أخبار العالمالشرق الأوسطبحوث ودراسات

قوات الأمن الدولية في غزة ISF :هل يكون قرار فاقد للشرعية الدولية بمصادقة دولية … ؟

شهدت الساحة الفلسطينية، وخاصة قطاع غزة، واحدة من أعقد المراحل الأمنية والسياسية في تاريخها المعاصر عقب الحرب الأخيرة وما خلفته من دمار واسع وتفكك في البنية المؤسسية وقدرات الضبط الداخلي. ومع تصاعد المخاوف الإقليمية والدولية من احتمال انفلات أمني طويل الأمد، برزت مبادرات متعددة لطرح نموذج قوات أمن دولية (International Security Forces – ISF) كآلية لإدارة المرحلة الانتقالية في القطاع، وضمان بيئة مستقرة تسمح بإعادة الإعمار واستئناف المسار السياسي. ويكتسب هذا الطرح أهميته من كونه يمثل محاولة لخلق ترتيبات أمنية جديدة تتجاوز نماذج المراقبة التقليدية، ويقدم تصورًا هجينًا يجمع بين الإشراف الدولي، والدور الإقليمي، ومتطلبات بناء قدرات أمنية فلسطينية.

وجاء تصويت مجلس الأمن الدولي يوم 18 نوفمبر 2025 ليشكل نقطة تحول في مسار إدارة الصراع في غزة، بعد أن تبنى القرار المتعلق بإنشاء قوة دولية للأمن والاستقرار (ISF) بتأييد واسع وامتناع محسوب من بعض القوى الكبرى. وقد عكس القرار إدراكًا دوليًا متصاعدًا بأن المعالجة الأمنية التقليدية للصراع لم تعد كافية، وأن غياب آلية مراقبة مستقلة وذات تفويض واضح ساهم في تعقيد مشهد الحرب وإطالة أمدها. كما جسد التصويت توافقًا نسبيًا حول ضرورة الانتقال من مرحلة العمليات العسكرية إلى مرحلة ضبط الأمن وإعادة الإعمار ضمن إطار متعدد الأطراف، مع الإشارة إلى أن التنفيذ الفعلي للقرار يبقى مرهونًا بالتفاهمات السياسية بين الأطراف الإقليمية والدولية، ولا سيما في ظل تحفظات إسرائيلية مرتبطة بقضية الجنود المحتجزين، وتباينات في الرؤى بشأن نطاق ولاية القوة وصلاحياتها الميدانية.

جاء طرح نموذج قوات الأمن الدولية في غزة (ISF) بوصفه أحد أبرز التصورات المطروحة لإدارة المرحلة اللاحقة للحرب، في ظل تحولات سياسية وأمنية غير مسبوقة شهدها القطاع والمنطقة ككل. فقد أدت الحرب الأخيرة إلى تفكك شبه كامل في منظومة الأمن المحلي داخل غزة، وانهيار آليات الضبط التقليدية، إلى جانب بروز مخاوف إقليمية ودولية من دخول القطاع في حالة فراغ أمني قد تمتد تداعياتها إلى محيطه المباشر، بما يشمل مصر والأردن وإسرائيل. وقد تزامن ذلك مع تصاعد الضغوط الدولية لإيجاد ترتيبات مستقرة تضمن وقف إطلاق النار، وتأمين الحدود، وتهيئة بيئة صالحة لبدء عملية إعادة الإعمار.

من حيث الهيكل العسكري الأمني، فمن المتوقع اعتماد نموذج قيادة مركزية موحدة  لتجنب تشتت الصلاحيات، مع وجود قيادة إقليمية فرعية متمركزة على الحدود بين مصر وغزة، ووحدات انتشار ميداني داخل القطاع. وستتمتع القوة ببنية اتصالات متقدمة، ونظام استخباراتي يعتمد على دمج معلومات الأطراف الدولية والإقليمية، وفرق متخصصة في التعامل مع البيئة الحضرية المعقدة داخل غزة. ويشمل نظام القيادة والسيطرة آلية للتنسيق المباشر مع مصر والأردن والسلطة الفلسطينية، بما يضمن مرونة العمليات ووضوح خطوط المساءلة.

ولكن مما لا شك فيه أن هذا الخيار الدولي لبذي أتخذته أحادية الحكم العالمي دون قرار أممي شرعي تحت مضلة تصويت مجلس الأمن الدولي بشكل لا يراعي أبدا السيادة الفلسطينية حيث تتحول القوة إلى إدارة دولية طويلة الأمد. الفصائل المقاومة الفلسطينية وخاصة حماس والجهاد الإسلامي ترفض بشدة فكرة أي وجود أمني دولي يُنظر إليه على أنه امتداد لإشراف غربي إسرائيلي، وتعتبره تفويضًا خارجيًا يهدف إلى نزع القوة العسكرية للمقاومة. كما ترى الفصائل أن نشر ISF في ظل الظروف الحالية سيجري دون توافق فلسطيني، ما يجعله مرفوضا سياسيا وشعبيا. والمجتمع المحلي في غزة يُظهر مزيجا من القلق والبراغماتية. فهناك من يرى في القوة الدولية فرصة للخروج من حالة الفوضى، وتسهيل الإعمار، ووقف الانهيار الأمني، في حين يخشى آخرون من أن تتحول ISF إلى شكل جديد من الوصاية الأجنبية أو أداة لإطالة أمد الانقسام.

في هذا السيناريو، تعمل ISF على الأرض لكنها تواجه تحديات متعددة تؤدي إلى تراجع تدريجي في صلاحياتها وقدرتها على تحقيق أهدافها. يحدث ذلك نتيجة ضغوط إسرائيلية لتقييد مهام القوة في بعض المناطق أو الحد من تحركاتها، إلى جانب تحفظات فلسطينية داخلية، لا سيما من الفصائل التي قد ترى في وجود القوة تهديدًا لنفوذها السياسي والعسكري. كما يمكن أن يؤدي تباين الدعم الإقليمي إلى تقليل فعالية القوة، إذ قد تساهم دول في دعم مهام محدودة بينما تمتنع أخرى عن المشاركة الفاعلة. في هذه الحالة، تتحول ISF إلى قوة رمزية محدودة النفوذ، تنفذ مهام مراقبة جزئية فقط، بينما تبقى الملفات الأساسية خارج نطاق سيطرتها، ويظل الاستقرار هشًا ومرتبطًا بالقدرة على إدارة الضغوط المحلية والدولية

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق