أخبار العالمأمريكابحوث ودراسات

ترامپ… ارفع السماعة!

ضع حدًّا لمسرحية استعراض القوة التي تقدّمها، وكأنك بلطجي الحيّ. لا تملك فلسًا واحدًا لتدفع رواتب موظّفيك الفدراليين، تاركًا كثيرين منهم في ذلّ الاعتماد على الصدقات العامة. ينبغي أن تخجل من مشهد طوابير الناس الممتدّة طلبًا لوجبة ساخنة في الكنائس ومراكز الأحياء.

لكن، يا للمفارقة، لديك ما يكفي من المال لتمنح “كلب حراستك” الأرجنتيني، كبير المتملّقين للإمبراطورية، عشرين مليار دولار، بعدما حجّ إلى بلدك أربع عشرة مرة خلال أقل من عامين ليستمع إلى الأوامر التي يجب أن ينفّذها كرئيس.

لنكن صريحين: شعارك “أميركا أولًا” ليس سوى خدعة. مجرّد واجهة تخفي وراءها ملايين الفقراء الذين لا يرون مستقبلاً سوى جرعة تُنسيهم بؤس حياتهم. ليس مصادفة أنّ أكثر من 800 ألف أمريكي انتحروا بين عامَي 2000 و2020، ضحايا أسطورة “الحلم الأمريكي” وتركيز الثروة الهائل في قبضة طبقة بلوتوقراطية لا تشبع.

أما خارج حدودك، فالأمور لا تسير كما تشتهي، صديقك نتنياهو، القاتل المتسلسل، مستمر في تطهيره العرقي للفلسطينيين، وأنت شريكه في هذا الجُرم.

تحدّثت كثيرًا وادّعيت أنّك ستُنهي حرب أوكرانيا في 24 ساعة، وهي لا تزال مشتعلة. لن تتوقف إلا حين تُجهز روسيا على بلدٍ حُكم عليه، بقرارٍ من القوى الغربية، بالقتال خدمةً لمجمّع السلاح الأميركي والأوروپي.

ولتعلم أنّ أحد علماء السياسة، ستيڤ كوربن، قال قبل أيام إنّ حكومتك الحالية هي ثاني أسوأ حكومة في تاريخ الولايات المتحدة. وصفها بالبائسة كان كرمًا؛ إنهم فوق ذلك غير أخلاقيين، عنصريون، كارهون للأجانب، ومتغطرسون لدرجة الاستخفاف بالصين وروسيا.

ومع ذلك، حين التقيتَ شي جينبينغ في بوسان، اضطررت إلى الاعتراف بأنّ واشنطن وبكين تشكلان اليوم “مجموعة G2″، أي أنّ الصين ندّ للولايات المتحدة، كما قلتَ بنفسك. أما G7 وG20 فقد أُحيلوا إلى التقاعد.

حاولتَ شراء غرينلاند، وطمعتَ في جعل كندا الولاية الحادية والخمسين، فطردوك شرّ طردة. واليوم أنت الشخصية العامة الأكثر كرهًا لدى الكنديين. والآن تهدر مليارات الدولارات في تحريك أساطيلك العسكرية نحو سواحل ڤنزويلا، ثمّ تعلن أنّ أيام مادورو معدودة.

تحسب أنّ ڤنزويلا البوليڤارية ستنحني تحت قدميك كما يفعل ميلي، لتقدّم لك أكبر احتياطي نفطي في العالم. لكنّك ستصحو على كابوس، لأن الشعب والحكومة هناك سيقدّمان لك درسًا أقسى من الذي تلقاه أسلافُك في أفغانستان.

ألم يخبرك أحد سبب استقالة الأدميرال ألفين هولسي من قيادة “القيادة الجنوبية”؟

سأخبرك أنا: لأنّه، على خلافك، يفهم في الشؤون العسكرية، ولا يريد أن يكون شاهد زورٍ على فشلٍ جديد، لكن هذه المرّة في الكاريبي.

وبالرغم من دعايتك، يدرك الجميع أنّك لا تكترث للديمقراطية ولا لحقوق الإنسان ولا للحريات، لا خارج بلدك ولا داخله. وقد هدّدت صراحةً بأنّه إذا دخلت الولايات المتحدة حربًا جديدة فستُعلّق انتخابات 2028، وتبقى أنت إلى الأبد في السلطة. لكنّي لا أظن أنّ الكونغرس سيمنحك هذه الهدية، فشعبيّتك في انحدارٍ سريع.

هذا الثلاثاء تلقيت صفعتَين موجعتَين في انتخابات حكّام ڤرجينيا ونيوجيرسي، ثمّ ضربة قاضية في معركة بلدية نيويورك. هناك، سحق شابٌ مسلم اشتراكي، اسمه زهران ممداني، وُلد في أوغندا ووصل طفلاً إلى أميركا، مرشّحك المدلّل أندرو كومو. دفعت المال عبر وكلائك، وهدّدت الناخبين كي لا يصوّتوا لممداني، لكنّه انتصر. وسيتولّى الآن توسيع قوانين ضبط الإيجارات لصالح المستأجرين، وإصلاح النظام الضريبي في مدينة تضم آلاف المليارديرات الذين لا يدفعون شيئًا تقريبًا، ويبني حضانات، ويحسّن الصحة العامة، ويضمن مجّانية النقل بالباصات، ويقيم شبكة متاجر شعبية لضبط أسعار الغذاء. وإذا نجح، فسينتشر ”هذا المثال المزعج“ كالنار في الهشيم في أراضيك. والأجدر به أن يُنشئ فريق أمنٍ يحميه، فنحن نعرف كيف يعمل اليمين الأميريكي.

يبدو أن الشعب الأميريكي بدأ يستفيق، ويدرك أنك مجرّد ثرثار رجعي في خدمة الأثرياء، تقول اليوم قولًا وتنقضه غدًا. تلاعبك بالرسوم الجمركية جعلك مادة للسخرية الدولية. ولعله أنت، لا مادورو، من باتت أيامه معدودة. ثم إنّك قد تسجّل ”ابتكارًا“ غير مسبوق: رئيسًا يتحول إلى ”بطة عرجاء“ بعد تسعة أشهر فقط من ولايته. أي إنجاز هذا! حتى العلوم السياسية ترتجّ لهذا الاكتشاف: الملك عارٍ، والشعب لم يعد يريد ملوكًا.

ومدينة نيويورك ستجبرك بفضل ممداني، على دفع ضرائب ”حقيقية“، لا مجرد رسوم على برجك في الجادة الخامسة، بل على كل صفقاتك في المدينة. واحذر، فقد تدور الدوائر ويصل الرجل يومًا إلى البيت الأبيض، ويُجبر منتجعك الفخم مار ألاغو على دفع ما يجب دفعه من ضرائب.

الاشتراكيون هكذا… ينتظرون بصبرٍ عند الزاوية، فيما ينهار مشروعك “ماغا” تحت أقدامهم.

————–

أتيليو بورون: مفكّر وسياسي ماركسي أرجنتيني، وأستاذ جامعي وباحث في شؤون الإمپريالية والعلاقات الدولية.

نُشر هذا المقال في صحيفة Página/12 الأرجنتينية.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق