الانتخابات العراقية المقبلة بين رهان التغيير واستمرار أزمة الحكم

قسم الأخبار الدولية 09/06/2025
أطلقت الاستعدادات للانتخابات البرلمانية السادسة في العراق جدلاً واسعاً حول ما إذا كانت هذه المحطة السياسية المرتقبة تشكّل فرصة حقيقية لإحداث تغيير جذري في بنية النظام السياسي، أم أنها تمثل مجرّد حلقة جديدة في مسلسل تأزيم الحكم وتكريس الفشل. ورغم مرور أكثر من عقدين على سقوط نظام صدام حسين، لا تزال أزمة الحكم تلقي بظلالها الثقيلة على الواقع العراقي، وسط تصاعد الخطابات الطائفية والعرقية وتزايد النفوذ الموازي لمؤسسات الدولة.
فبينما تُضخ أموال طائلة في العملية الانتخابية، تتعاظم المؤشرات على فقدان الثقة الشعبية بإمكانية الإصلاح، خاصة في ظل فشل الدولة في معالجة أزمات بنيوية، مثل ملف الكهرباء، الذي أنفقت عليه الحكومات المتعاقبة ما يقرب من 200 مليار دولار منذ 2003 دون تحقيق نتائج ملموسة. ويشمل الإخفاق أيضاً قطاعات أخرى كالصحة والتعليم والزراعة، باستثناء بعض الإنجازات التي تحققت خلال حكومة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، التي نجحت في تحسين البنية الخدمية للعاصمة بغداد وتحقيق اكتفاء ذاتي في بعض المحاصيل الاستراتيجية، بالإضافة إلى الدفع بمشروع “طريق التنمية” الاستراتيجي.
لكن في مقابل هذه التطورات المحدودة، يستمر الجمود السياسي بسبب تعدّد مراكز القرار وغياب وضوح دستوري في توزيع الصلاحيات، الأمر الذي أدى إلى تصاعد التوتر بين بغداد وأربيل حول ملفات مالية وسيادية عالقة. وتبرز هنا أزمة الدستور العراقي لعام 2005، الذي كان ثمرة توافق مرحلي بين الأكراد والشيعة بعد 2003، لكنه تحوّل لاحقاً إلى مصدر للانقسام، خصوصاً مع هيمنة القوى الشيعية على مؤسسات الدولة، ما عطّل إمكانية تحقيق توازن سياسي حقيقي داخل النظام الفيدرالي.
كما تُعدّ ظاهرة التعدد العسكري – من الجيش والقوات الأمنية النظامية، إلى قوات الحشد الشعبي والفصائل المسلحة المرتبطة بمحور الممانعة، مروراً بقوات البيشمركة الكردية – دليلاً على هشاشة السلطة المركزية وغياب سيطرة الدولة على السلاح، ما يعمّق أزمة الحكم ويجعل من التغيير مهمة معقّدة.
وفي خضم هذه التحديات، يواجه المواطن العراقي موجة جديدة من “الترضية الانتخابية”، تتمثل في الوعود المؤقتة وتوزيع الأموال والسلع الأساسية مع اقتراب موعد الانتخابات. غير أن المزاج الشعبي اليوم أكثر وعياً واستياءً، وهو ما يدفع بعض القوى السياسية إلى التحذير من تآكل شرعيتها في حال لم تُحدث تغييراً حقيقياً.
أما على المستوى الإقليمي، فإن ما يجري في محيط العراق، لا سيما من متغيرات في الملف الإيراني وتداعيات “طوفان الأقصى”، أعاد خلط الأوراق الداخلية، ما قد يفتح الباب أمام إعادة صياغة التوازنات السياسية أو تثبيت معادلة مأزومة أخرى، تعيد إنتاج ذات النظام القائم، وتؤجل الانفجار لا أكثر.
بالتالي، فإن الانتخابات المقبلة ستكون اختباراً حاسماً إما لبدء مسار إصلاحي تدريجي يعيد الثقة المفقودة في العمل السياسي، أو لترسيخ واقع هشّ يخشى فيه الجميع من مستقبل أكثر اضطراباً.