الأمن الاقتصادي والمالي في تونس: إنعكاسات لسياسات مستوردة
بحث واعداد: خولة كلاحشي باحثة في العلوم السياسية والاتصال السياسي في مركز الدراسات الاستراتيجية الأمنية والعسكرية.
مراجعة وتدقيق لغوي: منى بوسيف: باحثة بالمركز
أهمية الدراسة:
الرصد والتنبؤ بالعسر المالي الذي تعاني منه المؤسسات الاقتصادية التونسية.
محاولة وضع خطط وبرامج لتفادي الوقوع في التعثّر المالي.
التخطيط هو الركيزة الأساسية للاقتصاد الوطني لذلك وجب تحليل وتقييم نقاط ضعفه ووضع “إستراتيجية تقييمية “ عن طريق التنبؤ بالتعثّر المالي العام حتّى لا ينجرّ عنه عجز جزئي أو كلي على المدى القصير أو الطويل.
مخطط الدراسة
1مفهوم الأمن المالي والاقتصادي
2 دراسة المؤشرات الأمنية المالية وتوفيرها من قبل الدولة
3 اختلال التوازن المالي يُهدّد الأمن القومي التونسي
4التوصيات الإجرائية
يعتبر “باري بوزان” أن الأمن الاقتصادي للدولة يتمحور أساسا حول قدرة الدولة على بلوغ الموارد المختلفة والإمكانيات المالية اللازمة، وضمان توفير مستوى معيشي مقبول، لتقليص الأنشطة الإجرامية واستقرار نظام الحكم وحماية الاقتصاد الوطني من مختلف التهديدات الناجمة عن اضطرابات النظام الاقتصادي داخليا أو دوليا.
كما يرتبط من وجهة نظر باري بوزان بالدرجة الأولى بقدرة الدول على الوصول إلى الأسواق الخارجية والمصادر المالية، وما تفرزه هذه التفاعلات من اشتداد حدة التنافس بين الدول ضمن المستوى الإقليمي للحصول على صفقات تجارية مع القوى الاقتصادية الكبرى.
1 مفهوم الأمن المالي القومي:
تعرف اللجنة الدولية الأمن الاقتصادي بأنه الحالة التي تمكن الأفراد أو الأسر أو المجتمعات المحلية من تلبية احتياجاتهم الأساسية وتغطية المصاريف الإلزامية بشكل مستدام يحترم كرامتهم.
وتشمل الاحتياجات الأساسية الطعام والماء والمأوى واللباس وأدوات النظافة الشخصية بالإضافة إلى القدرة على تغطية مصاريف الرعاية الصحية والتعليم.
ويتمثّل الأمن الاقتصادي، في سياق السياسة و العلاقات الدولية في قدرة الدولة القومية على إتّباع سياساتها المختارة لتطوير الاقتصاد الوطني بالطريقة المرغوبة بشرط وجود دخل ثابت أو موارد أخرى لدعم المستوى المعيشي الآن وفي المستقبل، ويشتمل على:
- إستمرار الملاءمة المالية.
- إمكانية التنبؤ بمستقبل التدفّق النقدي للكيان الاقتصادي مثل الدولة.
- وجود رصد وتخطيط مسبق لإستراتيجية اقتصادية ومالية مُقيّمة.
مبدئيا لا يوجد تعريف مُوحّد للأمن المالي، فكل التعريفات الموجودة حاليا هي جزء من الكل أي ان علم الاقتصاد في تطور ديناميكي يجعل منه علما متشعّبا نحتاج بدقّة لدراسته من كل جوانبه، وعليه فإن التعريفات التي يمكن التطرّق لها محدودة وليس لها من تعريف علمي نهائي.
ويمكن القول إنّ الأمن المالي والاقتصادي للدولة يعتبر مفهوما يتضمن مجموعة من التدابير والوسائل والطرق لحماية مصالح الدولة على المستوى العالمي في اقتصاد السوق بمفهومه الواسع، نتيجة لذلك يصبح الأمن المالي عنصرا مهما في الأمن الاقتصادي للدولة.
كما أن كفاءة أداء الدولة على المستوى الكُلّي يعتبر العنصر الأكثر خصوصية، فالحكومة ملزمة بحماية المصالح الوطنية للدولة، وكذلك أمنها المالي وهو العنصر الضروري لتعزيز مكانة البلاد في الساحة الدولية وتحقيق ازدهارها الاقتصادي.
ويمثّل مفهوم “الأمن الاقتصادي” من ناحية ‘الموارد المالية’، المصالح الذاتية والمشتركة للدولة على مستوى جميع العلاقات في السوق، باعتباره يمثّل أمن المؤسسات والشركات بمختلف أنواعها، ممّا يؤدي إلى تهيئة ظروف متناغمة لتنمية مجالات أو فئات معينة مما ينعكس إيجابا على جميع القطاعات الاقتصادية بتوفير الظروف اللاّزمة لعمل الاقتصاد الوطني وتطويره.
من وجهة نظر ‘تنظيمية’، يعتبر هذا المفهوم بمثابة عملية لتهيئة الظروف اللاّزمة لتشغيل النظام بأكمله، حيث لا يمكن توجيه الموارد المالية إلى مناطق الاستهلاك غير المخطّط لها، فهذا يقلّل من احتمال التوزيع غير الفعّال للتدفقات النقدية وهو من واجبات الدولة في المجال الاقتصادي عبر وضع استراتيجية استشرافية تتقيّم حسب المؤشرات المالية للسنوات الأخيرة والأخذ بعين الاعتبار كل العوامل المتداخلة لضمان نجاعة البرنامج والخطّة المطروحة.
أمّا على المستوى الأمني فينبغي فهم القطاع المالي العام على أنه حماية المصالح في هذا المجال على جميع مستويات ‘علاقات السوق الوطنية’، وهذا يضمن درجة معينة من استقلال البلد واستدامته وتنميته المستقرة حيث يعمل بمرونة مع الظروف المتغيّرة باستمرار، وكذلك تحت تأثير العوامل السلبية (الداخلية والخارجية).
يعتبر تكيّف النظام المالي للدولة بسرعة مع مختلف التغييرات مؤشرا على نجاعة استراتيجيتها الاقتصادية وسيرها نحو أضخم اقتصاديات العالم وهذا يقلل بشكل كبير من المخاطر الكبرى.
2 دراسة المؤشرات الأمنية المالية وتوفيرها من قبل الدولة:
قراءة تحليلية مقتضبة للوضع الاقتصادي التونسي، نظرية الـــــــ SWOT
بدءً، يجب التنويه إلى أن الأمن الاقتصادي لا يشمل فقط الامن المالي برغم من أنه الأهم من الناحية الإستراتيجية، لذلك وجب الإشارة إلى بعض العناصر الأخرى المهمة التي تعمل جميعهاعلى تحقيق الأمن المالي للدولة بسلاسة.
وعليه، في حالة وجود مشاكل في أحد هذه العناصر، فان المكونات الأخرى ستتأثّر سلبا بصفة تسلسلية ومباشرة، لذلك، من الضروري إتّباع نهج منتظم في عملية ضمان مستوى عالٍ من الأمن يعرف “بالأمن المالي الكلّي”.
وتشتمل مكوّنات الأمن المالي للدولة على نظام متكون من عدّة عناصر مترابطة فيما بينها تؤثر كل منها على الآخر ومن ثم على الأمن الاقتصادي:
- أمن النظام المصرفي وهو يضمن استقرار النظام البنكي العام، وعدم تعرضه للعوامل الضارة والمخاطر التراكمية، واعتبر المشرّع أن العمليات البنكية من ضمن الأعمال التجارية بطبيعتها، ” الأعمال التجارية هي عمليات البنوك والصرف والبورصة”.
- أمن القطاع غير المصرفي بتطوير التأمين، ويعتبر سوق الأوراق المالية حيث تتم تلبية احتياجات المجتمع من خدمات هذه المنظّمات.
- أمن الديون يوفّر أمن الدين الداخلي والخارجي بالأرقام التي تحدّد بصفة دقيقة تكلفة خدمتهم، ويُحدّد النسبة المثلى بين الذمم المُدِينة والدائنة، ومصادر التمويل الخاصة بها.
- أمن الميزانية تهدف الإجراءات القياسية إلى إصدار قانون المالية السنوي أو التكميلي يتماشى مع متطلّبات الحالة الاقتصادية وضمان ملاءمة الدولة واستقرارها المالي، كما يتيح ذلك لجميع أجزاء النظام أداء الوظائف المسندة إليهم.
- مجال أمن العملة هي عملية دقيقة لسعر الصرف، حيث يُطوِّر المجتمع ثقة عالية بالأموال الوطنية وهذا يخلق الظروف الملائمة للتنمية التدريجية للاقتصاد الوطني مقارنة مع بقية عملات البلدان الأخرى والتي تنعكس حالتها لجذب الاستثمار الأجنبي إلى البلاد.
- الأمن النقدي يسمح بتزويد جميع المواد في اقتصاد البلاد بموارد ائتمانية بسعر مناسب وبشروط ملائمة وهومؤشر ضروري جدا لضمان النمو الاقتصادي.
ويمكن الاعتماد على نظريةالـ SWOT لتحليل وتقييم النظام الاقتصادي للدولة التونسية وخاصة على ضوء قانون المالية 2022 الذي وصف حالة الاقتصاد التونسي “بالعجز الاقتصادي”.
نخلص إلى انه يجب على رئاسة الجمهورية الحالية بعث إدارة المخاطر الاقتصادية ليس فقط للتفكير في كيفية رفع مستوى كفاءة الأداء المالي، بل التفكير كذلك و بجدية في كيفية التعرّف على التعثر المالي في مراحله الأولى و ذلك لمواجهة مخاطره و التغلب عليها في حينها، لان التعثر المالي قد يكون بصورة فجئية أو تراكمية نتيجة لعدة تحولات اقتصادية ومالية ، لذا يجب تحديد ورصد المخاطر الاقتصادية و آثارها السلبية التي قد تمتد لا على الأطراف المعنية كالمؤسسات المالية والاستثمارية، بل تمتد أيضا على الاقتصاد الوطني ككل.
وقد نلاحظ ان الدولة التونسية لا تعتمد على المؤشرات للتصدي للاختلال المالي بصفة سابقة لوقوع الإعسار، والتي تعتبر من معايير الأمن المالي للدولة والقواعد الأساسية للمقارنة السنوية التي تحددها حالة الاقتصاد، كما تعتبر إدارة المخاطر من إدارة الازمات التي تكيف الوضع في حالات معينة لضمان التنمية المستدامة للنظام المالي.
فمؤشر قوة اقتصاد لأي دولة هو ناتجها المحلي الاجمالي GDP والذي يمثل قيمة السلع والخدمات التي تم إنتاجها داخل الدولة خلال السنة.
ولتحديد درجة تأثير التهديدات المحددة على تطوير النظام الاقتصادي التونسي، يتم استخدام مؤشرات خاصة تحدد حالة الاقتصاد وتتميز بحساسية عالية لتنبؤ واستشراف الحالة، مما يرصد المخاطر المحتملة على المجتمع والدولة من خلال المتغيرات على مستوى الاقتصاد الكلي.
كما أن هذه المؤشرات تعكس عواقب بعض القرارات الإدارية التي يتم اتخاذها في مجال التمويل والتسيير وهو ما سنتطرق اليه في التوصيات التي بنيت على دراسة بعض المؤشرات الاقتصادية والمالية.
اختلال المؤشرات الاقتصادية في تقارير وزارة المالية:
أصدرت مؤخرا وزارة المالية تقريرا حول التوزيع الجهوي للاستثمار تضمّن الجزء الأول منه تقديما للإنجازات المحققة على هذا المستوى خلال سنوات 2016 – 2020 وتقديرات سنة 2021 ليبرز وفق الوزارة مدى تقدّم تنفيذ المشاريع العمومية والخاصة والبرامج الخصوصية للتنمية.
نسب الاستثمار الايجابية | نسب التوزيع سلبية |
بلغت جملة الاستثمارات العمومية المنجزة على المستوى الجهوي خلال الفترة المذكورة حوالي 15094 مليون دينار من جملة 28165 مليون دينار تم برمجتها خلال نفس الفترة وهو ما يمثل نسبة إنجاز بـ 54 بالمائة. أما بخصوص سنة 2021 فقد قدّرت جملة الاستثمارات العمومية المبرمجة بحوالي 2509 مليون دينار. خلال الفترة 2016 – 2020 بلغت جملة الاستثمارات الخاصة المنجزة على المستوى الجهوي خلال هذه الفترة حوالي 32832 مليون دينار من جملة 45120 مليون دينار مقدرة وهو ما يمثل نسبة إنجاز بـ 73 بالمائة. إعطاء الاولوية لبلورة سياسات وبرامج تنموية لتيسير إدماج الجهة الواحدة في محيطها وخلق إطار دامج للجهات فيما بينها غير أنّ الوزارة لم تقدّم منهجيتها في جرد الإنجازات الاستثمارية وهي التي تمثل على الاغلب نوايا استثمار وذلك تحديدا فيما يتعلق بالاستثمار الخاص. خلق بيئة متوازنة مستقطبة للاستثمار تساهم في الرفع من تنافسية الجهة وتحسين جاذبية ميزاتها التفاضلية بما يمكّن من خلق فضاء اقتصادي مندمج في محيطه الوطني والإقليمي ولتدعيم الديناميكية الاقتصادية للجهات سيتم العمل على تثمين الأنشطة التي تعتمد على الخصوصيات المحلية والجهوية (موارد بشرية وطبيعية) قصد تحقيق تنمية متوازنة. العمل على تطوير قدرات الجهات في خلق الثروات وتدعم المنظومات الاقتصادية ذات القدرات التنافسية العالية والتشجيع على اعتماد سلسلة دعم البنية الأساسية والتجهيزات الجماعية بما يعزز مؤشرات التنمية البشرية ويساهم في تحسن ظروف عيش المواطنين. | في نفس التقرير تم الإشارة إلى ضعف نسب إنجاز الاستثمارات العمومية ما يعود إلى إشكاليات عديدة أهّمها: عزوف المقاولات عن المشاركة في طلبات العروض لبعض المشاريع مع تراجع قدرة المقاولات على الإيفاء بالتزاماتها وهشاشة وضعيتها المالية خاصة أمام تطور أسعار المواد الأولية. إضافة إلى تداعيات جائحة كورونا الي أدّت إلى توقيف أشغال انجاز المشاريع وتأجيل نتائج فرز العروض والتمديد في آجال الصفقات. توقف الانطاق في إنجاز الصفقات الموافق عليها وتسجيل بطء في تقدم إنجاز دراسات المشاريع… وبالنسبة للاستثمارات العمومية، فانه باستثناء ولايتي جندوبة والمهدية فإن بقية الولايات المدرجة ضمن الـ 16 ولاية ذات المؤشر التنموي الأضعف فاقت فيها جملة الاستثمارات للفرد ( 2016 – 2020 ) المعدل الوطني. وفاقت جملة الاستثمارات للفرد في كل من ولايتي توزر وتطاوين ضعف المعدل الوطني كما تجاوزت نسبة الـ 150 بالمائة بولايات زغوان، وسيدي بوزيد، وقبلي وسليانة في حين أن الولايات الثماني الأولى من حيث مؤشر التنمية والتي تحتضن 50 بالمائة من عدد السكان قد حظيت بجملة استثمارات للفرد خلال الفترة 2016 – 2020 تقل عن المعدل الوطني حيث لم تتجاوز النسبة في ولاية سوسة الـ 50 بالمائة وتعكس هذه الأرقام نتائج تطبيق مبدأ التميز الإيجابي بالولايات ذات الأولوية، ولكن دون أن تمس من الديناميكية الاقتصادية للولايات المصنفة في المراتب الأولى على حد تقدير وزارة المالية. وفي جانب آخر، بلغ المعدل الوطني لاستثمارات الخاصة المنجزة على المستوى الجهوي بين 2016 و2020 للفرد نحو 2989 دينار أي ما يعادل 597.8 دينار سنويا. وتبرز البيانات الحكومية أن معدّل نصيب الفرد من الاستثمارات الخاصة المنجزة في الفترة 2016 – 2020 بالنسبة للثماني ولايات الأخيرة من حيث مؤشر التنمية الجهوية يقدر بـ 2017 دينارا مقارنة بمعدل نصيب الفرد الواحد من الثماني ولايات الأولى والمقدر بـ 3590 دينارا، كما أن متوسط نصيب الفرد من ولاية المنستير (أعلى نصيب) يعادل خمس مرات نصيب الفرد الواحد من ولاية قفصة (أقل نصيب). |
تجدر الإشارة إلى أنّ هذا الاختلال ليس مجرد مؤشر حينيا أوظرفيا بل منذ نشأة الجمهورية التونسية مع نظام بورقيبة و ليس هنالك أية بوادر على تغيره الفعلي، كما أن مؤسسة كاريغي، أكدت ذلك حيث أصدرت مذكّرة بداية مارس 2020 بينت خلالها أنّ الجهات في تونس تعاني من تقاطع حاد بين الغبن الاقتصادي والتهميش السياسي، حيث أدّت المركزية الحادة في صنع القرار إلى اقصاء المناطق الداخلية.
ثم ان الغياب شبه الكامل للقطاع الخاص ومنع بروز النخبة الاقتصادية القادرة على التغيير ساهم في تفاقم الهجرة الداخلية للسكان من ذوي الكفاءة إلى الساحل من تهميش الجهات الحدودية والداخلية، ما أضعف أكثر قدرة الأطراف في التأثير في صياغة السياسات الوطنية.
وأوضحت ذات المؤسسة إن الولايات الداخلية تحتوي على 50 في المائة من النفط والغاز والموارد المائية في البلاد، و70 في المائة من إنتاج القمح، و50 في المائة من زيت الزيتون والفاكهة بيد أن هذه المناطق محرومة وهو ما يمثل التناقض في اشد صوره.
ووفقاً لبيانات البنك الدولي العام 2014، يتركّز 85 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي وأكثر من نصف سكان تونس قرب ثلاث مدن هي الأكثر اكتظاظاً بالسكان تونس العاصمة، وصفاقس وسوسة، وكذلك في خصوص المقرات العامة لنحو 90 في المائة من الشركات العاملة في القطاع الصناعي، إذ لا تواجد في المناطق الداخلية من البلاد سوى عُشر الشركات الأجنبية العاملة في تونس.
وعليه، فـان ضمان الأمن المالي للدولة يحدث وفقا لمبادئ معينة، فالقانون أثناء أنشطة الهيئات الحاكمة هو السلطة الأساسية التي توجه سلوك هذا النوع من النشاط وهو ما يوضح إن مسببات اختلال الأمن المالي التونسي تكمن في أسباب اختيارات الدولة التونسية لإستراتيجية تهميشية احتكارية وفي الوقت نفسه لا تأخذ بالمؤشرات التي باتت نادرة مع عزوف مركز الوطني للإحصاء على العمل على اغلبها منذ 2015.
واليوم بات من الضروري إجراء تطوير وإقرار وتنفيذ استراتيجية الدولة شاملة في سياق ضمان حماية مصالح جميع رعاياها.
العسر المالي للاقتصاد التونسي خطوة قبيل العجز المالي:
يمكن مبدئيا أن نشير إلى أنّ البلاد التونسية كغيرها من دول العالم تمر بظرفية استثنائية نتيجة تفشي وباء كوفيد 19 وتراجع اقتصاديات العالم، غير أنّ تونس تعيش “فترة تراكمية ” منذ عقود ويمكن وصفها بالعسرالمالي وقد قيّمها عديد الاقتصاديين بأنها عجز مالي بمقتضى الفصل الأول من قانون المالية 2022.
ترتبط السيطرة المالية والأمن الاقتصادي للدولة ارتباطًا وثيقًا، وإذا إعتمدنا سابقا على مؤشرات اقتصادية صادرة عن مؤسسات الدولة الرسمية يمكن القول أّن البلاد التونسية تمر بمرحلة عسر مالي وفقا لتكييف ادارة المؤسسات والمشاريع الكبرى.
يمكن تعريفها بالمرحلة التي وصلت فيها الدولة إلى حالة من الاضطرابات، سواء كانت هذه الاضطرابات تعني عدم قدرتها على سداد التزاماتها اتجاه الغير “ديون”، أو تحقيق خسائر متتالية تتراكم سنة بعد أخرى “غلق عديد المؤسسات و قلة الاستثمارات” ممّا يجعلها مضطرة إلى استراتيجية أزمة، وغالبا ما يحدث ذلك كنتيجة لوجود مشكلتين و أكثر في نفس الوقت ” المشكل الوبائي و مشكل تعاقب السياسات في سنوات قليلة”.
ونتيجة لما سبق يحدث اختلال مالي يواجه المؤسسات الصغرى لينعكس على المؤسسة الأم “الدولة” نتيجة قصور مواردها وإمكانياتها عن الوفاء بالتزاماتها في الأجل القصير، وهذا الاختلال ناجم أساسا عن عدم توازن إمكانيتها بين مواردها وبين التزاماتها ممّا يخلق اختلالا حقيقيا، ويشكل خطرا على الأمن الاقتصادي عامة.
وهناك آلية معينة لضمان الأمن المالي للدولة “استراتيجية الدولة”وهو النظام الذي يحدّده القانون و تعمل على تحقيقه الدولة وفق برامج محدّدة تشمل عددًا من الهيئات والمؤسسات التي تهدف أعمالها إلى تهيئة ظروف مواتية للتنمية الاقتصادية.
هذه الآلية لديها العديد من المكونات:
- أولها العوامل القانونية (القوانين التشريعية التي تنظم العلاقات المالية على مختلف المستويات).
- وثانيهما هو العنصر المؤسساتي كونها تضمن تنفيذ القواعد والمبادئ المعمول بها.
- المكون الثالث هو الجانب الفعّال يتم تنفيذ هذا العمل على مستويات مختلفة وهي مقسمة إلى فرعين المستوى الجهوي والإقليمي وكلّها طرق وإجراءات تهدف إلى تحقيق الهدف والغاية.
- المكون الرابع والأهم وهو الرقابة المالية على الأمن الاقتصادي للدولة بالاعتماد على النتيجة الإجمالية على صحة تنفيذ المهام المعينة لجميع مواضيع نظام المالي.
السلم التوضيحي لتدرج الازمة الاقتصادية المالية:
التعثّر المالي:
حالة من الاضطرابات الخطيرة أو تراكم الخسائر، وبصفة مبسطة هو اختلال التوازن بين الموارد من جهة والالتزامات من جهة أخرى فهو بمثابة القصور حالة غير متوقعة قد تكون مؤقتة عارضة أو محقّقة دائمة ويشير إلى الإفلاس الفني.
العسر المالي:
قد يكون فنّي أو حقيقي، عدم القدرة على سداد الديون والالتزامات في أجل قصير المدى.
العجز المالي:
هو الفرق السلبي بين الدخل والنفقات العامة في فترة معينة من الزمن، مفهوم يغطي كل من القطاع العام الموحد، والقطاع العام غير المالي والحكومة المركزية، هذه هي النتيجة السلبية لحسابات الدولة، عندما تتجاوز نفقات الدولة الإيرادات، يحدث العجز المالي.
الفشل الاقتصادي:
يعني أنّ صافي راس المال سالب ولا يحقق عائدات معقولة.
الفشل المالي:
هو مؤشر واضح على الإفلاس الحقيقي، وبرغم من انه مصطلح واسع فان له دلالة على قرب اشهار الإفلاس فالفشل المالي يسبق بخطوة الإفلاس.
اشهار الإفلاس:
الإفلاس السيادي، هو فشل حكومة دولة سيادية في سداد دينها بالكامل. وقد يرافقه إعلان رسمي من قبل الحكومة بعدم السداد أو السداد الجزئي لديونها (المبالغ المستحقة)، يعني فساد الهيكل الاداري للدولة.
4 التوصيات الاجرائية:
التراكم التشريعي في المادة الاقتصادية المالية: “تشريع الإدارة“:
ان الأصل في القانون هو تنظيم الحياة بمختلف فروعها وتحديد اختيارات الدولة بحسب سياستها المختارة، وعليه ان الأصل في الأشياء الاباحة مالم ينص القانون على خلافه، غير ان المشرّع التونسي في السنوات الأخيرة استثنى المبدأ ورتّب الاستثناء مبدأ، وهو من الامر الذي يزعزع النظام التشريعي التونسي ويضعنا في دوامة القوانين الورقية.
وحيث تعتبر القاعدة القانونية من الخصوصية بمكان، فيجب أن تكون ملزمة، آمرة، عامة ومجرّدة بحيث يضمن لها الوضوح والدقة وسلاسة التطبيق، غير أن التضخم التشريعي الذي باتت تعاني منه عديد الميادين وبصفة مخصوصة المجال الاقتصادي ينعكس سلبا على مردودية القطاع وسلاسته على مستوى التطبيق.
ولا يعني ذلك وجوبية أن تكون القوانين ثابتة، فهذه الأخيرة تتطور بتطورالقطاع الذي تنظمه وتتجدد بحسب حاجيات المجتمع والاخذ بعين الاعتبار العولمة والتكنولوجيا غير أن ذلك لايبيح الخروج عن أصل المبدأ.
ويمكن القول ان النصوص غير الدقيقة تتعدد تأويلاتها مما يخلق مشكلا قانونيا والقوانين الطويلة لا تعكس نجاعة في تطبيقها ولعل طول الإجراءات وتشعبها مثلا في مادة الاقتصادية ” تعدد التراخيص”يمثل المعرقل الأكبر امام المستثمرين وهو ما توضحه قوانين الاستثمار وتبينه مؤشرات الاستثمار بالبلاد التونسية مقارنة مع دول المغرب العربي وذلك بناء على مبدأ التنافس.
استفحال ظاهرة الاحتكار لتصبح المبدأ والاصل:
يمثل الاحتكار المشكل الأساسي والجوهري في الاقتصاد التونسي، حيث تعاني جميع القطاعات الاقتصادية من هذه الظاهرة التي قننتها الدولة و ساعدت في تقويتها .
مثلا : شركة الكهرباء و الغاز ، المواد الكحولية ، التبغ …واليوم لا يمكن إنكار وجود عائلات مالكة لقطاع دون منافسة أو مجازفة وبصفة قانونية ومعلنة.
فالاحتكار هو كارثة الاقتصاد التونسي الأولى، فيجب القطع مع نظام الاحتكار في جلّ القطاعات الاقتصادية وتعويضه بالتنافسية حيث ستوسع السوق الوطنية و تحتد المنافسة وتتضاعف مواطن العمل وينخفض الثمن و تتحسن جودة المنتوجات والخدمات و تعود المرابيح الجبايئة على الدولة لكن عليها قبل كل شيء السيطرة على لوبيات الفساد والاحتكار المقنن.
مثال شركة الكهرباء والغاز: الممول والمنتج الوحيدة التي تستحوذ على الكهرباء و الغاز في كامل تراب الجمهورية لذلك تفرض التعريفة وزيادة فيها على المواطن دون الاخذ بعين الاعتبار الحد الادنى للأجور في تونس و لا خيار له سوى القبول لان لا مجال لاختيار بديل وهو ما لا نراه في بلجيكيا مثلا” حيث أن المواطن هو من يختار من بين الشركات التي تناسبه بحسب الخدمات و التسهيلات أو الثمن مما ينعكس على الجودة.
استقطاب المستثمر الأجنبي وتهميش المستثمر التونسي:”المستثمر التونسي أولا“
إنّ سياسة الدولة المتبعة منذ الاستقلال تقوم على استقطاب المستثمر الأجنبي دون الاستشعار بأهمية ‘الأمننة الاقتصادية’ بماهي طريقة عيش الشعوب وليست فقط علم من العلوم العميقة. فالهوية الاقتصادية” Made in “من أهم المعايير الاقتصادية كما انها تعرف بالدولة وشعبها عن طريق تسويقها لمنتجاتها.
وجوبية الاستثمار الدولة التونسية في “رأس المال البشري” بترسيخ قيمة العمل وإدارة المهمات وذلك منذ النشأة بإضافة محاور اقتصادية في الكتب المدرسية.
-إضافة مادتي “الأإخلاق”: قيم العمل ودقة والجودة، و “الاستثمار”: لان المجتمع التونسي استهلاكي لايملك ثقافة الاستثمار.
-وضع ترسانة من القوانين التي تستقطب المستثمرين بتسهيل الإجراءات واقتضابها “تقليص من الوثائق والرخص الإدارية والإجراءات المعقدة”،الدعم الكلي واللاّ مشروط للمستثمر التونسي ووضعه من أولويات الدولة في 5 سنوات الأولى من بعث مشروعه خاصة في مشاريع الصناعات الالكترونية “سيارات، روبوتيك،الذكاء الاصطناعي …”والمشاريع الفلاحية والبيئية …
الحوكمة الرشيدة:
“ماليزيا كمثال” العمل على توسيع الشراكة بين القطاع الخاص والعام.
يتطلّب دعم الاقتصاد تحرير قطاعات بأكملها مثل النقل والاتّصالات اللاّسلكية والطاقة ووضع قواعد سلوك للمشغلين في الميادين الصناعية بالأخذ بطبيعة التقنيات وتطورها.
انشاء سلطة إدارية وتسييرية عادلة أي الاعتماد على أسلوب رقابة بين الإدارات.
التركيز على الشخصية الاقتصادية ‘للفرد التونسي’
القيام بموازنة بين الحرية والاستقلالية المالية.
الموازنة عند تحديد الأسعار والاخذ بمعايير تتناسب مع عدم تفقير الفلاح.
القطع مع عقلية الإدارة التونسية التي تحارب الفكرة قبل التنفيذ.
القطع مع النموذج المستورد أو تطويره بما يتماشى مع نظام الدولة التونسية ومتطلباتها.
تحديث مبدأ المركزية بعمل الدولة على الاستثمار العمومي في المناطق الداخلية والفلاحية على مدى 10 -15سنة القادمة.
القيام بتسهيلات أمام المستثمرين في المناطق الداخلية خاصة.
هل حقا “الاستثمار حر”؟ يجب طرح هذا السؤال من جديد على كل الوزارات ذات الصلة واجابة عليه بكل تدقيق وتمحيص.
ويعتبر الإشكال الأساسي هو مؤشر مناخ الاعمال العام في تونس “مرتبة 78” مقابل المنافس المغرب “مرتبة 53” وأساسه القوانين غير المشجعة لجلب الاستثمار رغم كل الامتيازات الجبائية وضعف أجور اليد العاملة المتكونة، لذلك وجب:
- تسهيل إجراءات ببعث وتأسيس شركات وفي أقل وقت ممكن وبأقل راس مال.
- تسهيل سحب القروض الاستثمارية والتخفيض من الفوائض في ثلاث السنوات الأولى فقط في المشاريع الداخلية.
- تدعيم القوانين التي تحمي المستثمرين.
- تقديم تسهيلات في التوريد والتصدير.
التدابير السياسة في مواجهة العسر المالي للدولة التونسية:
الفئة | الاجراءات السياسة | إدارة المخاطر على المالية العامة |
تدابير الموازنة )التكاليف التي تتحملها المالية العامة تنعكس على العجز والميزانية العمومية( | الإنفاق كالخدمات الصحية، اعانات للبطالة وصناديق الاجتماعية وجوبية التوازن في المنح الرأسمالية والتحويلات الموجهة مثل دعم الأجور أو التحويلات المباشرة أو الإجراءات الضريبية خفض الضرائب أو تخفيفها أو تأجيلها | اعتماد إجراءات وتنفيذها من خلال الموازنة العادية وآليات الإدارة المالية العامة. انعكاس التكاليف الكاملة في البداية على عجز المالية العامة والدين والتمويل. |
التدابير تحت الخط أو “خارج الموازنة” )تكاليف المالية العامة التي تنعكس على ارتفاع الدين وزيادة التمويل( | الإجراءات الاستثنائية لمواجهة جائحة كوفيد-19. تحمّل الدين الحاجة إلى الاستغناء على الادماج في الوظيفة العمومية و تجميد الزيادات في الاجور. | ضمان وضوح المنطق وراء التدخل تقييم التكاليف على المالية العامة ضمان توفير الآليات للموافقة على المستوى المركزي الإفصاح عن جميع التدابير |
الضمانات الحكومية )التي تنطوي على التدفّقات النقدية في البداية لكنها تتعرّض للمخاطر يحتمل أن تتحمل تكاليف مستقبلية( | ضمانات شاملة للقطاع المالي والقطاعات غير المالية. | بالإضافة إلى ما ورد أعلاه: تحديد حجم المخاطر النظر في منح ضمانات جزئية وفرض رسوم على الضمانات تقوم على المخاطر الاحتفاظ بالقدرة على استرجاع الأصول رصد مخصّصات لتغطية التكاليف المتوقعة في الموازنة |
الالتزامات الاحتمالية الأخرى | عمليات شبه مالية عامة | تحديد حجم المخاطر الإفصاح عن جميع الالتزامات الاحتمالية |
المراجع:
مدرسة كوبنهاغن ـ نحو توسيع وتعميق مفهوم الأمن د. توفيق بوستي
قانون المالية 2022
قانون التحسين مناخ الاستثمار
قانون الاستثمار
قانون التجارة الالكترونية
مبادئ قانون الاعمال
قانون التجاري ومجلة الشركات التجارية
القانون الجزائي للأعمال.
دراسات في السوق المالية “علي نني“
http://www.tunisieindustrie.nat.tn
Alex Macleod Anne – marie d’aoust et David grondin, les études des sécurités, in théories des relations internationales contestations et résistances ; éd ; Alex Macleod et dan O’meara (Québec ; Athéna éditions, 2007) p364
تقرير حول نشاط الصناديق الخاصة لسنة 2022.
التقرير حول التوزيع الجهوي للاستثمار 2022.
تقرير حول المشاريع الاستثمارية المنجزة في إطار عقود شراكة مع القطاع الخاص أو في شكل لزمة ّ أو بواسطة آليات تمويل أخرى ّ خارج إطار ميزانية الدولة
عالق وليد: “مالية وتأمينات وتسيير مخاطر” مذكرة ماجستير تحليل المؤشرات المالية كتقنية للتنبؤ بالتعثر المالي للمؤسسات.
اليامين بن سعدون، الحوارات الأمنية في المتوسط الغربي بعد نهاية الحرب الباردة: دراسة حالة،مذكرة مقدمة لنيل شهادة الماجستير في 17 العلوم السياسية، تخصص دارسات متوسطية ومغاربية في التعاون والأمن، جامعة الحاج لخضر، كلية الحقوق والعلوم السياسية، قسم العلوم السياسية، 2011 ـ 30ص، 2012.
القانــون عــدد 49 لســنة 2015 المؤرخ في 27 نوفمبــر 2015 المتعلق بعقــود الشراكــة بــين القطــاع العــام والقطــاع الخاص.
مقال محمد بن عبد الرزاق في مجلة تونس الرقمية 21جانفي 2022.