من دخول كمية السلاح الهائلة من هذا المنفذ وكذلك من المنفذ الجنوبي (الحدود السودانية) ووصوله إلى سيناء من قبل التنظيمات والعصابات الإرهابية (التكفيرية) لإقامة إمارة إسلامية في سيناء في إطار مشروع تقسيم مصر ضمن مشروع الشرق الأوسط الجديد والذي تصدت له قواتنا المسلحة الباسلة وأجهضته في كل مراحل تنفيذه وتجل ذلك بإقامة شعب مصر العظيم ثورته الحقيقية ضد منابع الشر والإرهاب في 30 يونيو 2013، وتحمل الرئيس عبد الفتاح السيسي (كان وزيرا للدفاع وقتها) ومعه الجيش المصري المسؤولية كاملة تنفيذا لأوامر ورغبات الشعب ضد نظام الحكم الإخواني ونجحت ثورة 30 يونيو في إزاحة هذا “الكابوس” عن شعب مصر.
ووسط كل تحديات الأزمة الليبية وأطرافها تبقى أخلاقيات السياسة المصرية نزيهة، لا مطامع لها ولا مصلحة لها إلا حماية أمنها القومي وسلامة الشعب الليبي والحفاظ على أرضه وثروته، وهذا كان هو توجه مصر في جميع مراحل الأزمة، والذي ظهر في كل اللقاءات والمؤتمرات التي استضافتها مصر بشأن الأزمة الليبية، ولعل مؤتمر باريس الأخير في 12 نوفمبر 2021 ترجم توجه مصر وما حمله من خطاب كان الأقوى بين كل الزعماء الحاضرين، حيث شدد الرئيس السيسي على ضرورة حل الأزمة الليبيبة ولن يكون إلا بأيدي الليبيين أنفسهم وتمسكهم بثروتهم وخيرات بلادهم والحفاظ عليها من الطامعين، مذكرهم بنضال جدهم عمر المختار الذي حرر بلادهم من الاحتلال الإيطالي.
إن الورقة البحثية الماثلة أمام حضراتكم حاولت الإلمام بكافة أبعاد الأزمة وأسباب نشأتها وتطوراتها ومآلاتها من خلال الأطراف الفاعلة المباشرة وغير المباشرة وأهداف تلك الأطراف، وقد تم التركيز على التحرك المصري حيال الأزمة ورؤيته لحلها وجهوده لإعادة اللحمة الوطني إلى الدولة الليبية وكذلك عودتها الفاعلة إلى محيطها العربي والإقليمي والدولي.
واستخلصت الورقة البحثية توصية بالحل في ضوء الانتخابات الرئاسية والتشريعية المزمع بدأها في الرابع والعشرين من شهر ديسمبر 2021.
نشأة الأزمة:
تعد الأزمة الليبية واحدة من الأزمات العربية التي لها وضع خاص نظرا للوضع “الجيواستراتيجي” للدولة الليبية، حيث تتمتع بثروة نفطية هائلة تتمركز في مناطق فزان (الجنوب) وبرقة (الشرق) وطرابلس (الغرب)، فليبيا هي رابع منتج للنفط في أفريقيا وصاحبة أكبر احتياطي له في القارة الإفريقية،كما تتميز ليبيا بكونها ممرا دوليا نافذا إلى أفريقيا جنوب الصحراء، وكذلك إلى النظام الإقليمي العربي (تونس، الجزائر، مصر، السودان)، هذا علاوة على امتلاكها 2000 كم لشاطئ البحر الأبيض المتوسط مما يجعلها منفذا بحريا واسعا للقارة الأفريقية إلى القارة الأوروبية.
وما يزيد من ثقل وزن الأزمة الليبية وأبعادها الاستراتيجية أنها تمثل تهديدا لأحد ركائز الأمن القومي المصري من الجهة الغربية، حيث تبلغ الحدود المصرية الليبية إلى حوالي 1115 كيلو متر، ومن خلال تلك الحدود تتسرب التهديدات الأمنية لمصر من خلال دخول السلاح والعناصر الإرهابية، وهو ما حدث فعلا في أعقاب أحداث 25 يناير لعام 2011، فكل الأسلحة التي وصلت لأقصى الشرق المصري في سيناء جاءت من ليبيا عبر الحدود الغربية المصرية مستغلين حالة الفوضى والانفلات الأمني والسياسي التي شهدتها مصر خلال أحداث 25 يناير 2011.
بدأت الأزمة الليبية مع اندلاع الاحتجاجات الشعبية في بنغازي (شرق ليبيا) في السابع عشر من فبراير لعام 2011 إلى أن عمت الاحتجاجات معظم المناطق الليبية وصولا إلى العاصمة طرابلس للوصول إلى ساعة الحسم التي يعلن فيها سقوط نظام القذافي الذي امتد إلى ما يقرب من 42 عاما منذ ثورة الفاتح من سبتمبر لعام 1969.
ومع بداية الأحداث والأخذ في تصاعدها داخليا حدثت مواجهات عنيفة بين المحتجين (أو الثوار الليبيين) وقوات النظام الليبي الموالي للزعيم الليبي الراحل معمر القذافي وصلت إلى مواجهات مسلحة استخدم فيها الجيش الليبي معداته وأسلحته ضد المتظاهرين مسقطا جرحى وضحايا في مشهد دموي، ما فتح المجال واسعا لتدخلات دولية وعربية في الإقليم أمام تحفظ أفريقي؛ تحسبا لسيطرة “القذافي” على مقاليد الأمور وعودته مرة أخرى.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن مصر فتحت أبوابها لعلاج المصابين من الشعب الليبي في مختلف مستشفياتها، وقد التقى كاتب الورقة البحثية وقتها عددا من المصابين وذويهم في مستشفى معهد ناصر في القاهرة، وقد أفاضوا في ذكر ما قام به نظام القذافي في حقهم من مشاهد دموية من إطلاق النيران الحية وقصفهم بالطيران.
وفي بدايات الأزمة بدا نظام القذافي مسيطرا حيث استخدم القوة المفرطة لدحر تقدم المنتفضين والوصول إلى العاصمة “طرابلس” لإسقاط نظامه؛ ما أثار حفيظة المجتمع الدولي والدول الكبرى التي رأت أن الفرصة حانت للتخلص من شخص “القذافي” الذي كان مناهضا لسياساتهم، رغم التوافق والتحسن في العلاقات بين ليبيا وتلك الدول في الفترة الأخيرة قبل الانتفاضة الليبية. فقد قادت كل من الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وبريطانيا تحرك المجتمع الدولي ضد معمر القذافي ونظامه، وتزامن مع تلك التحركات بشكل سريع تحركات عربية بواسطة دول الخليج العربي تحت غطاء جامعة الدول العربية، وهندس تلك التحركات عمرو موسى الأمين العام لجامعة الدول العربية وقتها.
فقد اجتمع مجلس جامعة الدول العربية على المستوى الوزاري يوم السبت الموافق 12 مارس 2011 لبحث تداعيات الوضع في ليبيا وانتهى الاجتماع ليعلن عمرو موسى الأمين العام للجامعة العربية، في مؤتمر صحفي عقب الاجتماع، أن “الجامعة” اعتمدت قرارا يدعو مجلس الأمن الدولي لاتخاذ “الاجراءات الكفيلة بفرض منطقة حظر جوي على حركة الطيران العسكري الليبي فورا”، معتبرا أن “جرائم وانتهاكات السلطات الليبية تفقدها الشرعية”، في حين تحفظت كل من الجزائر وسوريا والسودان على القرار.
وأعلن “موسى” اعتراف “الجامعة العربية” بالمجلس الوطني الانتقالي برئاسة مصطفى عبد الجليل، والذي تشكل في 27 فبراير 2011، أي بعد 10 أيام فقط من اندلاع الاحتجاجات، ليكون ممثلا شرعيا لليبيا وبدء الاتصال به، معللا ذلك بقوله أن “الجرائم الخطيرة والانتهاكات الكبيرة التي ارتكبتها الحكومة الليبية ضد شعبها قد جردتها من شرعيتها”. وفي نفس السياق أكد وزير الخارجية العُماني يوسف بن علوي – الذي كانت تترأس بلاده وقتها الدورة للمجلس الوزاري للجامعة العربية – الاعتراف بالمجلس الوطني الانتقالي الليبي قائلا: “لقد أعطيناهم الشرعية”.
وتجدر الإشارة هنا بحسب ما ذكره موقع “بوابة أفريقيا الإخبارية”، أن وفدا من المجلس الوطني الانتقالي الليبي، التقى الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى، قبيل الاجتماع، طالبا منه مساعدتهم بأن يعترف مجلس وزراء خارجية الجامعة العربية بمجلسهم كممثل لبلادهم، كما دعوه إلى الموافقة على فرض منطقة حظر جوي.
وقالت عضو الوفد تهاني سليمان مبارك للصحفيين بعد اللقاء “جئنا من ليبيا بتفويض مكتوب من المجلس الوطني الانتقالي الليبي للقاء الأمين العام للجامعة العربية، لنقل مطالبنا الى وزراء الخارجية العرب، واتخاذ قرارات رادعة ضد نظام القذافي لوقف سفك الدماء”.
وأضافت تهاني “طلبنا من الأمين العام للجامعة العربية الاعتراف بالمجلس الانتقالي برئاسة مصطفى عبدالجليل، ووضع علم الاستقلال الليبي بدلا من العلم الحالي”.
الصورة :يوسف بن علوي وزير الخارجية العُماني أثناء اجتماع مجلس جامعة الدول العربية الطارئ في 12 مارس 2011 لبحث الأزمة الليبية وعن يمينه عمرو موسى الأمين العام وعن يساره أحمد بن حلي الأمين العام المساعد
وبمجرد اعتماد جامعة الدول العربية لقرارها بدعوة مجلس الأمن الدولي بفرض حظر جوي على المجال الليبي تلقفت الدول الغربية الكبرى القرار وتحركت من أجل إصداره من مجلس الأمن، فقد رحبت وزارة الخارجية البريطانية وقالت إن بريطانيا وفرنسا تعملان حاليا على مشروع قرار تنويان عرضه على مجلس الأمن الدولي ويتضمن تأييدا لفكرة إقامة منطقة حظر جوي فوق ليبيا.
وبحسب موقع “بي بي سي عربي”، اعتبرت متحدثة باسم “الخارجية البريطانية” أن إقامة منطقة حظر جوي فوق ليبيا مجرد خيار حتى الآن” يسمح بالرد السريع عند الضرورة”.وقالت إن “اجتماع الجامعة العربية في القاهرة يظهر أن موقف العقيد القذافي لم يحظ بأي دعم من دول المنطقة”.
وقادت فرنسا وبريطانيا الحملة لحشد التأييد لفرض الحظر الجوي الذي قد يعني إمكانية تدخل طائرات حلف شمال الأطلسي (الناتو) لمنع الطيران الليبي من قصف المدنيين وقوات المعارضة.
وفي حوار له مع مجلة “ديرشبيجل” الألمانية حول دور “الجامعة العربية” في فرض حظر جوي على ليبيا قال عمرو موسى: “أتحدث عن تحرك إنساني. تتعلق المسألة مع منطقة حظر جوي بمساندة الشعب الليبي في نضاله من أجل الحرية وضد نظام تزداد غطرسته”.
وبحسب موقع “بوابة أفريقيا الإخبارية”، “أدى موقف الجامعة العربية إلى إتخاذ قرار أممي بالتدخل العسكري في ليبيا لدعم المتمردين، وذلك بالاعتماد على تقارير إعلامية تَبيَنَ لاحقا أنها كانت مفبركة وخاصة من خلال الادعاء بقصف طائرات النظام متظاهرين سلميين، واغتصاب الجيش للنساء، وجلب مرتزقة أفارقة للتصدي للاحتجاجات والقتال ضد المسلحين”. وحسب رؤية الموقع، فإن قطر وجماعات الإسلام السياسي والجامعة العربية قاموا بدور مفصلي في تأزيم الأوضاع في ليبيا.. حتى وصلت الأمور إلى ما هي عليه.
وعلى النقيض من موقف جامعة الدول العربية فقد أصدر “الاتحاد الأفريقي” بيانا أدان فيه أعمال العنف في البلاد بعد أسبوع من اندلاع الانتفاضات، إلا أنه لم يوجه إدانة مباشرة للزعيم الليبي الراحل معمر القذافي. وعقد “الاتحاد” قمة طارئة في مقره بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا في 25 مارس 2011، مقررا خارطة طريق لحل الأزمة سياسيا، كما أعلن مجلس السلم والأمن الأفريقي موقفه الرافض لأي تدخل عسكري دولي في ليبيا، وشكل المجلس لجنة من خمسة رؤساء أفارقة للتشاور مع جميع الأطراف في ليبيا حول الأزمة.
وقد تحددت خارطة الطريق الأفريقية في خمسة بنود رئيسة هي:
1- حماية المدنيين ووقف الأعمال العدائية.
2- توصيل المساعدات الإنسانية للسكان المضارين سواء كانوا ليبيين أو من العمالة الأجنبية وخاصة الأفريقية.
3- بدء حوار سياسي بين الأطراف في ليبيا للتوصل لتوافق حول سبل إنهاء الأزمة.
4- البدء في مرحلة انتقالية شاملة.
5- تطبيق إصلاحات سياسية لتلبية متطلبات الشعب الليبي.
ويفسر المراقبون عدم توجيه أي إدانة من الرؤساء الأفارقة إلى “القذافي” لاحتمالية سيطرته على الوضع وعودته منتصرا واستتباب الأمور في ظل العلاقات الجيدة التي كانت تربطهم معه ودعمه الكبير للاتحاد، علاوة على الاستثمارات الليبية التي كانت في العديد من الدول الأفريقية.
تدخل حلف شمال الأطلسي (الناتو) عسكريا في ليبيا:
بالرغم من الحماس الشديد لدى الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي لشن حرب على ليبيا وتخطيطه المسبق لتلك الحرب إلا أن قرار “الجامعة العربية” بطلب فرض حظر جوي على ليبيا وفر غطاءً للقوى الكبرى، وهو ما أعطى الفرصة لمجلس الأمن الدولي لإصدار القرار 1973 والذي يفرض حظرا جويا على كامل ليبيا بهدف حماية المدنيين من أي استهدافات جوية من الجيش الليبي، إلا أن القرار منح قوات الناتو التدخل عسكريا حال تطلب الأمر، وهو ما اعتبره وزير الخارجية الليبي في ذلك الوقت موسى كوسا انتهاكا لقرار مجلس الأمن بعد أن أعلن التزام بلاده بالقرار.
وما إن صدر القرار سارعت فرنسا بشن غارات جوية على عدد من الأهداف الليبية، لتتوسع الضربات من حلف الناتو فيما بعد مقدمين دعما للمتمردين ضد القذافي، حيث استهدفت الغارات الجوية تدمير البنية التحتية للجيش الليبي ومؤسسات الدولة ومقار الزعيم الراحل معمر القذافي وخاصة مقره المحصن في باب العزيزية في العاصمة طرابلس.
الصورة: مقاتلة فرنسية شاركت في العمليات العسكرية ضد ليبيا في 22 مارس 2011
كما استهدفت ضربات “الناتو” عددا من المدنيين الليبيين العزل، ما أكد أن تدخل “الناتو” كان له أهدافا محددة هي الوصول إلى شخص القذافي والتخلص منه إما بإحدى ضربات “الناتو” أو بأيدي المتمردين.
وفي أغسطس 2011 بالتوازي مع عمليات “الناتو” ومغادرة “القذافي” إلى سرت، حيث مسقط رأسه، سقطت العاصمة طرابلس في أيدي المتمردين والميليشيات المسلحة وجماعات الإسلام السياسي.
وفي 20 أكتوبر 2011 سقط “القذافي” في أيدي المتمردين بعد تتبع موكبه وتمكنوا من قتله والتمثيل بجثته (في مشهد مؤلم) شاهده العالم أجمع، ولتسجل كل من فرنسا وأمريكا نصرا كبيرا بالتخلص من “القذافي” أحد الممانعين لمشروع الشرق الأوسط الجديد، كما احتفل المتمردين في مختلف مناطق ليبيا مبتهجين بالتخلص من زعيمهم الذي قضى في الحكم 42 عاما مقرين بأنها سنوات حكم فيها “القذافي” بالاستبداد والقوة المفرطة ما أخر تقدم ونمو الدولة الليبية في مختلف المجالات.
تطور الأزمة:
كان من المفترض بعد وصول المتمردين إلى هدفهم بالتخلص من “القذافي” بمساعدة كل من أمريكا وفرنسا وبريطانيا وحلفهم العسكري “الناتو” أن تشرق شمسا جديدة على الشعب الليبي إيذانا ببدء عصر جديد لدولة مدنية ذات سيادة تتمتع بمؤسسات وحياة سياسية ديمقراطية تعطلت لأكثر من 40 عاما.
ولكن ما حدث هو العكس تماما، حيث ظهرت التنظيمات الإرهابية والجماعات الإيديولوجية والميليشيات المسلحة في جميع مناطق ليبيا شرقا وغربا وجنوبا، وبدأ الاقتتال الداخلي فيما بين هذه التنظيمات من ناحية ومع الشعب الليبي من ناحية أخرى حتى صارت حربا أهلية دفع ثمنها إلى اليوم المواطن الليبي الأعزل، في صراع على الحكم والثروات النفطية.
ومع هذا الصراع الداخلي عمت الفوضى واقتربت ليبيا لتتحول إلى دولة فاشلة حيث أصبحت على وشك الانهيار بعد غياب الجيش ومؤسسات الدولة، ما جعل الأرض ممهدة لتصارع القوى الخارجية على حماية مصالحه في الداخل الليبي للاستئثار بالثروة النفطية التي تؤمن استمرار إمدادهم بالطاقة.
وفي غمار أحداث الفوضى ظهر في ليبيا حكومتان وبرلمانان وبنكين مركزيين، واحدة في الشرق والأخرى في الغرب، في ظاهرة فريدة من نوعها أثرت على مجريات العمليتين السياسية والاقتصادية.
المرحلة الانتقالية والحرب الأهلية:
بعد إعلان المجلس الوطني الانتقالي الليبي مقتل معمر القذافي في 20 أكتوبر 2011 على يد “كتائب الثوار” في سرت، مسقط رأس القذافي، والتخلص من حكم ديكتاتوري ظل لمدة 42 عاما، لتبدأ المرحلة الانتقالية في 23 أكتوبر 2011 برئاسة المجلس الوطني الانتقالي إلى أن تم انتخاب المؤتمر الوطني العام في 7 يوليو 2012 لينتهي بذلك دور المجلس الوطني الانتقالي برئاسة مصطفى عبد الجليل، حيث سلم المهام إلى أكبر أعضاء المؤتمر الوطني الييبي سنا وهو محمد علي سالم.
وكانت مهمام المؤتمر الوطني الليبي تتمثل في تعيين رئيس الحكومة، ورؤساء الوظائف السيادية، وتعيين هيئة تأسيسية لصياغة الدستور، وإصدار قانون الانتخابات العامة.
وكان من المفترض أن تشهد ليبيا استقرارا على كافة الأصعدة خلال تلك المرحلة الانتقالية في عهد المؤتمر الوطني، إلا أن الأوضاع اتجهت لعدم الاستقرار وحدوث فوضى أمنية عارمة بظهور الميليشيات المسلحة التي سيطرت على الموقف الليبي؛ نتيجة المخزون الهائل من السلاح وعدم وجود قوة مركزية رادعة، كذلك لم تكن هناك قيادة معترف بها لتلك الثورة ما فتح المجال واسعا أمام العشوائية في إدارة البلاد.
وشهد عام 2014 أول انتخابات تشريعية ليتشكل أول مجلس للنواب في منطقة الشرق برئاسة عقيلة صالح، ولم يكن ظهور هذا المجلس موافقا لمصلحة القوى الثورية المتمثلة في تحالف أحزاب “العدالة والبناء” و”حزب الوطن” وأحزاب وقوى عسكرية أخرى ذات توجه إسلامي.
وباعتبار أن المؤتمر الوطني الليبي انتهت ولايته وعليه تسليم السلطة إلى مجلس النواب المنتخب من الشعب، إلا أن الفصائل المهيمنة على المشهد من أصحاب التوجه الإسلامي لم يقم بذلك، وفي المقابل لم ينتظر مجلس النواب وقام بالانعقاد في مدينة طـبرق (شرق ليبيا) فــي 2 أغسطس 2014 لتنشب أزمة دستورية بين الطرفين، الأمر الذي ساهم في تعزيز الاستقطاب السياسي في البلاد. فقد مثّل الصراع على نقل السلطة من المؤتمر الوطني إلى مجلس النواب أحد أهم أسباب الأزمة السياسية. ودار محور الصراع حول السلطة التشريعية؛ لاعتقاد القوى السياسية الليبية أن من يسيطر عليها سيحدد ملامح الخارطة السياسية في ليبيا مستقبلًا.
فجر ليبيا
ومع استمرار الأزمة السياسية والدستورية بين المؤتمر الوطني الليبي ومجلس النواب أطلقت الكتائب المسلحة في طرابلس والمتحالفة مع المؤتمر الوطني الليبي عملية “فجر ليبيا” للسيطرة على المناطق الحيوية في طرابلس، وفي مقابل ذلك أطلق الجيش الوطني الليبي بقيادة اللواء خليفة حفتر عملية عسكرية للتخلص من الميليشيات المسلحة في كامل ليبيا منطلقة من مدينة بنغازي وعرفت بإسم “الكرامة”، لتشتعل الحرب الأهلية بين مختلف مكونات الدولة الليبية. واستمرت عملية “الكرامة” في تقدمها من شرق البلاد وجنوبها باتجاه الغرب وكادت على وشك الدخول إلى العاصمة طرابلس إلا أن الكتائب المسلحة والدعم التركي لهم حال دون دخول الجيش إلى طرابلس لتتراجع قوات “حفتر”.
الانقسام السياسي
وأدى تصاعد الحرب الأهلية بين المكون الليبرالي (المؤيد للواء خليفة حفتر) والجماعات ذات التوجه الإسلامي إلى خلق بيئة سياسية منقسمة، خاصة هؤلاء المضارين من قانون العزل الذي حكم باستبعاد كل من كان يعمل في نظام القذافي، فقد ساهم هذا القانون باستجماع قوى هؤلاء المعزولين وتلقيهم دعما خارجيا في عملية تعرف بدعم الثورة المضادة (الأجنحة الموالية للقذافي)، وقد ساهمت كل هذه التناحرات في توفير بيئة ملائمة لوجود تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” والذي كان رقما جديدا ومغاير في المعادلة السياسية الليبية، حيث التهديد المباشر من هذا التنظيم الإرهابي لدول الجوار الليبي وخاصة مصر.
مؤتمرات الحلّ والمنافسة
لعبت الدول المتنافسة على دور لها في الملف الليبي دورا كبيرا في إيجاد مخرجات لحل الأزمة الليبية وعودة الأمور إلى الاستقرار، فكان عددا من المؤتمرات واللقاءات منذ عام 2015 وإلى الآن ولكن في نهاية الأمر اتضح أن الكل يلعب لمصلحته فقط، ولم تخرج تلك المؤتمرات بأكثر من توصيات عامة دون إرادة نافذة وأفعال على أرض الواقع.
والمتتبع لمثل هذه المؤتمرات يجدها بدأت باتفاق الصخيرات الشهير الذي استضافته المملكة المغربية في 17 ديسمبر 2015 ليخرج بمكاسب جيدة في حفاظه على المؤسسة العامة للنفط والبنك المركزي الليبي الذي يدير احتياطات ليبيا من الذهب والعملة، ولكن سرعان ما انقسم الفرقاء مرة أخرى ليظهر انقسام في البنك المركزي الليبي في شرق ليبيا في منطقة بنغازي.
وفي اجتماع لندن في 31 أكتوبر 2016 الذي دعت إليه أمريكا وبريطانيا وحضره كل من فرنسا وإيطاليا والسعودية والإمارات، ولكن فشل هذا الاجتماع ولم يكن له أي مخرجات في واقع الأزمة.
أما مؤتمر باريس الذي انعقد في مايو 2018، فقد سارعت فرنسا في الالتفاف على الملف الليبي ووضع قدم لها في ليبيا من ناحية الجنوب حيث تعد البوابة الرئيسية لدول الساحل الأفريقي وهو البعد الاستراتيجي لفرنسا في تلك الدول، وتم طرح حلول كإجراء انتخابات رئاسية وتشريعية قبل نهاية 2018 وصياغة الدستور ولكن لم يتم شئ.
وجاء مؤتمر باليرمو بإيطاليا في 2018 في غيرة سياسية إيطالية من فرنسا وألا تترك لها الساحة لتستأثر بالملف الليبي وحدها، خاصة وأن إيطاليا لها مصالح استراتيجية في ليبيا منذ عقود طويلة، وفي الفكر الإيطالي تمثل ليبيا بعدا استراتيجيا لاعتبارين رئيسيين، وهما البعد التاريخي حيث كانت ليبيا مستعمرة إيطالية حتى 1951، والثاني أمني بسبب القرب الجغرافي، أيضا هناك عامل اقتصادي مهم وهو وجود شركة إيني (شركة عاملة في التنقيب واستخراج النفط والغاز) والتي تمثل الذراع الاقتصادي للدولة الإيطالية، فبالرغم من وجود عقوبات اقتصادية فرضها المجتمع الدولي على نظام القذافي تمكنت إيطاليا من الحفاظ على وجود شركة إيني في ليبيا. ولم يكن مؤتمر باليرمو سوى أكثر من صراع إيطالي فرنسي على بسط النفوذ والسيطرة على الموارد الليبية لا أكثر.
ويأتي لقاء أبو ظبي برعاية ولي عهد دولة الإمارات العربية المتحدة الشيخ محمد بن زايد، وقد ضم اللقاء كل من المشير خليفة حفتر قائد الجيش الوطني الليبي وفايز السراج رئيس حكومة الوفاق الوطني الليبي، وقد تم الاتفاق على تشكيل مجلس أمن قومي مصغر برئاسة المشير خليفة حفتر، واختيار أحد أعضاء المجلس الرئاسي، مع رفضه وجود أي من قيادات التيار الإسلامي المهيمن في المجلس الأعلى للدولة في عضوية مجلس الأمن القومي المصغر، إلا أن اللقاء لم يوفق في نفاذ أي من بنوده على الأرض مما جعله كسابقه من لقاءات، وما نسف أي جهود لهذا اللقاء هو قرار “حفتر” بدخول العاصمة طرابلس بإطلاقه العملية العسكرية “طوفان الكرامة” في 4 أبريل 2019.
وفي مؤتمر برلين1 انتهى المشاركون إلى وضع خارطة طريق أكدت على سيادة الدولة الليبية، وإنهاء العمليات العسكرية من كافة الأطراف، وتسريح الميليشيات والتنظيمات المسلحة ونزع أسلحتها أو دمجها في مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية والأمنية. كما حث البيان الختامي للمؤتمر على تنفيذ اتفاق الصخيرات باعتباره قابلا للتنفيذ، داعيا إلى تشكيل مجلس رئاسي وتشكيل حكومة موحدة. وقد صدق مجلس الأمن على نتائج المؤتمر، مشددا على الوقف الدائم لإطلاق النار، والتزام جميع الدول الأعضاء بالامتثال الكامل بحظر التسليح لجميع الأطراف الليبية طبقا لقرار مجلس الأمن رقم 2510 لسنة 2020.
وتجدر الإشارة إلى رؤية مصر الشاملة لحل الأزمة من خلال مشركة الرئيس عبد الفتاح السيسي في المؤتمر، حيث أكد أنه لا مخرج لحل الأزمة الليبية إلا بواسطة حل شامل يتناول مجمل أبعاد الأزمة من خلال مسارات محددة على كافة الأصعدة السياسية، والأمنية، والاقتصادية، مع صياغة آلية واضحة تحظى بالتوافق والإرادة لتنفيذ مخرجات المؤتمر.
أما مؤتمر برلين2 الذي عقد في 23 يونيو 2021 فقد شدد على إجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية في 24 ديسمبر 2021 طبقا لمحددات مؤتمر الحوار السياسي الليبي الذي شهدته تونس في نوفمبر 2020، كما شدد المؤتمر على قبول الجميع بنتائج الانتخابات، وإخراج جميع القوات الأجنبية والمرتزقة من البلاد (تشير التقديرات إلى وجود20 ألف مقاتل).
تقييم الموقف الحالي للأزمة:
بعد رحيل حكومة فايز السراج والتي كانت مناوئة للجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر وتشكيل حكومة جديدة برئاسة عبد الحميد الدبيبة وافق عليها مجلس النواب الليبي في مارس 2021وتوقف إطلاق النار بين مختلف الفصائل الليبية آلت الأمور إلى الاستقرار النسبي؛ تمهيدا لإجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية في آواخر ديسمبر 2021، ما يمهد الطريق لاستكمال بناء مؤسسات الدولة وإتمام عمليات التسوية السياسية ومسارات الحل التي طرحت في مختلف المؤتمرات حول الأزمة وبشكل خاص “إعلان القاهرة” الصادر في 6 يونيو 2020 في أعقاب لقاء الرئيس عبد الفتاح السيسي بكل من المشير خليفة حفتر والمستشار عقيلة صالح رئيس مجلس النواب الليبي؛ حيث شددت مصر على رؤيتها بشأن ليبيا في الحفاظ على ترابها وسلامة أراضيها، وكذلك الحفاظ على ثروات الشعب الليبي وحمايتها، وإعادة انخراط ليبيا مرة أخرى في المجتمع الدولي؛ لإقامة علاقات إقليمية ودولية على أسس المساواة والندية بما يحقق الصالح الليبي.
وقد دعا “إعلان القاهرة” إلى الانطلاق الرئيسي من مخرجات مؤتمر برلين1 والذي نتج عنه حلا شاملا للأزمة الليبية على مختلف الأصعدة السياسية، والأمنية، والاقتصادية. كما قوبل هذا الإعلان بترحيب دولي كبير لما فيه من نية جادة وحاسمة للرؤية المصرية لحل الأزمة الليبية.
ولكل ما سبق فإن إجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية المرتقبة في الرابع والعشرين من ديسمبر 2021 والقبول بنتائجها من جميع التيارات الليبية هو الضامن الوحيد لبداية الاستقرار في الداخل الليبي وعلى دول الجوار.
ولكن بالنظر إلى بعض التيارات الأخرى في المشهد الليبي الداخلي فإن الاتجاه ذات “المرجعية الإخوانية” والذي يمثله خالد المشري رئيس المجلس الأعلى لايزال رافضا للانتخابات التي يدعي أن اعتمادها تم من طرف واحد، في إشارة إلى مجلس النواب، كما وصفها بـ”المهزلة”، فلم يقبل “المشري” والتنظيمات الموالية له وكذلك بعض القبائل بفكرة إجراء الانتخابات حتى اللحظة، فقد قال “المشري” نصا: “لو تمت الانتخابات غصب عن إرادتنا سيسجل التاريخ أننا لم نشارك في تشريع وشرعنة هذه المهزلة على أقل تقدير لكن نحن لن نشارك في شرعنة “مهزلة” كهذه”.
وكانت جماعات المرجعية الإخوانية قد دعت المواطنين بمقاطعة الانتخابات المقررة آواخر ديسمبر 2021، كما قامت بالاعتداء على بعض مقار توزيع بطاقات الاقتراع في خطوة تنذر بقلقلة الأوضاع واتجاهاها لعدم الاستقرار مرة أخرى.
وما يزيد من ضبابية الأمر هو قبول ترشح سيف الإسلام معمر القذافي، نجل الزعيم الراحل معمر القذافي الذي انتفض الشباب ضد حكمه ونجح بمساعدة الغرب في إسقاط حكمه ومقتله في أكتوبر 2011، حيث يمثل ترشح سيف الإسلام القذافي دلالة في منهتى الأهمية، خاصة وأن له مؤيدين وشعبية تحاول عددا من أجهزة الإعلام تصديرها للخارج على اعتبار الندم من قبل الشعب الليبي على مُضي”أيام القذافي” والتي كانت تتمتع بقدر كبير من الأمان والاستقرار على كافة المستويات، وأن سيف الإسلام القذافي هو الوحيد المؤهل لقيادة ليبيا في المرحلة المقبلة على أسس لم تتوفر في غيره كامتلاكه كما من أسرار الدولة في عهد والده، وأنه على دراية بمفاصل الدولة وطريقة عملها، كذلك شهد العديد من مراحل الحكم مع والده كعلاقات ليبيا مع العديد من الدول الأفريقية والأوروبية، مما فسر وقتها بأنه تمهيد لتوريثه الحكم بعد وفاة والده.
ومع كل هذه الاعتبارات فإن سيف الإسلام القذافي يواجه صعوبات كبيرة أمام عودته للمشهد السياسي في الداخل الليبي مرة أخرى، ويخطئ من يظن أن هناك إجماعا عليه من قبل القبائل الليبية، ولكن تتصدر الصورة التي تنقلها الحملة الخاصة به إلى الإعلام وخاصة الإعلام الخارجي في إشارة تحمل “الحنين إلى عهد القذافي الأب” من خلال قبيلة القذاذفة والقبائل المؤيدة لها.
ونفس الصعوبات التي يواجهها سيف الإسلام القذافي يواجهها المشير خليفة حفتر وإن كانت أسبابها مختلفة بعض الشئ.
ورغم القائمة الطويلة التي تضم مترشحي الرئاسة الليبية تنحصر المنافسة القطبية بين خليفة حفتر وسيف الإسلام القذافي، ويأتي بعدهما عقيلة صالح رئيس مجلس النواب وعبد الحميد الدبيبة رئيس الحكومة.
ويبقى الوضع في ليبيا مرهونا بمدى قدرة الحكومة الليبية على إجراء الانتخابات في موعدها بدعم دولي على أساس مخرجات مؤتمر باريس الأخير الذي انعقد في 12 نوفمبر 2021، والذي أقر أنه لا مفر من إجراء الانتخابات ووضع جدول زمني لها، مهددا بمعاقبة المعرقلين للعملية الانتخابية، إلا أن المؤتمر لم يحدد ماهية تلك العقوبات ولم يحدد موعدا وآلية لخروج القوات والمرتزقة الأجانب، في موقف يمكن تفسيره بأن الغرب يريد بقاءهم كورقة يلعب بها في حال فشل الانتخابات؛ حفاظا على مصالحه هناك وليبدأ جولات جديدة من مسارات الحل عبر آلية المؤتمرات الخاصة بالحالة الليبية.
إن انفجار الوضع من الداخل سيناريو محتمل لإفشال الانتخابات الليبية وخصوصا في ظل التهديدات الإخوانية المستمرة والتي هددت باستعدادهم لتقديم آلاف الشهداء؛ ما يمكن أن يؤدي إلى عرقلة إتمام الانتخابات من الأساس، أو عدم قبول الطرف الخاسر بالنتيجة، لتبدأ دوامة جديدة من العنف المسلح بين مختلف الفصائل خاصة في ظل المخزون الهائل من السلاح الموجود تحت سيطرة الميليشيات والقبائل.
موقف الأطراف المباشرة في الأزمة وأهدافها:
الأطراف المباشرة للأزمة الليبية في فكر معد البحث تعد هي الأطراف الداخلية فهي الأطراف الأصيلة لها، وهناك طرفان أساسيان في الداخل هما:
1- جناح الغرب (طرابلس):
ويتمثل في حكومة الوفاق الوطني برئاسة فايز السراج، ومن بعده حاليا حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد الدبيبة، ويساند تلك الحكومة بعض الجماعات المسلحة وفي القلب منها جماعة الإخوان، وهذا الجناح يدعمه إقليميا تركيا وقطر، ودوليا تعترف الأمم المتحدة بحكومات الغرب المتعاقبة وتدعمها بعض الدول مثل إيطاليا.
2- جناح الشرق (بنغازي – طبرق):
ويتمثل في الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر، والبرلمان الليبي برئاسة المستشار عقيلة صالح، وتقع معظم مناطق الشرق تحت سيطرة الجيش الوطني بعد أن نجح في تحرير منطقة بنغازي من التنظيمات الإرهابية المسلحة من خلال عملية الكرامة التي انطلقت في مايو 2014، كما تمكن من سيطرته على بعض المناطق في الجنوب والغرب بتفاهمات قبلية أحيانا وبمواجهات مسلحة أحيانا أخرى. ويعمل هذا الجناح لتخليص ليبيا من التنظيمات الإرهابية وعودة اللحمة الوطنية إلى الشعب الليبي، ويدعمه في الاتجاه إقليميا كل من مصر والإمارات، ودوليا فرنسا وروسيا.
موقف الأطراف المؤثرة في الأزمة وأهدافها:
تعد الأطراف المؤثرة في الأزمة الليبية هي تلك الأطراف التي لها تأثير مباشر من خلال وجود جغرافية معها تؤثر بشكل كبير على أمنها القومي والوطني مثل مصر والجزائر وتونس والسودان، وهذه الأطراف تقع في نطاق الجوار العربي لليبيا.
ولكن تبدو مصر هي الطرف الأبرز والأهم من تلك الأطراف نظرا لموقعها الاستراتيجي وتعدد علاقاتها الإقليمية والدولية وهو ما يجعل تحركها في الملف الليبي ذا تأثير كبير حفاظا على أمنها القومي من جهة حدودها برية مع ليبيا والتي تمتد لأكثر من 1000 كيلو متر. ونفس الأمر بالنسبة للجزائر وتونس، ولكن الجزائر غارقة الآن في همومها الداخلية وخلافاتها مع المغرب، فانصرف تأثيرها في الأزمة الليبية. وكذلك الحال بالنسبة لتونس التي تنشغل قيادتها بتحريرها من المد الإخواني.
أما الأطراف الإقليمية فتتمثل في تركيا، والتي أرسلت آلاف المرتزقة من السوريين وغيرهم للقتال في ليبيا في منطقة طرابلس والغرب ضد جنود الجيش الوطني الليبي والعناصر المؤيدة له لكبح تقدمهم إلى العاصمة طرابلس لتحريرها من التنظيمات الإرهابية. وتهدف تركيا من ذلك أمران: أولهما موطأ قدم يمكنها من الحصول على مكاسب من الثروة النفطية الهائلة في ليبيا، والثاني مناكفة مصر وتهديدها خاصة بعد نفوذ مصر في منطقة شرق المتوسط بعد أن قامت بترسيم الحدود البحرية مع كل من اليونان وقبرص وتأسيسها منتدى شرق المتوسط والذي ترأسه، حيث السيطرة على اكتشافات الغاز الطبيعي في تلك المنطقة من قبل أعضاء المنتدى،وخرجت تركيا صفر اليدين جراء هذا الإجراء. كما أن دول قطر، والإمارات العربية المتحدة، والمملكة العربية السعودية لعبت دورا مؤثرا في الأزمة في الأزمة الليبية، فقطر قدمت دعما ماليا وعسكريا مع تركيا لمساندة الثوار في غرب ليبيا والتنظيمات المتحالفة معهم، أما الإمارات والسعودية فقد دعما قوات الجيش في شرق ليبيا.
وعن الأطراف الدولية، فقد استعان شرق ليبيا متمثلا في الجيش الوطني الليبي بقيادة “حفتر” بروسيا والتي أرسلت مجموعة من الجنود أشارت تقارير صحفية أنهم تابعين لشركة “فاجنر” الروسية، وتبحث روسيا أيضا عن مكاسب وتموضع نفوذ لها في منطقة الشرق الأوسط من خلال ليبيا كما فعلت في سوريا، مستغلة انسحاب أمريكا من منطقة الشرق الأوسط.
أما فرنسا وإيطاليا فقد تبارا في التأثير في الأزمة لإيجاد حلول تضمن بقاء مكاسبهم من خلال تواجدهم في ليبيا، وتبقى ألمانيا لها رؤية خاصة في ليبيا وتبدو غير طامعة، أما أمريكا فلا يزال موقفها غامضا فهي تلعب على كل الأحبال، فبالرغم من اعترافها بالحكومة الوطنية في غرب ليبيا إلا أنها تدعم المشير حفتر في الشرق في نفس الوقت وقد أسلفنا الحديث عن هذا تفصيلا.
السيناريوهات المحتملة لأزمة:
من العرض السابق لنشأة الأزمة الليبية وتطورها ووجود تأثيرات داخلية تتغير من وقت لآخر، علاوة على التأثيرات الإقليمية والدولية ذات المصالح المختلفة وقوى النفوذ المتباينة فإن التنبؤ بسيناريو أقرب للتنفيذ على الأرض أصبح صعبا؛ نظرا لمتغيرات المعادلات السياسية بسرعة كبيرة في المشهد الليبي.
فمازال الصراع الفرنسي الإيطالي قائما على تثبيت قدميهما لتحقيق أعلى مكاسب لهما من الغنائم الليبية، ومازال التنافس الروسي التركي مستمرا على اقتسام أكبر جزء من الكعكة الليبية خاصة في ظل وجود عسكري للطرفين، الأمر الذي يحفظ لهما إعادة التموضع وتبني مسارات جديدة في أي وقت. أما أمريكا فلا يزال موقفها غامضا، فهي تعتمد على التحركات الأوروبية وإن كانت مصممة على إجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية في موعدها. وتبقى مصر الطرف الوحيد الحريص على تماسك الدولة الليبية وتحقيق ما تم طرحه في إعلان القاهرة ومقررات مؤتمر برلين.
ومن الأبعاد الغاية في الأهمية والخطورة هو استمرار وجود هذا الكم الهائل من السلاح الموجود بيد الشعب الليبي والتنظيمات المسلحة الموالية لأطراف الأزمة، ما يزيد من تعقيدات الأزمة إن لم تصل لحل سياسي ضامن لبدء الاستقرار والانخراط في بناء مؤسسات الدولة والدمج من جديد مع المحيطين الإقليمي والدولي.
وفي كل الأحوال ومع ترقب إجراء الانتخابات الرئاسية المقررة في 24 ديسمبر 2021 فإن عدة سيناريوهات متوقعة هي:
1- نجاح الانتخابات:
في هذا السيناريو لا بد أن يقبل جميع الأطراف نتائج الانتخابات الرئاسية والتشريعية، مهما كانت نتائجها، للبدء في بناء مؤسسات الدولة للتأهيل في دمج ليبيا في الحياة مع محيطها العربي والأفريقي والعالمي بما يعيدها دولة ذات سيادة، وهذا السيناريو يتم إجرائه تحت تصنيف “التسوية السياسية” وهذا يستلزم خروج القوات الأجنبية (الطرف الروسي) والمرتزقة (الطرف التركي) وإن كان هذا الإجراء سيقابله عراقيل بسبب المكاسب التي سيتحصل عليها كل من الطرفين الروسي والتركي قبل المغادرة.
2- فشل الانتخابات:
وهذا السيناريو يعني ألا تجرى الانتخابات من حال الأصل؛ بسبب التهديدات من قبل تنظيم الإخوان في ليبيا والجماعات المسلحة الموالية له وتلك المتحالفة معه، وما يمكن أن يحدث من شغب يوم الانتخابات ونجاحهم في هجوم مقار الانتخابات أو تعطيل وصول الناخبين إلى لجان الاقتراع بأعمال الترهيب وقوة السلاح.
ومن سيناريوهات فشل الانتخابات أيضا، عدم الاعتراف بالنتيجة والتي غالبا ستكون ضد الطرف الإخواني الذي سيقوم بأعمال تخريبية وإرهابية في البلاد ومعه جماعته والموالين له وهو ما هدد به فعلا القطب الإخواني خالد المشري رئيس المجلس الأعلى للدولة الليبية.
3- جمود الموقف:
وهو سيناريو معه لا يتم إجراء الانتخابات في موعدها، ويتم الإعلان عن تأجيلها لأجل غير محدد، وتظل أطراف الشرق على خلاف مع أطراف الغرب، وتبقى الأزمة لا تغادر مكانها، لتبدأ سلسلة جديدة من المؤتمرات الدولية حول ليبيا ويستمر نفس الصراع من الأطراف الخارجية على المكاسب من الأزمة الليبية، وهنا تدور الأزمة في حلقة مفرغة وتبعات هذا السيناريو تقود إلى سيناريوهات نوعية أخرى مثل نموذج سوريا خاصة في ظل وجود نفس اللاعبين الكبيرين وهما روسيا وتركيا، أيضا سيناريو التقسيم وهو حادث بالفعل في طرفي الشرق والغرب، ولكن قد تتوسع مشروعات التقسيم لينفصل الجنوب هو الآخر وتظهر حركات أخرى لتسيطر على مناطق أخرى في مختلف أنحاء الدولة.
تحرك مصر لتحقيق أهداف ومصالح الأمن القومي المصري:
ظل الموقف المصري من الأزمة الليبية ثابتا منذ نشأتها، لم يتغير، إلا ما يخص سيادتها وأمنها القومي فلا مهادنة فيه أو مواربة، فظلت مصر محافظة على كافة الركائز التي تحمي أمنها القومي من الناحية الغربية في حدودها مع شقيقتها ليبيا.
ومنذ اندلاع ما عرف بـ”ثورة 17 فبراير 2011″ في ليبيا ضد نظام معمر القذافي، لم تتدخل مصر احتراما للشأن الليبي الداخلي، ولم تعترف بالمجلس الانتقالي الوطني إلا في مرحلة متأخرة بعد أن اتضحت الصورة، وجاء هذا الاعتراف احتراما لرغبة الشعب الليبي في تحديد مصيره.
وقد عانت مصر في الفترة الرخوة التي أعقبت أحداث 25 يناير 2011 والتي شهدت فوضى عارمة وكانت الأحداث الليبية عاملا مباشرا في التأثير على الأوضاع المصرية حيث شهدت مصر عمليات كبيرة لدخول السلاح من جهة الغرب الليبي وكذلك من جهة الجنوب، من الحدود مع السودان، في وقت انشغلت فيه القوات المسلحة المصرية بإدارة البلاد بعد تنحي الرئيس الراحل حسني مبارك عن الحكم في 11 فبراير 2011.
فقد وصل السلاح من أقصى الغرب والجنوب المصري إلى أقصى الشرق في سيناء، ودخول عناصر إرهابية محسوبة على تيارات التنظيمات التكفيرية وجماعة الإخوان المسلمون. وتم استخدام السلاح في عمليات إرهابية استنزفت فيها طاقات مصر السياسية والأمنية والاقتصادية في أصعب فترة تمر بها البلاد، وبالرغم من ذلك تمكنت القوات المسلحة المصرية الباسلة في صد هذا العدوان الإرهابي مقدمة مئات الشهداء من جنودها وقياداتها العسكرية من أجل استقرار الوطن وسلامة مواطنيه وأرضه وجوه وبحره.
وبالرغم من المخاطر التي هددت الأمن القومي المصري من الجهة الغربية (الحدود المصرية الليبية)، إلا أن أخلاقيات السياسة المصرية لم تفكر أبدا (طبقا لعقيدتها الثابتة) في أي تفكير احتلالي أو الحماية بقوة السلاح، وفضلت مصر أن تتحمل المخاطر والمصاعب حتى تستقر الأمور في كل من مصر وليبيا معا. كان من الممكن أن تفكر مصر في دخول ليبيا وأن تستحوذ على ثروتها النفطية، كما يفكر البعض من دول القوى العظمى، وبالتالي تحمي حدودها، إلا أن مصر مدت يد العون والمساعدة للأشقاء في ليبيا، وتحركت على خطوط الأزمة من باب احترام الشعب الليبي وسيادته والحفاظ على مقدراته وخيراته لأبنائه وهو دائما ما دعت إليه القيادة السياسية المصرية.
لقد جاهدت مصر قدر استطاعها الحفاظ على أمنها القومي من الناحية الغربية في أعقاب أحداث 25 يناير 2011، إلا أن مجئ الرئيس عبد الفتاح السيسي وتسلمه مقاليد الحكم في صيف 2014 غير من توجه استراتيجية الحفاظ على الأمن القومي من الجهة الغربية من جهة، ودعما لاستقرار الدولة الليبية وتخليصها من الميليشيات والتنظيمات الإرهابية من جهة أخرى، وذلك بدعم قوات الجيش الوطني الليبي بقيادة لمشير خليفة حفتر.
وظلت مصر داعمة لليبيا بشكل متزايد وسط المتغيرات والمؤثرات الخارجية اللاعبة في الشأن الليبي الطامعة في الاستحواذ على ثرواته النفطية الغزيرة.
وفي 2 يناير 2020 اجتمع الرئيس السيسي بمجلس الأمن القومي المصري في أعقاب موافقة البرلمان التركي بالسماح بإرسال قوات تركية إلى ليبيا بناء على الاتفاق الأمني الذي وقعه رئيس الحكومة الليبية، وقتها، فايز السراج مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان في مواجهة قوات الجيش الوطني الليبي والذي كان على وشك تحرير العاصمة طرابلس من التنظيمات الإرهابية.
وأدانت مصر الاتفاقية مؤكدة على بطلانها، وأنها تعد خرقا صارخا للشرعية الدولية وقرارات مجلس الأمن الدولي حول ليبيا. وحذرت وزارة الخارجية المصرية في بيان صادر عنها من مغبة أي تدخل عسكري تركي في ليبيا وتداعياته، وأكدت أن “مثل هذا التدخل سيؤثر سلباً على استقرار منطقة البحر المتوسط، وأن تركيا ستتحمّل مسئولية ذلك كاملة “.
ودعت مصر المجتمع الدولي بالاضطلاع بتحمل المسؤولية حيال هذا التدخل السافر من الجانب التركي والذي ينذر بوقوع توترات كبيرة في الإقليم.
وظلت التحركات المصرية بشأن الأزمة الليبية مستمرة على كافة الأصعدة الداخلية والإقليمية والدولية أملا في التوصل إلى حل نهائي عبر تسوية سياسية تحقق الأمن والاستقرار للشعب الليبي. ومن ضمن هذه التحركات مشاركة الرئيس السيسي في 8 فبراير 2020 في قمة مجلس السلم والأمن الأفريقي حول ليبيا ومنطقة الساحل، ومشاركته في اجتماع مجموعة الاتصال الأفريقية حول ليبيا على مستوى رؤساء الدول والحكومات عبر تقنية الفيديو كونفرانس.
الخط الاحمر
أما في 20 يونيو 2020، فكان لقاء الرئيس السيسي مع زعماء ومشايخ القبائل الليبية في سيدي براني بمحافظة مطروح (غرب مصر) ما كان له دلالة واضحة على اختيار المكان والزمان، حيث أعلن “السيسي” وبمنتهى الوضوح أن خط (سرت- الجفرة) خط أحمر لا يمكن تجاوزه، ولا يمكن أن تقف مصر مكتوفة الأيدي أمامه، في إشارة إلى التدخل التركي ومواصلة تقدمه في مواجهة الجيش الليبي، ما أردع الجانب التركي وأجبره على التراجع.
وقال الرئيس السيسي في خطابه: “إن أي تدخل مباشر من الدولة المصرية باتت تتوفر له الشرعية الدولية، سواء في إطار ميثاق الأمم المتحدة الخاص بحق الدفاع عن النفس، أو بناء على السلطة الشرعية الوحيدة المنتخبة من الشعب الليبي أي مجلس النواب”.
وفي 20 يوليو 2020 قام مجلس النواب المصري بالتصويت بالإجماع لمصلحة قرار يجيز للقيادة المصرية بالتدخل عسكرياً لحماية أمن مصر القومي.
المسار الدستوري
استضافت مصر اجتماعات المسار الدستوري برعاية أممية، في الفترة من 11 إلى 13 أكتوبر 2020، بمشاركة وفدي مجلس النواب والدولة الليبيين؛ لبحث إنهاء الفترة الانتقالية وبداية صياغة دستور يحدد ملامح الدولة وإجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقررة في 24 ديسمبر 2021.
مصر تحذّر تركيا
في 22 أكتوبر2020 حذرت مصر تركيا من مغبة تحركها العسكري في ليبيا، وجاء ذلك في إشارة وجهها الرئيس عبد الفتاح السيسي في كلمته في المؤتمر الصحفي عقب القمة الثلاثية المصرية القبرصية اليونانية، حيث قال: إنه في ضوء السياسات الاستفزازية المتمثلة في انتهاكات قواعد القانون الدولي والتهديد باستخدام القوة المسلحة والتعدي على الحقوق السيادية لدول الجوار ودعم التطرف والإرهاب ونقل المقاتلين الأجانب إلى مناطق النزاعات، من الضروري التصدي لتلك السياسات التصعيدية التي تزعزع استقرار المنطقة، بالإضافة إلى التنسيق مع الشركاء الدوليين لاتخاذ ما يكفل من إجراءات للحفاظ على متطلبات الأمن الإقليمي.
مصر ووقف إطلاق النار
نجحت المساعي المصرية في تمهيد أرضية الأزمة الليبية بالتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار الدائم بين أطراف الأزمة، وجاء هذا الاتفاق استكمالا لأول اجتماع مباشر استضافته مصر في الغردقة نهاية سبتمبر 2020، وعبرت وزارة الخارجية المصرية عن تطلع مصر بمواصلة الجهود الرامية إلى حل الأزمة عن طريق المسار السياسي وخروج القوات الأجنبية من البلاد.
مصر قبلة الحلّ والتحركات المستمرة
ظلت الأبواب المصرية مفتوحة لأطراف الأزمة الليبية، مما جعلها قبلة الحل للأزمة، فقد توجه فتحي باغاشا وزير الداخلية الليبية إلى مصر لبحث الأطر الأمنية المشتركة بين مصر وليبيا لمواجهة الإرهاب وخطر الجريمة المنظمة بما يحفظ الأمن القومي المشترك بين البلدين.
أيضا قام اللواء عباس كامل رئيس جهاز المخابرات العامة المصرية، موفدا من الرئيس السيسي، بزيارة إلى مدينة بنغازي والتقى المشير خليفة حفتر؛ حيث هدفت الزيارة إلى تأكيد جهود التحركات المصرية الداعمة لمخرجات اجتماعات اللجنة العسكرية “5+5″، التي أسفرت عن تثبيت وقف إطلاق النار، كذلك الإجراءات التي تسهم في استقرار الوضع العسكري والأمني في كل ربوع ليبيا.
وما يؤكد وقوف مصر على مسافة واحدة من جميع أطراف الأزمة وسعيها المخلص في إيجاد مخرج سلمي يحقق صالح الشعب الليبي بكافة أطيافه، استضافت مصر في 22 ديسمبر 2020 وفدا يضم 75 من شيوخ وأعيان منطقة الجنوب الليبي بهدف التوصل إلى حل يضمن وحدة التراب الليبي وسلامة أراضيه من أي عدوان، وطالب الوفد الليبي العمل على ضبط الحدود بما يضمن مكافحة التنظيمات الإرهابية وإيقاف محاولات الهجرة غير الشرعية.
وفي 25 مارس 2021 استقبل الرئيس عبد الفتاح السيسي رئيس المجلس الرئاسي الليبي الجديد، محمد يونس المنفي، وضم الوفد الليبي كلا من نائب المجلس الرئاسي، عبد الله اللافي، ورئيس جهاز المخابرات العامة الليبي المكلف، عماد الطرابلسي، والقائم بأعمال السفارة الليبية بالقاهرة، طارق الحويج. وحملت الزيارة دلالة بالغة على محورية الدور المصري في حل الأزمة الليبية لتحقيق الاستقرار على كافة الأصعدة.
وفي 20 أبريل 2021 صدر بيان مشترك للحكومتين المصرية والليبية حمل نتائج الزيارة المهمة لرئيس الحكومة المصرية دكتور مصطفى مدبولي إلى ليبيا، والتي كانت لها أبعادا استراتيجية بالغة، حيث تم الاتفاق على عدد من البنود الهامة المتعلقة بتعزيز التبادل التجاري والتعاون الاقتصادي، واستئناف اجتماعات اللجنة العليا المشتركة بين البلدين، وعودة رحلات الطيران بين مصر وليبيا، كذلك بحث دور مصر في إعادة إعمار ليبيا، وبحث الاستثمارات المصرية في ليبيا، بالإضافة إلى موضوعات ضبط الحدود ومكافحة التهريب بما يضمن الحفاظ على الأمن القومي لكل من مصر وليبيا.
وفي 16 سبتمبر 2021 وصل رئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية عبد الحميد الدبيبة، للمشاركة في اجتماعات اللجنة العليا المصرية الليبية المشتركة، وخلال لقاءه بالرئيس السيسي كان هناك تأكيدا على عدم التدخلات الخارجية في الشأن الليبي، والعمل على ضرورة إخراج القوات الأجنبية والمرتزقة من ليبيا وإجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية في موعدها المقرر.
وتتويجا لتحركات مصر حيال الأزمة الليبية كانت مشاركة قوية من الرئيس عبد الفتاح السيسي في مؤتمر باريس حول ليبيا، والذي عقد في 12 نوفمبر 2021، حيث عرض رؤية مصر أمام المؤتمر والتي كانت معبرة بكل حسم، وحملت نداءً واضحا للشعب الليبي بعدم التفريط في ثروته وخيراته للطامعين وأن الحل بأيديهم، مذكرا بنضال زعيمهم عمر المختار، وحثت كلمة “السيسي” الليبيين على ضرورة الخروج من مأزقهم السياسي، مؤكدا أن مصر ستوجه كل الدعم اللازم لإنجاح العملية السياسية في ليبيا، كما أعرب “السيسي” عن تطلع مصر إلى نجاح الانتخابات، باعتبارها استحقاقا “مفصليًا”.
وذَكّر الرئيس المصري بالمناضل الليبي عمر المختار، حين خاطبهم قائلا: “يا أحفاد عمر المختار، لقد حان الوقت لكي تستلهموا عزيمة أجدادكم الذين بذلوا الغالي والنفيس من أجل الحرية واستقلال القرار الوطني، وأن تلفظو من بلادكم كل أجنبي ودخيل مهما تغنى بأن في وجوده خيرا لكم، فالخير في أياديكم”.
وقال “السيسي”: “نحن نجتمع اليوم لنشهد أن الوضع في ليبيا يتجه إلى الأفضل، حيث يتزامن مع اجتماعنا مرور العملية السياسية الليبية بمرحلة حاسمة تستهدف تتويج الجهود الدولية والإقليمية بإجراء الانتخابات في موعدها المقرر يوم 24 ديسمبر المقبل”.
وأضاف “السيسي” في كلمته: “أنتم إن تجاوزتم خلافاتكم وعقدتم العزم على بناء بلادكم بإرادة ليبية حرة، ستجدون مصر سندا لكم وقوة متى احتجتموها، دعما لأمنكم ولخياراتكم وطموحاتكم”.
ولفت “السيسي” في كلمته إلى أنه من المهم أن يكون الموقف الصادر عن المؤتمر واضحا لا لبس فيه بشأن رفض بقاء الوضع على ما هو عليه، وإدانة استمرار مخالفة المقررات الدولية ذات الصلة بإنهاء كافة أشكال الوجود العسكري الأجنبي في ليبيا وأن يتم تحديد مدى زمني واضح وملزم لخروج جميع القوات الأجنبية والمرتزقة، وربما يكون الأهم أن يتم تدشين آليات وضمانات لتنفيذ ما نتفق عليه، وما تسعى إليه( لجنة 5 + 5) العسكرية المشتركة بصدق ووطنية إلى تحقيقه من خلال خطتها ذات الصلة.
وجدد “السيسي” في كلمته، استعداد مصر التام لتقديم كافة أشكال الدعم للأشقاء في ليبيا لتنفيذ خطة (لجنة 5 + 5) العسكرية المشتركة في هذا الخصوص، توحيد مؤسسات الدولة، وبناء القدرات، لكي يملك الليبيون مقدراتهم ويتمكنوا من تقرير مصيرهم ورسم مستقبلهم.
توصيات لحل الأزمة:
بعد هذا العرض للأزمة الليبية والغوص في أسبابها وتداعياتها ومعرفة كافة الأطراف اللاعبة والفاعلة في الأزمة، وبشكل خاص فيما يؤثر على محددات الأمن القومي المصري، فإن معد الدراسة يرى أن نجاح الانتخابات الرئاسية المرتقبة في جولتها الأولى في 24 ديسمبر 2021 وجولة الإعادة والانتخابات التشريعية بعدها بفاصل زمني 52 يوما هو اللبنة الأولى لبدء عملية سياسية سليمة لبناء مؤسسات الدولة وانخراطها في المحيطين الإقليمي والدولي.
أما في حال فشل هذه الانتخابات، فيجب على الأطراف المؤثرة في الأزمة صياغة جديدة للحل بنهج مختلف، يبدأ أولا وعلى الفور بإخراج القوات الأجنبية والمرتزقة من ليبيا، كذلك السيطرة على السلاح الموجود بأيدي التنظيمات المختلفة والقبائل حتى يعم السلم والأمن مختلف مناطق الداخل الليبي، وتبدأ الأطراف المؤثرة إعادة تقييم الأزمة وتقدير الموقف من جديد؛ لوضع خارطة طريق جادة واضحة المعالم قابلة للتنفيذ في بيئة نقية تحت مظلة الاصطفاف الوطني.