آسياأخبار العالمإفريقيابحوث ودراسات

هل تنجح تونس في سياستها الانفتاحية مع الشريك الصيني والخروج من العباءة الغربية الكلاسكية؟

حوّلت الصين منطقة شمال إفريقيا إلى فرصة استراتيجية مهمة قائمة على مبدأ الشراكة -رابح رابح، مستفيدة من تراجع النفوذ الأمريكي وتناقض سياساته، لتقدم نفسها كشريك براغماتي من دون التدخل في الشأن الخاص للدولة ومن دون املاءات مع تمشي عادل في يركز على الاقتصاد والاستقرار، فكيف استفادت الصين من هذه “الفرصة التاريخية”؟

اولا- تنافس جيوسياسي وإقتصادي

تمكنت بكين من بناء نفوذ متدرج أعاد تشكيل موازين القوى في الشرق الأوسط، ويظهر التمدد الذي حققها الصين في الشرق الأوسط أن المنطقة لا تزال جبهة حاسمة في عصر التنافس الأمريكي الصيني.

وتشير استراتيجية الأمن القومي الأمريكية لعام 2025 إلى أكبر تحول في سياسة الولايات المتحدة تجاه الشرق الأوسط منذ حرب العراق. ويهدف الإطار الجديد إلى إعادة توزيع الموارد باتجاه التنافس بين القوى الكبرى، مع التركيز على خفض التكاليف وتقاسم الأعباء مع الشركاء الإقليميين. وتبقى المصالح الأساسية ثابتة متمثلة في أمن الطاقة وحرية الملاحة .

كما إعتمدت الصين في مواجهة النفوذ الأمريكي على “مبادرة الحزام والطريق “من البحر المتوسط إلى بحر العرب. على سبيل المثال قامت شركة “هواوي” ببناء شبكات الجيل الخامس وبيع أنظمة مراقبة، ما خلق تبعيات تمتد إلى البنية الرقمية للدول الإقليمية الإفريقية منها .

تجاوز حجم التجارة الثنائية بين الصين والشرق الأوسط 500 مليار دولار سنويا، متفوقا على التجارة الأمريكية مع المنطقة، ومع ذلك، لم تتحمل بكين أيا من الأعباء الأمنية التي قد توحي بها هذه الهيمنة الاقتصادية فالصين ليست لها خيارات عسكرية ولا استعمارية حتى تثبّت تموقعها. فقد استفادت من النظام الذي لا تزال القوة الأمريكية تضمنه، بينما راكمت نفوذا لاستخدامه في المستقبل، وهو ما يقوض الاستراتيجية الأمريكية بشكل مباشر.

أتاح التقارب المتزايد بين بكين ودول القارة أن تقدم الصين نفسها وسيطا قادرا على تخفيف النزاعات الإقتصادية والسياسية بدل ردعها، نموذج الصين القائم على الانخراط الاقتصادي المقترن بوساطة دبلوماسية من دون التزامات أمنية سيصبح أكثر جاذبية للفاعلين الإقليميين الباحثين عن إمكانيات وفرص إسنثمار في مجالات عديدة كالبنية التحتية والمبادلات التجارية والصناعات الإلكترونية وغيرها .

ويفهم من هذا التقدم الذي أحرزته الصين رغبة واشنطن من جديد واستعدادها للاستثمار مع الشركاء التقليدين بدلا من المشاريع العملاقة بما يمكنها من الفوز على النظير الصيني، لذلك ستكون تونس من بين إحدى الدول التي ستعيش الحرب الإقتصادية الباردة وربما أحد مسارحه الحاسمة.

ثانيا -حسم التنافس الإقليمي بعيد المدى بناء على الموقف المتوازن والرشيد

في خضم هذا التنافس، أصبحت العلاقة مع الصين إحدى المحددات الأساسية في سياسات الإدارة الأمريكية الجديدة. فلن تتوانى الولايات المتحدة عن ممارسة الضغوط على حلفائها الأوروبيين لتبني مواقف أكثر تشددًا ضد أي تقارب مع الصين، خصوصًا في منطقة البحر الأبيض المتوسط.

 وهذا يضع تونس، لكونها جزء من هذه المنطقة، أمام تحديات تتراوح بين الفرص الاقتصادية التي تقدمها الصين وبين الضغوط الغربية التي قد تعرقل تطلعاتها.

أما بالنسبة لتونس، فإن هذا الواقع الدولي يفرض عليها خيارات استراتيجية دقيقة ةحاسمة. اذ توجد جهة، فرص اقتصادية هامة من خلال تعزيز التعاون مع الصين في مجالات التكنولوجيا والطاقة المتجددة، إلا أن ذلك قد يعرضها لمواجهة غير مباشرة مع التحالف الغربي حيث ان الاتحاد الأوروبي شريكها الاقتصادي الأبرز والذي هو بالأساس لديه أذرع متغلغلة وسط الإدارة التونسية مع منظومة بيرقراطية هجينة مستوحاة من الادارة الفرسنية القديمة.

فالاتحاد الأوروبي هو سوقها الرئيسية والاقرب في مجالات التصدير والاستثمار والسياحة، وهو ما يجعل تونس أمام معادلة معقدة بين الاستفادة من الفرص الصينية وتجنب الدخول في الاصطفافات السياسية.

وفي هذه الظرفية التاريخية الحساسة لا يمكن لتونس أن تتخذ مواقف حادة وصدامية ضد الشركاء التقليديين أوروبا أو أمريكا، وذلك بإعتماد خيار الموقع الوسط أو نقطة محورية في التجارة الإقليمية بين الشق الغربي أو الشرقي. كما يمكنها أن تعزز وجودها الاقتصادي عبر التعاون مع الصين في مجالات تكنولوجيا المعلومات والطاقة المتجددة، مما يعزز من قدرتها على المناورات الاقتصادية وخاصة محاولة خروجها من العباءة الغربية المهيمنة.

تونس في هذا السياق، قادرة على التعلم من تجارب دول مثل تركيا والهند، دول نجحت في بناء علاقات اقتصادية قوية مع مختلف القوى الكبرى دون أن تلتزم بشكل كامل بأي محور دولي، بل حافظت على استقلالية قرارها الاقتصادي والسياسي وهذا ما يدعوا اليه المركز الدولي للدراسات الاستراتجية الامنية والعسكرية بتونس من اجل الانفتاح على شركاء جدد بما يخدم مصلحة تونس وليس العكس وطبعا بالتأكيد على السيادة الوطنية.

التحدي الأساسي لتونس اليوم يتمثل في تحقيق التوازن بين استقلالية قرارها الوطني وبين الاستفادة من الفرص الاقتصادية التي توفرها الشراكات الدولية.

فاستراتيجية التنوع في الشراكات، مع تعزيز التعاون في إفريقيا والبحر الأبيض المتوسط، قد تكون الحل الأمثل لتعزيز مكانة تونس الاقتصادية والسياسية على الساحة الدولية

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق