أخبار العالمأمريكاالشرق الأوسطبحوث ودراسات

إيران بين حسابات الصهيوامريكية والمخاتلة الترامبية والضجيج الاعلامي الاسرائيلي

بعنهجية ومخاتلة أصبح الجميع معتاد عليها، خرج ترامب البرتقالي بلهجة التهديد والتصعيد تجاه ايران، وطبعا اختلفت القراءات كالعادة، فهناك من قال ان هذه المرة ترامب جاد في التصعيد والتهديد، وهناك من قال انه يراوغ ويكذب كالعادة.

 وبين هذا وذاك، هناك حقيقة يجب على الجميع ادراكها وهي تتعلق باللقاء الاخير بين البرتقالي ونتنياهو مجرم الحرب، والتصريحات تعكس فحوى الحوار الذي دار خلف الأبواب المغلقة بينهما، والمؤكد أنهما قد تفاهما على تصريحات للإستهلاك الاعلامي فقط واخرى لا يجب التصريح بها تستعمل وتجسد كأفعال على الأرض.

فالتجارب مع ترامب و”صديقه اللذوذ ” نتنياهو، وطبيعة العلاقة المركّبة بين الطرفين، تشير إلى احتمال كبير بأن يكون الخطاب التصعيدي المعلن ضد إيران، جزءاً من إخراج إعلامي متفق عليه كما أشرنا في البداية، يهدف بالدرجة الأولى إلى خدمة نتنياهو في معركته الداخلية وخاصة فساده والأصوات المنادية بازاحته ومحاسبته، ومعركته السياسية والانتخابية، أكثر مما يعكس تفاهمات استراتيجية حقيقية أو قراراً أمريكياً ثابتاً بالذهاب إلى مواجهة مباشرة مع إيران وفي نفس الوقت استخدام الخطاب الردعي التهديدي الذي تعوّد عليع ترامب منذ توليه عرش البيت الابيض.

ومن هذا المنطلق المشار اليه أعلاه، يمكن ادراج التهديدات الأمريكية الأخيرة بوصفها أداة ضغط نفسي وسياسي على ايران وبقية دول الشرق الأوسط، تُستخدم لإعادة ترميم صورة الردع الإسرائيلي من جهة، ومن جهة أخرى توجيه العيون الإسرائيلية على التهديدات الخارجية بدلا من القضايا الداخلية، في اخراج وسيناريو كلاسكي غبي لا يرتقي الى التطورات والتحولات العالمية الكبرى.

أولاً: مغالطات الإعلام الإسرائيلي وتضخيم التهديد

خصص الاعلام الإسرائيلي الرئيسي تغطيات كبرى وموسّعة للقاءات والتصريحات الأمريكية وخاصة القراءات المناسبة لهم لتصريحات ترامب، مع تركيز مكثّف على إيران بوصفها “التهديد المركزي لاستقرار اسرائيل والمنطقة ككل”:

  • مغالطات ومرواغات القناة 12

عرضت تصريحات ترامب كـ”إنجاز دبلوماسي” لنتنياهو، خاصة في الملف الإيراني، عبر نشرات وبرامج تحليلية ركّزت على فكرة “الدعم الأمريكي غير المشروط” وهذا ترويج يخدم نتنياهو ويخدم السردية لليمين الصهيوني المتطرف.

غير أن هذا الخطاب يضخم القدرات الاسرائلية المفبركة ويتجاهل حقيقة أن إسرائيل تعيش أزمة ثقة داخلية بعد 7 اكتوبر 2023 وبعد حرب 12 يوم مع ايران، وأن أي مواجهة مفتوحة مع إيران قد تتجاوز قدراتها العسكرية الذاتية، وهم محتاجون الى امريكا والغرب والى دول عربية في منطقة الشرق الأوسط.

  • لعبة القناة 13 التأثير النفسي واللعب على المشاعر

ذهبت أبعد في ربط التهديدات الأمريكية بتقارير عن تدريبات عسكرية إيرانية، في محاولة لصناعة شعور بخطر وشيك، رغم أن هذه التدريبات تندرج ضمن سياق دفاعي طبيعي ومناورات عادية، في ظل تهديدات إسرائيلية متواصلة منذ سنوات.

  • القناة 11 بصفتها قناة عامة تركز على الديبلوماسية

ركّزت على الأبعاد الدبلوماسية، وأقرت بشكل غير مباشر بأن ترامب لا يفضّل الحرب، وأنه ميّال إلى منطق الصفقات والتفاوض، ما يتناقض مع الصورة التي تحاول حكومة نتنياهو ترسيخها.

  • قنوات مثل i24NEWS والقناة 14 : اللعبة الايديولوجية

فقد تبنّت خطاباً أكثر أيديولوجية، قدّم التهديدات الأمريكية باعتبارها “انتصاراً إسرائيلياً”.

ثانياً: واقع اسرائلي مهزوز  

على الرغم من الإجماع الإعلامي الظاهري، تكشف مقالات الرأي والتحليل في الصحافة الإسرائيلية عن انقسام واضح داخل النخبة السياسية والأمنية، والخوف من حرب مفتوحة مع ايران لن تكون مثل حرب 12 يوم وربما ستكون أكثر دمار فالكل اليوم مستعد وترامب لا يمكن التنبؤ بخياراته فكل يوم على حال:

في Times of Israel وJerusalem Post،

 أشاد كتّاب مقرّبون من المؤسسة الأمنية بدعم ترامب، واعتبروه فرصة يجب استغلالها لتشديد الضغط العسكري على إيران، وهو ما يعكس في جوهره خشية من أن يكون هذا الدعم ظرفياً وقابلاً للتراجع فلا أمان لترمب فمصالحه اقوى من علاقاته.

نخبة صحيفة هآرتس لديهم مخاوف عميقة

مثل عاموس هاريل وزفي بارئيل، من أن أي تصعيد واسع مع إيران قد يكون “كارثياً”، ليس فقط من الناحية العسكرية، بل اقتصادياً واستراتيجياً، مشيرين إلى قدرة إيران على امتصاص الضربات وإعادة بناء قدراتها بسرعة، مقابل هشاشة الجبهة الداخلية الإسرائيلية.

فكتّاب صحيفة هارتس يدركون جيدا مدى قدرة ايران على الضرب وخاصة وانهم يلوحون الى اعادة بناء قدراتها العسكرية وربط علاقات استراتجية مع التنين الصيني في اعادة بناء دفاعاتها الجوية وترسانتها الصاروخية.

ثالثاً: التهديد كأداة تفاوض لا كقرار حرب بالعقلية الترامبية

سلوك ترامب السياسي يُظهر أن التهديدات القصوى تُستخدم غالباً كوسيلة لتحسين شروط التفاوض، لا كتمهيد لحرب شاملة، وبالتالي ما تريد اسرائيل الحصول عليه من ترامب غير ممكن فهو يعطيهم من الكلام ما يريدونه لطمأنة الداخل وخاصة للآلة الاعلامية الصهيونية وفي نفس الوقت يريد ان يعلي السقف للتفاوض.

فخلال ولايته السابقة، ورغم التصعيد الكبير واغتيال قائد فيلق القدس قاسم سليماني، تجنّب ترامب الانزلاق إلى مواجهة مباشرة طويلة الأمد يكون فيها الرابح الوحيد هو التنين الصيني وتكون حرب استنزاف للشقين الايراني والامريكي وخاصة استنزاف منطق الردع العسكري.

كذلك خلال العدوان الصهيوني الأخير على ايران جاءت الضربات الأمريكية كنهاية للجولة الأولى للحرب القائمة باشكالها المختلفة منذ عشرات السنين. واليوم، يدرك ترامب أن أي حرب مع إيران ستؤدي إلى تداعيات خطيرة وانزلاقات غير محسوبة وغير متوقعة النتائج، خاصة في منطقة الشرق الاوسط وفي منطقة شمال افريقيا، وبالتالي الانزلاق سيكون على المصالح الأمريكية وهذا ما يخالف مشروع ترامب حول السلام وتهيئة المنطقة للتطبيع والهيمنة الاقتصادية التي اشار اليها في الوثيقة الاستراتجية الأمنية 2025.  

وهذه الحسابات تفسّر القلق الإسرائيلي المتزايد من احتمال أن يفضّل ترامب في نهاية المطاف “صفقة متوازنة” مع طهران، بدلاً من تلبية الرغبات الإسرائيلية بالتصعيد العسكري.

رابعاً: إيران والصبر الاستراتيجي مفتاح للردع وإدارة الصراع

في مواجهة هذا الخطاب التصعيدي التهديدي، تُظهر ايران ثباتاً استراتيجياً مثيرا وهو كالتالي:

  • تواصل ايران ومؤسستها العسكرية والسياسية في تطوير قدراتها الصاروخية والدفاعية ضمن عقيدة ردعية معلنة وبتحدي كبير وخاصة بثقة في النفس.
  • تدير صراعها مع الولايات المتحدة وإسرائيل ضمن قواعد اشتباك محسوبة، دون الانجرار إلى حرب مفتوحة، وفي نفس الوقت بيقضة كبيرة واستعداد صريح تحت شعار “ان عدتم عدنا”.

والخلاصة تقول وبوضوح ان التحذيرات الإيرانية من “حرب شاملة وقاسية جدا” تُقرأ في سياق ردعي لا غير، هدفه منع المغامرة الإسرائيلية، لا الدفع نحوها وهذا يدركه الجانب الأمريكي ولا تدركه اسرائيل.

خامساً: ماذا عن المستقبل القريب؟

يمكن تلخيص المشهد في النقاط التالية:

  • تهديدات ترامب قد تخدم نتنياهو داخلياً أكثر مما تعبّر عن سياسة أمريكية مستقرة.
  • إسرائيل غير قادرة على خوض حرب منفردة ضد إيران، وتعتمد على دعم أمريكي غير مضمون وتدفع الجانب الأمريكي لفتح جبهة ايران
  • الحرب ان بدأت فلن تقف بل سيكونن التصعيد مكلف جدا ولا يخدم المصالح الأمريكية على المدى البعيد.

الخلاصة:

في المحصلة، السؤال المطروح لدى المهتمين متى ستكون ساعة الصفر للجولة الثانية من الحرب؟

هل ترامب جاد في تهديداته لايران؟

الخبراء المستقلين والذين يشاهدون “الفيلم الامريكي الاسرائيلي” يدركون تماما أنّ التهديدات الأمريكية ضد ايران ليست بمعزل عن سياقها السياسي والإعلامي الأوسع الصهيوامريكي.

فهي بالأساس جزءاً من إدارة صورة وتصريحات اعلامية “للاستهلاك الشعبي” أكثر منها تعبيراً عن قرار استراتيجي بالحرب وذلك يفسر على أساس:

  • نتنياهو يحتاج الى مثل هذه التصريحات لتصدير كذبة إنجاز خارجي يخفّف من وطأة أزماته الداخلية وابقاء التصعيد قائم والشعب ينتظر الحرب بين الخوف وبين المغالطات، ورغبة ترامب في استخدام لغة الضغط القصوى لتحسين موقعه التفاوضي دون الانزلاق إلى مواجهة عسكرية مفتوحة، تتحوّل إيران إلى محور حرب نفسية أكثر منها هدفاً لحرب وشيكة.
  • الخوف من تداعيات الحرب والبدأ بشن هجوم عسكري امريكي بايعاز اسرائيلي يعطي لإيران قدرة متزايدة على قراءة المشهد والتعامل معه بهدوء محسوب، مستندة إلى معادلة ردع قائمة، وإلى إدراك بأن ميزان الكلفة والعائد لأي تصعيد واسع لا يصب في مصلحة خصومها.
  • الضجيج الإعلامي القائم يعكس في جوهره الرغبة الشخصية لنتنياهو، أكثر مما يعكس استعداداً إسرائيلي – أمريكي لتغيير قواعد الاشتباك القائمة مع ايران.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق