الحروب تعلم الشعوب: بنغازي مدينة نموذجية للأمن والاستقرار

إعداد الدكتورة بدرة قعلول رئيسة المركز الدولي للبحوث والدراسات الاستراتجية الأمنية والعسكرية 09-11-2025

مشاركتي في معرض الكتاب الدولي بمدينة بنغازي

تلقيت دعوة الى زيارة المعرض الدولي للكتاب في بنغازي لمناقشة كتاب الصديق أحمد عامر “700 يوم في بنغازي” طبعا من دون تردد ولا تفكير قلت للصديق أحمد عامر “نعم طبعا وشرف أن أنقشك الكتاب” وانا قد قرأت سابقا النسخة الثانية من الكتاب، فالكتاب يحتوي على شهادات حية عن وضع بنغازي الليبية في أيام الإرهاب والسقوط.

أحمد عامر هو صحفي من جريدة الأهرام قد عاش في بنغازي محطات مهمة جدا أيام الدواعش والإرهاب وأنصار الشريعة بكل شجاعة وصمود وإصرار وخاصة بكل مهنية، على نقل الحقيقة منذ سنة 2015 وثّق الكاتب واقعا مأسويا في بنغازي حيث استوطن الإرهاب في تلك الفترة.
احمد عامر عاش مراحل التحولات الكبرى في بنغازي وكانت له لقاءات مع البعض من العناصر الإرهابية، وأجرى معهم حوارات هامة جدا وحصرية، وانصح الجميع لقراءة هذا المرجع الذي يعتبر شاهدا على العصر، ومرجع يعتمد عند المحللين والباحثين والمؤرخين وفي البحوث الأكاديمية.

كما تجد في الكتاب سلسلة من لقاءات جمعت بينه وبين شخصية قيادية، وقيادات عسكرية في بنغازي ولعل أهمها اللقاءات التي جمعته بالمشير خليفة حفتر، ونعتبر أن هذا الجزء من الكتاب مهم جدا بطبيعته التوثيقية والتاريخية التي تتنزل في إطار كشف اللثام عن الكثير من الحقائق والوقائع بعيدا عما يروج من اشاعات وتشويهات مغرضة للمشير خليفة حفتر.
بنغازي الجميلة خلية عمل وبناء

بدأت رحلتي الى بنغازي يوم 02 نوفمبر 2025 ذهبت على متن طائرة لناقلة جوية خاصة ليبية، وبدأت المفاجأة فلقد أقلعت الطائرة من مطار تونس قرطاج في الموعد ولا دقيقة تأخير، وفي أقل من ساعة وأربعين دقيقة كنت في مطار بنينة ببنغازي، فوجدت المراسم تنتظرني لتأخذني للفندق، وكان الطريق طويلا، فالمطار بعيد عن الفندق وهذه طبعا فرصة لي لمشاهدة المدينة ولتصحيح الصور النمطية التي كانت تصلنا من خلال الاعلام الغربي وحتى العربي، الذي يحاول تشويه كل شيء، وخاصة وأنني فتحت موقعا على الانترنت فوجدت فيه عدم النصيحة بزيارة بنغازي وليبيا بصفة عامة، وكان العنوان الكبير “انصح بعدم زيارة بنغازي وليبيا لأي سبب من الأسباب” فاستغربت كثيرا من هذا التشويه، ومنها قررت الذهاب وزيارة المدينة، التي لطالما تابعت كل التطورات فيها منذ سنة 2014 وكنت من بين المؤيدين والمعجبين بالعمل الكبير الذي يقوم به رجال بنغازي، وخاصة المؤسسة العسكرية التي تقوم بعمل جبّار من أجل إحلال السلام وإعادة البناء وتأمين مرافق العيش للشعب.

لما حللت ببنغازي كنت كامل الطريق الى الفندق انظر الى المدينة بعين متمعّنة وكأنني في مدينة نحل، فهي خلية عمل، مدينة كلها اشغال من طرقات الى مباني عملاقة الى أبراج… ملعب كرة قدم جميل جدا… يعني المدينة الجميلة تبنى وفي طور التميز في البناء بنسق سريع.

وكيف لا وهي التي كانت تحت سيطرة أخطر تنظيم إرهابي دولي، همه الوحيد تحطيم كل شيء، كانت تدار في المدينة أعنف المعارك بين الجيش وتلك التنظيمات بالسلاح المتوسط والثقيل والطائرات، وكان السائق يشير لبعض المواقع التي كانت تدار فيها النزاعات المسلحة وحرب الشوارع بين الجيش والمجموعات الإرهابية، كان يقول ” لا أحد يتجرأ على الدخول او الخرج من منزله او مخبئه”… ويضيف قوله “ولكن وبفضل الله والرجال والجيش قد طهّرت بنغازي وأصبحت كما ترين…” فعلا لقد محيت آثار الحرب، وشوارع بنغازي اليوم نظيفة وعامرة بالناس الذين يتجوّلون في مدينتهم بكل أمان.

نرجع للطرقات والسيارات الكثيرة بل والزحمة في الطريق، هي مدينة ككل مدينة في العالم الحياة فيها عادية والناس في سياراتهم يعودون الى منازلهم بعد دوام العمل، ودوريات المرور تسهل حركة المرور في كل مكان، والمحلات مفتوحة، والمطاعم في كل مكان، وحركة اجتماعية وشعبية كبيرة جدا، وكأنني لست في هذا البلد الذي دمّره الإرهاب في سنوات قريبة لم يمضي عليه الاّ بضع سنوات، سنوات قد عانى منها الناس، كانوا يخافون الخروج، فالإرهاب في وقتها لم يكن ليبي فقط بل كان متعدد الجنسيات.
وبدأ فضول باحثة علم الاجتماع يخرج وتخامرني العديد من الأسئلة فبدأت مع السائق “كيف حالكم؟ هل أنتم لباس؟”
طبعا السائق كان ذكي جدا وأجاب “نحن الحمد الله وانت كيف ترين المدينة على ما يبدوا أنك أول مرة تزورين بنغازي”؟
قلت “فعلا اول مرة أزور بنغازي ولكنني لست خائفة جئت لأكتشف البلد بأم عيني.”

زرت مدينة بنغازي في معرض الكتاب الدولي في نسخته الرابعة، وفي يوم الافتتاح التقيت الكثير من الشباب والشابات الذين يريدون المساهمة في بناء مدينتهم العريقة، وخلال محادثاتي معهم وتبادل وجهات النظر وجدت شبابا وكهولا وشيوخا ونساءا بكامل الأعمار على كلمة واحدة انهم: “لا يردون شيئا سوى الاستقرار والأمن، وهم سعداء جدا بزيارة الوفود الأجنبية عربية أو غربية لهم ليقولو ان مدينهم مستقرة وفيها بناء واعمار ومؤسسات تحفظ لهم كرامتهم… كما أنهم يؤكدون على عدم التفريط في مكتسباتهم وكرمة مدينتهم…
فهناك سيدة كانت تقول “كان زوجي يخرج ليشتري لنا بعض المستلزمات كنت كامل فترة غيابه اشعر بخوف شديد بأن لا يعود… كنت أخاف من صوت السلاح كانت أياما صعبة جدا…. اما اليوم وبفضل المشير خليفة حفتر والجيش ورجال الدولة فنحن نعود من بعيد ونعيش الأمن والاستقرار ولسنا جائفين… فالمدينة بالرغم من حجمها التاريخي لم ترى النور الاّ بفضل الرجال الصادقين… ونحن ينطبق علينا قوله تعالى: “اطعمهم من جوع وأمنهم من خوف”

رجعت لتونس لأقول الحقيقة
ورجعت الى تونس وفي داخلي قناعة أن الحروب تعلّم الشعوب، فلقد تحدثت مع عينة صغيرة من الموجودين من أبناء بنغازي لأن الوقت لم يكن يسمح، وأتمنى الرجوع من اجل “دراسة سوسيولوجية معمقة” ومع عينة كبيرة من شباب بنغازي” فلقد استنتجت بأن الكل على كلمة واحدة: “نحن اليوم ننعم بالأمن والاستقرار والبناء” “لن نسمح لأحد مهما كان ان يحرمنا من حريتنا” “المشير هو رجاله قد أعطونا ما نريد بل وأكثر مما كناّ نطلب ونأمل في وقت وجيز”…
“نحن سنحافظ على مكتسباتنا ولن نفرط فيها”….
وغيرها من العبارات التي تدل على أن مدينة بنغازي اليوم قد خرجت من “المستشفى” وبدأت تسترجع عافيتها وتزاول اعمالها العادية اليومية بل وأكثر، بل أصبحت تتميز في بعض المجالات بشجاعة وإصرار كبير…. وهؤلاء الشباب الذين هم عماد المستقبل ينظرون الى بلدهم باعتزاز وشموخ وهم من سيحافظون على ليبيا بل ونراهم مبدعين….
مازال المشوار طويل في بنغازي وليبيا، ولكن بالعزيمة التي لاحظتها في الأهالي والحب الكبير لمدينتهم والاعتزاز ببلدهم ليبيا فلن يكون المشوار طويل، فالأغلبية تتمنى ان يعم الخير على كامل ليبيا الموحدة ويرجع الاستقرار والأمن والأمان وترجع لليبيا كرمتها وقوته وخاصة كلمتها دوليا.
كما نؤكد على أن المستقبل سيكون مزدهرا في ليبيا، وكلنا ثقة في الشعب الليبي الذي ان تركت له القيادة في بلده وحقه في تقرير مصيره بنفسه كما حصل في بنغازي والشرق الليبي، فسوف يبدع وستتوحد ليبيا، وترجع ليبيا أحسن مما كانت عليه وخاصة سيكون الشعب الليبي موحدا.



