أخبار العالمأمريكاالشرق الأوسطبحوث ودراسات

أسئلة حول بيع واشنطن طائرات F35 للرياض

تعود النقاشات حول احتمال حصول السعودية على مقاتلات F-35 إلى واجهة الملفين الإقليمي والدولي مع زيارة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان إلى الولايات المتحدة، وتصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن “رغبته” في إتمام الصفقة.

 ورغم الأهمية التقنية والسياسية للطائرة التي تُعدّ رأس تكنولوجيا الجيل الخامس الأميركية، فإنّ المسار الفعلي للصفقة يبدو معقداً على مستويات عدّة، ما يدفع إلى التشكيك في إمكانية إتمامها، أو على الأقل في قابليتها للتحقق خلال السنوات القليلة القادمة.

في الواقع، ترتبط حالة الشك هذه بنمط سياسي واضح لدى الإدارة الأميركية الحالية. فقد شهد شهر أبريل عام 2017 المثال الأكثر دلالة التي يوضح المشهد، حين أعلن ترامب، خلال أول زيارة خارجية له كرئيس، عن صفقة أسلحة مع السعودية بقيمة 114 مليار دولار، شملت وفق التقارير طائرات وأنظمة دفاع وسفناً ودبابات.

غير أن التقديرات لاحقاً تحدثت عن نحو 15 مليار دولار فقط، “وحتى هذا المبلغ مشكوك فيه” وفق ما ذكرت الصحف الأميركية لاحقاً، ما عزّز الاعتقاد بأن الإدارات الأميركية المتعاقبة والحالية تحديداً، تتبع سياسة المراوغة أو استثمار هكذا صفقات رغم الفجوة بين الإعلان والتنفيذ الفعلي.

يتكرر المشهد نفسه في اتفاقيات التطبيع التي تعرف باتفاقيات “ابراهيم” حين رافقها إعلان عن صفقة تضم 50 مقاتلة F-35 للإمارات، والتي أثارت ضجة في كيان الاحتلال. ومع ذلك، لم تُبرم الصفقة “بسبب متطلبات فنية وقيود تشغيلية”، بحسب ما نُقل عن مسؤولين إماراتيين لاحقاً.

بل إن الاتحاد الأوروبي أعلن، رغم إعادة انتخاب ترامب، أن المفاوضات المرتبطة بالصفقة لن تُستأنف. على هذا القياس، يمكن النظر إلى تصريح ترامب الأخير بأن “السعوديين سيشترون عدداً كبيراً -48 طائرة تقريباً- من طائرات F-35″، بوصفه جزءاً من ميله الدائم إلى العراضة الإعلامية وإعلانات الصفقات الكبرى، أكثر من كونه مؤشراً على تحول عملي.

تأتي تصريحات ترامب في سياق تعهد سعودي باستثمار بقيمة تريليون دولار في الولايات المتحدة، أي ما يعادل تقريباً الناتج المحلي الإجمالي للمملكة لعام 2023 (1.07 تريليون دولار). وقد حذّر الاقتصاديون من أن “هذا المستوى من الاستثمار قد لا يتم الوفاء به في المدى القريب”، فيما اعتبر آخرون أن التعهدات الضخمة باتت “سمات منتظمة في المشهد الدولي، حتى عندما لا توجد آلية تنفيذية واضحة”.

وللمفارقة، أن القوانين الأميركية والتقاليد الأمنية تُضيف عقدة أساسية في هذا الإطار. فالبيت الأبيض أعلن أن ترامب “وافق على حزمة مبيعات دفاعية كبيرة، بما في ذلك تسليمات مستقبلية لطائرات F-35″، من دون تحديد عدد الطائرات أو جدول التسليم. داخل واشنطن نفسها، تُعدّ مسألة ضمان التفوق العسكري النوعي لكيان الاحتلال شرطاً قانونياً وسياسياً ثابتاُ، ما يجعل منح الرياض مقاتلات من الجيل نفسه إشكالية بحد ذاتها. وهذا ما يثير تحفظات يعبّر عنها الجيش في كيان الاحتلال، إذ يعتبر أن أي صفقة قد “تعرض تفوقه الجوي للخطر”.

يُشير المحللون الأميركيون أيضاً إلى أن تقديم هذا النوع من السلاح قبل أن تُقدِم الرياض على تطبيع علاقاتها مع كيان الاحتلال “سيكون مكافأة مبالغ فيها”. ومن ناحية أخرى، لا يمكن للولايات المتحدة تجاوز متطلبات الكونغرس، الذي يُعدّ، كما قال بول موسغريف من جامعة جورجتاون، “أكثر ميلاً نحو إسرائيل منه نحو السعودية”. وقد لخّص موسغريف الإشكالية بقوله: “أن تُعلن عن صفقات كبيرة هو شيء… ولكن أن تكون الطائرات تهبط وتُقلع من مدارج سعودية فعلاً شيء آخر تماماً. وبين هنا وهناك، هناك الكثير من التفاصيل”.

تتعمّق هذه التفاصيل عند الانتقال من السياسة إلى التكنولوجيا. فحتى لو رغبت واشنطن في تزويد السعودية بنسخة متقدمة من الطائرة، فإنّ التاريخ الطويل لتعديلات كيان الاحتلال على أسلحته الأميركية يضع سقفاً واضحاً. على سبيل المثال، عدّل الكيان صاروخ AIM-9M الأميركي وجعله فعالاً ضد الطائرات المسيّرة الحديثة، ولم يشارك نسخته مع واشنطن نفسها. وقد طبّق المنهج ذاته على مقاتلات F-35I، التي خضعت لتعديلات كبيرة لا يعرف الأميركيون تفاصيلها. وهذا يعني أن “حتى لو أراد ترامب تزويد السعوديين بطائرات F-35 تطابق في قدراتها F-35I الإسرائيلية، فربما لم يكن ذلك ممكناً”.

بالمقابل، يتصدر عامل الزمن لائحة العقبات، وهو عنصر فاعل في تقييم واقعية الصفقة. فالسعودية “لن تستلم أول طائرة F-35A قبل 7 إلى 10 سنوات” بحسب تقدير الصحفي والمتخصص بصراعات الشرق الأوسط في مجلة فوربس، بول إيدون، “حتى في حال إبرام الصفقة قريباً وغياب أي تعليق سياسي لاحق، كما حصل مع الإمارات وتركيا”.

وهذا الإطار الزمني الطويل لا يرتبط فقط بطبيعة البرنامج الصناعي، بل أيضاً بضرورة تحديد نوع النسخة من الطائرات، وما إذا كانت ستتضمن تخفيضات في القدرات أو قيوداً تشغيلية تُميزها عن النسخ المخصصة للجيش الأميركي أو للكيان.

خلف كل هذه التفاصيل تبرز قراءة أوسع لسلوك دول الخليج، مقارنة بالاندفاعة الاستعراضية لدى كيان الاحتلال، باستماتته للحفاظ على التفوق العسكري في المنطقة. فالسعودية والإمارات تُظهر، بحسب تحليل القناة 12 الاسرائيلية، “فهماً مختلفاً لواشنطن، وخاصة واشنطن ترامب، وتُدرك أن الطائرة المتقدمة لا تُشكّل ضمانة أمنية بحد ذاتها”. وفي إطار حسابات الرياض تحديداً، يتراجع العامل العسكري المباشر لصالح بنية تحالفات أوسع، تكون فيها المظلة الأميركية -أو حتى ممارسات الحماية غير المباشرة- أهم من امتلاك منصة تقنية بعينها.

لهذا، فإن إشكالية صفقة F-35 للسعودية ليست تقنية فقط، بل سياسية أيضاً. وإذا كانت هناك سابقة تاريخية، فهي تشير إلى أن الإعلان عن الصفقات في واشنطن لا يعني بالضرورة أن التنفيذ سيتحقق، وأن المسار من الفكرة إلى الطائرة التي “تهبط وتُقلع من مدارج سعودية” أطول بكثير مما يظهر في عناوين الأخبار.

 وفي ظل توازنات الكونغرس، واشتراطات قانون التفوق النوعي، وحسابات التطبيع، والضبابية التي تُحيط بعلاقات الرياض مع الصين، يبقى احتمال وصول هذه المقاتلات إلى المملكة خلال سنوات قريبة موضع شكٍ موضوعي، لا مجرد تقدير سياسي.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق