إصلاح منظمة التجارة العالمية ودور “الجنوب العالمي”
تشانغ جيان بينغ: نائب المدير والباحث في اللجنة الأكاديمية بالمعهد الصيني للتجارة الدولية والتعاون الاقتصادي 02-10-2024
خلال السنوات الأخيرة، وتحت صدمات الأحادية والحمائية، تزايدت النزاعات التجارية بين الدول، ما أدى إلى حالة عدم يقين في التجارة العالمية وتعريض النظام التجاري المتعدد الأطراف للخطر. وتلعب منظمة التجارة العالمية دورا مهما للغاية في تطوير الاقتصاد والتجارة العالميين، وتؤدي وظيفة حاسمة في حماية بيئة التجارة الدولية العادلة والمنفتحة والمستدامة، كما تقدم أساسا راسخا لتنمية الاقتصاد والتجارة العالميين. وقد أدى “الجنوب العالمي” دورا حيويا لتعزيز إصلاح منظمة التجارة العالمية وحماية حقوق ومصالح الدول النامية وغيرهما من المجالات. فيتعين على “الجنوب العالمي” أن يعزز تضامنه بشكل أكبر، ويشارك في إصلاح نظام الحوكمة التجارية العالمية بنشاط، ويدفع العمل لبناء بيئة تجارية عالمية أكثر انفتاحا وعدلا وتوازنا.
منظمة التجارة العالمية تعزز تنمية “الجنوب العالمي” بقوة
يشير مصطلح “الجنوب العالمي” بشكل رئيسي إلى الدول النامية ودول الأسواق الناشئة، والتي يطلق عليها “دول الجنوب” كون معظمها في نصف الكرة الجنوبي والجزء الجنوبي من نصف الكرة الشمالي، كما تحتل هذه الدول مكانة ضعيفة نسبيا في الاقتصاد والسياسة العالميين. وتواصل منظمة التجارة العالمية الاهتمام بالوضع الحالي للدول النامية، وتعزز تنمية “الجنوب العالمي” بنشاط، حيث حددت منظمة التجارة العالمية مبادئ مثل الامتيازات التعرفية وتحرير تجارة الخدمات في مفاوضات جولة أوروغواي، مما وفر أساسا لمشاركة الدول النامية في التجارة الدولية.
أما في مفاوضات جولة الدوحة، طرحت منظمة التجارة العالمية تخفيض وإعفاء الإعانات الزراعية وغيرها من القضايا التي تستفيد منها الدول النامية، كما قبلت منظمة التجارة العالمية العدد المتزائد من الدول النامية لتصبح ضمن عضويتها، ونظمت دورات حول السياسات التجارية لرفع قدرات الدول النامية على المفاوضات التجارية، ودعمت صوت الدول النامية في إطار منظمة التجارة العالمية.
أولا، القواعد التجارية ذات الصلة لمنظمة التجارة العالمية تساعد الدول النامية على توسيع تجارتها الخارجية
ساعد النظام التجاري المتعدد الأطراف التابع لمنظمة التجارة العالمية الدول النامية على نيل المزيد من فرص التصدير، وخفض مبدأ “الدول الأولى بالرعاية” و”معالمة الأجنبي كمواطن” اللذان أقرتهما منظمة تجارة العالمية التمييز التجاري الذي فرضته الدول المتقدمة على نظيرتها النامية.
ومن أجل تعزيز تنمية تجارة الدول النامية، وضعت منظمة التجارة العالمية بند المعاملة التفضيلية، والذي خفض التعريفات الجمركية على الواردات من الدول النامية عبر الامتيازات التعريفية وتحرير تجارة الخدمات، ومنح الدول النامية التزامات خفض التعريفات الجمركية الأكثر تخفيفا وتعريفات تفضيلية على المنتجات الخاصة مقارنة بالدول المتقدمة، كما سمح لها بطلب أطول فترة لتنفيذ الاتفاقيات التعريفية الجمركية.
وفي إطار منظمة التجارة العالمية، جرى التوصل إلى التعريفات الجمركية والإجراءات غير الجمركية وترتيبات الوصول إلى السوق للدول النامية عبر المفاوضات بشكل رئيسي. وفي المفاوضات حول التعريفات الجمركية، يمكن أن تحصل الدول النامية على امتيازات جمركية أقل من الدول المتقدمة.
وبشأن الإجراءات غير الجمركية، يمكن للدول النامية أن تكون أكثر مرونة في حدة الانفتاح وجدول التنفيذ في المفاوضات المتعلقة بتجارة الخدمات ومعاييرها وغيرهما. وإضافة إلى ذلك، يتعين على الدول المتقدمة تخفيض الإعانات الزراعية بشكل كبير، في حين يمكن للدول النامية أن تحافظ على مستوى عال نسبيا من الإعانات الزراعية، كما يمكن للدول النامية تحديد المنتجات الزراعية “الحساسة” المعنية لاعتماد حصص تعريفية أكثر مرونة وتنفيذ الإجراءات الوقائية المؤقتة في حالة ارتفاع واردات المنتجات الزراعية دراماتيكيا.
روبرتو أزيفيدو (وسط) المدير العام لمنظمة التجارة العالمية يحتفل مع مندوبين مشاركين في المؤتمر الوزاري التاسع لمنظمة التجارة العالمية بإبرام “صفقة بالي” في 7 ديسمبر 2013 في بالي إندونيسيا
ثانيا، دفع “الجنوب العالمي” للاندماج في نظام تقسيم العمل الدولي
أصبح نظام تقسيم العمل الدولي الحالي أكثر دقة، كما تتشابك التجارة داخل الصناعة والتجارة داخل المنتج، وينتشر تقسيم العمل المتخصص القائم على سلاسل القيمة العالمية بشكل أكبر، ويغتنم “الجنوب العالمي” أشكالا مختلفة من تجارة المعالجة للمشاركة في شبكات الإنتاج الرأسي (المحرر: يشير مصطلح تجارة المعالجة إلى النشاط التجاري المتمثل في استيراد كل أو بعض من الخامات والمواد المساعدة وقطع الغيار والملحقات ومواد التعبئة والتغليف من الخارج، وإعادة تصدير المنتج النهائي بعد اكتمال معالجته أو تجميعه من قبل الشركات المحلية) وتواصل منظمة التجارة العالمية تحسين شروط التجارة عبر طرق متنوعة، وتدفع “الجنوب العالمي” للاندماج في نظام تقسيم العمل الدولي في المجالات الثلاثة المتمثلة في تقسيم العمل بين الصناعات وداخل الصناعة وداخل المنتج.
وحول تقسيم العمل بين الصناعات، فقد دفعت منظمة التجارة العالمية عبر دعم التوصل إلى اتفاقيات التجارة الإقليمية بين الجنوب والجنوب لتشكيل مناطق تجارة حرة أكبر نطاقا بين الدول النامية، وسمحت للدول الأعضاء بتطوير الصناعات المختلفة واختيار الحلقة المستهدفة في سلاسل القيمة العالمية وفقا لمزاياها النسبية، وأجرت مشاريع التعاون بين الجنوب والجنوب، واختارت الدول ذات القدرات التنافسية لتكون قاعدة إنتاجية إقليمية، وحققت التجمع الصناعي في صناعات محددة.
وبشأن تقسيم العمل داخل الصناعة، فمن خلال تسهيل التجارة والاستثمار، شجعت منظمة التجارة العالمية الشركات المتعددة الجنسيات على الاستثمارات في “الجنوب العالمي”، ودفعت تشكيل أقسام السلاسل الصناعية في مناطق مختلفة، ونفذت مشاريع بناء القدرات الصناعية الداعمة، واختارت المناطق المؤهلة لبناء مجمعات صناعية وبلدات مهنية.
أما بخصوص تقسيم العمل داخل المنتج، أي التخصص الرأسي، فدفعت منظمة التجارة العالمية مفاوضات إتفاقيات التجارة الإقليمية بين الجنوب والجنوب بنشاط، مثل دعم “الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة” وغيرها من الإتفاقيات التجارية الإقليمية، وخفضت الحواجز التجارية بين الجنوب والجنوب، ولعبت دورا إيجابيا في تعاون الاستثمار بين الجنوب والجنوب. إضافة إلى ذلك، عقدت منظمة التجارة العالمية بنشاط منتديات ومعارض للتعاون الاقتصادي والتجاري بين الدول النامية لبناء منصة تعاون لتحقيق تقسيم العمل المهني والرأسي داخل الصناعة.
ثالثا، تعزيز التحول المكاني للصناعات الدولية إلى “الجنوب العالمي” واكتساب زخم التنمية
مع التحول المكاني للصناعات التحويلية من البلدان المتقدمة، استفاد “الجنوب العالمي” من مزاياه النسبية في الموارد والعمالة ليصبح وجهة التحويل المكاني لبعض صناعات الدول المتقدمة. وبشكل عام، فما انتقل إلى”الجنوب العالمي” كان في الغالب صناعات في الطرف الأدنى لسلاسل القيمة، أما الصناعات المتطورة والتقنيات الرئيسية فما زالت خاضعة لسيطرة الدول المتقدمة.
وما انتقل لمعظم الدول النامية كان صناعات كثيفة العمالة، لكن كذلك نالت بعض الدول النامية صناعات كثيفة التكنولوجيا. حيث استفادت دول جنوب شرق آسيا من انتقال المنتجات الإلكترونية والسيارات وغيرهما من الصناعة التحويلية الكثيفة التكنولوجيا، واسند إلى الهند بعض العمليات المعرفية، وأصبحت المكسيك قاعدة معالجة مهمة للولايات المتحدة، حيث تتجمع فيها مصانع تصنيع السيارات والإلكترونيات. واستفادت بعض الدول الغنية بالموارد من مزاياها هذه في تطوير استخراج الموارد وصناعات المعالجة الأولية مثل المنتجات المعدنية والنفط، وأصبحت قاعة إنتاجية للطاقة والمنتجات المعدنية. وبذلك يمكن لـ”الجنوب العالمي” اغتنام مزاياها االنسبية بشكل أفضل في التحول المكاني للصناعات المنخفضة التكلفة ودفع عملية التصنيع إلى الأمام.
وقد عزز “الجنوب العالمي” تنميته الاقتصادية وإنجاز مهام القضاء على الفقر بشكل نسبي من خلال التحول المكاني للصناعات. لكن في الوقت نفسه، يواجه “الجنوب العالمي” التأثير السلبي الناتج عن نقل الصناعات أيضا، حيث تكون مشاكل مثل التلوث البيئي، واستغلال العمالة، والاعتماد المفرط على السوق الموحدة للصادرات، والبنية الصناعية غير المتوازنة، والاستغناء الخطير عن الصناعة التحويلية في حاجة ملحة إلى حلولها. وفي العموم، حققت دول “الجنوب العالمي” بعض النتائج في الاستفادة من نقل الصناعات لتعزيز التنمية الاقتصادية، لكنها تواجه العديد من المشاكل، وتحتاج إلى رفع مكانتها في السلاسل الصناعية إلى مستوى أعلى.
إصلاح منظمة التجارة العالمية واختلافاتها
باعتبارها منصة رئيسية لحوكمة التجارة الدولية، وضعت منظمة التجارة العالمية سلسلة من القواعد التجارية لتنظيم التجارة الدولية وضمان المنافسة العادلة في التجارة والاستثمار وتعزيز استقرار التجارة العالمية. وتواصل الولايات المتحدة والغرب اتباع شعار “دولتنا أولا”، وتدخلها وعرقلتها لآلية منظمة التجارة العالمية لتسوية النزاعات كان سببا في تقليص سلطة وفعالية منظمة التجارة العالمية بشدة. ومن أجل حماية النظام التجاري المتعدد الأطراف والنظام الاقتصادي الدولي، وتعزيز التنمية الاقتصادية والتجارية العالمية، فإن إصلاح منظمة التجارة العالمية أمر ملح.
أولا، خطة الصين تعكس مصالح ومطالب “الجنوب العالمي“
دعمت خطة الصين بشأن إصلاح منظمة التجارة العالمية بنشاط مكانة ومصالح دول “الجنوب العالمي” في التجارة الدولية، وجعلت النظام التجاري المتعدد الأطراف أكثر شمولا واستدامة، وعكست مصالح ومطالب “الجنوب العالمي” في النظام التجاري المتعدد الأطراف. وأوضحت “ورقة موقف الصين بشأن إصلاح منظمة التجارة العالمية” ثلاثة مبادئ: ينبغي لإصلاح منظمة التجارة العالمية حماية القيم المحورية للنظام التجاري المتعدد الأطراف، وضمان المصالح التنموية للدول الأعضاء النامية، واتباع اتخاذ القرار بالتوافق عبر التشاور.
1 يعد عدم التمييز والانفتاح قاعدتين أساسيتين للدول الأعضاء للتعامل مع العلاقات التجارية فيما بينها في إطار منظمة التجارة العالمية. ويتطلب عدم التمييز والانفتاح ألا تعتمد الدول الأعضاء إجراءات تمييزية ضد دول أعضاء بعينها في التجارة الدولية، وينصان على مستويات ملزمة وقيود كمية على تعريفات الاستيراد من قبل الدول الأعضاء.
2 يعد تعزيز التنمية الاقتصادية والتجارية محور أعمال منظمة التجارة العالمية. وتتحلى الدول الأعضاء النامية ضمن إطار منظمة التجارة العالمية بالمعاملة الخاصة والتفضلية، وينبغي لإصلاح منظمة التجارة العالمية بذل الجهود لتسوية الصعوبات والتحديات التي تواجهها الدول الأعضاء النامية في عملية العولمة الاقتصادية، وتوفير المرونة والمساحة السياسيتين لهذه الدول الأعضاء لمساعدتها على تحقيق أهدافها للتنمية الاقتصادية وتضييق الفجوة بينها وبين الدول المتقدمة. 3- تتم صياغة القواعد بموجب إطار منظمة التجارة العالمية على أساس الحوار المتساوي والاحترام المتبادل بين الدول الأعضاء، ويجري إنجازها بالتوافق عبر التشاور، مع ضمان مشاركة جميع الأعضاء فيها، وخاصة الدول الأعضاء النامية.
ثانيا، خطة الولايات المتحدة تعكس مصالح ومطالب الدول المتقدمة
تتضمن خطة الولايات المتحدة بشكل رئيسي المحاور التالية: الأول، التأكد على أن منظمة التجارة العالمية تحتاج إلى التكيف مع الوضع الاقتصادي الجديد والتعامل مع التحديات التي فرضتها الاقتصادات غير السوقية. والثاني، الطلب من آلية منظمة التجارة العالمية لتسوية النزاعات ضرورة احترام خيارات السياسات السيادية لكل دولة عضو بشكل كامل. الثالث، الطلب من أعضاء منظمة التجارة العالمية ضرورة اتباع التزامات الإخطار. والرابع، التشكيك في تطبيق مبدأ المعاملة الخاصة والتفضيلية في منظمة التجارة العالمية والمطالبة بتوضيح قضايا التنمية وإلغاء التحديد الذاتي للأعضاء كونها دول نامية، وإعادة تحديدها وفق معايير معنية.
وتجسد خطة الولايات المتحدة المصالح الخاصة للدول المتقدمة. في الواقع، كان الأساس الذي تقوم عليه الولايات المتحدة لتحديد الدول ذات الاقتصاد غير السوقي مستخلص من مذكرة صادرة عن وزارة التجارة الأمريكية وليس قواعد منظمة التجارة العالمية. لذلك، فإن مطالب الولايات المتحدة لآلية تسوية النزاعات التابعة لمنظمة التجارة العالمية تهدف في الواقع إلى تعزيز “حلها” للنزاعات التجارية وفقا لتشريعاتها المحلية بدلا من قواعد منظمة التجارة العالمية.
وقد أتهمت الولايات المتحدة علنا أعضاء آخرين بعدم تقديم تقارير مستوفاة وفي غير موعدها حول الإعانات الصناعية إلى منظمة التجارة العالمية، وعدم الامتثال لمتطلبات الشفافية الخاصة بمنظمة التجارة العالمية.
لكن الولايات المتحدة نفسها قدمت أشكالا مختلفة من الإعانات الصناعية مثل الخصم الضريبي ومنح الأموال المباشر لصناعات التكنولوجيا الفائقة والجديدة، ولم تخطر بمجموعة كبيرة من سياسات الإعانات الصناعية وفقا لقواعد منظمة التجارة العالمية. ودعوة الولايات المتحدة حول مبادئ المعاملة الخاصة والتفضيلية وطلب توضيح قضايا التنمية هو في الواقع وسيلتها لحماية هيمنتها ومصالحها الاقتصادية والتجارية مدفوعة بفكرة “دولتنا أولا”.
وما يسمى بـ”المزايا غير العادلة” و”تشويه السوق” وغيرهما من المغالطات تعتمد جميعها على معايير ما إذا كانت مفيدة للولايات المتحدة أم لا. إضافة إلى ذلك، فعلى الرغم من أن خطط إصلاح منظمة التجارة العالمية للاتحاد الأوروبي واليابان تختلف عن الخطة الأمريكية في التفاصيل، إلا أنهما لا تزالان تتقدمان وتتراجعان مع الولايات المتحدة بشكل أساسي من أجل الحفاظ على موقعهما المهيمن ومصالحهما الاقتصادية والتجارية في نظام التجارة الاقتصاد الدولي.
ثالثا، التوافق والخلاف بين “الجنوب العالمي” والدول المتقدمة في إصلاح منظمة التجارة العالمية
أظهرت دول “الجنوب العالمي” والدول المتقدمة بعض التوافقات والخلافات في عملية إصلاح منظمة التجارة العالمية. فمن ناحية، يؤكد الجانبان على أهمية النظام التجاري المتعدد الأطراف، ويدعوان إلى تجارة حرة والأسواق المفتوحة، يعتقدان أن آلية منظمة التجارة العالمية لتسوية النزاعات تحتاج إلى الإصلاح لتحسين كفاءتها وشفافيتها.
ومن ناحية أخرى، يختلف الجانبان في وجهات النظر حول بعض المشاكل المحورية. على سبيل المثال، فيما يتعلق بمسألة تحديد “وضع اقتصاد السوق”، تدعو الدول المتقدمة إلى تحديده من خلال القوانين المحلية، في حين يوضح “الجنوب العالمي” موقفه من خلال تقديم “الصلة المستمرة للمعاملة الخاصة والتفضيلية لصالح الدول الأعضاء النامية لتعزيز التنمية وضمان الشمول” و”بيان المعاملة الخاصة والتفضيلية لتعزيز التنمية” بشكل مشترك إلى منظمة التجارة العالمية.
كما أكد “الجنوب العالمي” بشكل عام على أن منظمة التجارة العالمية تحمي المصالح التنموية للدول الأعضاء النامية لدعم تنميتهم الاقتصادية والاندماج في عملية العولمة الاقتصادية، بينما شككت الدول المتقدمة في أن الدول النامية تستفيد من المعاملة الخاصة والتفضيلية في إطار منظمة التجارة العالمية.
وأخيرا، هناك اختلافات بين الجانبين حول طريقة إصلاح آلية تسوية النزاعات، حيث أكد “الجنوب العالمي” على إجراءات متساوية لتسوية النزاعات، في حين أولت الدول المتقدمة أهمية أكبر لكفاءة وشفافية آلية تسوية النزاعات. ويتطلب حل هذه الخلافات التشاور والتعاون من أجل تحقيق التوازن بين اهتمامات ومصالح الجانبين وضمان فعالية واستدامة النظام التجاري المتعدد الأطراف.
مسار “الجنوب العالمي” لتعزيز إصلاح منظمة التجارة العالمية
من أجل حماية النظام التجاري المتعدد الأطراف ونواته منظمة التجارة العالمية، ودفع إصلاح منظمة التجارة العالمية نحو اتجاه أكثر عدالة وانصافا، ينبغي لـ”الجنوب العالمي”الاتحاد بشكل وثيق، وحماية المعاملة التفضيلية القائمة للدول النامية في منظمة التجارة العالمية، وكذلك السعي الحثيث لأخذ زمام المبادرة في مجالات التجارة الناشئة.
أولا، لا بد لـ”الجنوب العالمي” من التضامن والتنسيق والتعاون لإسماع صوتها في المفاوضات
يجمع “الجنوب العالمي” بين سمتين رئيسيتين لتطور البنية العالمية الحالية. فـ”العالمي” يسلط الضوء على الترابط المتزايد بين الدول تحت مظلة العولمة، والتحسين الكلي للدول النامية. لكن الدول المتقدمة لاتزال تقع في المكانة المهيمنة في الاقتصاد والسياسة العالميين، وتحاول حماية وترسيخ مزاياها من خلال فرض قيود متنوعة على “الجنوب العالمي”.
لذلك، يتعين على “الجنوب العالمي”العمل معا لتعزيز الاتصال والتنسيق في إصلاح منظمة التجارة العالمية، وأن يتحدث علنا بشكل مشترك من أجل توسيع قوته التفاوضية.
ويجب على “الجنوب العالمي” التمسك بالتعددية ومبدأ التوافق عبر التشاور، والمعارض بحزم لمطالب الدول المتقدمة المتمثلة في الأحادية والحمائية و”دولتنا أولا” انطلاقا من حماية مصالحها، والحفاظ على سلطة وفعالية منظمة التجارة العالمية، وخاصة دفع استئناف عمل آلية منظمة التجارة العالمية لتسوية النزاعات بشكل طبيعي في أقرب وقت ممكن، والدعوة إلى تسوية النزاعات التجارية الدولية في إطار منظمة التجارة العالمية.
إضافة إلى ذلك، لا بد لـ”الجنوب العالمي” من توحيد مواقفه، وحث الدول المتقدمة على اتباع القواعد والوفاء بالتزاماتها وأداء دور نموذجي، والعمل مع الدول المتقدمة بشكل مشترك لجعل النظام التجاري المتعدد الأطراف يلعب دور أكبر في الحوكمة العالمية.
ثانيا، حماية المعاملة التفضيلية للدول النامية في منظمة التجارة العالمية بحزم
غرض منظمة التجارة العالمية هو تعزيز التجارة الدولية الحرة والعادلة والمنفتحة، لكن عملها يواجه تحديات وأزمات متنوعة داخلية وخارجية، وأبرزها تضارب المصالح والتناقضات بين “الجنوب العالمي” والدول المتقدمة. وفي إطار منظمة التجارة العالمية، فإن التفاوضات والنضال بين “الجنوب العالمي” والدول المتقدمة أمر لا مفر منه، وينعكس في المعاملة الخاصة والتفضيلية التي تفيد الدول الأعضاء النامية.
وباعتبارها قائدة منظمة التجارة العالمية، غالبا ما تتخذ الدول المتقدمة مصالحها الخاصة كنقطة انطلاق، وتحاول الحفاظ على مزاياها الخاصة وتوسيعها من خلال قواعد وآليات منظمة التجارة العالمية. وعلى الرغم من أن “الجنوب العالمي” يمثل الغالبية الساحقة من عدد أعضاء منظمة التجارة العالمية، لكن قوته الإجمالية ضعيفة نسبيا، وغالبا ما يفتقر إلى القدرة التفاوضية الفعالة والصوت، مما يجعله من الصعب كسب المصالح المعقولة والمساحة للتنمية في منظمة التجارة العالمية.
ويتعين على “الجنوب العالمي” حماية المعاملات الخاصة والتفضيلية التي تفيد الدول الأعضاء النامية بحزم، والمثابرة على التعددية الحقيقية، والعمل بنشاط على إعادة فتح هيئة الاستئناف، وحماية الحقوق والمصالح المشروعة لجميع الأعصاء بحزم، وإتقان وظائف المراجعة والإشراف لمنظمة التجارة العالمية، وحماية سلطة آلية تسوية النزاعات وما إلى ذلك، ودفع إصلاح منظمة التجارة العالمية نحو اتجاه أكثر عدالة ومعقولية وشمولا وتنسيقا.
ويجب على “الجنوب العالمي” المشاركة بنشاط في المفاوضات المتعددة الأطراف والمناقشات حول المواضيع الجديدة مثل التجارة الإلكترونية وتسهيل الاستثمارات والبيئة وتغير المناخ وغيرها سعيا للتوصل إلى المزيد من التوافقات والاتفاقيات في إطار منظمة التجارة العالمية، مع ضمان انفتاح المفاوضات المتعددة الأطراف وإمكانية تطبيق معاملة الدول الأولى بالرعاية.
ثالثا، السعي لأخذ زمام المبادرة في التجارة الرقمية والتجارة الخضراء
تعد التجارة الرقمية والتجارة الخضراء موجة وفرصة جديدتين في التجارة العالمية، وتتمتعان بأهمية كبيرة في تعزيز التنمية المستدامة والازدهار المشترك في العالم، فيجب على “الجنوب العالمي” اغتنام الفرصة واتخذ منظمة التجارة العالمية كمنصة لأخذ زمام المبادرة في التجارة الرقمية والتجارة الخضراء، من أجل خلق مزيد من الظروف الملاءمة لتنميته وتقدمه.
ويمكن للتجارة الرقمية تخفيض تكلفة التجارة ورفع كفاءة التجارة وتوسيع حجم التجارة وتعزيز ابتكار التجارة وزيادة قيمة التجارة، لكنها تواجه مخاطر الأمن السيبراني ومخاطر أمن البيانات الشخصية الناتجتين عن تدفقات البيانات العابرة للحدود.
كما يمكن للتجارة الخضراء تقليل تأثير التجارة السلبي على البيئة ورفع جودة وكفاءة التجارة وزيادة القدرة التنافسية والاستدامة للتجارة وتعزيز التحول الهيكلي للتجارة والارتقاء بمستواها، والمساهمة في المنافع العامة للتجارة، لكنها تواجه التهديدات المتمثلة في تغير المناخ وفقدان التنوع البيولوجي والتلوث البيئي وغيرها.
لذلك يتعين على “الجنوب العالمي” دفع منظمة التجارة العالمية وضع قواعد تساهم في تقدم التجارة الرقمية والتجارة الخضراء وتسوية النزاعات، والسعي الجاهد لمعالجة المخاطر والتهديدات الأمنية الناتجة عنهما مع الحفاظ على انفتاحهما وشمولهما.
ولا يمكن فصل التنمية العالمية للتجارة الرقمية والتجارة الخضراء عن الجهود المشتركة لـ”الجنوب العالمي” والدول المتقدمة، ويتعين على “الجنوب العالمي” أن يتعاون مع الدول المتقدمة في إطار منظمة التجارة العالمية قدر الإمكان، والدفع بشكل مشترك نحو تطوير التجارة الرقمية والتجارة الخضراء لاتجاه أكثر عدالة ومعقولية بقلب مفتوح وروح تعاونية وأساليب مبتكرة وفي ظل المراعاة الكاملة لحالة ومصالح جميع الأطراف.