أهم ما جاء في تقييم التهديد السنوي الأمريكي لعام 2024
قسم البحوث والدراسات الأمنية والعسكرية
تونس 13-03-2024
أصدر مكتب مدير الاستخبارات الأمريكي منذ أيام، تقييم التهديد السنوي لعام 2024 الصادر عن مجتمع الاستخبارات الأمريكي “أي الإطار الذي يضم جميع الوكالات الاستخباراتية الامريكية”.
وقد ذكر هذا التقييم في مقدمته بأن الولايات المتحدة الأمريكية “تواجه نظاما عالميًا هشًا بشكل متزايد ومتوترًا بسبب المنافسة الاستراتيجية المتسارعة بين القوى الكبرى، وتحديات عابرة للحدود أكثر شدة ولا يمكن التنبؤ بها، وصراعات إقليمية متعددة ذات آثار بعيدة المدى”.
لافتاً إلى أن “الصين الطموحة ولكن القلقة، وروسيا التي تميل إلى المواجهة، وبعض القوى الإقليمية، مثل إيران، والجهات الفاعلة غير الحكومية الأكثر قدرة، تتحدى القواعد القديمة للنظام الدولي، فضلاً عن أولوية الولايات المتحدة داخله”.
وعليه، فإن إدراك واعتراف مجتمع الاستخبارات الأمريكية بهذه التحديات الاستراتيجية العالمية التي تواجهها بلاده، يعني بأن الإدارة الأمريكية ستُقارب كل القضايا الدولية التي تُثار في العام المقبل وربما الأعوام المقبلة، بطرقٍ غير متوقعة وتصعيدية إلى أقصى الدرجات تفاجئ الكثيرين، لأنها تعتبر بأن “مكانتها الدولية” في الخطر من جهات متعددة.
فما هي أبرز النقاط التي وردت في التقييم، خاصةً تلك المتعلقة بمحور المقاومة؟
1- اعتبار “أزمة غزة ــ التي أثارتها جماعة إرهابية غير حكومية ذات قدرة عالية في حماس، والتي تغذيها جزئياً طموحات إيران الإقليمية، والتي تفاقمت بسبب السرديات التي شجعتها الصين وروسيا لتقويض الولايات المتحدة على المسرح العالمي” المثال على كيف يمكن لأزمة إقليمية أن يكون لها آثار جانبية واسعة النطاق وكيف يمكنها “تعقيد التعاون الدولي في قضايا ملحة أخرى”.
2- العالم الذي سيخرج من هذه الفترة المضطربة “ما بعد العدوان الأمريكي الإسرائيلي على غزة والذي سماه التقييم بأزمة غزة” سوف يتشكل على يد من يقدم الحجج الأكثر إقناعا حول الكيفية التي ينبغي بها حكم العالم، وكيف ينبغي تنظيم المجتمعات، وما هي الأنظمة الأكثر فعالية في دفع النمو الاقتصادي وتوفير الفوائد لعدد أكبر من الناس، ومن قبل القوى -سواء الحكومية أو غير الحكومية- الأكثر قدرة واستعدادا للعمل على إيجاد حلول للقضايا العابرة للحدود الوطنية والأزمات الإقليمية.
3- وهذا ما يؤكّد بأنه لا يجب اعتبار عملية طوفان الأقصى التي قامت بها المقاومة الفلسطينية في الـ 7 من أكتوبر 2023، هي السبب فيما يحصل من عدوان على غزة، بل يجب اعتبارها الذريعة التي اتخذتها إدارة بايدن لتبرر العدوان الذي تقوده سراً، والذي تطمح من خلاله إلى أن يكون وسيلة تردع خصومها الإقليميين والدوليين من مواجهتها بشكل مباشر. وعليه فإن هناك احتمال كبير بأن لا ينتهي هذا العدوان وتداعياته خلال الأسابيع والأشهر القادمة، بل ربما يتوسع أكثر فأكثر. وإذا ما انتهى هذا العدوان بأي صفقة لصالح المقاومة الفلسطينية، فإنها تكون بذلك قد انتصرت على الإدارة الأمريكية وليس على الكيان المؤقت فقط، وهو ما سيسجل انتصاراً لمحور المقاومة أيضاً بطبيعة الحال.
4- ستستمر إيران في تهديد مصالح الولايات المتحدة وحلفائها ونفوذها في الشرق الأوسط، وتعتزم ترسيخ مكانتها الناشئة كقوة إقليمية مع تقليل التهديدات التي يتعرض لها النظام وخطر الصراع العسكري المباشر. وستحاول طهران الاستفادة من النجاحات العسكرية الأخيرة من خلال شبكة التهديدات الجريئة، والمكاسب الدبلوماسية، وبرنامجها النووي الموسع، ومبيعاتها العسكرية لتعزيز طموحاتها، بما في ذلك من خلال محاولة تعزيز العلاقات مع موسكو. وسوف تسعى إيران إلى استخدام الصراع في غزة للتنديد بإسرائيل، وشجب دورها في المنطقة، ومحاولة إثناء دول الشرق الأوسط الأخرى عن تحسين العلاقات مع إسرائيل، في حين تشيد بالدور الذي تلعبه إيران باعتبارها نصيرة القضية الفلسطينية”. وهذا ما يؤكد على نجاح الجمهورية الإسلامية في إيران ومعها محور المقاومة وفي مقدمتهم المقاومة الفلسطينية حتى الآن، في إضعاف النفوذ الأمريكي بالمنطقة، وإفشال مشاريع التطبيع مع إسرائيل، وإعادة إحياء القضية الفلسطينية من جديد وعلى الصعيد العالمي.
5- ستظل إيران تشكل تهديدًا لإسرائيل وحلفاء الولايات المتحدة ومصالحها في المنطقة بعد فترة طويلة من الصراع في غزة، وربما ستواصل تسليح ومساعدة حلفائها لتهديد الولايات المتحدة بالإضافة إلى دعم حماس وآخرين يسعون إلى عرقلة تسوية سلمية بين الطرفين: إسرائيل والفلسطينيين. وفي حين ستظل إيران حريصة على تجنب الصراع المباشر مع إسرائيل أو الولايات المتحدة، فإنها مع ذلك مكنت عشرات من هجمات الميليشيات الصاروخية والصاروخية والطائرات بدون طيار ضد القوات الأمريكية في العراق وسوريا؛ تبادل إطلاق النار بين حزب الله وإسرائيل على الحدود الشمالية مع لبنان؛ وهجمات الحوثيين بالصواريخ والطائرات بدون طيار، سواء على إسرائيل مباشرة أو على السفن التجارية الدولية التي تعبر البحر الأحمر”. وهذا يبيّن بأن مجتمع الاستخبارات الأمريكي – IC، مدرك إلى أن محور المقاومة وفي مقدمته إيران، قد فعّل مفهوم “وحدة الساحات” من خلال جبهات المساندة لمقاومة غزة، بما يتناسب مع العقيدة العسكرية للحرب غير المتماثلة.
6- لا تقوم إيران حالياً بتنفيذ أنشطة تطوير الأسلحة النووية الأساسية اللازمة لإنتاج جهاز نووي قابل للاختبار. ومع ذلك، منذ عام 2020، صرحت طهران بأنها لم تعد مقيدة بأي قيود في خطة العمل الشاملة المشتركة، وقامت إيران بتوسيع برنامجها النووي بشكل كبير، وقلصت مراقبة الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وقامت بأنشطة تجعلها في وضع أفضل لإنتاج جهاز نووي، إذا اختارت القيام بذلك”. وهذا اعتراف أمريكي بأن إيران ملتزمة بفتوى قائد الثورة الإسلامية الإمام السيد علي الخامنئي بعدم صنع سلاح نووي، بالرغم من أنها تمتلك القدرات لتحصيل ذلك فيما لو أرادت (أي الجمهورية الإسلامية).
7- تستخدم إيران برنامجها النووي لبناء نفوذها التفاوضي والاستجابة للضغوط الدولية المتصورة. وقالت طهران إنها ستعيد حدود خطة العمل الشاملة المشتركة إذا أوفت الولايات المتحدة بالتزاماتها في خطة العمل الشاملة المشتركة وأغلقت الوكالة الدولية للطاقة الذرية تحقيقاتها المعلقة في مجال الضمانات”. وهذا يؤكد بأن إيران جادة في الوصول الى اتفاق نووي جديد، وبكشف اعتراف أجهزة الاستخبارات الأمريكية بأن العقبة هي في “إيفاء الولايات المتحدة بالتزاماتها”.
8- من المحتمل أن تفكر إيران في تركيب أجهزة طرد مركزي أكثر تقدماً، أو زيادة مخزونها من اليورانيوم المخصب، أو تخصيب اليورانيوم بنسبة تصل إلى 90 بالمائة رداً على عقوبات إضافية أو هجمات أو انتقادات ضد برنامجها النووي”. وهنا يتبيّن بأن أمريكا تعلم بأن إيران تمتلك بمفردها من أوراق القوة التفاوضية والردعية في البرنامج النووي، ما لا حاجة له به الى مساندة من باقي قوى ودول محور المقاومة، بعكس ما تدأب وسائل الإعلام التابعة لأمريكا الترويج له دائماً.
9- تمتلك برامج الصواريخ الباليستية الإيرانية أكبر مخزون في المنطقة، وتؤكد طهران على تحسين دقة صواريخها وقدرتها على القتل وموثوقيتها. وفي الوقت نفسه، فإن عمل إيران على مركبات الإطلاق الفضائية – بما في ذلك سيمورغ – من شأنه أن يقصر الجدول الزمني لإنتاج صاروخ باليستي عابر للقارات، إذا قررت تطوير واحد، لأن الأنظمة تستخدم تقنيات مماثلة”. وهذا ما يثبت بأن الجمهورية الإسلامية قد وصلت الى مراحل متقدمة في صناعة الصواريخ، ما يجعلها تستطيع صنع صواريخ باليستية عابرة للقارات ICBM عندما تريد ذلك.