إنهم يستدعون شيطان الفتنة
تونس-17-11-2021
تحت هذا العنوان، كتب الصحفي عبد الحميد الرياحي في جريدة “الشروق” الصادرة اليوم،مقالا جاء فيه:
في سياق سعيهم المحموم للعودة إلى قلب العملية السياسية بعد أن لفظهم الشعب وعطلت دورهم إجراءات 25 جويلية يستدعي بعض المنتمين إلى تيار الإسلام السياسي أدوات قديمة وأدوارا قديمة لعبها هذا التيار في إطار تواطئه مع مخطط “الخراب العبري” الذي أسقطت بموجبه أنظمة وأعطيت لهم السلطة على أطباق من ذهب.
ولو كان هذا المسعى يتم بأدوات سياسية وبعيدا عن تهديد السلم الأهلية والاستقرار الاجتماعي لكان الأمر مقبولا، لأنه متاح لأي فريق سياسي أن يسعى إلى السلطة طالما كان يحتكم للإرادة الشعبية ويستعمل أدوات سياسية. لكن بعض هؤلاء دأبوا على عقلية المؤامرة والتواطؤ.. فيها نشأوا وحليبها رضعوا وعليها كبروا، إلى أن باتوا من محترفي اللعب في المناطق المحرّمة.. وباتوا مستعدين ـ كما في كل مرة ـ للتحالف مع الشيطان في سبيل تحصيل دعم خارجي أو تسجيل نقاط سياسية لتحقيق هذه الغاية.. لا يتردد هؤلاء في استدعاء شيطان الفتنة وفي تقسيم المجتمع في تماهٍ كامل مع آليات وأدوات “ربيع الخراب” الذي هبّت رياحه ولا تزال على منطقتنا العربية وأحدثت بها خرابا ودمارا كبيرين.
ما سمي زورا وبهتانا بـ”الربيع العربي” والذي ألبس لبوسا جذابا حتى يواري عوراته الكثيرة وأسنانه الباطشة أعلن منذ البداية أنه يرمي في الأخير إلى إقامة ما سمي “الشرق الأوسط الجديد، كيان يقوم على تدمير الدول تمهيدا لتفتيتها حتى يتسنى لمشرط “التقسيم وإعادة التشكيل” أن يفعل فعله في المنطقة العربية وذلك سعيا إلى تفكيك الدول وإفساح المجال لظهور كيانات صغيرة وضعيفة وهزيلة تقبل بالدوران في فلك الحلف الأمريكي ـ الصهيوني، وتقبل بالإنضواء في “شرق أوسط جديد” يكون الكيان الصهيوني هو القوة المهيمنة عليه والمتحكمة فيه.. أما أدوات تحقيق هدف التقسيم والتفتيت فهي تدور حول زرع بذور الفتنة الطائفية والمذهبية حتى يتسنى ضرب هذا الفصيل بذاك الفصيل، وحتى يقتتل أصحاب المذاهب والأعراق المختلفة فيدمرون أنفسهم بأنفسهم.. وبذلك يسهل تقسيم الدول على أسس مذهبية وطائفية.
الإسلام السياسي ليس غريبا عن هذا المخطط الجهنمي بل إنه قَبِل في لحظة اندفاع وتعطش للسلطة بإبرام زواج متعة مع الشيطان.. وهو ما كان وما مهّد لصعود تيارات الاسلام السياسي للسلطة في عديد الدول.. كما مهّد لتدمير دول أخرى استعصت على نيران الفتنة بتحول أطياف منه إلى وكلاء لدى المقاول الكبير جندوا له الشباب وغسلوا أدمغتهم ودرّبوهم ومولوهم وسفّروهم إلى سوريا بالخصوص باعتبارها موطن العروبة وقلبها النابض بعد تدمير العراق وإخراجه من حلبة الصراع، وباعتبار أن رأس سوريا هو مطلب صهيوني ملح بغية تركيعها أو تحييدها في أدنى الحالات ولو إلى حين.
هذه الأيام وفي سياق ما تشهده بلادنا من مناكفات ومن صراعات بدأ البعض من المنتسبين لتيارات الإسلام السياسي في استدعاء أدوارهم القديمة من خلال الترويج لخطاب التشدد والتكفير ومن خلال استحضار صراع السنة والشيعة إلى الداخل التونسي، وهذه بذرة فتنة وجب وأدها في المهد كي لا تكبر ويشتد سعيرها فتأتي عى استقرار البلاد وعلى وحدتها الوطنية.. وكذلك لكي لا نمكنها من فرصة استدعاء الصراعات المذهبية إلى بلادنا وما ينتج عن ذلك من إضعاف للجميع ومن تهيئة الأرضية لتقسيم البلاد والعباد.
لقد أخذت هذه الفتنة تشق طريقها إلينا بعد أن صدع بها أحدهم مؤخرا من الأراضي الفرنسية.. لكننا لم نسمع صوتا من فريقه يرتفع ليوقفه عند حده ويتنصل منه ومن أهدافه الخبيثة والمغرضة، كما لم نسمع أصواتا من باقي الطيف السياسي تنطلق لوأد هذه الفتنة الجديدة في مهدها وكسر شوكة شيطانها الذي أطل برأسه الخبيث في الكثير من المنابر والمساجد.