استشراف آفاق التعاون التونسي الصيني عبر الحوار الحضاري وتعزيز التضامن الإنساني

إعداد صبرين العجرودي قسم البحوث والدراسات الاستراتجية والعلاقات الدولية 23-08-2025
في إطار الملتقى الصيني التونسي تحت عنوان: إحياء الذكرى الـ80 للانتصار في حرب مقاومة الشعب الصيني ضد العدوان الياباني: تونس والصين تاريخ مشترك من أجل السلام الدائم يوم 22 أغسطس 2025 ألقت الأستاذة صبرين العجرودي كلمة حول مستقبل العلاقات بين الصين وتونس واستشراف العلاقات وآفاق التعاون من خلال الحوار الحضاري وتعزيز التضامن الإنساني.
كما قدمت الأستاذة صبرين العجرودي ضمن المحور الثالث للملتقى الذي يحمل عنوان رسم رؤية مستقبلية من أجل التعاون الثنائي التونسي الصيني وتكريس مبدأ السلام، محاضرة عنوانها: استشراف آفاق التعاون التونسي الصيني عبر الحوار الحضاري وتعزيز التضامن الإنساني وأعطت حلولا وآليات التقارب بين الشباب التونسي والشباب الصيني.
وهذا نص المداخلة كاملة: استشراف آفاق التعاون التونسي الصيني عبر الحوار الحضاري وتعزيز التضامن الإنساني
المقدمة التمهيدية
نعيش اليوم في عالم يتسم بتغيرات متسارعة على المستويات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، حيث يواجه الشباب تحديات مشتركة مثل التعليم، التطور التكنولوجي، والابتكار الاجتماعي. وفي هذا السياق، تبرز أهمية الحوار الحضاري كأداة فعّالة لبناء جسور التفاهم بين الشعوب، بينما يشكّل التضامن الإنساني قيمة أساسية لتعزيز التعاون المتبادل.
تونس، كبوابة متوسطية وإفريقية، تتمتع بتاريخ طويل من الانفتاح الثقافي والحوار الحضاري، بينما تمثل الصين قوة عالمية صاعدة ذات تجربة غنية في الابتكار والتنمية المستدامة. إن استثمار العلاقة بين الشباب التونسي والصيني لا يقتصر على تبادل الخبرات والمعرفة، بل يشمل أيضًا ترسيخ قيم الانفتاح الثقافي والمسؤولية المشتركة تجاه القضايا الإنسانية.
ومن هذا المنطلق، تكتسي مسألة استشراف آفاق التعاون التونسي الصيني أهمية خاصة، لما تحمله من فرص حقيقية لتقارب الشعوب وتعزيز دور الشباب في صياغة مستقبل أكثر تعاونًا وانفتاحًا.
-
إنشاء منصة حوار شبابيةتفاعلية-صينية
لكي نحقق تعاونًا فعّالًا ومستدامًا بين الشباب التونسي والصيني، نقترح إنشاء منصة حوارية تفاعلية متكاملة تجمع بين اللقاءات الرقمية والحضورية.
ليست المنصة مجرد أداة للتعارف، بل مساحة ديناميكية لتطوير المشاريع المشتركة وتبادل الخبرات، تعتمد على آليات مبتكرة تجعلها مختلفة عن المبادرات التقليدية:
أهداف المنصة:
- تمكين الشباب من التواصل المباشرحول القضايا ذات الاهتمام المشترك.
- بناء معرفة متبادلة معمقةبالخصوصيات الثقافية والاجتماعية لكل بلد.
- خلق مساحات للتفكير المشتركوصياغة حلول مبتكرة للتحديات الشبابية المعاصرة.
آليات التنفيذ المقترحة:
-
مختبرات شبابية مشتركة
تقوم الفكرة على تشكيل فرق مختلطة من الشباب التونسي والصيني تعمل بشكل تعاوني على تطوير نماذج حلول مبتكرة في مجالات حيوية مثل التعليم، التكنولوجيا الخضراء، والريادة الاجتماعية. ولا تقتصر مهمة هذه المختبرات على تبادل الأفكار فحسب، بل تهدف إلى إنتاج مشاريع تجريبية قابلة للتطبيق محليًا، بما يعزز أثرها المباشر ويخلق قيمة مضافة للمجتمعات في كلا البلدين.
-
مجالس حوار حضارية
تهدف هذه المجالس إلى تنظيم لقاءات حضورية نصف سنوية بالتناوب بين تونس والصين، تجمع شبابًا وباحثين ومثقفين من كلا البلدين. تركّز النقاشات على القيم المشتركة، الهوية الثقافية، والتنوع الحضاري، بما يعزز الفهم المتبادل ويخلق أرضية صلبة للتعاون المستقبلي. هذه المجالس ليست مجرد فضاءات نظرية، بل تشكّل ورشًا فكرية حية تُترجم نتائجها إلى توصيات عملية ومبادرات شبابية قابلة للتنفيذ.
-
برنامج تبادل رقمي متطور
يقوم هذا البرنامج على إنشاء منصات افتراضية تفاعلية مدعومة بتقنيات حديثة مثل الواقع الافتراضي (VR)، لتمكين الشباب من التواصل المباشر والمشاركة في أنشطة مشتركة دون قيود جغرافية. يشمل البرنامج أيضًا مبادرات التوأمة الرقمية بين الجامعات، إضافة إلى تنظيم معارض افتراضية للفنون والابتكار، تسمح للشباب بعرض إبداعاتهم وتبادل تجاربهم بطريقة تفاعلية متقدمة. يهدف هذا البرنامج إلى بناء فضاء شبابي رقمي متكامل يدعم استمرارية الحوار والتعاون بين الطرفين على المدى الطويل.
ومن شأن هذه المبادرة أن تُسهم في:
- تفكيك الصور النمطيةوتوسيع آفاق المعرفة المتبادلة.
- تعزيز الثقة والشراكات طويلة المدىبين الشباب.
- خلق شبكات تعاون مستدامةتمهّد لمبادرات مستقبلية في البحث العلمي، الاقتصاد الإبداعي، والعمل الإنساني المشترك.
تطوير رؤية مشتركة للشباب التونسي-الصيني
يتطلّب ضمان استدامة التعاون بين الشباب التونسي والصيني صياغة رؤية استراتيجية مشتركة تركّز على أولويات عملية مثل التعليم، الابتكار، التنمية المستدامة، والحياة الثقافية. تتحوّل هذه الرؤية إلى مشاريع ملموسة عبر:- مسابقات ابتكارية لتوليد حلول عملية للتحديات المشتركة.
- برامج تعليمية وأكاديمية مشتركة بين الجامعات لتبادل المعرفة والخبرات.
- مبادرات شبابية ميدانية في مجالات مثل البيئة، الفنون، والمشاريع الاجتماعية لتعزيز المسؤولية المشتركة.
ويعدّ إشراك الجامعات، الجمعيات الشبابية، والمجتمع المدني عنصرًا أساسيًا لضمان شمولية الرؤية واستمراريتها، ما يجعل التجربة قابلة للتوسّع وتقديم نموذج تعاوني عملي يمكن البناء عليه مستقبلًا.
آليات التنفيذ والمتابعة
لضمان نجاح المبادرات المقترحة واستدامة التعاون بين الشباب التونسي والصيني، من الضروري وضع آليات واضحة للتنفيذ والمتابعة من خلال:
- مؤشرات تقييم فعّالةبحيث: يجب تحديد مقاييس واضحة لقياس مدى نجاح المبادرات، مثل عدد المشاركين، مستوى التفاعل، أثر المشاريع على المجتمعات المحلية، ومدى تطبيق الأفكار المطروحة.
- آليات لتوسيع نطاق التعاونمن خلال: تطوير المبادرات لتشمل مجالات إضافية مثل البحث العلمي، الابتكار التكنولوجي، الاقتصاد، والفنون، لضمان شمولية الفوائد لجميع الأطراف.
- التغذية الراجعة المستمرة: إنشاء قنوات لتلقي ملاحظات الشباب والمؤسسات المشاركة، وتحليل النتائج بشكل دوري لتطوير المبادرات وتحسين آلياتها، بما يضمن استمراريتها وفاعليتها على المدى الطويل.
بهذه الطريقة، تتحول المقترحات من مجرد أفكار إلى إستراتيجية عمل متكاملة، تتيح للشباب قيادة المشاريع وتطبيق المبادرات بشكل عملي ومستدام، مع ضمان تقييم مستمر وتحسين مستمر للأداء.
الخلاصة
في ختام هذه المداخلة، أود أن أؤكد أن التعاون التونسي الصيني عبر الحوار الحضاري والتضامن الإنساني ليس مجرد فكرة نظرية، بل هو مسار عملي يمكن للشباب أن يقوده ويطبقه على أرض الواقع.
المبادرات التي ناقشناها — من إنشاء منصة حوار، وتطوير رؤية مشتركة، إلى تعزيز التعاون المستدام ووضع آليات متابعة فعّالة — تشكل خطة متكاملة لبناء جسور تفاهم حقيقية بين الشباب من كلا البلدين.
وبذلك، نكون قد وضعنا الأسس لحقبة جديدة من التعاون التونسي- الصيني، تقوم على الحوار، التضامن، والإبداع الشبابي، قادرة على مواجهة تحديات المستقبل وبناء عالم أكثر تواصلاً وإنسانية.