أخبار العالمإفريقيا

ضغوط أميركية متصاعدة على طرفي الصراع في السودان وسط تعثّر خطة إنهاء الحرب

دفعت التطورات السياسية والعسكرية في السودان الإدارة الأميركية إلى تكثيف جهودها الدبلوماسية، بعدما أكّد مسعد بولس، مستشار الرئيس الأميركي للشؤون الأفريقية والعربية، أن واشنطن قدّمت «خطة قوية وواضحة» لوقف الحرب الدائرة منذ أبريل 2023، لكنّ طرفي النزاع—الجيش السوداني و«قوات الدعم السريع»—لم يقدّما قبولاً رسمياً بها رغم الترحيب المبدئي.

وجاءت تصريحات بولس خلال مؤتمر صحافي في أبوظبي، حيث شدّد على أن الرئيس دونالد ترمب يعتبر إنهاء الحرب «أولوية عاجلة»، بعد تصاعد حجم الكارثة الإنسانية واتساع رقعة الجوع والانتهاكات العرقية، في صراع بات يهدد بتفكك جديد للبلاد. وأوضح بولس أن واشنطن ترغب في قبول الخطة «كما هي»، من دون تعديلات أو شروط مسبقة، مؤكداً أن الجيش عاد بمطالب إضافية رغم أنه رحّب سابقاً بالمقترح.

خلفية التدخل الأميركي ودور الرياض
أعاد بولس التذكير بأن دخول ترمب على خط الأزمة لم يكن ضمن أجندته، لكن طلب ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بالتدخل القوي دفع واشنطن لإعادة ترتيب أولوياتها. وتملك السعودية، إلى جانب الإمارات ومصر، مكانة مؤثرة داخل «الرباعية» المعنية بإدارة خريطة الطريق المعلنة في سبتمبر، والتي تبدأ بهدنة إنسانية تمتد لثلاثة أشهر، يليها وقف دائم لإطلاق النار، ثم مرحلة انتقال سياسي تقود إلى حكومة مدنية، مع رفض أي حل عسكري للصراع.

مواقف طرفي النزاع: اتهامات متبادلة وتباين في الحسابات
جاء موقف قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان حاداً تجاه الخطة، إذ وصف المقترح الأخير بأنه «الأسوأ» بين كل ما قدمته واشنطن، وأنه يمنح «الدعم السريع» فرصة للاحتفاظ بالمناطق التي سيطرت عليها خلال الحرب، ما قد يعمّق ميزان القوى على الأرض بشكل يراه الجيش غير مقبول. كما اعتبر البرهان أن المبعوث الأميركي «غير محايد»، في انتقاد يعكس تراجع الثقة في الوساطة الدولية.

في المقابل، أعلن قائد «قوات الدعم السريع» محمد حمدان دقلو (حميدتي) موافقته على وقف إطلاق نار «أحادي الجانب»، لكنه لم يوضح آليات التنفيذ أو مدى التزام القوات المنتشرة في مناطق واسعة من دارفور والخرطوم. ورغم ترحيب بولس بهذه الخطوة، فإنه أشار إلى أن التزامها لم يتأكد بعد على الأرض.

الموقف الأميركي: تحميل المسؤولية للطرفين والدعوة للمحاسبة
أرسل بولس رسالة واضحة للطرفين مفادها أن الولايات المتحدة «تدين الفظائع والانتهاكات» التي ارتكبتها «الدعم السريع» والجيش، وأن واشنطن تدعم المساءلة وعدم الإفلات من العقاب. ويعد هذا الموقف مؤشراً إلى رغبة أميركية في رسم مسافة متوازنة بين الطرفين، رغم الاتهامات السودانية بانحيازات سياسية.

خريطة الطريق… ومأزق التنفيذ
برزت «الرباعية» بوصفها الإطار الإقليمي الأبرز لإدارة الأزمة، لكن الخطة التي وضعتها تواجه عقبات كبيرة، لعل أبرزها:

  • الانقسام الحاد بين رؤيتي الجيش والدعم السريع حول مستقبل السيطرة الميدانية.
  • انعدام الثقة تجاه أي وقف لإطلاق النار، بعد تجارب سابقة انهارت بسبب إعادة التموضع العسكري.
  • توسع رقعة الأزمة الإنسانية، خصوصاً في دارفور، حيث يعيش ملايين الأشخاص بين النزوح والجوع.

خاتمة
عكست تصريحات بولس حجم انسداد مسارات الحل السياسي في السودان، رغم الضغوط الأميركية والخليجية المتزايدة. وبينما تتجادل الأطراف حول «نصوص» المقترحات، يواجه ملايين المدنيين واقعاً مأساوياً في مخيمات النزوح داخل السودان وخارجه، كما في تشاد، حيث تُظهر صورة الطفلة القادمة من الفاشر جوهر هذه المأساة.

ورغم أن واشنطن تؤكد أن خطتها تمثل «الفرصة المتاحة حالياً»، فإن قبولها يتطلب إرادة سياسية من الطرفين، وضمانات إقليمية قادرة على تحويل الهدنة من مجرّد إعلان إلى واقع ملموس، في بلد يبحث عن لحظة توقف تكسر دائرة العنف التي انهكته لأكثر من عامين.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق