أخبار العالمإفريقيابحوث ودراسات

الآثار السياسية والإقتصادية والأمنية للصراع السوداني على المستوى الإقليمي والمحلى

     جمهورية السودان تقع في شمال أفريقيا ويعتبر جزء من الشرق الأوسط جغرافيا وسياسيا وهو عضو في جامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي والاتحاد الأفريقي.

السمة الرئيسية فيه هي نهر النيل وروافده، يحده من الشرق أثيوبيا وأريتريا ومن الشمال الشرقي البحر الأحمر ومن الشمال مصر ومن الشمال الغربي ليبيا ومن الغرب تشاد ومن الجنوب الغربي جمهورية أفريقيا الوسطى ومن الجنوب دولة جنوب السودان.

يقسم نهر النيل أراضي السودان إلى شطرين شرقي وغربي وينساب نحوه رافديه: النيل الأزرق والنيل الأبيض ليلتقيا في الخرطوم في مشهد طبيعي فريد.

ويتوسط السودان حوض وادي النيل الذي يلعب دوراً حيوياً في حياته الإقتصادية والإجتماعية والثقافية وفي علاقاته الخارجية.

والخرطوم أو (العاصمة المثلثة) كما تُعرف هي عاصمة السودان وسميت مثلثة لأنها تتكون من ثلاث مدن كبيرة وهي (الخرطوم وأم درمان والخرطوم بحري).

   يعتبر السودان مهداً لحضارات عريقة، استوطن فيه الإنسان منذ 5000 سنة قبل الميلاد، ولشعب السودان تاريخ طويل يمتد منذ العصور القديمة ويتداخل مع تاريخ مصر الفرعونية والتي كان السودان متداخلاً معها سياسياً على مدى فترات طويلة، لاسيما في عهد الأسرة الخامسة والعشرين ( الفراعنة السود) التي حكمت مصر ومن أشهر ملوكها طهراقة وبعنخي.

ويقع السودان بين خطي عرض 8.45 درجة و 23.8 درجة شمالاً، وخطي طول 21.49 درجة إلى 38.24 درجة شرقاً، في موقع جيوبولوتيكي مهم بين عدة مناطق إستراتيجية، فهو يشكل بوابة أو مفترق طرق وجسر بين أفريقيا – خاصة منطقة القرن الإفريقي شرقاً ومنطقة الساحل غربا وحتى حوض السنغال، وإفريقيا شمال الصحراء الكبرى ومنطقة البحيرات الكبرى في الوسط – وبينها وبين العالم العربي الإسلامي ومنطقة الشرق الأوسط، وهو بذلك أحد معابر التفاعلات والهجرات والمؤثرات العربية الإسلامية جنوب الغابات الاستوائية في أفريقيا كما أنه ظل وحتى منتصف القرن الماضي الممر الرئيسي لقوافل الحجيج والتجارة من غرب أفريقيا إلى الأرضي المقدسة وشرق أفريقيا.

 شهد السودان حرباً أهلية استمرت منذ قبيل إعلان الاستقلال في عام 1956م حتى 2005 عدا فترات سلام متقطعة، نتيجة صراعات عميقة بين الحكومة المركزية في شمال السودان (الذي تقطنه أغلبية مسلمة) وحركات متمردة في جنوبه(الذي تسوده الديانة المسيحية والمعتقدات المحلية).

 وانتهت الحرب الأهلية بالتوقيع اتفاقية السلام الشامل التي وضعت حداً للحرب الأهلية، بين حكومة السودان والحركة الشعبية لتحرير السودان، وأصبح إقليم جنوب السودان يتمتع بحكم ذاتي أعقبه استفتاء عام في عام 2011 حول البقاء موحداً مع السودان أو الانفصال.

وجاءت نتيجة الاستفتاء لهذا الخيار الأخير في عام 1989 م، قاد العميد عمر البشير انقلاباً عسكرياً، أطاح بحكومة مدنية برئاسة الصادق المهدي زعيم حزب الأمة، وأصبح هو رئيساً لمجلس قيادة ثورة الإنقاذ، ثم رئيساً للجمهورية.

ثورة 19 ديسمبر أو ثورة ديسمبر المجيدة هي سلسلة من الاحتجاجات السودانية التي اندلعت يوم 19 ديسمبر/كانون الأول من عام 2018 في بعض المدن السودانيّة بسببِ ارتفاع الأسعار وغلاء المعيشة وتدهور حال البلد على كلّ المستويات.

بدأت الاحتجاجات رداً على تردي الأوضاع الاقتصادية وغلاء أسعار المعيشة وتفشي الفساد الحكومي واستمرار الحرب في الأقاليم في مدينتي الروصيرص جنوب البلاد وسنار في وسطها وازدادت حدتها في مدينتي بورتسودان شرق البلاد وعطبرة شمالها والقضارف في الشرق ثم امتدت في اليوم التالي 20 ديسمبر/كانون الأول إلى مدن أخرى من بينها العاصِمة الخرطوم قبلَ أن تتجدّد يومي الجمعة والسبت خصوصًا في الخرطوم وأم درمان والأبَيض في ولاية شمال كردفان.

 شهدت هذه الاحتجاجات السلميّة رد فعل عنيف من قِبل السلطات التي استعملت مُختلف الأسلحة في تفريقِ المتظاهرين بما في ذلك الغاز المسيل للدموع، الرصاص المطاطي بل شهدت بعض المدن استعمالًا واضحًا للرصاص الحيّ من قبل قوات الأمن السودانية مما تسبب في سقوط عشرات القتلى والجرحى في صفوف المتظاهرين.

وفي 11 أبريل 2019، أعلن الجيش خلع الرئيس عمر البشير عن السلطة وبدء مرحلة انتقالية لمدة عامين تنتهي بإقامة انتخابات لنقل مقاليد الحكم

يتباين مستقبل المرحلة الانتقالية في السودان، خصوصا بعد 25 اكتوبر 2021 ، طبقاً للبيئة الاقليمية والدولية المؤثرة بالسودان، فهناك من يرى أنه انقلاب تم بدعم إقليمي ملحوظ، حيث ألمحت بعض وكالات الأنباء أن هناك دعماً إقليمياً مستتراً للمكون العسكري، ليستحوذ على السلطة في السودان، خصوصاً في ظل العلاقات الوثيقة التي تربط عبد الفتاح البرهان بكل من مصر والسعودية والإمارات، ويفسر ذلك حالة الارتياح البادية في بيانات الدول الثلاث من الوضع، كما إن بيان الخارجية الأمريكية بشأن وجود أيادي خارجية مسئولة عن محاولة الانقلاب الفاشلة في السودان يثير الأسئلة بشأن ماهية هذه الأطراف.

تصاعد التوترات السياسية في دولة السودان التي بدأت في 16 اكتوبر  2021 أمام القصر الجمهوري في العامة السودانية، التي دعت له مجموعة الميثاق الوطني لقوى الحرية والتغيير والتي تضم: ( كيانات حزبية وحركات مسلحة، أبرزها حركة تحرير السودان بزعامة حاكم دارفور مني أركو مناوي، وحركة العدل والمساواة بزعامة جبريل إبراهيم وزير المالية الحالي) مطالبة بحل حكومة حمدوك وتشكيل حكومة ذات قاعدة عريضة من التحالف، وكذلك وصول كيانات الشرق إلى الخرطوم لدعم الاعتصام أمام القصر الجمهوري، إذ شارك مئات الآلاف من الشعب في مظاهرات حاشدة يوم 21 تشرين الأول 2021 في ذكرى أول ثورة سودانية أطاحت بحكم العسكر يوم 21 تشرين الأول 1964، تلبيةً لدعوات صادرة عن لجان المقاومة والكيانين المنقسمين داخل قوى الحرية والتغيير (الائتلاف الحاكم، ووصفت المظاهرات التي وصفت بـالمليونية) جاءت بعد انسداد الأفق السياسي، ووصول شراكة المدنيين والعسكر إلى طريقٍ شبه مسدود، وظهور مجموعة من الائتلاف الحاكم تطالب باستقالة الحكومة وتوسيع قاعدة مشاركة التحالف العريض في السلطة.

طالب المتظاهرين المعتصمين في يوم  22 تشرين الأول 2021، بحل الحكومة الانتقالية والإسراع في وتيرة الإصلاحات الديمقراطية، بعدها طرح حمدوك خريطة طريق  تتكون من ( 10 محاور) للخروج من الأزمة السياسية في البلاد تقوم على وقف التصعيد والدعوة للحوار، وفي ضوء ذلك اجتمع المبعوث الأميركي للقرن الأفريقي جيفري فيلتمان في يوم 23 تشرين الأول 2021، في الخرطوم لبحث الأزمة السياسية، ضمّ الاجتماع رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان، ونائبه محمد حمدان دقلو (حميدتي)، ورئيس الوزراء عبد الله حمدوك، والمبعوث الأميركي للقرن الأفريقي جيفري فيلتمان، ولكن الاجتماع انتهى من دون إعلان نتائج.

وُقعت وثيقة بين أحزاب سياسية يُرجى منها حل لأزمة السودان الطويلة. وتضع هذه الوثيقة اقتراحات لتشكيلة الحكومة ورئيسها ولمهام المرحلة الانتقالية والشراكة بين المكونين المدني والعسكري وأطراف العملية السياسية.

كما تنظر بإمكانية الإلتزام بنظام الحكم الفدرالي بما يتماشى مع اتفاق جوبا وتنفيذه.

فقد ذكر الدكتور وليد عتلم، الكاتب والباحث المتخصص في الشؤون السياسية والشؤون الإفريقية، إن السودان يمثل نموذج حالة لتعدد المراحل الانتقالية وفشل تجارب التحول الديمقراطي؛ فالمرحلة الانتقالية التي بدأت 2019، ما بعد سقوط نظام عمر البشير، ليست الأولى، لكن رغم تعدد خبرات المراحل الانتقالية في السودان على مر تاريخه، لا يزال تتكرر ذات الأخطاء التي تؤدي إلى فشل التحول الديمقراطي دون استيعاب لتلك الأخطاء والعمل على عدم تكرارها.

أن ما يميز المرحلة الانتقالية القائمة في السودان عن التجارب السابقة، هو تبني نموذج “تقاسم السلطة الشامل” الذي اشتمل على مظلة واسعة تضم الجيش السوداني، وميليشيات الدعم السريع، والمكون المدني ممثلًا في قوى إعلان الحرية والتغيير؛ ثم تقاسم السلطة على المستوى الإثني الإقليمي وفقاً لاتفاق جوبا الموقع في عام 2020، والذي ضم عددًا كبيرًا من الجماعات والحركات المسلحة، خاصة في دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق، وذلك في إعادة لنمط “الاندماج الوظيفي” المتبع في التجارب السابقة.

وأكد “عتلم” أن أحد المحددات الفاعلة في الأزمة السودانية الحالية يتمثل في الدوافع الشخصية والطموح السياسي المتزايد لطرفي الأزمة، خاصة على مستوى قائد قوات الدعم السريع، والذي بلغ مرحلة نائب مجلس السيادة الانتقالي، لكن على ما يبدو أنه يرغب في المزيد وعلى الطرف الآخر تبدو قيادة الجيش السوداني غير راغبة في أن ينازعها طرف آخر على مستوى القيادة العسكرية في ظل تشابك الوضع وتعقده مع المكون المدني أيضًا.

  • 5 ديسمبر 2022 – توقيع اتفاق إطاري بين قوى مدنية والجيش لبدء عملية جديدة للانتقال السياسي مدتها عامان وتعيين حكومة مدنية.
  • 5 أبريل 2023 – تأجيل توقيع الاتفاق النهائي للمرحلة الانتقالية للمرة الثانية وسط خلافات حول ما إذا كان سيخضع الجيش لإشراف مدني وحول خطط دمج قوات الدعم السريع في القوات المسلحة.
  • 13 أبريل 2023 – يقول الجيش السوداني إن تعبئة قوات الدعم السريع تنطوي على خطر حدوث مواجهة. وبعد يومين، تندلع اشتباكات بين الجانبين في الخرطوم ومدن أخرى. وتقول قوات الدعم السريع إنها سيطرت على مواقع استراتيجية رئيسية، لكن الجيش ينفي ذلك.

تشهد العملية السياسية في السودان، تعثراً ملموساً وتحديات جديدة تعترض مسارها إثر تصاعد وتيرة الخلافات بين رئيس مجلس السيادة والقائد العام للقوات المسلحة  الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، ونائبه قائد قوات الدعم السريع الفريق أول محمد حمدان دقلو المعروف بـ “حميدتي”.

وتأتي هذه الخلافات على الرغم من أن العملية السياسية التي ترعاها الآلية الثلاثية التي تضم الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي ومنظمة “إيقاد”، شارفت على الانتهاء ومن المفترض أن يبدأ تشكيل مؤسسات السلطة الانتقالية استناداً إلى الاتفاق الإطاري المبرم في 5 ديسمبر الماضي.

لكن المكون العسكري لم يستطع الحفاظ على تماسكه أمام أحزاب وجماعات مدنية تحالفت على قاعدة الاتفاق الإطاري بعد أن بلغت الخلافات ذروتها نظراً لوجود تباين ملحوظ بين موقفي الجيش وقوات الدعم السريع في بعض القضايا الأساسية على الساحة السياسية.

وبعد أن كانت العملية السياسية متوقفة على تقارب وجهات نظر القوى المدنية أصبح الوضع الآن في حاجة إلى توافق بين المكونات العسكرية في أعقاب اشتراط البرهان دمج قوات الدعم السريع في القوات المسلحة مقابل المضي في الاتفاق الإطاري، وهي عملية طويلة ومعقدة ربما تقود إلى مزيد من التعطيل لمسار الحل السياسي للأزمة، أسباب الخلافات بين البرهان وحميدتي.

يعتبر  دمج قوات الدعم السريع في القوات المسلحة، إحدى نقاط الخلاف الأساسية حالياً، بسبب وجهات النظر المتباينة بين الطرفين بشأن الدمج.

فإن اجتماع هيئة قيادة الجيش الذي عقد في يناير، انتهى إلى ضرورة دمج قوات الدعم السريع وإصلاح المنظومة الأمنية والعسكرية، وكلف الاجتماع كلاً من الجيش والمخابرات العامة والشرطة، بإعداد وتقديم رؤيتها بشأن إصلاح المنظومة الأمنية والعسكرية.

أن الاجتماع أوصى بتشكيل لجان من ضباط برتبتي فريق ولواء لإعداد دراسة إصلاح المنظومة الأمنية والعسكرية.

أن الاتفاق الإطاري أعطى الدعم السريع استقلالية عن القوات المسلحة على أن يكون البرهان قائداً للقوات المسلحة وحميدتي قائداً للدعم السريع، وأن يخضع كلاهما للرئيس المدني الذي سيعين بمقتضى الاتفاق الإطاري، وهو ما يرفضه الجيش وعضوا المكون العسكري في مجلس السيادة الفريق أول شمس الدين كباشي، والفريق أول ياسر العطا، بالإضافة إلى رئيس هيئة الأركان الفريق أول محمد عثمان الحسين.

 وهناك  سبب آخر للخلاف في سياق الاتفاق الإطاري، إذ يتمسك قائد قوات الدعم السريع بتشكيل حكومة مدنية بمشاركة قوى مدنية محدودة، فيما يتمسك الجيش بتشكيل حكومة ذات قاعدة عريضة وتوافق وطني كبير.

مثلت إدارة الملفات الخارجية ولا تزال تحدياً كبيراً للجانبين، بحسب المصادر العسكرية التي أوضحت أن أبرز القضايا الخلافية في هذا الملف تتمثل في العلاقات بين السودان وإسرائيل وروسيا إلى جانب العلاقات مع الدول المجاورة.

ويتهم الجيش، حميدتي، بالسعي لخلق علاقات دبلوماسية موازية للدولة، ودلل على ذلك بزياراته إلى عدد من الدول التي يزورها البرهان ما يعطي إيحاءً بأن هناك قائدين للبلاد.

وبشأن العلاقة بين الخرطوم وتل أبيب والحقيقة أن هناك تنافساً بين الرجلين من أجل فتح قنوات اتصال بين البلدين، إذ يسعى حميدتي لتأسيس علاقة مع جهاز “الموساد” وهو ما دفع البرهان وحمدوك للاحتجاج لدى الجانب الإسرائيلي في وقت سابق.

ولاحقاً قرر البرهان تسليم ملف العلاقات مع إسرائيل إلى اللواء متقاعد مبارك عبد الله بابكر في أبريل 2022، لتوحيد قنوات الاتصال بين البلدين، وهي خطوة كانت تهدف لوضع العلاقة في إطارها الصحيح وقد نجح الأخير في ذلك، إذ أعلن حميدتي عدم علمه بزيارة وزير الخارجية الإسرائيلي إيلي كوهين إلى الخرطوم، مطلع فبراير الماضي، وأنه لم يلتق به أو الوفد المرافق له.

هناك خلافاً نشب بين البرهان وحميدتي بشأن العلاقة مع روسيا باعتبار أنها تؤثر بشكل مباشر على علاقة الخرطوم مع واشنطن.

وفي فبراير 2022 قام حميدتي بزيارة مثيرة للجدل إلى العاصمة الروسية موسكو التقى خلالها الرئيس فلاديمير بوتين ووزير الخارجية سيرجي لافروف، وهي الزيارة التي تزامنت مع بدء الغزو الروسي لأوكرانيا ما أثار تساؤلات بشأن الهدف منها.

 وأثارت الزيارة حفيظة الجانب الأميركي وحينها كشفت مصادر، أن القائمة بأعمال السفارة الأميركية في الخرطوم، لوسي تاملين، عقدت اجتماعاً مع البرهان وعدد من أعضاء المكون العسكري، استفسرت خلاله عن سبب زيارة حميدتي إلى روسيا.وتلقت الدبلوماسية الأميركية رداً من البرهان بأن حميدتي زار موسكو بصفته قائداً لقوات الدعم السريع وليس بصفته نائباً لرئيس مجلس السيادة.

إن أحد أكثر الخلافات تعقيداً في هذا الملف هو علاقة حميدتي بعدد من الدول المجاورة، لأنه يدير شراكات اقتصادية واستثمارات في عدد من الدول الإفريقية أبرزها إثيوبيا وإفريقيا الوسطي.

إذ رفض حميدتي مشاركة قواته في العمليات العسكرية التي شنها الجيش السوداني على مجموعات إثيوبية مسلحة كانت متمركزة في أراضٍ سودانية محاذية للحدود المعترف بها دولياً منتصف عام 2021.

والحقيقة إن البرهان وحميدتي لديهما وجهات نظر متباينة بشأن التعاطي مع الدول المجاورة لغرب السودان، خاصة تشاد وإفريقيا الوسطى، في ظل أنهما يقعان في دائرة صراعات النفوذ الإقليمية بين دول غربية وروسيا.

وصدرت عن الجنرالين خلال الفترة الماضية، تصريحات متباينة بشأن هذا الأمر، إذ أشار حميدتي إلى وجود قوات سودانية تحاول تغيير النظام في إفريقيا الوسطى، فسارع البرهان إلى نفي التهمة وقال إن الخرطوم لا ترسل مليشيات لزعزعة الأمن والاستقرار في دول الجوار.

ووصل الخلاف بين البرهان وحميدتي إلى رفض الأول نشر قوات الدعم السريع على الحدود مع إفريقيا الوسطى، وهو الموقف الذي دعمه رئيس المجلس الانتقالي في تشاد محمد ديبي، وأبدى عدم ارتياحه لنشاط قوات الدعم السريع على حدود البلدين وفي هذه المنطقة الحساسة أمنياً.

وإزاء تصاعد الخلاف بين طرفي المكون العسكري سعت أطراف في المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير إلى الوساطة لتلافي أي مواجهة أو صدام قد يقود البلاد الى كارثة.

وذكر الخبير العسكري الدكتور أمين اسماعيل مجذوب، يرى أن حميدتي بدا مسانداً لروسيا في الساحل الإفريقي وتشاد وإفريقيا الوسطى، بينما يؤيد البرهان الموقف “الأميركي الأوروبي الخليجي” المناهض لخطة موسكو التوسعية في القارة السمراء.

وقال القيادي بقوى الحرية والتغيير شهاب ابراهيم إن “الحرية والتغيير تعمل على تحمل مسؤوليتها، في إزالة التباين بين الأطراف العسكرية في العديد من القضايا الخلافية”.

واعتبر مجذوب، أن الخلاف بين البرهان وحميدتي، يتعلق بالمستقبل السياسي بشأن من سيبقى ومن سيذهب، فكل واحد منهما يعد العدة لما بعد المرحلة الانتقالية أي الانتخابات المقبلة، لكنه يستبعد تحول الصراع إلى حرب بين الجيش وقوات الدعم السريع، معتبراً أن ما يحدث “خلاف على مستوى القادة ولم يصل إلى قواعد القوات المسلحة والدعم والسريع”.

وأضاف أن “هذه الخلافات تمثل تحولاً كبيراً في الساحة السياسية العسكرية، وإرباكاً جديداً للاتفاق الإطاري، وأصبحت فرص الالتحاق به من أي طرف مدني منعدمة، وصار تحت رحمة صراع بين القادة العسكريين حول من يذهب ومن يبقى”.

الزيادة الكبيرة في أعداد المهاجرين السودانيين لمصر وهذه الاعداد مرشحة لزيادة كبيرة في حال استمرار القتال في شوارع السودان بين طرفي الصراع على السلطة.

لكن هذا ليس هو السبب الوحيد الذي يجعل إرساء السلام والاستقرار في السودان قضية مهمة بالنسبة لمصر.

فوجود نظام ضعيف في الخرطوم أو ظهور نظام سياسي بديل معادٍ للقاهرة قد تكون له تداعيات خطيرة على الجارة الشمالية.

ولطالما اعتبرت مصر السودان حليفا لا يمكن الاستغناء عنه في نزاعها الطويل مع إثيوبيا حول سد النهضة المثير للجدل. ووصفت مصر مشروع الطاقة الكهرومائية العملاق على النيل الأزرق بأنه تهديد وجودي نظرا لما ينطوي عليه استكماله من احتمالات التحكم في تدفق مياه النيل إلى مصر، التي تُعد العامل الأكثر أهمية لحياة المصريين.

ورغم الأهمية الاستراتيجية الكبيرة التي تتمتع بها السودان بالنسبة لمصالح مصر الاستراتيجية.

 أن الإمارات، أحد أكبر الداعمين الماليين لمصر  في الخليج، تقف في صف قوات الدعم السريع في السودان، مما جعل الموقف المصرى غير واضح ومباشر من الصراع

وقد يؤدي التدخل بقوة لصالح أي من طرفي الصراع إلى نتائج عكسية تؤثر على المصالح الوطنية المصرية.

فبعد أن دعمت مصر أحد طرفي الصراع في ليبيا – الجنرال خليفة حفتر الذي فشل في الانتصار – لابد أن تكون القاهرة قد تعلمت جيدا من هذا الخطأ.

وبينما تتوخى مصر الحيطة والحذر في رهاناتها على صعيد الصراع في السودان، قد لا ينجح أيضا عدم اتخاذ إجراء حيال الموقف الحالي على المدى الطويل.

تجد مصر نفسها تقريباً في قلب الأزمة، رغم الموقف العلني الحذر الذي تنتهجه، وتخشى كذلك من انعكاس الأزمة على موقف السودان من أزمة سدّ النهضة، أو خطر حكم “إسلامي” على حدودها.

  • إن صراع النفوذ في السودان قد يرتد عكسياً على إثيوبيا، مع موجة نزوح مضادة، بعدما كانت حرب إقليم تيغراي في شمال إثيوبيا قد تسببت بتوافد عشرات آلاف النازحين الإثيوبيين إلى الحدود السودانية الإثيوبية. علماً أن الحدود السودانية نفسها هي من أكبر الملاذات للهاربين من حروب المنطقة، الذين قد يكونون ضحايا مرة أخرى للحرب التي تهدد بعدم وصول المساعدات الإنسانية إليهم، ما يفاقم من حدّة الأزمة الإنسانية في القرن الأفريقي.
  • فإن أي توقف لضخّ النفط من جنوب السودان، قد ينعكس أزمة مالية حادة على هذا البلد الناشئ والفقير والذي يوصف بـ”الدولة الفاشلة”، ما يهدّد منظومته الأمنية الغذائية التي قد تصاب بالضرر، مع منظومة الأمن المائي في كل المنطقة، وهي هشّة في أكثر من بلد، حيث يهدد الجفاف ملايين السكّان، فيما تعيش دول كإريتيريا وجمهورية أفريقيا الوسطى والصومال، أزمة غذائية حادة.
  • خشية من أي تمدد للصراع، أو تحركات حدودية مريبة، أغلقت تشاد منذ اليوم الأول لاندلاع الاشتباكات، السبت الماضي، حدودها مع السودان “حتى إشعار آخر”، حيث يتشارك البلدان في حوالي ألف كيلومتر حدودية. ولدى تشاد، التي عاشت أيضاً حروباً بخلفيات إثنية وعرقية، توجساً من “اشتعال دارفور”.   لحميدتي علاقات جيدة مع مجموعة “فاغنر” الناشطة في مناجم الذهب في شمال دارفور وفي جمهورية أفريقيا الوسطى ويتحدر حميدتي من غرب دارفور، ولقواته المولودة من رحم قوات “الجنجويد” صولات طويلة في المنطقة. ورأت صحيفة “واشنطن بوست” في تقرير مطول أمس، عن خشية دول الجوار من انفلات المعارك في السودان، أنه إذا ما تمكنت قوات الجيش من دفع “الدفع السريع” إلى التراجع إلى دارفور، فقد يكون هؤلاء مصدر مقاتلين وسلاح لسنوات مقبلة، ما يهدد استقرار تشاد وحكم محمد إدريس ديبي.
  • ان أي تأخر في حسم الصراع، قد تكون له تداعيات اجتماعية وعسكرية وأمنية تتخطى سياسة المحاور، لجهة ما قد ينجم من تنشيط لحركات الجماعات المتطرفة، والنزوح العابر للدول، وتهريب البشر، والهجرة غير النظامية، وتنشيط عمل العصابات.

منذ اكتشاف النفط في السودان في سبعينيات القرن الماضي، كانت البلاد دائما مسرحا لشكل من أشكال الصراع، حيث أدى تنافس الأطراف المختلفة سياسيا ودينيا وعرقيا إلى اضطرابات مستمرة، مع فترات هدوء نسبي.

لكن المعارك التي تشهدها السودان هذه الأيام مختلفة، حيث إنها المرة الأولى التي يجري فيها القتال في عاصمة البلاد، الخرطوم، بين طرفين ينتميان نظريا إلى الحكومة ذاتها.وتقول صحيفة نيويورك تايمز الأميركية إن المعارك كانت عادة تجري على أطراف البلاد، بدلا من العاصمة وبالإضافة إلى الاختلاف الجغرافي عن الصراعات الأخرى، فإن أطراف الصراع هذه المرة مختلفة أيضا.

——-

  1. اسماعيل محمد على ، الفترة الانتقالية في السودان وصراع المكونين العسكري والمدني، اندبندنت عربية
  2. بشرى جاسم محمد ،مستقبل المرحلة الانتقالية في السودان بعد انقلاب 21 اكتوبر في ضوء الدعم الاقليمي والدولي،  المركز الديمقراطي العربي ، نوفمبر 2021م
  3. أماني ابراهيم ، الازمة الحالية وسناريوهات الحرب الاهلية ، جريدة المصرى اليوم ابريل 2023م
  4. امل التلب ، الصرع بين حمدتى والبرهان – الشرق 8 مارس 2023
  5. العربي الجديد،  انعكاسات لأزمة السودان على دول الجوار

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة


زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق