أخبار العالمالشرق الأوسطبحوث ودراسات

إسرائيل – سوريا: الضّمانات الأمنيّة أهمّ من السّلام

منذ سنوات طويلة، كانت العلاقة بين سوريا وإسرائيل محكومة بالعداء والتوتّر المستمرّ. لكنّ سقوط نظام بشّار الأسد في شهر ديسمبر 2024 قلَب المعادلات جذريّاً.

لم تعد سوريا في نظر تل أبيب “دولة مواجهة” قويّة، بل أرض غير مستقرّة تخشى إسرائيل أن تتحوّل إلى قاعدة لعناصر متطرّفة على حدود الجولان المحتلّ.

لهذا لم تعُد إسرائيل تسعى إلى سلام تاريخيّ شامل أو مفاوضات كبرى. ما تريده اليوم هو حدود آمنة ومضمونة وجار جديد لا يشكّل تهديداً، مع التركيز على الضمانات الأمنيّة الصارمة.

رأت إسرائيل مع سقوط الأسد فرصةً لإنهاء النفوذ الإيرانيّ في سوريا، الذي كان يربط طهران بـ”الحزب”. بالفعل، انخفض هذا النفوذ بشكل كبير بعد فرار الأسد وهروب العديد من الميليشيات الموالية لإيران. لكنّ إسرائيل لم تتوقّف، بل شنّت أكثر من 600 غارة جويّة وصاروخيّة ومدفعيّة على أهداف في سوريا خلال العام الماضي، بهدف القضاء على أيّ بقايا تهديد.

الشّروط الإسرائيليّة

غيّرت تل أبيب استراتيجيتها: ليس المهمّ مَن يحكم دمشق فقط، بل ضمان عدم تحوُّل سوريا الجديدة إلى مصدر تهديد. والشروط الإسرائيليّة واضحة اليوم:

  • إقامة منطقة عازلة في جنوب سوريا، وتوسيعها على الرغم من تحذيرات أميركيّة من أنّ ذلك قد يقوّض الحكومة الجديدة في دمشق.
  • منع نقل أسلحة متقدّمة إلى لبنان عبر الأراضي السوريّة.
  • منع قيام جيش سوريّ قويّ يهدّد الحدود.
  • هدوء دائم تحت مراقبة دوليّة، مع إصرار على دور أميركيّ ضامن.
  • نزع الأسلحة بشكل كامل من محافظات القنيطرة ودرعا والسويداء في جنوب سوريا.

باختصار، إسرائيل لا تبحث عن صداقة دمشق، بل عن ضمانات أمنيّة ملزمة، وسط مخاوف من عناصر جهاديّة في الحكومة الجديدة التي يقودها الجولاني.

يعبّر المسؤولون الإسرائيليّون صراحة عن أنّ زمن “الأرض مقابل السلام” انتهى تماماً. الجولان المحتلّ خارج النقاش في الوعي الإسرائيليّ، حتّى إنّه لا يُطرح في المفاوضات الحاليّة.

وإذا تمّ التوصّل إلى تسوية فستكون تقنيّة وبراغماتيّة:

  • ضمانات أمنيّة متقدّمة، بما في ذلك منطقة منزوعة السلاح جنوب دمشق.
  • تعاون اقتصاديّ محدود، مشروط بالاستقرار الأمنيّ.
  • تطبيع تدريجيّ إذا ثبت الالتزام بالاتّفاقات، لكن بدون احتفالات علنيّة أو توقيعات في البيت الأبيض.

تُجري سوريا حاليّاً مفاوضات مباشرة مع إسرائيل بوساطة أميركيّة تهدف إلى عقد اتّفاق على عدم الاعتداء وانسحاب إسرائيل من المناطق التي سيطرت عليها بعد سقوط الأسد. مع ذلك، يقول وزير الخارجيّة الإسرائيليّ جدعون ساعر إنّ الطرفين أبعد من ذي قبل عن عقد اتّفاق أمنيّ بعدما رفعت سوريا مطالبها.

مع تراجع النفوذ الإيرانيّ، تحوّل التركيز الإسرائيليّ إلى مخاطر الحكومة الجديدة في دمشق، التي كانت مرتبطة سابقاً بتنظيم القاعدة. لا ترى إسرائيل أنّ لدى دمشق الجديدة قراراً مستقلّاً تماماً، بل حكومة انتقاليّة قد تتأثّر بقوى خارجيّة مثل تركيا.

بعد سقوط النظام القديم، تحوّلت العلاقة مع إيران من “تحالف” إلى انهيار، مع استهداف إسرائيل لمصانع صواريخ وقواعد مسيّرات إيرانيّة سابقة. لكنّ المخاوف الجديدة تشمل مجموعات قد تفتح جبهة ثانية.

خطّ أحمر إسرائيليّ

لهذا تتلخّص عقيدة الأمن الإسرائيليّة في أنّ العلم السوريّ الجديد مقبول لكنّ أيّ نفوذ متطرّف خطّ أحمر.

يقول الإسرائيليّون للإدارة الأميركيّة إنّه لا ثقة كاملة بعد بالنظام السوريّ الجديد. لكنّ إسرائيل لا ترى فيه خطراً وجوديّاً فوريّاً أيضاً. النظام الجديد مرهق ويبحث عن اعتراف دوليّ وإعادة إعمار، ويريد الهدوء لاستعادة السيطرة. مع ذلك، يصرّ الإسرائيليّون على ضمانات أميركيّة لأيّ ترتيبات، بما في ذلك مراقبة دوليّة.

إلى ذلك يبرز دور الدروز الذين يطالب قادتهم في إسرائيل بضمانات أميركيّة لحماية إخوانهم في سوريا، ويؤكّدون أنّ الثقة تجب إعادة بنائها من جانب دمشق.

نظريّاً، قد تستفيد سوريا الجديدة كثيراً إذا نجحت في إعادة سيادتها الأمنيّة من خلال:

  • عودة أموال الإعمار والمساعدات الدوليّة.
  • استعادة الشرعيّة الإقليميّة والدوليّة.
  • استقرار ينعش الاقتصاد والحدود.

لكنّ إسرائيل تريد نتائج ومكاسب على الأرض قبل أيّ مكاسب سياسيّة لسوريا، مثل الانسحاب من المناطق المحتلّة حديثاً، بينما تطالب دمشق بانسحاب إسرائيليّ فوريّ يعقّد المفاوضات.

لهذا تبقى التسوية معلّقة، لكنّها محتملة ومليئة بالعقبات.

نموذج أمنيّ جديد

يؤثّر كلّ تطوّر في الجولان على جنوب لبنان. في الرؤية الإسرائيليّة، حدود سوريا ولبنان جزء من قوس واحد. أيّ نموذج أمنيّ جديد في سوريا قد يُطبّق لاحقاً على لبنان، خاصّة في تقييد نفوذ “الحزب”.

تُختصر الاستراتيجية الإسرائيليّة اليوم بثلاث كلمات: أمن… ثمّ أمن… ثمّ أمن. سلام بارد بلا أوهام، حدود بلا تهديدات، وجار جديد بلا عناصر متطرّفة. قد تُفتح طاولة مفاوضات ناجحة يوماً ما، لكنّها ستكون بدافع الحذر لا الثقة الكاملة، وبمنطق الضرورة لا المصالحة التامّة.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق