أهمية ومسارات تعزيز التعاون بين الصين ودول الجنوب العالمي في تطوير الذكاء الاصطناعي

إعداد شيوي جيان: قسم البحوث والدراسات الاستراتجية والعلاقات الدولية 10-09-20251

يُعتبر الذكاء الاصطناعي تكنولوجيا استراتيجية تقود جولة جديدة من الثورة العلمية والتغيير الصناعي، وقد غيّر بشكل عميق أساليب الإنتاج والحياة للبشرية.
وفي ظل تسارع تطورات الوضع العالمي غير المسبوق منذ قرن، تولي الدول الكبيرة الرئيسية والمنظمات الدولية الهامة اهتماماً بالغاً لقضايا تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي وصناعاته وحوكمته.
وتولي الحكومة الصينية والحزب الشيوعي الصيني اهتماماً كبيراً لتطوير الذكاء الاصطناعي، حيث حُسِّنت في السنوات الأخيرة التصميمات العليا وعززت ترتيبات العمل، مما دفع القوة الشاملة للذكاء الاصطناعي في الصين إلى تحقيق قفزة نوعية ومنهجية.
وعلى النقيض من ذلك، فإن العديد من دول الجنوب العالمي تواجه صعوبات في اللحاق بركب التطور، نظراً لتقييدها بعوامل متعددة مثل التكنولوجيا والموارد المالية والمادية، مما أدى إلى اتساع الفجوة الذكية العالمية.
وفي الاجتماع الجماعي العشرين للمكتب السياسي للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني في 25 أبريل 2025 بشأن تعزيز تطوير الذكاء الاصطناعي وتنظيمه، شدد الرئيس الصيني شي جين بينغ على أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يكون منتجاً عاماً دولياً يفيد البشرية، داعياً إلى توسيع نطاق التعاون الدولي في مجال الذكاء الاصطناعي، ومساعدة دول الجنوب العالمي على تعزيز قدراتها التقنية، من أجل الإسهام الصيني في ردم الفجوة الذكية العالمية.
دفع التعاون بين الصين ودول الجنوب العالمي في تطوير الذكاء الاصطناعي يُواكب تيار العصر
اعتمدت قلة من الدول المتقدمة لفترة طويلة على شركاتها التكنولوجية العملاقة لفرض احتكار تقني وحواجز معيارية، مما أسفر عن تشكيل “الهيمنة الرقمية” أقصت معظم الدول النامية من الدوائر الأساسية لتطوير الذكاء الاصطناعي وحوكمته على المستوى العالمي.
ويمثل التعاون بين الصين ودول الجنوب العالمي في مجال تطوير الذكاء الاصطناعي في جوهره اختراقاً تاريخياً من القوى الناشئة لنمط الاحتكار التكنولوجي الغربي.
ومن خلال بناء بيئة تقنية مفتوحة المصدر بشكل مشترك، والتنسيق في وضع قواعد تدفق البيانات عبر الحدود، بدأت دول الجنوب العالمي في كسر احتكار عدد قليل من الدول المتقدمة للخوارزميات الأساسية وبُنى الحوسبة التحتية، مما أتاح دمج تطلعات الدول النامية في إطار الحوكمة العالمية للذكاء الاصطناعي.
وليست عملية التعددية القطبية التقنية هذه فقط جهداً لكسر “الهيمنة الرقمية”، بل أيضاً تجسيداً عملياً لوعد أجندة الأمم المتحدة للتنمية المستدامة 2030 بـ”عدم ترك أحد يتخلف عن الركب”.
وإذا تمكّن الجنوب العالمي من التحول جماعياً من موقع المتلقّي السلبي لقواعد التكنولوجيا إلى مشارك في صياغتها، فسوف يتسارع تطور النظام الدولي نحو مزيد من العدالة والعقلانية.
ويشكّل التعاون بين دول الجنوب في مجال الذكاء الاصطناعي اليوم تجسيداً عملياً لمفهوم “مجتمع ذي مستقبل مشترك للبشرية” في عصر الرقمنة. وعلى عكس نماذج المساعدات التقنية التقليدية التي كانت تقوم على تصدير تكنولوجيا جاهزة للدول النامية، وهو ما يُشبه “إعطاء المرء السمكة بدلاً من تعليمه الصيد”، ورغم فائدتها قصيرة الأمد، فإنها تُعزز التبعية على المدى الطويل.
وأما التعاون الدولي للتنمية الذي تقوده الصين في العصر الجديد، فيولي أهمية أكبر لـ”تعليم الصيد”، حيث لا يقتصر على نقل المنتجات التكنولوجية، بل يشمل المشاركة الجماعية في كامل دورة البحث والتطوير التقني.
وفي هذا التعاون، توفر الصين الأطر التكنولوجية الأساسية، وتُدمج الدول النامية المشاركة في التعاون احتياجاتها المحلية الفعلية ومواردها البيانية ضمن هذه الأطر، مما يُسهم، من خلال التفاعل المستمر، في تحسين الحلول التقنية بشكل دائم.
ويضمن هذا النهج تقدُّم التكنولوجيا الجوهرية، مع تمكينها من التكيّف الجذري حسب واقع التنمية في مختلف المناطق، محققاً بذلك نقلة نوعية في نموذج المساعدة التقنية.
وعلى مستوى بناء القواعد، يمكن للصين ودول الجنوب العالمي التفاوض حول إطار سيادة البيانات، والمشاركة في بناء نظم تقييم شفافية الخوارزميات، وتفعيل اتفاقيات إقليمية لتدفق البيانات عبر الحدود، بما يضمن مشاركة قانونية ومنظمة في المنتجات العامة العالمية مثل رصد المناخ وحماية التنوع الأحيائي.
ويمثل هذا المسار العملي القائم على الثقة التقنية وكسر الحواجز التنموية والتضمين الرقمي لتعزيز التعايش الحضاري، مرحلة متقدمة في بناء “مجتمع ذي مستقبل رقمي مشترك”، وهو ما يتماشى مع الاتجاه العام لتطور الحضارة السياسية العالمية.
إنجازات فعلية حققتها الصين في مجال الذكاء الاصطناعي تتوافق مع احتياجات التنمية في دول الجنوب العالمي
تشهد دول الجنوب العالمي حالياً طلباً هائلاً على تقنيات الذكاء الاصطناعي. فمن جهة، تواجه القطاعات الأساسية مثل الزراعة والتعدين والنسيج مشكلات متعلقة بانخفاض كفاءة الإنتاج وضعف زخم نمو القيمة المضافة الصناعية، مما يجعل التحديث الذكي للصناعات التقليدية مطلباً عاماً لها.
وفي هذا السياق، تتطلع دول الجنوب العالمي إلى تسريع نشر تقنيات رئيسية مثل أنظمة استشعار الإنترنت للأشياء، ومنصات البيانات الصناعية الضخمة، ونماذج التنبؤ الذكية، لإعادة بناء ميزاتها التنافسية من خلال مراقبة حالة المعدات، وتحسين معايير التشغيل، وتنظيم ذكي لسلاسل التوريد، مما يُمكنها من تمكين تحول صناعي فعّال.
ومن جهة أخرى، في ظل تسارع التوسع الحضري، تواجه هذه الدول تحديات هيكلية مثل التوزيع غير المتوازن للموارد الطبية، وعدم المساواة في فرص التعليم، وضعف قدرات الاستجابة للطوارئ والكوارث.
وهنا يأتي دور الخبرة العملية الطويلة التي تمتلكها الصين في مجالات الطب الذكي، والتحول الرقمي في التعليم، والوقاية من الكوارث والسيطرة عليها، والتي توفر مسارات واقعية لتلبية هذه الاحتياجات.
وتُوفّر القدرات الشاملة التي تمتلكها الصين في مجال الذكاء الاصطناعي دعماً متعدد الأبعاد لتعاون الذكاء الاصطناعي مع دول الجنوب العالمي.
فعلى صعيد توفير الأجهزة، تعتمد الصين على تجمعاتها الصناعية الرائدة عالمياً في تصنيع المعلومات الإلكترونية، وقد نجحت في بناء سلسلة صناعية مكتملة تشمل تصميم شرائح الذكاء الاصطناعي، وتصنيع المستشعرات، وتجميع الأجهزة الذكية، مما أوجد حلقة إيجابية بين اتساع نطاق الإنتاج والابتكار التكنولوجي.
وقد تحققت اختراقات ملحوظة في التقنيات الأساسية مثل الدوائر المتكاملة، وتطبيقات نظام بيدو على نطاق واسع، والأجهزة الطرفية الذكية، وتقنيات العرض الجديدة.
ولا تقتصر هذه الميزة الإنتاجية على تطوير أجهزة الحوسبة المتقدمة، بل تتجلى أيضاً في تقديم حلول مخصصة تلبي الاحتياجات الفعلية لدول الجنوب العالمي. وعلى صعيد تطبيق التكنولوجيا، تستند التجربة الصينية إلى سوق ضخمة واسعة النطاق، مما وفر لها خبرة تقنية غنية ذات قيمة مرجعية، خصوصاً في مجالات مثل المدن الذكية والإنترنت الصناعي.
ومن خلال التعامل مع تصورات معقدة تتضمن الكثافة السكانية العالية، وتنوع أشكال الصناعة، وعدم توازن التنمية الإقليمية، طورت الصين مسارات تنفيذ مكتملة تشمل إدارة البيانات، وتحسين الخوارزميات، ونشر الأنظمة، ويوفّر ذلك نموذجاً عملياً يمكن لدول الجنوب الاستفادة منه في تجاوز أنماط التنمية التقليدية.
وأما على صعيد الابتكار المؤسسي، فقد أبرز النموذج التكاملي “التوجيه الحكومي + دفع السوق”، الذي استكشفته الصين مميزات فريدة، حيث يوفر هذا النموذج العملي – الموازن بين التوجيه الاستراتيجي وقوانين السوق- مرجعية ً مؤسسية ً أكثر قابلية للتطبيق لدى الدول اللاحقة تكنولوجياً فى تحقيق التوازن بين استيراد التكنولوجيا والتنمية الذاتية.
تحديات يواجهها دفع التعاون بين الصين ودول الجنوب العالمي في تطوير الذكاء الاصطناعي
يُعدّ الذكاء الاصطناعي مجالاً محورياً في التنافس التكنولوجي العالمي، وقد أصبح أداة مهمة لدول الجنوب العالمي لتعميق التعاون وإعادة تشكيل الهيكل التقني الدولي. ومع ذلك، لا تزال الصين ودول الجنوب العالمي تواجه تحديات متعددة في التعاون لتطوير الذكاء الاصطناعي، تشمل الجوانب التقنية والحَوْكميّة والجيوسياسية، ما يتطلب تنسيقاً منهجياً واختراقات شاملة لتجاوزها:
أولاً، نقص القدرات التقنية وندرة الكفاءات البشرية:
1- تُعاني دول الجنوب العالمي عموماً من ضعف في البنية التحتية الرقمية. وتمتلك الكثير من هذه الدول قدرات حوسبة محدودة، وسعات شبكة الإنترنت لديها منخفضة، ولا يزال بناء مراكز البيانات متأخراً، ويصعّب ذلك تلبية متطلبات الذكاء الاصطناعي من حيث تخزين البيانات الضخمة والمعالجة الفعالة لها. وتتركز أجهزة الحوسبة الفائقة الرائدة بالعالم حالياً في عدد قليل من الدول مثل الولايات المتحدة واليابان، في حين أن حصة دول الجنوب العالمي تبقى منخفضة، مما يُظهر توزيعاً غير متكافئ بشدة في موارد الحوسبة. ففي أفريقيا مثلاً، تبلغ نسبة انتشار الإنترنت 36% فقط، ولا تزيد نسبة الأفارقة الذين يستخدمون النطاق العريض عن ثلث السكان. ووفقاً لإحصاءات موقع “خريطة مراكز البيانات”، بلغ عدد مراكز البيانات بالولايات المتحدة في عام 2024 نحو 2626 مركزاً، ما منحها تفوقاً واضحاً. وأما دول مثل الصين والهند والبرازيل، فلا يتجاوز عدد مراكز البيانات فيها بضع مئات فقط.
2- تعتمد دول الجنوب العالمي بدرجة كبيرة على الخارج في مجال التقنيات الأساسية. فعلى الرغم من أن الصين قد حققت في السنوات الأخيرة اختراقات مهمة على مستوى الخوارزميات وتطبيقات الذكاء الاصطناعي، إلا أنها لا تزال تواجه قيوداً من الدول الغربية، خصوصاً في المجالات الأساسية مثل الرقائق المتقدمة، ومعدات الحوسبة، والبرمجيات الصناعية. وتمثل هذه الفجوات في التقنيات الجوهرية عائقاً مباشراً أمام تعميق وتوسيع التعاون بين الصين ودول الجنوب في مجال الذكاء الاصطناعي.
3- تعاني دول الجنوب من ندرة حادة في الكفاءات المتقدمة في مجال الذكاء الاصطناعي. ويرجع ذلك من جهة إلى التأخر البنيوي في أنظمتها التعليمية، ومن جهة أخرى إلى تأثير “استنزاف العقول” لصالح الدول المتقدمة التي تستقطب المواهب والكفاءات من أنحاء العالم.
ثانياً، الاختلاف في الحوكمة والرقابة وتفتّت القواعد التنظيمية:
تشهد حوكمة الذكاء الاصطناعي في الجنوب العالمي اتجاهاً متزايداً نحو التفتت العميق، حيث يتجلى هذا الانقسام في التباين الكبير بين الأطر التنظيمية، كما ينعكس في غياب التوافق على القيم والمبادئ الأساسية.
ويعود هذا الواقع في جوهره إلى تناقض بنيوي يتمثل في اختلال توزيع السلطة التكنولوجية وضعف قدرات الحوكمة لدى الدول النامية. وحالياً، تُستبعد غالبية دول الجنوب العالمي من الأطر الدولية الرئيسية لحوكمة الذكاء الاصطناعي.
ووفقاً لتقارير الأمم المتحدة فهناك 118 دولة (معظمها من الجنوب العالمي) لم تشارك إطلاقاً في أي من المبادرات الدولية الرئيسة التي طرحتها المنظمات الإقليمية والدولية الهامة كـمجموعة العشرين فيما يخص حوكمة الذكاء الاصطناعي.
ومن جانبها، قد أصدرت الصين حالياً عدداً من الوثائق السياساتية مثل “مبادئ حوكمة الجيل الجديد من الذكاء الاصطناعي- من أجل تطوير ذكاء اصطناعي مسؤول” و”اللوائح المؤقتة لإدارة خدمات الذكاء الاصطناعي التوليدي”، مما أسهم في تشكيل منظومة أولية لحوكمة الذكاء الاصطناعي تشمل عدة جوانب مثل المبادئ الأخلاقية، والتشريعات القانونية، والأنظمة الرقابية.
وتمتاز هذه المنظومة بإطار حوكمة منهجي وشامل، يركّز على الإشراف على العملية بأكملها بدءا من البحث والتطوير التكنولوجي، مروراً بالتطبيق، ووصولاً إلى الإدارة.
وفي المقابل، لا تزال معظم دول الجنوب العالمي في مرحلة استكشاف تشريعي أولي لحوكمة الذكاء الاصطناعي، مما يُولّد فجوة كبيرة في الحوكمة. فرغم إصدار منظمات إقليمية مثل الاتحاد الأفريقي ورابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) لوثائق مثل “الاستراتيجية للذكاء الاصطناعي في قارة أفريقيا” و”دليل آسيان لحوكمة وأخلاقيات الذكاء الاصطناعي”، فإن العديد من هذه الوثائق تعتمد مباشرة على المعايير الأوروبية أو الأمريكية، وتفتقر إلى الابتكار المحلي الملائم للبيئة المحلية. بالإضافة إلى ذلك، فإن الاحتكاكات الثقافية واختلاف القيم بين الدول تزيد من صعوبة التعاون في مجال الحوكمة للذكاء الاصطناعي.
ثالثاً، التدخلات الخارجية والمخاطر الجيوسياسية
تواجه الصين والدول الأخرى في الجنوب العالمي خلال تعاونها في مجال الذكاء الاصطناعي مخاطر خارجية تتمثل أساساً في “قطع الإمدادات” التقنية و”التدخلات التعطيلية” الناتجة عن الصراعات الجيوسياسية، وهما عاملان يشكلان حاجزا أمام التعاون ويزيدان من تعقيد الصراع العالمي على السلطة التكنولوجية.
وتعتمد دول الجنوب العالمي في مجالات التكنولوجيا الأساسية على الخارج، مما يوفر للولايات المتحدة وغيرها من الدول المتقدمة ذريعة لفرض “قطع الإمدادات”.
وحولت الولايات المتحدة التعاون التقني إلى أداة للصراع بين المعسكرات، محاوِلةً عبر “الستار الرقمي الحديدي” الحفاظ على هيمنتها، مما أضعف تماسك دول الجنوب العالمي وزاد من انقسام التنسيق في مجال الذكاء الاصطناعي داخلها.
مسارات رئيسية لتعزيز التعاون بين الصين ودول الجنوب العالمي في مجال تنمية الذكاء الاصطناعي
باعتبارها دولة مسؤولة، تعمل الصين بنشاط على تعزيز التعاون مع دول الجنوب العالمي في تنمية الذكاء الاصطناعي، وتسعى إلى بناء إطار تنموي متكامل ومتعدد الأبعاد، بهدف تقاسم مكاسب تطوير الذكاء الاصطناعي.
ومن أجل رفع مستوى تنمية الذكاء الاصطناعي في دول الجنوب العالمي وتقليص “الفجوة الذكية”، يمكن للصين التركيز على بناء الآليات، وتعزيز التنسيق الصناعي، وتطوير الكفاءات، لتعميق التعاون مع دول الجنوب العالمي في مجال تنمية الذكاء الاصطناعي.
أولاً، تعزيز التعاون متعددة الأطراف والتبادل وبناء آلية تبادل المعرفة:
1- تقديم منتجات عامة دولية في مجال الذكاء الاصطناعي بشكل استباقي، والدعوة إلى تمكين دول الجنوب العالمي من الاستفادة المتساوية من مسيرة تطور الذكاء الاصطناعي.
2- احترام تنوع الحضارات العالمية بشكل كامل، وتوسيع شبكات الحوار حول أخلاقيات التكنولوجيا والتنوع الثقافي.
3- إنشاء منصات لمشاركة حقوق الملكية الفكرية والمعرفة التقنية في مجال الذكاء الاصطناعي، والدعوة إلى بناء بيئة تقنية عالمية شاملة ومنفتحة، لتضمن تدفقاً مسؤولاً للتكنولوجيا واستخداماً عادلاً للبيانات والموارد.
ثانياً، توسيع شبكة خلق القيمة المشتركة لتنمية التنسيق الصناعي في المجالات الرئيسية:
1- التعاون في إنشاء عدد كبير من مراكز العلوم التكنولوجيا وحدائق ريادة الأعمال، لتسريع التحول الرقمي والذكي للشركات. ودفع الشراكة بين الصين والشركات المحلية الرائدة في التكنولوجيا بدول الجنوب العالمي لإنشاء حدائق حاضنة لصناعة الذكاء الاصطناعي، وتقديم للشركات المستقرة خدمات مثل الاستشارات القانونية والدعم الفني وربط رؤوس الأموال، مما يخلق فرص عمل جديدة ويعزز التنمية الفعالة للاقتصاد الذكي المحلي، وتشجيع جميع أنواع الشركات على تعزيز قدراتها التقنية وتسريع انتشار تقنيات الذكاء الاصطناعي.
2- تعميق التعاون الدولي في سلسلة الإنتاج والتوريد للذكاء الاصطناعي، مع الأخذ بعين الاعتبار الاحتياجات المحلية لدول الجنوب العالمي، لتعزيز نموذج “الذكاء الاصطناعي+” لتمكين آلاف القطاعات الصناعية، وإطلاق العوائد الناتجة عن الذكاء الاصطناعي كقوى إنتاجية نوعية جديدة. وعلى سبيل المثال، من خلال تقديم حلول تقنية متكاملة تشمل البرمجيات والأجهزة، ودعم دول مصدرة للطاقة مثل السعودية ومصر لتطوير نموذج صناعي “الذكاء الاصطناعي+ الطاقة”، وفتح مسارات تنموية جديدة لدمج الصناعات التقنية الفائقة مع صناعة الطاقة، وتحقيق إدارة واستخدام فعال للطاقة، وتسريع عملية تحويل صناعة الطاقة المحلية نحو الذكاء والكفاءة والاستدامة.
ثالثاً، بناء نظام متكامل لتدريب كفاءات الذكاء الاصطناعي يدمج القطاعات الحكومية والأكاديمية والصناعية والبحثية.
1-إنشاء منصات تعليمية عابرة الحدود لتعزيز المهارات الرقمية لكفاءات دول الجنوب العالمي.
2- توسيع شبكات حاضنات التكنولوجيا المندمجة مع بين التعليم والصناعة، وإنشاء قواعد تدريب مشتركة للذكاء الاصطناعي.
3- تحسين آليات التبادل الثنائي للكفاءات في مجال الذكاء الاصطناعي، وتسهيل قنوات حركة الكفاءات.
وفي موجة التطور السريع للذكاء الاصطناعي، ولا يشكل التعاون بين الصين ودول الجنوب العالمي استجابة للاتجاه التاريخي للتحولات التقنية فحسب، بل يعكس أيضاً المطالب العميقة للدول النامية في تحقيق التنمية الذاتية، وأمن التكنولوجيا، والحوكمة العادلة.
ومن تطورات هيكل القوى العالمية إلى تحول أنماط انتشار التكنولوجيا، أصبح التعاون في مجال الذكاء الاصطناعي ركيزة مهمة لبناء علاقات دولية جديدة وإحياء شراكات التنمية العالمية.
واكتسبت الصين خبرة غنية في البحوث الأساسية وتطبيقات الهندسة والبيئة الصناعية في مجال الذكاء الاصطناعي، ولديها مزايا الموارد وأساس القدرة على تعزيز التعاون الدولي.
وبينما تمتلك دول الجنوب العالمي تصورات تطبيق واسعة، واحتياجات تنموية قوية، وإمكانات رقمية متصاعدة بسرعة، فمن المتوقع أن يُحفز هذا الترابط زخمًا جديدًا للتعاون بين بلدان الجنوب ذي المنفعة المتبادلة والمربح للجميع.
وبالنظر إلى المستقبل، ينبغي للمجتمع الدولي، مستندا إلى نموذج التعاون بين الصين ودول الجنوب العالمي الأخرى، أن يبني بمنظور أكثر نفتاحا وإحتوائية آليات تعاون متعددة المستويات ومستدامة في مجال الذكاء الاصطناعي، وذلك لدفع الارتقاء من تعاون المشروعات إلى التنسيق الاستراتيجي، ومن التمكين التكنولوجي إلى البناء المشترك للقدرات.
ويجب بذل الجهود معا لتعزيز التعاون الدولي في بناء قدرات الذكاء الاصطناعي، ومنح أجنحة الحكمة لدفع التنمية المتآزرة بين الدول، والإسهام بنشاط في بناء مجتمع ذي مستقبل مشترك للبشرية.
_______________________
شيوي جيان: أستاذ كرسي بجامعة شاندونغ، وعميد سابق للأكاديمية الدبلوماسية الصينية