جيوش من المستنسخين في حروب المستقبل… جنود خارقين مستنسخين
قسم البحوث الدراسات والبحوث الإستراتجية الأمنية والعسكرية 16-04-2024
عرضت منصة “نتلفكس” / Netflix في منتصف فبراير مطلع هذا العام سلسلة وثائقية عن طائفة تطلق على نفسها لقب “الرائيليون” نسبة لمؤسس الطائفة “رائيل” / Rael فرنسي الأصل ويدعى “كلود فوريلون” وذلك عام 1973.
يدع يرائيل أنه إلتقى بكائنات فضائية أخبرته أنها المصدر الرئيسي لخلق الإنسان، لكن اللفت في هذه السلسلة الوثائقية، ليس ما تؤمن به الطائفة، بقدر ما قامت بعد ذلك بتأسيسه من محاولات جادة لاستنساخ البشر.
وهذا يأخذنا لموضوع خطير تعود جذوره إلى عهد الحكم النازي لألمانيا حينما أجريت أبحاث أولية على فكرة خلق جيش من الخارقين، تماما كما نشاهده في أفلام الخيال العلمي، وهو ما نحن بصدد الخوض فيه بالتفصيل وبالاستناد إلى مصادر موثوقة.
تلعب الجينات الوراثية دورًا هامًّا في تكويننا إلى جانب المخلوقات الأخرى. حيث يكمن في الجينات الوراثية حجر الأساس للكائنات الحية ألا وهي “الخلية”.
و يتكون جسم أي كائن حي، من ترليونات الخلايا، فهي التي تحدد البناء الخاص للجسم الحي، وهي المسؤولة عن امتصاص العناصر الغذائية، وتحويلها إلى طاقة، كما أنّها تضطلع بوظائف الجسم. وهي تحتوي على العامل الوراثي للشخص، ويمكنها استنساخ نفسها، ويقع مركز تحكم هذه الخلية بالنواة، التي ترسل أوامرها للخلية كي تنمو، وتنضج، وتنقسم، ثم تموت.
وفي النواة أيضا يوجد الحمض النووي (deoxyribonucleic acid – DNA) وهو المصدر الأساسي للجينات الوراثية. وفي كل خلية في الجسم نفس (DNA) والمعلومات المخزنة داخله، تتكون من رمز (Code) يحتوي على أربعة أسس كيميائية هي: adenine (A) – guanine (G) – cytosine (C) – thymine (T) . لذا، فإن كل DNA يتكون من 3 مليار أساس، ويمنح تسلسل هذه الأسس المعلومات المطلوبة لبناء الأعضاء التي يتكون منها الفرد كاملاً.
يؤلف زوج من هذه الأسس السالفة الذكر مثل A مع T و C مع G أزواجًا أساسية، كل واحدة منها متصلة بنواة من السكر و نواة من الفوسفات، وكلاهما يطلق عليه نوكليوتيد (nucleotide)، حيث تؤلف ملايين منها يتم ترتيبها في شريطين لتشكل حلزونًا مزدوجًا، ويشبه هذا التشكيل المزدوج درجين ملتفين حول بعضيهما فيما يكون السكر والفوسفات الأساس الذي يلصق هذه الدرجات ببعضها.
يكون الـ DNA داخل الخلية على شكل مركب طويل يدعى “كروموسوم / chromosomes”، وفي كل خلية في جسم الإنسان يوجد 23 زوجًا من الكروموسومات بما مجموعه 46 كروموسومًا. من بين هذه الأزواج هناك 22 كروموسومًا متطابقًا في كل من الذكر والأنثى ويطلق عليها “أوتوسومس / autosomes” أما الزوج رقم 23 فهو كروموسوم الجنس أو النوع، فيختلف ما بين الذكر و الأنثى، حيث تمتلك الأناث (xx) بينما يمتلك الذكور واحدة (xy).
بمجمل عام، يتميز الـ DNA بأنه قادر على استنساخ نفسه، ومن هنا يبدأ الموضوع.
تكنولوجيا الاستنساخ
كان الغرض من استنساخ النعجة “دوللي”، التي ولدت في 5 يوليو 1996، هو إنتاج دواء يتم تكوينه في حليب الماعز وذلك لتحسين مستوى المناعة ضد أمراض بشرية، ولهذا تم نقل جينات بشرية ومزجها بأخرى لدى الماعز من أجل الحصول على علاجات ضد أمراض الدم لدى البشر.
وبعد نجاح هذه التجربة، تم استنساخ فأر، وحصان، وكلب، و ذئب إضافةً، إلى قطة ولّدت قطتين صغيرتين فيما بعد، وجرت تلك الاختبارات بنجاح في كل من الولايات المتحدة الأمريكية و كوريا الجنوبية في بادئ الأمر.
استنساخ البشر خطوة بخطوة
أول خطوة في عمليّة استنساخ البشر هي الحصول على بويضة غير مخصبة. ثم يتم إزالة الـ DNA من نواة تلك البويضة، ليتم بعدها دمج خلية أخرى بتلك البويضة، ويمكن استخلاص تلك الخلية من أي جزء بجسم الشخص المراد استنساخه، حيث تحتوي أية خلية في جسم أي إنسان على المكونات والمعطيات نفسها القابلة للاستنساخ.
بعد ذلك يتم الانتقال إلى مرحلة تفعيل الـ DNA للشخص المراد استنساخه بعد عملية دمج الخلية بالبويضة، وسيتطلب أثناء ذلك تحفيزًا بسيطًا بواسطة تيار كهربائي خلال تلقيح البويضة بالسائل المنوي.
بعد ذلك تكون البويضة جاهزة لوضعها في الرحم، ومن ثم تقوم البويضة بالانقسام والتطور لفترة الحمل التي تستغرق عادة 9 أشهر، وبعدها يتم وضع (ولادة) المستنسخ.
نشرت مجلة “Human Reproduction” الطبية في عام 2001، أن 30 طفلاً قد تمت ولادتهم بعد تعديل جيناتهم الوراثية بالفعل. وقد قامت قناة BBC البريطانية الشهيرة بتغطية الموضوع.
وفي 2004 تمكن فريق من كوريا الجنوبية من استنساخ جنين معمليًّا ومن دون أي احترام للخصوصية الخاصة بخلق البشر. وفي عام 2007 نجح فريق أمريكي في استنساخ أجنة للقرود وهو ما يجعل من السهل تطبيق المبدأ نفسه على البشر.
جدل أخلاقي
هناك عدة أمور ستقود نحو ترخيص الاستنساخ البشري من الناحية القانونية عبر التأثير على العاطفة البشرية الجياشة وهي كالتالي:
يمكن استنساخ طفلك الذي قد تفقده بحادث أو نتيجة مرض عضال. ألا يرغب أي والدين بذلك؟
أي أمرأة تجد نفسها عاقرًا سترغب في استنساخ نفسها ونقل ذاكرتها إلى نسختها القادرة على الإنجاب والتخلص من جسدها الأصليّ أو جعله بنكًا للأعضاء في حالة تطلب ذلك مستقبلا.
قد يستدعى ابنك من قبل الجيش لتأدية الخدمة العسكرية، وأثناء ذلك قد تنشب حرب قد يقتل فيها.
هل ستجعله يذهب إلى حتفه أم سترغب بنسخة منه لتأدية ذلك عوضا عنه؟
وهنا نقط الجدل ونقطة الخطر الداهم، والتي سنستعرضه بشكل أعمق.
معضلة الذاكرة
تمنح الذاكرة هوية مستقلة للأفراد عن غيرهم، لذلك هناك محاولات لمنح البدلاء (المستنسخين) ذاكرة، حيث تعتبر الذاكرة هي ما يميز البشر فيما بينهم وعن بعضهم البعض.
في فيلم الخيال العلمي “Blade Runner” يحمل المستنسخين ذاكرة للأشخاص نفسهم الذين تم استنساخهم منهم، ولكن يمكن لمستنسخيهم أن يتحكموا بهم بواسطة تلك الذكريات، وهو أمر خطير جدًا.
ستستغل الدول وأصحاب النفوذ مسألة الاستنساخ من أجل تكوين جيوش من المستنسخين، الذين لا يحملون بالضرورة ذاكرةَ من استُنسِخوا منهم، وبالتالي يمكن معهم خوض حروب دموية وتنفيذ مذابح وكوارث مريعة من دون أن تتم محاسبتهم،حتى إنهم لا يملكون أي أهل أو أقارب ليعترضوا.
الجندي الخارق
هناك أبحاث جارية لهندسة جنينية لفصيل من الجنود الخارقين، الذين لا يحتاجون للطعام مدة طويلة ولا حتى إلى النوم، والأدهى من ذلك، هو قدرتهم على تعويض أطرافهم وحتى أعضائهم الحيوية عند الإصابة.
وقد تم تخصيص مبلغًا وقدره 2 مليار دولار أمريكي سنويًا لصالح وكالة الأبحاث و المشاريع العسكرية المتقدمة الأمريكية والتي تعرف اختصارًا بـ” داربا / DARPA” من أجل إنتاج جنود خارقين معملياًّ واستيلادهم عبر الاستنساخ تمامًا على غرار ما عرض في فيلم “ستار وارز / Star Wars” الخيالي من قدرة على إنتاج جنود مستنسخين للإمبراطورية.
السر الدفين
لطالما شكلت عملية البحث عن فصيلة دم مطابقة لتزويد شخص يحتاجها أمرًا مقلقًا وحرجًا.
لكن ذلك لم يكن ليصبح هاجسًا لو تم نشر تقنية إنتاج الدم صناعيًا بجميع فصائله عبر تطبيق ما اخترعه الألمان إبان الحكم النازي، والتي حسب ما ذكر الكاتب Henry Stevens هنري ستيفنز في كتابه حول تمكن الألمان في تلك الفترة من اختراع البلازما الصناعية للدم بل وحتى اختراع دم اصطناعي يتم إنتاجه معمليًا والتي استولى عليها الحلفاء من دون أن يتركوا أي أثر أو دليل لوجود مثل هذه التقنية.
فقط لنتخيل معًا كيف أن عملية إنتاج دم صناعيًا ستدعم جيش المستنسخين بشكل كبير في تمكينهم بأداء المهام الموكلة إليهم، ناهيك عن إنقاذ أفواج هائلة من البشر حول العالم ممن يحتاجون إلى نقل دم دون الخوف من انتقال أمراض مناعية خلال عملية النقل، بل وربما يمكن تحسين المواد المناعية لمقاومة أمراض خطيرة مما يعجل في استعادتهم لعافيتهم في مدة قياسية.
الجانب المظلم من الاستنساخ
يذكر “نك ريدفرن / Nick Redfern” في كتابه عن الوحوش، أن هناك روايات عن محاولة جوزيف ستالين رئيس الاتحاد السوفياتي السابق، خلق جيش من الوحوش لمواجهة أي عدوان على البلاد، وذلك في منتصف العشرينات من القرن الماضي.
وكدليل على صدق تلك الروايات، ما شهده عمال كانوا بصدد تشييد ملاعب للأطفال والفتيان في مدينة سخومي في جورجيا حينما عثروا، عن طريق الصدفة، على معمل تحت الأرض للأبحاث السرية على ما يبدو وكان يحتوي على بقايا عظام وجماجم للقرود مختلطة مع بقايا أعضاء بشرية.
أما حديثًا، فإن ما تقوم به الولايات المتحدة الأمريكية من أبحاث سرية في هذا المجال يفوق الخيال، حيث باتت التكنولوجيا المتعلقة بذلك تثير الريبة والرعب عند الخوض بما تم تحقيقه من نتائج، و يطلق على تكنولوجيا تحسين الخلق الرمز “GRIN / غرن”، وهو اختصار لـ (Genetic, Robotic, Information processing and Nano-technological processes) ويعني ذلك: (علم الجينات، الروبوتية، معالجة المعلومات، وأخيرًا؛ تكنولوجيا النانو).
فهناك أبحاث لزرع الشرائح الإلكترونية في الدماغ لتحسين التفاعل مع الآلات، تمامًا مثل تلك التي كشف عنها مؤخرا بواسطة إيلون ماسك، وسيمكن ذلك من خلق وسائط بيولوجية للتخاطر الفكري عن بعد.
وبعد دراسة الحيتان والدلافين تم اكتشاف أن جهازها العصبي مختلف تمامًا عن باقي الثدييات، حيث لا تنام بالمعنى الحقيقي بل تصبح في حالة سكون وهذا لأنها إذا نامت بالفعل كما تفعل باقي الثدييات ستغرق وتموت في الأعماق.
ولهذا فإن العلماء يعكفون على استخلاص ذلك الهرمون العصبي الخاص بها ودمجه بالجين البشري من أجل خلق جنود خارقين لا ينامون أو يبقون يقظين قدر الإمكان.
ويطلق على هذا البرنامج الذي تديره وكالة الأبحاث الدفاعية المتقدمة – داربا / DARPA، (Continuous Assisted Performance program – CAP).
بصيص أمل في نفق مظلم
ستُستخدم تكنولوجيا الاستنساخ في إنتاج أعضاء حيوية للجسم البشري من الشخص نفسه وذلك تحسبًا للحاجة إلى زراعة واستبدال أحد تلك الأعضاء في الجسم من دون الخشية من رفض الجسم لذلك العضو المستزرع.
ويطلق عليها تقنية “3D bioprinting artificially” أو الطباعة البيولوجية ثلاثية الأبعاد، وهي باتت الآن حقيقة واقعية مطبقة وليست من وحي أفلام الخيال العلمي. تسمح هذه التقنية بإنتاج أدق تفاصيل أعضاء الجسم البشري من الخلايا الحية. فقد بات ممكنًا استبدال أي عضو من أعضاء الجسم بواسطتها، مثل القلب و الكلى والكبد وحتى الجمجمة وما سواها.
ستسرع هذه التقنية من إنتاج بشر كاملين يتم استنساخهم من أجسام حية تكون مطابقة و حتى أفضل من الأصلية.
أما تقنية التعديل والتنقيح الجيني “كرسبر / CRISPR” فقد أمكن معها خلق كلاب ذات أحجام مهولة وخنازير بحجم القطط، وأخرى يمكن استزراع أعضاء بشرية بها من أجل توفير قطع غيار لأعضاء بشرية لمن يتطلب إنقاذه من البشر.
ومثلما أتاحت تقنية “كرسبر” ذلك فإنها أتاحت القدرة على استنساخ البشر بل وتعديلهم كي يصبحوا أفضل في البنية والقدرة المناعية والصحة العالية.
وبالطبع إن من شأن هذه التقنية أن تحدث ثورة في معالجة إصابات الجنود ميدانيًا وإعادتهم بسرعة مذهلة إلى المعركة من جديد بدلاً من استغراقهم وقتًا طويلا ًفي التعافي.
وهناك أيضا الطعام المستخلص أو المنتج صناعيًا، وخصوصًا اللحم الصناعي الذي تم إنتاجه منذ سنوات عدة معمليًا والذي قد يستخرج من كتف الإنسان نفسه وتعديله بخواص حيوانية كالأبقار مثلا.
ماذا تخفي إسرائيل؟!
نعود مجددًا إلى الطائفة الإسرائيلية، والتي أحدثت معضلة إنسانية وعلمية عندما أعلنت في 27 ديسمبر 2002 ولادة أول طفل بشري مستنسخ في اليوم السابق، وقالت العالمة الفرنسية بريجيت بواسولييه، العضو القيادي في الطائفة ورئيسة شركة “كلون ايد” التي تتولى برنامج الاستنساخ البشري فيها، أنّ الطفل أنثى وأنّ والديها أميركيان وأنها توأم أمها البالغة 31 عاماً، وأن عملية ولادتها تمت تحديدًا في إسرائيل، وهنا باتت الشكوك تحاصرني من أن هناك أمرًا ما تعد له حكومة الكيان الصهيوني.
وقبل أن تقدم الشركة أدلة قاطعة على صحة ادعائها، أعلنت بواسولييه ولادة طفلة ثانية مستنسخة في 4 يناير 2003 لامرأتين سحاقيتين من هولندا، ولم تحدد مكان الولادة. ثم أعلنت الشركة أنها تنتظر ولادة ثلاثة أطفال آخرين مستنسخين في أواخر يناير ومطلع فبراير من العام نفسه.
إلى أين يقودنا هذا يا ترى؟
لا شك أن الكيان الصهيوني يعتمد على تجييش معظم أجناس مواطنيه سواء أكانوا ذكورا أم إناثاً، وبالتالي فإن فقدهم يعني نقصًا وخسارة كبيرة من مجموع شعبه المحدود بالمقارنة مع الدول العربية المحيطة به.
ناهيك عن أعداد الفلسطينيين هناك، ولهذا فإن عملية إنتاج جيش من المستنسخين وحتى الأمساخ المتوحشة التي لا يفتقدها أهلها ولا يحزنون لخسارة أفواج منهم، تعد حلاًّ ناجحًا لدعم عمليات الكيان العسكرية وتغييرًا لقواعد الاشتباك مع العرب، وهو ما قد يخلّ بالموازين أكثر فأكثر ويمنح تل اأيب الأفضلية القصوى في أية مواجهة.
وليس بالضرورة أن يحمل المستنسخ ذاكرة أو أطباع من استنسخ منه، وهو ما يمهد لإنتاج أو خلق مستنسخين مطابقين بالشكل والشبه ولكن بأطباع و خصائص مختلفة تمامًا.
ختامًا، مع التمكن من التحسين الجيني، فإننا سنرى أناسًا يعيشون أطول، و آخرين يقاومون أعتى الأمراض والفيروسات، إلى جانب آخرين يمكنهم إحراز بطولات رياضية بشكل خارق، أما الأهم، فهو تأسيس جيل من الجنود البشريين الخارقين (super soldier) الذين يمكنهم النوم ساعات أقلّ، و تحمل ظروف المعارك وتقلبات الطقس بشكل أكفأ، إلى جانب قدرتهم الجسمانية الكبيرة مقارنة مع البشر العاديين.
إن التكنولوجيا التي تساعد في تحسين نسلنا عبر ولادة أطفال أصحاء، هي نفسها يمكن أن تتسبب في ولادة مسوخ و وحوش ضارية.