أخبار العالمالشرق الأوسط

“من سانتياغو إلى غزة”: تحالف أممي ومدني يطالب بوقف النار وإنهاء الاحتلال

عقدت لجنة الأمم المتحدة المعنية بـ”ممارسة الشعب الفلسطيني لحقوقه غير القابلة للتصرف” (CEIRPP)، أمس الأربعاء، جلستها الثانية من مشاورات المجتمع المدني للعام 2025، وذلك في مقرّ اللجنة الاقتصادية لأمريكا اللاتينية والكاريبي في العاصمة التشيلية سانتياغو. وشهدت الجلسة مشاركة رسمية واسعة من حكومات إقليمية، ومنظمات مجتمع مدني، وقيادات من الشتات الفلسطيني في أمريكا الجنوبية، إضافة إلى ممثلي الأمم المتحدة.

افتُتحت الجلسة بكلمات لوزير الخارجية التشيلي، ألبرتو فان كلافرين، ولسفيرة السلطة الفلسطينية لدى تشيلي، فيرا بابون، اللذين أكدا في مداخلاتهما استمرار الالتزام التاريخي لكل من تشيلي وأمريكا اللاتينية بدعم الحقوق غير القابلة للتصرف للشعب الفلسطيني والدفاع عن القانون الدولي.

وشدد فان كلافرين على أن من “مسؤولية المجتمع الدولي مرافقة جهود التعافي والشفاء في غزة وفتح طريق حقيقي يضمن لشعبين العيش بسلام وحقوق متساوية”. واعتبر أن المجتمع المدني الفلسطيني واللاتيني يمثلان “شريكاً أساسياً” في تثبيت هذا المسار، مؤكداً أن دعم فلسطين يمثل سياسة دولة لدى تشيلي منذ إدراج القضية الفلسطينية على أجندة الأمم المتحدة عام 1947.

من جهتها، أكدت فيرا بابون أن دور المجتمع المدني والشتات الفلسطيني “ليس رمزياً بل جوهرياً”، موضحة أن منظمات المجتمع المدني تضطلع بمهام المتابعة، والتوثيق، ودعم الضحايا، وفضح الانتهاكات، وتعزيز المساءلة الدولية التي يقوم عليها القانون الدولي. وشددت على ضرورة الحفاظ على الزخم الدولي الذي رافق الاعتراف بدولة فلسطين واعتماد “إعلان نيويورك“.

ووفقاً لبيان صادر عن “اللجنة الاقتصادية لأمريكا اللاتينية والكاريبي” دعا المشاركون المجتمع الدولي إلى “العمل على ضمان احترام وقف إطلاق النار في غزة، ودعم جهود التعافي الشامل للشعب الفلسطيني”، مشيرين إلى أن إنهاء الاحتلال الإسرائيلي غير القانوني للأراضي الفلسطينية القائمة منذ عام 1967 يمثل شرطاً أساسياً لمنع تكرار الكارثة الإنسانية.

وخلال الجلسة، ألقى الأمين التنفيذي للجنة الاقتصادية لأمريكا اللاتينية والكاريبي، خوسيه مانويل سالازار-شيريناخس، كلمة نيابة عن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، أكد فيها ضرورة “إعادة إطلاق عملية سياسية موثوقة تؤدي إلى قيام دولتين مستقلتين وديمقراطيتين تعيشان بأمن ضمن حدود آمنة ومعترف بها، استناداً إلى القرارات الدولية ذات الصلة”.

وأشار المسؤول الأممي إلى “بصيص أمل” يتمثل في التقدم نحو إقرار وقف إطلاق النار في غزة، وتحرير الأسرى، وتوسيع نطاق المساعدات الإنسانية، لكنه شدد على أن “الحل السياسي الجدي” هو السبيل الوحيد لإنهاء دوامة العنف.

أما رئيس اللجنة الأممية، السفير كولي سيك، فأكد أن النقاشات الجارية داخل مجلس الأمن بشأن إنهاء الحرب يجب أن تترافق مع “ضمان إيصال المساعدات فوراً ودون قيود عبر جميع المعابر”، داعياً إسرائيل إلى رفع الحصار وإعادة تدفّق الكهرباء والوقود والمياه والمواد الطبية إلى القطاع.

شهد اللقاء مشاركة قيادات من الجالية الفلسطينية في المنطقة، من بينهم رئيس الجالية الفلسطينية في تشيلي، ماوريس خميس، ومديرة الشؤون العامة في الجالية وعضو مجلس الشيوخ السابقة، مرسيلا سابات، إضافة إلى ممثلين عن هيئات المجتمع المدني من بلدان عدة.

كما حضر اللقاء وليد رباح، رئيس اتحاد المؤسسات العربية الفلسطينية في البرازيل “فيبال”، وأرلين كليميشا، أستاذة التاريخ المعاصر بجامعة ساو باولو، اللذان قدما مداخلات حول دور الشتات الفلسطيني في أمريكا اللاتينية في تعزيز الوعي العالمي بالقضية الفلسطينية، وضرورة تطوير شبكات التنسيق الدولي في مواجهة التحديات الإنسانية والسياسية.

بدوره أكد رئيس الجالية الفلسطينية في تشيلي، ماوريس خميس، في كلمته أن “الشتات الفلسطيني — المنتشر حول العالم لكنه الموحّد بالذاكرة والهوية — أصبح امتداداً حياً لفلسطين. نحن الصوت الذي يعلو حين يُحاصَر صوت من يعيشون تحت الاحتلال”. وشدد على أن الارتباط بالوطن لا يتلاشى رغم المسافة، بل “يتضاعف عبر العمل الجماعي”، داعياً إلى منظومة تعاون إقليمي أكبر لدعم الإغاثة والمساءلة.

تركّزت مداولات الجلسات على غزة باعتبارها محور النقاش الرئيس، حيث قدّم المشاركون قراءة معمّقة للوضع الإنساني في القطاع وما يشهده من انهيار شبه كامل في الخدمات الأساسية، إضافة إلى استمرار القيود التي تعرقل وصول المساعدات الإغاثية. كما تناولت الجلسات الدور المتنامي للمجتمع المدني في أمريكا اللاتينية بوصفه رافعة ضغط سياسي وآلية للتوثيق والدعم القانوني، فضلاً عن كونه منصة لكشف الانتهاكات وتعزيز حضور الرواية الفلسطينية على المستويين الإقليمي والدولي. وامتد النقاش أيضاً إلى سبل تفعيل العمل متعدد الأطراف بما ينسجم مع قرارات الأمم المتحدة، خاصة القرارين 181 و194، مع التأكيد على ضرورة تأمين موارد مستدامة لإعادة الإعمار وتعزيز قدرة المؤسسات الفلسطينية على الصمود في المدى الطويل.

وأنهى المشاركون اللقاء بإعادة التأكيد على الموقف التاريخي لأمريكا اللاتينية الداعم لحقوق الشعب الفلسطيني، وضرورة بناء تحالف مدني–رسمي واسع لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي، ودعم التعافي الإنساني في غزة، وتثبيت مسار سياسي يؤدي إلى حلّ عادل ودائم.

وشدد المشاركة على أن المنطقة، بتاريخها وخبرتها في مواجهة الاستبداد وإعادة بناء المجتمعات، تمتلك موقعاً فريداً لدعم الفلسطينيين في هذه المرحلة الحساسة، وأن تركيز الجلسة على “التعافي والشفاء” يعكس انتقالاً نحو التفكير في مقاربة طويلة الأمد تتجاوز توقف الحرب إلى إعادة بناء المجتمع الفلسطيني نفسه.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق