اغتيال حسن نصر الله: شرارة تصعيد إقليمي ودخول إسرائيل مرحلة الحسم بأي ثمن
إعداد صبرين العجرودي قسم البجوث والدراسات الاستراتجية والعلاقات الدولية 02-10-2024
يمثل اغتيال حسن نصر الله، الأمين العام لحزب الله، تحولاً جوهريًا في الاستراتيجية الإسرائيلية نحو إنهاء الصراع مع حزب الله بأي ثمن، حتى وإن أدى ذلك إلى تصعيد غير مسبوق في المنطقة. هذا الحدث يعكس استعدادًا إسرائيليًا للتخلي عن الأساليب التقليدية المتمثلة في الاحتواء والردع، لصالح نهج يتبنى القوة المباشرة في مواجهة التهديدات التي يمثلها حزب الله، خاصة مع تنامي ترسانته العسكرية الصاروخية.
لكن ما الذي يكشفه هذا الاغتيال عن تغييرات في الاستراتيجية الإسرائيلية؟
هل تنطوي هذه العملية على استهداف فرد أم أنها بداية لتغييرات أوسع في سياسات إسرائيل تجاه المنطقة؟
كيف ستتأثر توازنات القوة في لبنان والمنطقة بعد هذا الحدث؟ وهل يمكن لإسرائيل السيطرة على تبعات هذه الخطوة التي قد تشعل حرباً واسعة النطاق؟
وفي الداخل اللبناني، كيف سيتعامل حزب الله مع فراغ القيادة وهل سيتمكن من الحفاظ على تماسكه العسكري والسياسي؟
تصاعد الاستراتيجية الإسرائيلية نحو حسم الصراع بأي ثمن وخروج عن المنطق التقليدي
يعكس اغتيال إسرائيل لحسن نصر الله، الأمين العام لحزب الله، بوضوح نقلة نوعية في استراتيجية إسرائيل الأمنية والعسكرية تجاه خصومها، ويتجاوز بكثير التكتيكات التقليدية التي اعتمدتها في الماضي. هذا الاغتيال يعتبر خطوة استثنائية تنطوي على استعداد إسرائيلي لاستخدام أقصى درجات القوة في مواجهة تهديدات حزب الله، وذلك في إطار سعيها لحسم الصراع المستمر منذ عقود. وعملية الاغتيال لا تعتبر مجرد استهداف لزعيم عسكري أو سياسي، بل هو رسالة واضحة بأن إسرائيل لم تعد ترى في سياسة الاحتواء أو الردع كافية لحماية أمنها، وأنها مستعدة لاتخاذ خطوات جذرية، حتى لو كانت تلك الخطوات قد تقود إلى تفجير مواجهة إقليمية شاملة.
هذا الاغتيال يعكس أيضًا إحساسًا متزايدًا داخل القيادة الإسرائيلية بأن الوضع الراهن مع حزب الله لم يعد يحتمل المزيد من التعقيدات، خصوصًا مع تزايد قدرات الحزب العسكرية وتطور ترسانته الصاروخية التي تهدد العمق الإسرائيلي.
كما أنّ نصر الله كان، طوال فترة قيادته، يمثل رمزًا للمقاومة ضد إسرائيل، وكانت شخصيته القيادية تشكل عنصرًا حاسمًا في توجيه الحزب وإدارته للصراع. ومن خلال استهدافه، تسعى إسرائيل لإضعاف الروح المعنوية لحزب الله وخلق حالة من الارتباك في صفوفه، وربما تؤمل في أن تؤدي هذه الضربة إلى تراجع قدراته على التنظيم والرد.
إلا أن هذه الخطوة الجريئة تنطوي على خروج عن “نطاق المعقول” في إطار قواعد اللعبة السياسية والعسكرية في المنطقة.
وتؤكد عملية اغتيال نصر الله أيضا أن إسرائيل لم تعد تعتمد فقط على الأساليب الدبلوماسية أو حتى العمليات العسكرية المحدودة لاحتواء حزب الله، بل باتت تتبع نهجًا أكثر عنفًا وعدوانية.
ويتضح الخروج عن نطاق العقلانية التقليدية هنا في المخاطر الهائلة التي تترتب على هذه العملية. ومن الواضح أن إسرائيل تتبنى خيارًا يهدف إلى تقويض خصمها بشكل حاسم، لكنها قد تجد نفسها في مواجهة رد فعل غير محسوب من حزب الله أو حتى من إيران، التي تعتبر الحزب أحد أهم أدوات نفوذها في المنطقة.
مخاطر توسع الصراع الإقليمي والمواجهة الشاملة
بعد عملية اغتيال حسن نصر الله، الأمين العام لحزب الله، ستكون المواجهة المحتملة بين إسرائيل وحزب الله ذات طابع تصعيدي بشكل كبير، وقد تؤدي إلى زعزعة استقرار المنطقة بالكامل. أولًا، يجب النظر في الرمزية التي يمثلها نصر الله لحزب الله، حيث أنه ليس فقط القائد العسكري والسياسي، بل أيضًا رمز لمقاومة الحزب ضد إسرائيل والنفوذ الغربي في الشرق الأوسط. ويعتبر اغتياله بمثابة ضربة قاسية للمعنويات داخل الحزب وبين أنصاره، لكنه قد لا يؤدي إلى انهيار الحزب نفسه، حيث أن حزب الله يمتلك هيكلية تنظيمية صارمة وقدرة على العمل الجماعي.
كما أنّ الرد من حزب الله على مثل هذا الاغتيال سيكون حتميًا على المدى البعيد، وقد يشمل هجمات صاروخية واسعة النطاق على إسرائيل أكثر من الوقت الحالي، والتي قد تستهدف مناطق استراتيجية وحساسة. حيث يمتلك الحزب ترسانة صاروخية ضخمة تتراوح بين صواريخ قصيرة ومتوسطة المدى، قادرة على ضرب مواقع داخل إسرائيل، بما في ذلك المدن الكبرى. في المقابل، سيكون الرد الإسرائيلي عنيفًا وموجهًا نحو تقليص قدرة حزب الله العسكرية والبنية التحتية، مع محاولة تجنب التصعيد نحو حرب شاملة. لكن الواقع يقول إن مثل هذه الأحداث قد تدفع الأمور نحو مواجهة مباشرة غير محسوبة، خاصة أن إسرائيل تعتبر حزب الله تهديدًا استراتيجيًا رئيسيًا على حدودها الشمالية.
العامل الآخر الذي يجب أخذه في الحسبان هو دور إيران في هذا الصراع، حيث أنّها تعتبر حزب الله امتدادًا لنفوذها في المنطقة، وبالتالي فإن أي اعتداء كبير على الحزب، بما في ذلك اغتيال نصر الله، سيُنظر إليه في طهران على أنه ضربة لنفوذها، وبالتالي قد تتدخل إيران لدعم حزب الله عسكريًا أو حتى بتوسيع دائرة الصراع ليشمل مناطق أخرى مثل العراق أو سوريا. هذا التدخل قد يعقد المشهد بشكل أكبر ويدفع نحو مواجهة إقليمية أوسع تشمل قوى أخرى.
وهو ما سيدفع المجتمع الدولي في جانب ما إلى محاولة لاحتواء الصراع، حيث أن تصعيد المواجهة بين حزب الله وإسرائيل لن يؤثر فقط على لبنان وإسرائيل، بل قد يمتد إلى مناطق أخرى في الشرق الأوسط ويزعزع استقرار المنطقة.
أمّا الدول الكبرى مثل الولايات المتحدة وروسيا قد تلعب دورًا في تهدئة التوترات، لكن فعالية هذه الجهود ستعتمد على مدى استعداد الأطراف للقبول بالحلول الدبلوماسية.
من الناحية السياسية داخل لبنان، اغتيال نصر الله قد يخلق حالة من الفوضى الداخلية، حيث أن حزب الله يمثل قوة سياسية وعسكرية بارزة في البلاد. هذه الفوضى قد تؤدي إلى تفاقم الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي يعاني منها لبنان بالفعل، مما يزيد من تعقيد الأوضاع.
تحديات إعادة تنظيم القيادة في حزب الله دون المساس بقوته العسكرية
يمثّل اغتيال حسن نصر الله ضربة رمزية وسياسية كبيرة لحزب الله دون شك، لكن من غير المحتمل أن يؤدي مباشرة إلى إضعاف قدراته العسكرية، باعتبار أنّ الحزب مبني على هيكل تنظيمي صارم يمتد لعقود من الزمن، وقد تعلم التكيف مع الضغوط والضربات، سواء كانت عسكرية أو سياسية. كما لا تعتمد القيادة داخل حزب الله على شخص واحد فقط، بل هناك منظومة متكاملة من القادة العسكريين والسياسيين الذين يعملون في تناغم للحفاظ على استمرارية عمليات الحزب وأهدافه. هذه المنظومة تشمل قادة بارزين في الجناح العسكري قادرين على مواصلة العمل حتى في غياب نصر الله.
كما يمتلك حزب الله نظامًا معقدًا من الخلايا والتنظيمات العسكرية التي تعمل بشكل شبه مستقل، حيث يمكن لكل وحدة تنفيذ عملياتها وتكتيكاتها دون الحاجة إلى توجيه مباشر من القيادة العليا. هذا النمط من التنظيم يسمح للحزب بمواصلة عملياته العسكرية حتى في حالة فقدان قائد مهم.
من الجانب العملي، حزب الله نجح على مر السنوات في بناء ترسانة ضخمة من الصواريخ والأسلحة الثقيلة التي تمنحه القدرة على القيام بعمليات عسكرية مكثفة ضد إسرائيل، وكذلك تعزيز دوره كلاعب رئيسي في المنطقة، هذه القدرات العسكرية تمثل عنصرًا مستقلًا عن أي شخصية قيادية، بما في ذلك حسن نصر الله. لذلك، ورغم التأثير المعنوي والسياسي لاغتياله، فإن البنية العسكرية للحزب لن تتأثر بشكل كبير على المدى القصير، بل قد يزيد من تحفيز الحزب على تعزيز قوته العسكرية كوسيلة لتعويض الخسارة في القيادة. كذلك، يمكن أن يشهد الحزب استقطابًا داخليًا حول من سيخلف نصر الله، لكن القيادة الجماعية قد تتجنب هذا السيناريو من خلال تقديم شخصية قوية ومقبولة داخليًا وخارجيًا لضمان الاستمرارية.
آلية اختيار الأمين العام لحزب الله: نظام مؤسسي يضمن الاستمرارية والاستقرار
تتميز آلية اختيار الأمين العام في حزب الله بالسرية والنظام المؤسسي، حيث يتم اختيار القائد الجديد من داخل أروقة الحزب وبمشاركة هيئات عليا تضمن الاستقرار والاتساق مع الأهداف الاستراتيجية للحزب.
في المقام الأول، يُعتبر مجلس الشورى في حزب الله هو الجهة التي تمتلك السلطة العليا في تحديد واختيار الأمين العام. هذا المجلس يتكون من مجموعة من القادة ذوي الخبرة الطويلة في مختلف المجالات، بما في ذلك السياسة، العسكرية، والأمن. تبدأ عملية الاختيار بتشاور داخلي بين أعضاء المجلس حول المرشح الأنسب الذي يمتلك الخصائص المطلوبة لقيادة الحزب، مثل الخبرة القيادية، الحنكة السياسية، والقدرة على توجيه الجناح العسكري للحزب.
كما أنّ المرشح يجب أن يحظى بقبول واسع داخل أوساط الحزب، ويمتلك خلفية قوية في العمل العسكري والسياسي، مما يجعله قادرًا على التعامل مع التحديات المختلفة التي تواجه الحزب على الصعيدين الداخلي والخارجي.
من ناحية أخرى، يلعب التأثير الإيراني دورًا مهمًا في هذه العملية، على الرغم من أن حزب الله يحافظ على استقلاله التنظيمي، حيث تعتبر إيران الداعم الرئيسي للحزب من حيث التمويل والتسليح والتدريب، وبالتالي فإن وجود علاقة قوية مع القيادة الإيرانية يعد أمرًا ضروريًا للمرشح الذي يسعى لتولي منصب الأمين العام.
من جهة أخرى، تفضّل طهران أن يكون القائد الجديد شخصًا قادرًا على الحفاظ على التحالف الاستراتيجي مع الجمهورية الإسلامية، وتنفيذ سياساتها في المنطقة، خصوصًا في الصراعات الإقليمية الكبرى التي تهم إيران.
بعد عملية التشاور والاتفاق بين أعضاء مجلس الشورى، يتم الإعلان عن الأمين العام الجديد بشكل داخلي ثم يُكشف لاحقًا للإعلام والجمهور. ويعمل الحزب على الحفاظ على استمرارية قيادته من خلال اختيار قادة يتمتعون برؤية تتماشى مع تطلعات الحزب في مواصلة المقاومة المسلحة ضد إسرائيل وتعزيز دوره السياسي في لبنان. بالتالي يجب على الأمين العام الجديد أن يكون قادرًا على إدارة الشؤون العسكرية والسياسية للحزب بشكل متوازن، حيث يُعتبر الحزب ليس فقط قوة عسكرية، بل أيضًا لاعبًا رئيسيًا في الساحة السياسية اللبنانية، وله تأثير كبير على السياسات الداخلية والإقليمية.
وتشكل الخلفية الدينية أيضًا جانبًا مهمًا في اختيار الأمين العام. حسن نصر الله، مثل سابقيه، يمتلك خلفية دينية قوية كونه رجل دين من الطائفة الشيعية، ويُعتبر هذا جزءًا من هوية الحزب وتوجهاته الدينية والسياسية. وبالتالي، فإن القائد الجديد عادة ما يكون لديه تأهيل ديني قوي يعزز من شرعيته داخل القواعد الشعبية لحزب الله.
بالتالي، يعكس اغتيال حسن نصر الله، الأمين العام لحزب الله، نقطة تحول استراتيجية في الصراع الإسرائيلي-اللبناني، حيث تتبنى إسرائيل نهجًا جديدًا يركز على استخدام القوة بشكل مباشر لإنهاء تهديدات حزب الله. هذه الخطوة تعكس عدم رضا القيادة الإسرائيلية عن تكتيكات الاحتواء والردع السابقة، وتشير إلى استعدادها لمواجهة تصعيد عسكري قد يؤثر على الاستقرار الإقليمي. كما يثير هذا الحدث تساؤلات حول كيفية استجابة حزب الله، ودور إيران في هذا السياق، والآثار المحتملة على توازن القوى في المنطقة. بالتالي، فإن اغتيال نصر الله قد يشعل صراعًا أوسع، مما يهدد بإدخال المنطقة في دوامة من العنف والمواجهات المسلحة.