أولمرت يحذر من تكرار أحداث أمستردام على مستوى واسع بسبب “سياسة نتنياهو”
قسم البحوث والدراسات الاستراتجية و العلاقات الدولية 17-11-2024
وصف رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي الأسبق، إيهود أولمرت، ما اعتبرها “أعمال الشغب التي قام بها المسلمون” ضد مشجعي مكابي تل أبيب بالحدث الخطير، الذي كان يجب معالجته بشكل حثيث وقوي.
وقال أولمرت في مقال نشره عبر صحيفة “هآرتس”، إن “الشرطة في هولندا لم تستعد بسرعة، ولم تتخذ الخطوات المطلوبة للدفاع عن الضيوف الذين دخلوا بشكل قانوني إلى عاصمتها، وردود الزعماء السياسيين في هولندا، بمن فيهم رئيسة بلدية أمستردام، تدل على أنهم يدركون أن هذا الحدث غير محتمل، وأنه يهدد الاستقرار الداخلي وسمعتها كدولة يوجد فيها تطبيق للقانون ضد الجرائم”.
وأضاف أن هذه الردود “تدل بالأساس على الإدراك بأن التسليم بأعمال الشغب العنيفة لجمهور مسلم منفلت العقال يمكن أن يضر ليس فقط بمشجعي كرة قدم، بل سيضر مواطنيها أيضا”.
وأوضح أن “هولندا ليست الدولة الوحيدة في أوروبا التي توجد فيها جالية مسلمة كبيرة، التي أحيانا تسمح لنفسها باستخدام العنف، حتى دون صلة بدولة إسرائيل واليهود أو بالشرق الأوسط، فألمانيا وفرنسا وبلجيكا وبريطانيا ودول كثيرة أخرى أصبحت هدفا لهجرة المسلمين”.
وذكر أن “الفجوة بين التراث الاجتماعي لدول أوروبا ونمط الحياة فيها، وغياب نمط حياة ديمقراطي في الدول التي جاء منها المهاجرون المسلمون، تقلق جدا أوروبا التي يوجد فيها أعداد كبيرة من المسلمين، وفي الاتحاد الأوروبي، بما في ذلك بالذات في هولندا، هذه الفجوة خدمت أحزاب اليمين التي تعتبر المهاجرين المسلمين تهديدا لنمط الحياة الذي أغلبية ساحقة في هذه الدول تريد الحفاظ عليه”.
وأضاف: “يبدو أن الصدمة التي تسببت فيها الهجمات العنيفة على مشجعي مكابي تل أبيب يمكن أن تؤدي إلى استخلاص الدروس، التي ستؤدي بدورها لمواجهات داخلية بين السلطات الحكومية في الدول الأوروبية وبين الجاليات الإسلامية التي تعيش فيها”.
وأشار إلى أنه “بخصوص إسرائيل والإسرائيليين فإنه ليس بالضرورة أنه سيحدث تغيير، قبل أي شيء آخر؛ لأن أعمال الشغب هذه ليست ظاهرة عنيفة من اللاسامية، فقد كانت بالأساس مظهرا من مظاهر كراهية معظم المسلمين لدولة إسرائيل ومواطنيها، بسبب ما حدث ويحدث في المنطقة، وليس استمرارا للاسامية التاريخية التي مصادرها تكمن في التعصب الديني المسيحي”.
وأوضح أن” الرد التاريخي الذي ساد في هولندا وتمثل في تصريحات هزلية لعدد من قادتها لا يمثل سبب الكراهية المتزايدة لإسرائيل ومواطنيها، لكن هذه الكراهية آخذة في الاتساع، وهي تهدد بعزل إسرائيل بشكل سيهدد مكانتها ونمط حياتها”.
وزعم أن “محاولة المقارنة بين أعمال الشغب في أمستردام وحدث كارثي هي في المقام الأول الدليل على فقدان الاتزان النفسي لجزء من الذين يردون في داخلنا، لكن ذلك أكثر، فنحن نعيش منذ سنوات غير قليلة في أجواء فيها حكومة إسرائيل تشجع وتقوم برعاية نظرية أن كل العالم ضدنا، وأن الجميع يحاولون القضاء عليها”.
وأضاف أن “الإسرائيلي الذي يعارض سياسة الحكومة أو جزءا من عملياتها العسكرية في السنة الأخيرة يعتبر حسب من يؤيدون الحكومة وبعض أعضائها بأنه من حماس ويتعاون مع قتلة الإسرائيليين، وربما حتى قام بالتنسيق للهجوم القاتل في أكتوبر في 2023 مع يحيى السنوار، وأيضا من ينتقد خطوات الحكومة خارج الدولة أو ينتقد الأحداث التي تحدث في ساحات الحرب فهو بشكل تلقائي عدو الشعب ومؤيد لحماس”.
وقال أولمرت: “في هذا المناخ قمنا بتحويل الرئيس الأمريكي جو بايدن، الصديق الكبير لإسرائيل الذي هب لمساعدتها بشكل لم يفعله أي رئيس أمريكي آخر في أي يوم، إلى عدو ومؤيد لحماس.. بايدن أرسل جيشه إلى الشرق الأوسط، وأرسل حاملات الطائرات والغواصات، والطائرات القتالية الأكثر تقدما شاركت بالفعل في الدفاع عن المدن والمستوطنات لدينا من صواريخ إيران. ولكن تأخير صغير في تزويدنا بعدد من القنابل على ضوء الاستخفاف الفظ من قبل الحكومة، وبالأساس رئيس الحكومة، بتصويتات الإدارة الأمريكية في مواضيع تتعلق بالمس الشديد بمئات آلاف الفلسطينيين الذين ليسوا إرهابيين في غزة، كان من شأنه أن يعرض بايدن كعدو”.
وأضاف أن “الحادث في أمستردام لا يعتبر الحادث الواحد والوحيد، ويتوقع أن تكون أحداث كثيرة مثله في الدول الأوروبية، وفي المقام الأول هذا تعبير عن الغضب المتزايد على ما يحدث في منطقتنا، وليس فقط نتيجة الكراهية المتجذرة، القديمة، لليهود والإسرائيليين، بل أيضا غضب متزايد من ما نفعله، وما نقوله، وكيف نظهر في نظر الكثيرين الذين ليس لهم إرث تاريخي في كراهية اليهود”.
واعتبر أنه “في أرجاء أوروبا وفي أمريكا الشمالية وفي أمريكا الجنوبية ودول كثيرة في آسيا، فإن ما يشكل الوعي هو صور الدمار في غزة.. والتحقيق الذي تجريه الجهات الأمنية لدينا في هذه الفترة حول قتل مئات المدنيين الفلسطينيين الذين لم تكن لهم أي صلة بالإرهاب، هو فقط طرف جبل الجليد للأحداث التي تهز مزاج الملايين في أرجاء العالم”.
وذكر أن “كثيرين تماهوا مع ألمنا بسبب المذبحة الإجرامية التي ارتكبها مشاغبو حماس في 7 أكتوبر، لكنهم ليسوا مبالين إزاء المشاهد المتواصلة التي تبثها وسائل الإعلام في أرجاء العالم عن أكثر من مليون من الفلسطينيين الذين يسيرون وهم يحملون أكياس البلاستيك في أرجاء غزة، مرة من الشمال إلى الجنوب، وأحيانا من الجنوب إلى الشمال، بعد تدمير بيوتهم بالكامل، وكثيرون في العالم لا يمكنهم التسليم بتحويل غزة إلى أنقاض”.
وقال إن “إعادة غزة أو الأحياء السكنية في بيروت (ليس الضاحية وحدها) إلى العصر الحجري كما وعد بعض الزعماء لدينا، هي ليست بالضبط الشعار الذي يحسن سمعة دولة إسرائيل ويعزز مكانتها في العالم، فالمظاهرات العنيفة أحيانا ضد إسرائيل والإسرائيليين ستستمر في مدن كثيرة أخرى في العالم، وأقوال الهراءات لنتنياهو التي تقارن هذه الأحداث بالكارثة لن تمنع ولن توقف هذا الهياج”.
وبين انه “لا مناص من الاعتراف بأن المجتمع الإسرائيلي أحب حاجتنا إلى الظهور كضحايا للكراهية وما هو معروض كلاسامية، التي تأخذ تعبيرات عنيفة في أماكن مختلفة في العالم.. ولكن هذه المظاهر هذه المرة خلافا لأحداث أخرى في التاريخ الدموي للشعب اليهودي، ترتبط بالتجربة المعاصرة لأعمال العنف والوحشية، وأحيانا القاتلة، التي نحن أنفسنا المسؤولون عنها”.
وأكد أن “ما يحدث في هذه الفترة في غزة ليس حربا وجودية لنا، وليس تعبيرا عن حاجة مبررة للدفاع عن أنفسنا، بل هو استمرار دون أي مبرر لعنف ليس له هدف أو اتجاه واضح، لكنه يساهم بشكل حاسم في تقليص احتمالية إنقاذ المخطوفين، وهو يتعلق بموت الكثير من الجنود في أحداث لا تؤدي إلى أي نتيجة مناسبة، وأيضا يجب الاعتراف بذلك بنزاهة، يؤدي إلى موت الكثيرين من سكان غزة غير المشاركين في الإرهاب”.
وأشار إلى أن “الادعاء الكاذب بأن جميع سكان غزة هم مؤيدون لحماس، وبناء على ذلك فقد تم حسم مصيرهم، هو بالضبط ما يثير غضب الكثيرين في أرجاء العالم، ويشجع المسلمين الذين يعيشون في أوروبا وأمريكا على التظاهر ضدنا، وأحيانا استخدام العنف ضدنا، الذي لا يوجد له أي مبرر، ولا توجد أي طريقة للتسليم به”.
وأضاف أن “الاستحواذ المرضي لدينا كي نظهر ونشعر بالاضطهاد والكراهية ضدنا، يجد التشجيع الحقير من حكومة إسرائيل، وهو يستهدف تبرير مواصلة المعركة العسكرية وتعزيز تضامن الضحايا بين السكان الإسرائيليين وإثبات الادعاء بأنه لا يجوز لنا تقديم أي تنازل قد يؤدي إلى إنهاء الحرب وإنقاذ المخطوفين، الذين بقوا على قيد الحياة وجثث الموتى، في نفس الوقت لعب دور الضحية يدفعنا إلى التورط بلا حاجة إلى استمرار القتال في لبنان، الذي يجبي أيضا عددا كبيرا من الضحايا في أوساط مواطني شمال البلاد وفي أوساط الجنود أيضا”.
وقال إن “الحدث في أمستردام هو حدث مؤسس، لكن هذه الأحداث شكلت أيضا تذكيرا للعداء الآخذ في الازدياد تجاه إسرائيل والإسرائيليين، ليس لكونهم يهودا.. العداء هو بسبب أنه يتم عرضهم في كل وسائل الإعلام العامة في العالم، وفي أوروبا بالتأكيد وفي الشبكات الاجتماعية، كممثلين لدولة التي العنف والتدمير والمس بالمدنيين تمثلها الآن بصورة لا يمكن تجاهل أبعادها أو أخطارها”.
وأضاف: “حتى الآن لم نقل أي شيء عن ما يفعله الإسرائيليون في الضفة الغربية.. أعمال الشغب هناك، القتل والتمييز وتدمير الممتلكات ونشاطات ممنهجة تستهدف سحق حقوق الإنسان للكثيرين هناك، ربما (للأسف) لا تجد أي تغطية كافية لها في وسائل الإعلام في إسرائيل، لكنهم في أوروبا يشاهدون ويسمعون ويفقدون الصبر علينا”.
وأوضح أن “هذا يحدث بالذات في الأيام التي نسمع فيها وزراء مهمين في الحكومة وهم يتحدثون عن فرض سيادة إسرائيل في المناطق، وهذا يحدث في الوقت الذي فيه مكتب بن غفير يقتبس الرسائل التي تنتقل بين أعضائه، والتي تقول إنه عند الحاجة يمكن إشعال كل المنطقة من خلال الاستفزازات في الحرم.. وعندنا في وسائل إعلام معينة، التي توجد لديها الشجاعة، يقتبسون الأقوال الفظيعة لشوفال بن نتان حول قتل الكثير من الأطفال والمدنيين وإحراق البيوت من أجل الفرح، هل حقا يجب علينا أن نندهش من أن هذه الأقوال تثير موجة ردود معادية يمكن أن تتحول إلى أعمال شغب عنيفة”.
وأكد: “في كل الأحوال، أنا غير مستعد للتسليم مع إمكانية أن الاحتجاج ضد إسرائيل سيصبح موجة عنف ونموذج عمل ثابت ودائم، ولكن هل نحن غير مُسلّمين بالانغلاق تجاه الفلسطينيين في المناطق كنموذج سلوك دائم وثابت؟ عندما الإدارة الأمريكية تهدد إسرائيل بفرض عقوبات بسبب رفض إدخال المساعدات الإنسانية إلى سكان غزة، هل يمكن أن نندهش من أن هناك من يرون في هذا السلوك جريمة حرب تبرر الردود الشديدة؟”.