الاتحاد الأوروبي وتونس وليبيا ـ ديناميات العلاقات الدبلوماسية ما بعد 2011

بقلم: بسمه فايد باحثة بالمركز الأوروبي 30-04-2025
بون ـ المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخباراتECCI
تعتبر ليبيا وتونس شريكين استراتيجيين للاتحاد الأوروبي والدول الأوروبية، حيث يشكلان دوراً محورياً في تحقيق الاستقرار في منطقة البحر المتوسط وفي تحقيق استراتيجية الاتحاد الأوروبي المتعلقة به. وتشهد العلاقات بين الاتحاد الأوروبي ودول شمال إفريقيا لا سيما تونس وليبيا، تطوراً مستمرا، من خلال سلسلة من التعاون في العديد من المجالات، أبرزها المجال الأمني والاقتصاد والهجرة الغير شرعية.
زيارات متبادلة بين المسؤولين الأوروبيين و تونس وليبيا
28 أبريل 2025 : زار “يوانيس تساكيريس” نائب رئيس البنك الأوروبي للاستثمار، تونس لتعزيز الشراكة بين البنك الأوروبي للاستثمار وتونس. حيث ركزت الزيارة على تعزيز التعاون في مجالات المياه والطاقة والبيئة والابتكار والتنمية المستدامة. كذلك توقيع اتفاقيات جديدة للتمويل والمنح بدعم من الاتحاد الأوروبي.
27 فبراير 2025 : ناقش الرئيس الفرنسي “إيمانويل ماكرون” مع المشير “خليفة حفتر” تطورات العملية السياسية في ليبيا في وأهمية الدعم الدولي وجهود بعثة الأمم المتحدة لاستقرار الأوضاع في ليبيا.
1 فبراير 2025 : أعرب كاتب الدولة الألماني للشؤون الخارجية “توماس باغر” ووزير الخارجية التونسي “محمد علي النفطي” عن استعداد بلاده لتعزيز التعاون مع تونس ومساندتها في جهودها التنموية خلال زيارته. وذلك بهدف الزيادة في حجم الاستثمارات المشتركة والتدفق السياحي الألماني والتعاون الجامعي والتكنولوجيات المتعلقة بقطاع الاتصالات.
7 مايو 2024 : التقت رئيسة الوزراء الإيطالية “جورجيا ميلوني” مسؤولين ليبيين في طرابلس وبنغازي وذكرت التقارير أن “ميلوني” أكدت لنظرائها الليبيين على أهمية استمرار التعاون بين البلدين، والذي أكدت إنه أنتج بالفعل “نتائج مهمة وبناء شراكة” قائمة على المساواة والمشاريع الملموسة، وخاصة في قطاعي الطاقة والبنية التحتية.
6 يونيو 2023 : وصلت رئيسة الوزراء الإيطالية “جورجيا ميلوني” إلى تونس، حيث هدفت الزيارة إلى تعزيز الاقتصاد التونسي ومنع الأزمة المالية التي قد تؤدي إلى جولة جديدة من رحلات الهجرة نحو أوروبا. أمن دولي ـ التحولات الدولية وصعود الخليج في موازين القوى
واقع العلاقات السياسية بين الاتحاد الأوروبي وليبيا
تتزايد مخاوف الاتحاد الأوروبي من توسع نفوذ روسيا في ليبيا بعدما أشارت تقارير استخباراتية أن عدد القوات الروسية في ليبيا ارتفع من (800) جندي في فبراير 2024 إلى (1800) جندي بحلول مايو من العام 2024، فإن تزايد هذا النفوذ يراه مراقبون تحديا أمنيا جديدا على مستوى الحدود المشتركة بين تونس وليبيا. حيث يتزايد التركيز الروسي على ليبيا كقاعدة جديدة للعمليات عقب سقوط نظام “بشار الأسد” في سوريا، وسط مخاوف في تونس من التداعيات الأمنية لتواجد “مرتزقة فاغنر” في الدولة المجاورة.
يُعدّ الاتحاد الأوروبي أحد أكبر الجهات المانحة للمساعدات في ليبيا. وتهدف مشاريع الاتحاد الأوروبي إلى تعزيز المجتمع المدني، وحقوق الإنسان، وحرية الإعلام، والحوكمة الديمقراطية، والخدمات الصحية، وقد خصص الاتحاد الأوروبي إجراءات ومهام للسياسة الأمنية والدفاعية المشتركة لمساعدة ليبيا على العودة إلى السلام والاستقرار.
تخضع العلاقات بين الاتحاد الأوروبي وجيرانه المباشرين لسياسة الجوار الأوروبية (ENP) في هذا الإطار، ومع تقدم العملية الانتقالية في ليبيا، يتحول تركيز مساعدات الاتحاد الأوروبي بشكل متزايد نحو الاحتياجات طويلة الأجل. على المدى البعيد، يسعى الاتحاد الأوروبي والدول الأوروبية إلى تعزيز العلاقات السياسية والتعاون المالي والفني عبر مختلف الأدوات المتاحة في إطار سياسة الجوار الأوروبية.
دعمت بعثة الاتحاد الأوروبي المتكاملة للمساعدة الحدودية “يوبام ليبيا” السلطات الليبية في جهودها لتفكيك شبكات الجريمة المنظمة والإرهاب. وتعمل البعثة مع السلطات الليبية في إدارة الحدود، وإنفاذ القانون، والعدالة الجنائية، وتُسهّل تنسيق جهود المانحين في هذه المجالات. و منذ عام 2018، قدّم الاتحاد الأوروبي ((9.3 مليون يورو لدعم العملية السياسية في ليبيا. ويدعم تمويل الاتحاد الأوروبي تحديدًا مبادرات الحوار.
واقع العلاقات السياسية بين الاتحاد الأوروبي وتونس
يضخ الاتحاد الأوروبي الأموال في اقتصادات شمال إفريقيا لا سيما تونس مقابل الالتزامات بمحاربة شبكات تهريب المهاجرين وخفض عدد المهاجرين الذين يشرعون في الهجرة غير الشرعية بالقوارب إلى الساحل الجنوبي للاتحاد الأوروبي. وساهمت الاتفاقيات مع تونس، التي تم التوصل إليها في يوليو 2023، في انخفاض حاد بنسبة (60%) في عدد الوافدين غير النظاميين بالقوارب إلى إيطاليا في الأشهر الثمانية الأولى من العام 2023 مقارنة بالفترة نفسها من العام 2022.
اتفقت رئيسة المفوضية الأوروبية “أورسولا فون دير لاين”، ورئيسة الوزراء الإيطالية “جورجيا ميلوني” ورئيس الوزراء الهولندي السابق “مارك روته”، إلى جانب الرئيس التونسي “قيس سعيد” على تنفيذ حزمة الشراكة الشاملة التي تم الإعلان عنها بشكل مشترك في 11 يونيو 2023. تغطي مذكرة التفاهم خمسة محاور رئيسية أهمها الهجرة. يتم تنفيذها من خلال مختلف مسارات التعاون بين الاتحاد الأوروبي وتونس، وفقًا للأنظمة والإجراءات المعمول بها.
تقول “سارة سكيتدال” من حزب الشعب الأوروبي: “نحن بحاجة إلى تعاون خارجي، فاتفاقية الاتحاد الأوروبي مع تونس ضرورية للحفاظ على سيطرة صارمة على حدود الاتحاد الأوروبي، حفاظًا على أمننا ولأسباب إنسانية”. وأضافت “علينا العمل بحزم على المدى الطويل وعلى جميع الأصعدة، علينا وضع سياسة هجرة مستدامة ومشتركة، وعلينا تعميق التعاون مع دول مثل تونس”. أمن دولي ـ هل تم تهميش دول أوروبا في مفاوضات ترامب وبوتين؟
مصالح الاتحاد الأوروبي الاقتصادية في تونس وليبيا
يُعدّ الاتحاد الأوروبي أكبر شريك تجاري لتونس، حيث جاءت (43.8%) من وارداتها من الاتحاد الأوروبي. وتحتل تونس المرتبة (34) بين أكبر الشركاء التجاريين للاتحاد الأوروبي، حيث تُمثّل (0.5%) من إجمالي تجارة الاتحاد الأوروبي مع العالم في عام 2022. وبلغ إجمالي التجارة السلعية بين الاتحاد الأوروبي وتونس (24.8) مليار يورو في عام 2023. وبلغت صادرات الاتحاد الأوروبي إلى تونس بلغت (11.6) مليار يورو.
بلغ حجم التجارة الثنائية في الخدمات (4.8) مليار يورو في عام 2022، حيث بلغت واردات الاتحاد الأوروبي من الخدمات (3.2) مليار يورو والصادرات (1.6) مليار يورو. تُعد شركات الاتحاد الأوروبي أكبر المستثمرين الأجانب في تونس، حيث تمثل ما بين (80% و85%) من الاستثمار الأجنبي المباشر الداخل إلى البلاد، كما أنها أكبر جهات التوظيف، حيث تُوفر حوالي (80%) من إجمالي فرص العمل التي تُولدها هذه الاستثمارات.
كانت ليبيا الشريك التجاري رقم (32) للاتحاد الأوروبي في عام 2023. بلغ إجمالي التجارة السلعية بين الاتحاد الأوروبي وليبيا (29.8) مليار يورو في عام 2023. بلغت واردات الاتحاد الأوروبي من ليبيا (22.9) مليار يورو، بلغ إجمالي التجارة الثنائية في الخدمات مليار يورو في عام 2022، حيث مثلت واردات الاتحاد الأوروبي من الخدمات (0.52) مليار يورو وصادراتها (0.48) مليار يورو. أمن دولي ـ هل من ضغوطات أوروبية على إيران بعد تغيير النظام في سوريا؟
دور تونس وليبيا في الاستراتيجية الأوروبية تجاه إفريقيا والبحر المتوسط.
اعتمدت المفوضية الأوروبية والممثل الأعلى السابق للاتحاد الأوروبي “جوزيب بوريل” وثيقة مشتركة بشأن شراكة متجددة مع الجوار الجنوبي، والتي تحدد خطّة جديدة طموحة لمنطقة البحر الأبيض المتوسط. تم تخصيص ما يصل إلى (7) مليار يورو لتنفيذ الخّطة خلال الفترة 2021-2027. تركز الاستراتيجية الأوروبية للمتوسط على خمسة مجالات منها السلام والأمن مساعدة البلدان على مواجهة التحديات الأمنية الجديدة وحل النزاعات الهجرة والتنقل لمواجهة تحديات النزوح القسري والهجرة غير النظامية بشكل مشترك وتسهيل المسارات القانونية الآمنة للهجرة والتنقل
يقوم الاتحاد الأوروبي ودوله الأعضاء بالاستعانة بدول ثالثة مثل تونس وليبيا من أجل مراقبة الحدود وحماية اللاجئين في وسط البحر المتوسط. وأشاد الاتحاد الأوروبي بـ”التعاون الجيد” مع تونس بشأن الحد من تدفق المهاجرين غير الشرعيين.
شددت مفوضة الشؤون الداخلية بالاتحاد الأوروبي السبقة “إيلفا يوهانسون” على الانخفاض الحاد في عدد المهاجرين العابرين من تونس بينما يتزايد عدد المهاجرين من ليبيا. حيث شهد انخفاضًا بنسبة تقارب 80-90% في عدد المغادرين من تونس، حسبما صرحت المفوضة السويدية. تراجع أعداد المهاجرين من تونس إلى مجموعة من العوامل، بما في ذلك جهود خفر السواحل التونسي ووحدات أمنية أخرى لمكافحة تهريب المهاجرين.
ترى “ستيفاني بوب” خبيرة الهجرة في منظمة “أوكسفام” الأوروبية “إن السبيل الوحيد للتصدي للاتجار والتهريب هو توفير مسارات آمنة وقانونية للأشخاص الذين يحاولون الوصول إلى الاتحاد الأوروبي طلبًا للحماية”.
تقييم وقراءة مستقبلية
– تعكس الزيارات الأوروبية المتبادلة بين أوروبا و تونس وليبيا رهان الاتحاد الأوروبي على التعاون الاقتصادي والسياسي والأمني لحماية حدوده الجنوبية.
– إن تعزيز الحوار السياسي والسياسي بين الاتحاد الأوروبي ودول شمال إفريقيا لا سيما ليبيا وتونس من شأنه أن يوفر فرصة مهمة لتنشيط العلاقات السياسية والمؤسسية.
– تدفع المخاوف والتهديدات الأمنية المتعلقة بانتشار مرتزقة فاغنر في ليبيا، أوروبا إلى تعزيز دورها في شمال إفريقيا كبديل للدور الروسي، خاصةً في مجالات الحدود والأمن.
– يظل التحدي الأكبر لدى الدول الأعضاء داخل الاتحاد الأوروبي هو تحقيق التوازن بين المصالح الأمنية الأوروبية وبين الحلول المستدامة التي تُعزز الاستقرار في دول شمال إفريقيا.
– من المرجح أن يستمر الاتحاد الأوروبي والدول الأوروبية في تعزيز شراكاته مع تونس وليبيا، وقد يزيد من استثماراته الأمنية والاقتصادية لتحجيم النفوذ الروسي.
– بات متوقعا أن تركز المشاريع الأوروبية على التنمية المستدامة في شمال إفريقيا لكن نجاحها سيعتمد في المقام الأول على الاستقرار السياسي والاقتصادي خاصة في ليبيا وتونس.
هوامش
Italy’s Meloni in Libya to talk migration
https://tinyurl.com/ydur9c4c
Tunisia pact a ‘blueprint’ for new ‘cash for migrant’ deals, says EU chief
https://tinyurl.com/msr3sx2n
اتفاق بين تونس والاتحاد الأوروبي لضبط الهجرة غير النظامية
https://tinyurl.com/mvype6fh