بحوث ودراسات

مستقبل الدور المصري في تشكيل النظام الإقليمي

د. حسن أبوطالب :مستشار بمركز الاهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية

حين يشتد التكالب على منطقة ما يصبح الحل فى الخلاص الجماعى وليس الخلاص الفردى، فتلك اولى مبادئ المواجهة ، ان تواجه بقوة وعزم وبأكبر الامكانيات والموارد أكبر مساندة ممكن الحصول عليها، هذا لا يأتى إلا من خلال صيغ تكاملية واضحة فى اهدافها وفى آلياتها وفى هياكلها، والاهم فى التزامات اعضائها وفى حشد مواردها الذاتية. بدون ذلك يصبح التكامل الاقليمى مجرد دعاية او رطانة لغوية بلا معنى.

حرصت على البدء بهذه الرؤية وفى اقل عدد ممكن من الكلمات، لاننى اعتقد ان الدول العربية فى شمال افريقيا مقصرة فى حق انفسها، فمن جانب هذه المنطقة تتميز بخصائص اجتماعية وسياسية وامنية واقتصادية ومجتمعية تجعلها مؤهلها للتكامل الاقليمى ولكنها لا تهتم كثيرا بتطوير آليات تكاملها الذاتى.

 ومن جانب آخر هذه المنطقة شأنها شأن المنطقة العربية ككل توجه تحديات تكاد تكون واحدة، وجوهرها تحدى وجود الدولة الوطنية ذاتها من أجل مشروعات التقسيم والتفكيك ودوامة الطائفية والمذهبية والتطرف الفكرى والارهاب والعنف، والإجهاز على الطموحات المشروعة لشعوب ومجتمعات تلك المنطقة فى التنمية والكرامة الانسانية، ومن ثم اخضاعها جميعا تحت مظلة دوائر وقوى خارجية يهمها ان تضمن مصالحها الذاتية على حساب مصالحنا نحن.

ومن جانب ثالث تكاد تكون تجارب التنمية الاقتصادية والانسانية فى العديد من بلدان الشمال العربى الافريقي مأزومة بشكل أو بأخر، فى الوقت ذاته يتأكد ان الخروج من هذه ازمات لا يتعلق بحسن الاداء فى الاطار المحلى وحسب، بل بالعمل التكاملى على النطاق الاقليمى المتشابه أيضا. وكمثل نعيشه جميعا، فإن مواجهة الارهاب وتنظيماته أيا كان الأسم الذى تحمله لم يعد شأنا محليا لهذه الدولة او تلك. إنه قضية تتطلب تحركا فى الداخل المحلي بنفس القدر الذى تستدعى فيه تحركا فى الخارج الاقليمي، وبدون تكامل هذين النطاقين من الحركة تتعثر المواجهة ويتأجل الحسم، وتظل التهديدات ماثلة تفرض نفسها على الجميع فى آن واحد. وقس على ذلك تحديات التنمية بكل أشكالها وتحديات الأمن بكل تفريعاته.

ومن جانب رابع، يبدو مهما الى اقصى درجة ان ندرك ان المصلحة الارحب هى الاولوية مقارنة بالمصلحة الاصغر، فالاولى تتعلق بالكل وهو ما لا يتحقق الا بتكامل اقليمى فعال، والثانية تتعلق بقضايا ذات حساسيات لهذا الطرف او ذلك ولكنها تعوق وتعطل العمل التكاملى الاقليمى. بعبارة اخرى ان المشكلات الجزئية التى حالت دون انطلاق التكامل الاقليمى بين عدة دول فى شمال افريقيا يجب تجميدها الى زمن آخر قادم لعل الاجيال التالية تستطيع ان تجد حلولا اكثر نفعا مما يطرح حاليا. والمؤكد ان المزيد من التفاعلات التكاملية فى باقى الأطر المصلحية سوف يساعد على تغيير المشاعر تجاه الأولويات. وما يثير الحساسية الشديدة الآن قد لا يكون كذلك بعد عشرين أو ثلاثين عاما من الأن. والمؤكد أيضا أن اتساع المصالح المشتركة من شأنه ان يحتوى الخلافات الجزئية.

ومن جانب خامس يحدث فى العالم تطور هائل ومهول فى الآن ذاته على صعيد التغيرات المجتمعية بفعل تطور تقنيات الأتصال وسهولة انشاء الشبكات العابرة للحدود والتى تجذب فئات من كل المجتمعات ناحية فكرة او رؤية ما، كثيرا ما تمثل تحديا للهوية ومنظومة القيم السائدة للمجتمع، وبما يدفع المجتمع الى حالة صراع ذاتى قد يؤدى به الى نوع من التفكك او الانقسام، وهى قضايا لا تستطيع الحكومات وحدها التعامل معها، وتتطلب منها اولا ان تعيد التفكير فى اساليب المواجهة التقليدية التى اعتادت عليها فى السابق، وأن تدرك ان الاتصالات الحديثة تتطور جوهريا فى كل لحظة تقريبا، فعالم الحاسب الألى يكاد يودع، إرهاصات عالم الموبايل المتكامل تزداد حضورا  فى حياة الافراد والمجتمعات وعالم الأعمال بكل قطاعاته ودون استثناء، كما نلاحظ ايضا بدء الحيوات الافتراضية والعوالم الافتراضية بكل ما فيها من اثارة وخيال وموضوعات فكرية وسياية ستفرض نفسها ولا نعلم عنها شيئا اللهم الا انه ستؤثر وتعيد صياغة علاقات الحكومات بمجتمعها المدنى وعلاقات الافراد بالمؤسسات وعلاقات الأفراد بالأفراد سواء فى داخل المجتمع الواحد أو عبر المجتمعات.

اخيرا الحروب الان لم تعد مروبا بين دول بين في داخل الدول نفسها والحروب غير المتماثلة مير مثال. مما يتطلب تغيرا في فلسفة الادوار الامنية للشرطة والجيش.

ما سبق هو من صميم موضوع الدور المصرى جنبا الى جنب ادوار الدول الاخرى، فإن لم يتبلور إدراك مشترك رسميا وشعبيا بأننا فى حاجة الى بعضنا بعضا، وأن خلاصنا الجماعى هو العاصم لنا من الوقوع فى براثن السياسات الخارجية التى تستهدف كل منا على حدة. ولعل اول مهمة فى بناء الادراك المشترك هو ان نفهم كل منا الاخر، وأن يراعى كل منا الأخر، وأن يساعد كل منا الاخر بقدر استطاعته، وأن نبحث معا عن ما هو مشترك ونعظمه، وعن ما هو مثيرا للحساسية لطرف او اخر ونعلن انه مؤجل للاجيال المقبلة لتبحث له عن حل يرضى الجميع وإنما فى إطار تكاملى يكون قد خطا خطوات كبيرة وحقق مصالح مشتركة أرحب وأكثر اتساعا.

الشئ المهم فى بناء الادراك المشترك بحاجتنا الى بعضنا بعضا هو فى الشفافية الكاملة وبناء الثقة المتبادلة والبحث عن الحلول. ومن هذا المنطلق أشير الى ما يواجهنا في مصر اسئلة وتحديات عديدة سواء بالنسبة للنظام العربي ككل او نظام اقليمى فرعي لشمال افريقيا، والسؤال الرئيسي : هو كيف عليها ان تعيد بناء تحركها الخارجى وأن تلقى بثقلها ناحية عمقها العربى الافريقى.

 فلسنوات طويلة كان التركيز الأكبر فى الاهتمامات المصرية يتعلق بالمشرق العربى ومنطقة الخليج . كانت تتابع ايضا علاقاتها مع ليبيا والجزائر وتونس والمملكة المغربية وموريتانيا كعنصر مكمل تفرضه آليات الانتماء للجماعة العربية بالدرجة الاولى، وبتطورات القضية الفلسطينية التى تدركها مصر عن حق كقضية امن قومى خاص بها بنفس القدر الذى تمثله للفلسطينيين انفسهم ولباقى الدول العربية. وبينما كان التحرك المصرى فى المشرق العربى والخليج مستحوذا على المساحة الاكبر من الاهتمام والتفاعلات والتحالفات، كانت التحركات المصرية نحو شمال أفريقيا تتسم بالتقليدية، وفى بعض الاحيان بالمنافسة، فيما عدا ليبيا بحكم انها دولة جوار جغرافى وبحكم التداخل المجتمعى نظرا لتواجد جالية مصرية عريضة فى ليبيا يقابلها جالية ليبية كبيرة تعيش فى مصر ويرتبط شق مهم منه بعلاقات قرابية وعائلية وطيدة مع مصريين.

على مدى العامين الماضيين، يمكن القول أن مصر استعادت رويدا رويدا دورها العربى والاقليمى، صحيح أن التحركات المصرية تواجه صعوبات مزدوجة؛ الأولى صعوبات نابعة من التعقيدات الجسيمة التى وصلت اليها الازمات العربية بما فى ذلك حجم هائل من التدخلات السياسية والعسكرية والدعائية ليس فقط من قبل دول واجهزة استخبارات، بل من قبل أفراد وتنظيمات عابرة للحدود تحركها أولويات خاصة بها وبمشروعها الفكرى والايدلوجى لا علاقة لها بأولويات المجتمعات العربية ذاتها، سواء التى تعيش حالة استقرار نسبى، أو تلك التى تتورط فى حرب أهلية تبدو لا نهاية لها.

أما الصعوبات الثانية فهى خاصة بالحالة المصرية ذاتها، ونعنى الظروف والتغيرات والتحولات التى مرت بها مصر فى السنوات الخمسة الماضية وكان لها وما زال – وإن كان بدرجة أقل عن ذى قبل – دور كبير فى تحديد حجم الاهتمام المصرى للأزمات العربية، فضلا عن توجه هذا الحجم من الاهتمام.

لقد مرت مصر بحالة انكفاء نسبى فى الاعوام الثلاثة حتى يوليه 2013، ومع تبلور نظام حكم يستند الى إرادة شعبية جامحة ضد القوى الظلامية باسم الدين، ومتطلعة الى بناء نظام ديمقراطى يعكس الخبرات التاريخية المصرية وليس خبرات مفروضة من الخارج، ومع تأكد حماية الدولة المصرية ككيان متكامل بمؤسساته الرسمية والمدنية، واستعادة متدرجة لفعالية هذه المؤسسات وقدرتها على مقاومة الضغوط الخارجية وضغوط الجماعات الإرهابية وحلفائها فى الداخل وفى الخارج، ومن ثم بدأت مصر فى إعادة النظر فى طريقة تحركها الخارجى وفى تعاملها مع العديد من الازمات العربية وفى إعادة توصيفها انطلاقا من منزور حماية الدولة الوطنية فى مواجهة الضغوط الخارجية والداخلية على السواء.

وإجمالا تبلورت رؤية مصرية قوامها خمسة مبادئ رئيسية وهى:

  1. الاستقرار والتماسك فى داخل المجتمع يعد أولوية قصوى لمواجهة الضغوط، والتأكيد على الاستقرار الاقليمى شرط يكمل ويدعم الاستقرار فى الداخل الوطنى.
  2. ضرورة الحفاظ على الدولة الوطنية ومؤسساتها، لا سيما الجيش الوطنى والشرطة. والحفاظ على وحدتها الاقليمية وعدم السماح بتقسيمها، لان التقسيم لا يعد نهاية للأزمة بل بداية لازمات أخرى أكثر عنفا ودموية.
  3. رفض التدخلات الخارجية لاسيما التى اتخذت الانحياز لطرف تجاه أطراف أخرى لغرض تغيير النظام بالقوة.
  4. عدم السماح لأية جماعة عابرة للحدود تعلن شعارات دينية وتستخدم السلاح فى أن تحقق أهدافها فى إشاعة العنف واسقاط النظام فى بلد عربى.
  5. أن الحلول الوحيدة العقلانية هى الحلول السلمية، بحيث تسمح لجميع فئات الشعب بالمشاركة فى هذا الحل السلمى وحمايته.

ويمكن القول أن هذه المبادئ الخمسة التى وظفتها القيادة السياسية لفتح ثغرات فى الأزمات العربية ومن ثم استعادة دور مفقود يؤدى الى تسويات سياسية مستديمة، تنبع أساسا من تراث الدولة المصرية، أو هى انعكاس لهذا التراث، والذى يتضمن عناصر تاريخية حاكمة من قبيل؛ عدم التدخل فى الشئون الداخلية للغير، ورفض العنف كآلية للتغيير، والتمسك بالحلول السياسية السلمية دون إقصاء لطرف، والانفتاح المحسوب على العالم بأسره، وتجنب التورط فى الاستقطاب الدولى والإقليمى تحت أى مبرر.

هذا المزيج ما بين تراث الدولة المصرية والاستنتاجات والدروس التى حصّلتها مصر من خبرتها فى سنوات ما بعد انتفاضة الشعب فى يناير 2011، صار بمثابة الموجه الكلى أو السياق الكلى الذى تتحرك فيه السياسة المصرية تجاه القضايا والأزمات العربية، فهى من جانب لم تتورط فى أى صراع بشكل مباشر ولحساب أطراف معينة وضد أطراف أخرى، كما هو الحال مثلا مع سياسات دول عربية خليجية، أو إقليمية كإيران وتركيا، أو كبرى كما هو حال الولايات المتحدة وروسيا.

وهذا اللا تورط فى الصراع أصبح يمثل نافذة رئيسية لمصر يمكن أن تنفذ منها نحو المشاركة فى حل سياسى ينهى العنف، يشارك فيه الجميع بدون إقصاء، ويفتح باب الامل أمام الشعوب لكى تنتهى معاناتها وتبدأ أولى الخطوات نحو حالة هدوء يتبعها استقرار ثم نشوء وضع طبيعى يحفظ الحقوق والنفوس معا.

هذا النفاذ نحو ممارسة دور يؤدى الى حل سياسى، استدعى من مصر ان تنفتح على كافة أطراف الصراع سواء فى بلدان الازمات المختلفة. مع استمرار فى حشد الجهود وصولا الى تسويات سلمية دائمة وقابلة للصمود.

ومعروف انه طوال فترة حكم العقيد القذافى، والتى لم تخلو من لحظات شد وجذب، إلا أن ليبيا لم ينظر اليها كمصدر تهديد كما هو الحال بعد ثورة فبراير 2011، فهناك تهريب الاسلحة والافراد وتنظيمات الارهاب وفراغ السلطة وضعف المؤسسات وعدم السيطرة على الحدود وتعدد الميليشيات،  وهى سمات اللا دولة او ما يوصف احيانا بالدولة الفاشلة. وهنا أخذت مصر تحت وقع التطورات فى إعادة النظر فى طريقة التعامل مع الشأن الليبى؛ بداية باحتواء التهديدات لا سيما تهريب الاسلحة للمتطرفين والارهابيين، وتأمين الحدود واتخاذ مواقف مرنة فى بداية الأحداث للحفاظ على مصالح المصريين العاملين هناك، ثم التدخل المحسوب مع القوى الليبية الساعية الى إعادة ضبط الأوضاع والسيطرة على حالة الفوضى لاسيما فى شرق ليبيا الملاصق لحدود مصر الغربية، والمساعدة قدر الامكان فى بناء نواة جيش ليبى وطنى موحد يكون مؤسسة وطنية حامية لأمن ليبيا ومواطنيها ووحدتها، وقادرة على القضاء على التنظيمات الارهابية التى تهدد ليبيا كما تهدد مصر ايضا.        

وقد تحركت مصر أيضا فى المجال الاقليمى وتعاونت مع كل من الجزائر وإيطاليا من أجل بلورة رؤية مشتركة تنهى حالة السيولة والتدهور فى ليبيا وما يتفرع عنها من تهديدات للجميع، ومن خلال هذه الاجتماعات الدورية الثلاثية تمت مساندة جهود الأمم المتحدة من اجل تسوية الاوضاع وإقامة حكومة وفاق وطنى تنهى الصراع وتستعيد تدريجيا هيبة مؤسسات الدولة، ولهذا ساندت مصر اتفاق الصخيرات رغم وجود اعتراضات عليه من قبل بعض الاطراف الليبية باعتبار انه يعكس مبدأ الحلول السلمية التوافقية هى الأبقى، ثم تواصلت مع أطرف ليبية عديدة، بمن فيهم محسوبون على إخوان ليبيا والمتمركزين فى غرب البلاد وخاصة العاصمة طرابلس ومصراته، وانتهى الأمر الى تنظيم اجتماع بالقاهرة يومى 12 و13 ديسمبر 2016  شارك فيه شخصيات ليبية تمثل معظم الأطياف السياسية، حيث توافقت على عدة مبادئ منها: وحدة التراب الليبى وحرمة الدم وأن ليبيا واحدة لا تقبل التقسيم، ووحدة الجيش الليبى الى جانب شرطة وطنية لحماية الوطن وسيادة الامن، وضرورة الحفاظ على مؤسسات الدولة الليبية وسيادة القانون، وترسيخ مبدأالتوافق وقبول الآخر، ورفض وإدانة التخل الأجنبى، وإعلاء المصالحة الوطنية الشاملة،والمحافظة على مدنية الدولة والمسار الديمقراطى.

وفى ضوء هذه المبادئ أقر المجتمعون عدة مقترحات يرون أنها سوف تساعد على إصلاح بعض العيوب الواردة فى اتفاق الصخيرات وتؤدى إلى الاسراع بحل سياسى شامل، ومن هذه المقترحات: تعديل لجنة الحوار بشكل يراعى التوازن الوطنى،وإعادة النظر فى مهام القائد الاعلى للجيش، ومعالجة المادة الثامنة بما يحفظ استقلال الجيش وإبعاده عن التجاذبات السياسية، وإعادة هيكلة المجلس الرئاسى وآلية اتخاذ القرار فيه.

وبالنظر الى المبادئ التى اقرتها الشخصيات الليبية يبرز التوافق بينها وبين المبادئ التى تنطلق منها الحركة المصرية تجاه الأزمات العربية، كما يجسد الاجتماع فى القاهرة حرص مصر على الحلول السلمية، وأن تعديل اتفاق الصخيرات وعلاج ما فيه من ثغرات هو أفضل بكثير من أن يستمر الجمود والسيولة والتهديدات سواء لليبيين أنفسهم أو لأشقائهم المصريين، أو أن يبدأ العمل من الصفر.

وفى هذا السياق الكلى الذى تحركت فيه مصر، أصبح مفهوما أن يجد معارضة واستياء من بعض الأطراف العربية التى راهنت على التدخل العسكرى سواء بصورة مباشرة – مثال عاصفة الحزم – او غير مباشرة – مثال تسليح وتدريب وتمويل فصائل مسلحة من كل الجنسيات فى سوريا وليبيا – كحل لهذه الازمة أو تلك. وهو استياء مفهوم أسبابه التى يمكن تلخيصها فى ان الدور المصرى والمواقف المصرية رغم انها فى بداية تأثيرها، إلا أنها كشفت حدود وحجم التحركات التى قامت بها أطراف اخرى عربية واقليمية، وكيف أن مصر تسعى الى حماية الشعوب العربية وتحارب الإرهاب وجماعاته أى كان الاسم الذى تحمله، وتحافظ على الكيانات الوطنية العربية، بينما أطراف عربية أخرى تستخدم الارهاب وتموله وتسلحه من اجل التدخل فى الشئون الداخلية للغير بهدف السيطرة عليهم او اقصائهم من المشهد.

هذه الخبرة المصرية التى نعيشها فى هذه اللحظات تعنى ان الدور المصرى القائم على مبادئ واضحة تتسم بالشفافية وإعلاء المصالح العربية العليا المتمثلة فى الحفاظ على الدولة الوطنية يمكن ان تمثل اساسا لبناء نظام اقليمى فاعل فى شمال افريقيا. ويمكن البدء بمن يرغب فى تشكيل هذا النظام التكاملى وليكن باسم منظمة دول شمال افريقيا العربية للتنمية والأمن، او اى اسم اخر بحيث يشكل وعاء فوق وطنى لتعزيز المصالح المشتركة ولبناء تكامل حقيقى يسهم فى القضاء على الارهاب والتخلف وعوامل الضعف الذاتية واحتواء الحساسيات القائمة بشأن قضايا خلافية لا يجب ان تعوق ما اكبر منها، اى المصالح المشتركة.

نحن في مصر وكذلك في دول شمال افريقيا العربية بحاجة الي ان نعيد النظر في طريقة ادارة علاقاتنا الاقليمية.. في تصورى ان هناك مهمتين رئيسيتين يجب ان تتضافر عليها الجهود الاقليمية لشمال إفريقيا: مساعدة قوية للشعب الليبي في جهوده لاعادة بناء دولته كدولة فاعلة لكل ابنائها دون اقصاء لاحد. المهمة الثانية هي مقاربة اقليمية لمواجهة الارهاب وتنظيماته مقاربة شاملة امنية سياسية تنموية وفكرية ودينية.

المهمة الثالثة تتعلق بالاستفادة من قدرات المجتمع المدني في بلداننا في بلورة رأى عام يؤمن بقيمة التكامل الاقليمي… هنا يمكن ان نستفيد من تكنولوجيا الاتصال في بناء الشبكات المجتمعية المؤمنة بالتكامل.. هنا يلعب الإعلام غير التقليدي الدور الاهم.

مصر عليها مهمة مقدسة ان تقدم نموذجا في الحكم الرشيد.. يطور نموذج ديمقراطي فعال.. يؤمن بالحرية والتعدد والايمان بقدرات الشعب وبالشفافية.. وان تقدم ما تستطيعه من دعم ومساندة لاشقائها العرب.

الوسوم
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة


زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق