أوروبا تُسرّع البحث عن استقلاليتها الاستراتيجية تحت ضغط “وثيقة ترامب” وتحوّل العقيدة الأميركية

قسم الأخبار الدولية 11/12/2025
دفعت «وثيقة استراتيجية الأمن القومي» التي نشرتها إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب أوروبا إلى مرحلة جديدة من القلق السياسي والأمني، بعدما دعت بوضوح الأوروبيين إلى تولّي مسؤولية الدفاع عن أنفسهم، في إشارة تُفهم داخلياً بأنها انسحاب تدريجي من المظلّة الأطلسية التقليدية. هذا التحول شكّل صدمة حقيقية داخل القارة التي اعتمدت، منذ الحرب العالمية الثانية، على الحماية الأميركية كركيزة لضمان أمنها.
ومنذ عام 2017، دعا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى بناء «استقلالية استراتيجية» للاتحاد الأوروبي، لكن معظم العواصم الأوروبية تحفظت، إمّا لغياب البديل عن القوة الأميركية، أو لضعف القدرات العسكرية الأوروبية رغم محاولات تحديثها. غير أن الوثيقة الأميركية الأخيرة غيّرت المشهد، إذ سارعت باريس وبرلين وبروكسل إلى تبنّي خطاب أكثر وضوحاً بشأن الحاجة إلى تعزيز القدرات الدفاعية الأوروبية وإعادة التسلّح بوتيرة أسرع.
وللمرة الأولى، يتقاطع الموقف الفرنسي مع رؤية ألمانية متشددة؛ إذ أكد المستشار فريدريتش ميرتس أن أوروبا «مضطرة» إلى تقليل اعتمادها على واشنطن. وفي المقابل، تفضّل قيادات أوروبية أخرى، مثل كايا كالاس، مقاربة «مزدوجة» تجمع بين الحفاظ على الحليف الأميركي والسعي إلى مزيد من القدرة الذاتية.
لكن خلف هذه المواقف يبرز خوف أوروبي عميق من سلوك الرئيس الأميركي. فتصريحات ترمب التي انتقد فيها «ضعف أوروبا» وأسلوبها الديمقراطي صدمت العواصم الأوروبية، إلا أن الردّ بقي محدوداً تجنباً لاستفزازه، ولا سيما بسبب حساسية الملف الأوكراني. وتخشى أوروبا أن يتجه ترمب إلى فرض تسوية مجحفة على كييف أو الانسحاب من دعمها كلياً، ما يفتح المجال لروسيا لإعادة اختبار الأمن الأوروبي عبر تهديد دول البلطيق أو شرق أوروبا.
وتكشف التطورات الأخيرة أن القارة العجوز استيقظت على واقع جديد: الولايات المتحدة لم تعد تنظر إلى الاتحاد الأوروبي بوصفه شريكاً استراتيجياً ثابتاً، بل وفق معيار براغماتي يقوم على «المنفعة المتبادلة» وشعار «أميركا أولاً». وهكذا تجد أوروبا نفسها أمام خيارين: إما التوجه فعلياً نحو بناء استقلاليتها الاستراتيجية، أو انتظار تبدل محتمل في القيادة الأميركية. وفي الحالتين، تبدو القارة أمام لحظة إعادة تعريف دورها في النظام الدولي ومستقبل علاقتها بواشنطن بعد عقود من الاتكال عليها.



