تقرير أممي يكشف نية التدمير الشامل للشعب الفلسطيني والإبادة الجماعية في غزة…

قسم البحوث والدراسات الاستراتجية والعلاقات الدولية 30-10-2025
في 16/9/2025، صدر أحدث تقرير للأمم المتحدة حول الإبادة الجماعية في غزة، وهو تقرير اللجنة الأممية الخاصة حول انتهاكات حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المشكلة عام 2021 برئاسة المفوضة الأممية نافي بيلاي، وعنوانه “تحليل قانوني لسلوك إسرائيل في غزة وفقًا لاتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها”. ونافي بيلاي هي شخصية قانونية دولية، عمِلت من قبل قاضية بالمحكمة الجنائية الدولية، وكانت رئيسة للمحكمة الدولية الخاصة بشأن الإبادة الجماعية برواندا.
ورغم أنه تقرير قانوني، إلا أن كل كلمة فيه دعوة أممية للضمير العالمي والمجتمع الدولي أن أوقفوا إسرائيل عند حدها، وحاكموا مجرميها، وأنقذوا غزة قبل فوات الآوان، فما يحدث في غزة منذ عامين ليس وليد هجوم السابع من أكتوبر 2023، بل هو امتداد لجريمة مستمرة في فلسطين منذ نشأة المشروع الصهيوني، وتستهدف كل فلسطيني.
هذا ما جاء في التقرير:
- تُشير اللجنة إلى أن الأحداث التي شهدتها غزة منذ أكتوبر 2023 لم تقع بمعزل عن غيرها. فقد سبقتها عقود من الاحتلال والاستيطان غير القانوني، مع الفصل العنصري أو الأبارتيد، في ظل أيديولوجية تقتضي تهجير السكان الفلسطينيين من أراضيهم واستبدالهم.
- أكثر من 50% من القتلى كانوا من النساء والأطفال وكبار السن، مما يشير إلى أن قوات الأمن الإسرائيلية استهدفت المدنيين الفلسطينيين عمدًا.
- دعت عدة تصريحات لمسؤولين إسرائيليين إلى العقاب الجماعي ضد الشعب الفلسطيني ككل، وسكان غزة على وجه الخصوص.
فقرات كاشفة
قبل أن نعرض ملخص التقرير، فقد استوقفني وجود فصل كامل فيه عن منع الإنجاب وقتل الأجنة مما يبين أن أحد الأهداف الغير المعلنة القضاء الكامل على الشعب الفلسطيني، كما استوقفتني أيضا فقرات تبين مدى بشاعة الجريمة التي تجري في غزة تحت سمع وبصر العالم كله:
- “ما اُستخدم إسرائيل من قنابل منذ 7 أكتوبر 2023 يُعد استثنائيًا حتى بالمقارنة مع صراعات عالمية أخرى، إذ تُسقط إسرائيل على غزة في أقل من أسبوع ما كانت تُسقطه الولايات المتحدة على أفغانستان في عام”. دأب القادة السياسيون والعسكريون الإسرائيليون على وصف العمليات في قطاع غزة بأنها “دفاع عن النفس” و”حرب عادلة”. كما صرّحوا مرارًا وتكرارًا بأن هجوم 7 أكتوبر 2023 شكّل تهديدًا وجوديًا لإسرائيل، مُبررين بذلك قرار شن عملية عسكرية واسعة النطاق ومتواصلة في غزة، والتي ارتقت إلى مستوى الحرب الشاملة، دون أن تأخذ إسرائيل في الاعتبار حقيقة أنها استولت على الأراضي الفلسطينية بالقوة، وتحتلها وتستوطنها بشكل غير قانوني، وتحرم الشعب الفلسطيني من حقه في تقرير المصير.
- “في 3 نوفمبر 2023، نشر نتنياهو رسالة للجيش، جاء فيها: “تذكروا ما فعله عماليق بكم. هذه حرب بين أبناء النور وأبناء الظلام”، أي أن الحرب في غزة تجري وفق ما جاء في سفر صموئيل: “اذهبوا الآن وهاجموا عماليق، ودمروا كل ما لديهم تدميرًا؛ لا تعفوا عنهم، بل اقتلوا رجلاً وامرأة، طفلاً ورضيعًا، بقرة وغنمًا، جمالًا وحمارًا”.
- “تتسق نتائج الهجمات الإسرائيلية مع استراتيجيتها المعلنة حسب تصريح المتحدث العسكري: “نحن نركز على ما يُسبب أقصى قدر من الضرر”. لذلك، أُخضعت المناطق الحضرية في قطاع غزة مرارًا وتكرارًا لقصف كثيف بأسلحة متفجرة ذات تأثير واسع النطاق، مما أدى إلى تدمير الأحياء بالكامل”.
موجز التقرير
حظر الإبادة الجماعية قاعدةً آمرةً من قواعد القانون الدولي، والتزامٌ قانونيٌّ لا يجوز الانتقاص منه، وإقرار من جميع الدول بالمبادئ التي تقوم عليها اتفاقية الإبادة الجماعية. ووفقًا للاتفاقية ونظام روما الأساسي للجنائية الدولية، فإن جريمة الإبادة الجماعية تتحقق عند ارتكاب فعل واحد أو أكثر من الفئات الخمس التالية بقصد التدمير الكلي أو الجزئي لجماعة قومية أو إثنية أو عنصرية أو دينية، بصفتها هذه:
- قتل أعضاء من الجماعة.
- إلحاق أذى جسدي أو نفسي جسيم بأعضاء من الجماعة.
- فرض ظروف معيشية متعمدة على الجماعة بهدف تدميرها المادي كليًا أو جزئيًا.
- فرض تدابير تهدف إلى منع الإنجاب داخل الجماعة.
- نقل أطفال الجماعة قسرًا إلى جماعة أخرى.
ونظرا لأن البند الخامس لم يثبت ارتكاب إسرائيل له حتى الآن، فقد استعرض التقرير الأفعال الأربعة الأولى، وبني عليها ما توصل إليه من ثبوت ارتكاب إسرائيل للإبادة الجماعية ووجوب محاسبتها عليها:
أولا ـ قتل أعضاء من الجماعة
في تقرير للاستخبارات الإسرائيلية، فقد قُتل في غزة، حتى مايو 2025، 8900 مسلحًا من حماس والجهاد. ونظراً إلى مقتل 53 ألف فلسطيني في هذه المرحلة جراء الهجمات الإسرائيلية، فإن ذلك يعني أن 83% من القتلى في غزة كانوا من المدنيين، 46% منهم نساء وأطفال.
وقد انخفض متوسط العمر المتوقع في غزة من 75,5 عامًا قبل الحرب إلى 40,5 عامًا خلال العام الأول منها. ولا يأخذ هذا الرقم الوفيات غير المباشرة الناجمة عن عدم القدرة على الوصول إلى الرعاية الصحية أو سوء التغذية؛ والتي سيكون معها متوسط العمر المتوقع أقل من ذلك بكثير.
على طول طرق الإخلاء وداخل المناطق الآمنة التي حددتها إسرائيل، كانت القوات الإسرائيلية على علم واضح بوجود مدنيين فلسطينيين، ومع ذلك أطلقت النار عليهم، وكان بعضهم أطفال يحملون رايات بيضاء. وكانت هناك وفيات غير مباشرة نتيجة منع دخول المساعدات الإنسانية، وخاصة الأدوية والمعدات الطبية.
حتى 31 يوليو 2025، قُتل ما لا يقل عن 1373 فلسطينيًا أثناء بحثهم عن الطعام: 859 فلسطينياً في محيط المواقع الأربعة لمؤسسة غزة الإنسانية المنشأة بدعم من إسرائيل والولايات المتحدة، و514 على طول مسارات قوافل الغذاء. وكان المتعاقدون الأمريكيون والجيش الإسرائيلي مسؤولين عن أعمال القنص والقتل.
استُهدِف المدنيون والصحفيون والعاملون في مجال الرعاية الصحية والمجال الإنساني وغيرهم من الأشخاص المحميين بشكل مباشر. وفي صباح 18 مارس 2025، عندما كان اتفاق وقف إطلاق النار لا يزال ساريًا، شنت إسرائيل موجات من الغارات الجوية على مناطق متعددة من القطاع دون سابق إنذار، مما أسفر عن مقتل أكثر من 404 فلسطينيين، نصفهم من الأطفال والنساء.
وتؤكد اللجنة أن القوات الإسرائيلية قتلت عمداً مدنيين فلسطينيين في غزة باستخدام ذخائر واسعة التأثير نتج عنها أعداد كبيرة من الوفيات. ولم تتدخل إسرائيل لتغيير وسائل وأساليب الحرب، مما يعني أنها تنوي قتل أكبر عدد ممكن من الفلسطينيين، بمن فيهم الأطفال.
كما كانت هذه الوفيات نتيجة فرض ظروف معيشية متعمدة في غزة بهدف تدمير الفلسطينيين هناك. وبناءً على ذلك، تخلص اللجنة إلى ثبوت الفعل الإجرامي والنية الإجرامية لـ “قتل أعضاء الجماعة” بموجب المادة الثانية (أ) من اتفاقية الإبادة الجماعية.
ثانيا ـ إلحاق أذى جسدي أو نفسي جسيم بأعضاء الجماعة
هناك نوعان من الأذى: الأذى الجسدي الناتج عن إصابة جسدية خطيرة؛ والضرر العقلي الذي يؤدي إلى اختلال خطير في القدرات العقلية، مثل الخوف الشديد والرعب والترهيب أو التهديد، مما يسهم في التدمير الجسدي أو البيولوجي للمجموعة، كليًا أو جزئيًا. ويُشكل الاغتصاب وغيره من أشكال العنف الجنسي أحد أسوأ طرق إلحاق الأذى الجسدي والنفسي الخطير بالضحية.
وتُسلّط اللجنة الضوء على أنه منذ 7 أكتوبر 2023، عانى الفلسطينيون، وخاصة الأطفال، الذين فقدوا أفرادًا من عائلاتهم بسبب الهجمات الإسرائيلية أو انفصلوا عن عائلاتهم، من صدمة نفسية عميقة، فاقمها عدم اليقين بشأن مصيرهم، بسبب العمليات العسكرية المستمرة للقوات الإسرائيلية. وعلاوة على ذلك، ترى اللجنة أنه بسبب عدم اليقين بشأن مستقبلهم، فإن الفلسطينيين في غزة، وخاصة أولئك الذين نُقلوا قسراً ولا يستطيعون العودة إلى ديارهم، قد عانوا من أذى طويل الأمد، وأصبحوا غير قادرين على عيش “حياة طبيعية وبناءة”، وكانت التكتيكات العسكرية المستخدمة تهدف إلى إلحاق صدمة نفسية فورية وطويلة الأمد بالفلسطينيين:
- وسع الجيش الإسرائيلي نطاق أنظمة الاستهداف الخاصة بالأعيان المدنية لإحداث ضرر أوسع نطاقًا بالمدنيين، مما أدى إلى أضرار بدنية ونفسية وإدراكية جسيمة غيّرت حياة الأطفال المتضررين.
- حتى 11 يونيو 2025، نفذت إسرائيل 735 هجومًا على الخدمات والمرافق الصحية.
- أدى استخدام إسرائيل للأسلحة والذخائر الفتاكة إلى إصابات جسدية مُنهكة طويلة الأمد، كفقدان الأطراف وتلف الأعضاء الداخلية. وتسببت في إصابة 475 طفلًا شهريًا بإعاقات مدى الحياة.
- إلحاق الضرر الجسيم بالسكان أثناء عملية الإخلاء وتوسيع المنطقة العازلة والممرات لتشمل 75% من مساحة القطاع، ودعوة السلطات الإسرائيلية الفلسطينيين إلى “الهجرة الطوعية أو القسرية”.
- نزوح أكثر من 1,9 مليون شخص منذ بدء الحرب حتى 25 يونيو 2025 بمعدل ست مرات على الأقل. ويواجهون انعدامًا حادًا في الأمن الغذائي والمائي، والوصول المحدود إلى مرافق الرعاية الصحية.
- اعتقال أكثر من 4500 فلسطيني في غزة، نُقل العديد منهم عراة معصوبي الأعين إلى منشآت في إسرائيل للاستجواب، إضافة إلى ركلهم وضربهم وتهديدهم بالقتل، وتعليقهم في وضع “الشبح” لفترات طويلة، وتخفيض مخصصات الطعام لهم. كما أساءت معاملة الأطفال المعتقلين بشدة.
- الاستخدام المنهجي للعنف الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي ضد المعتقلين والمعتقلات في أكثر من 10 منشآت عسكرية أو سجون إسرائيلية. وصُوِّر بعضهن دون موافقتهن وفي ظروف مهينة، بما في ذلك بملابسهن الداخلية أمام جنود ذكور، ونُشرت هذه الصور غالبًا على وسائل التواصل الاجتماعي. وأظهرت الأدلة التي حللتها اللجنة تحيزًا واضحًا على أساس الجنس والعرق من قبل الجناة، الذين يستهدفون النساء الفلسطينيات عمدًا، ويحاولون إذلالهن علنًا.
- زيادة في حالات الإجهاض بنسبة تصل إلى 300% منذ 7 أكتوبر 2023.
مما سبق، خلصت اللجنة إلى ثبوت الفعل الإجرامي والنية الإجرامية المتمثلين في “إلحاق أذى جسدي أو نفسي جسيم بأعضاء الجماعة” بموجب المادة الثانية (ب) من اتفاقية الإبادة الجماعية.
ثالثا ـ إلحاق ظروف معيشية متعمدة بالجماعة بقصد تدميرها كليًا أو جزئيًا
قامت اللجنة بتقييم إسرائيل، بما في ذلك (أ) نمط الهجمات العشوائية والمباشرة ضد الأهداف المدنية في غزة؛ (ب) النقل القسري للفلسطينيين في غزة؛ (ب) استخدام التجويع كأسلوب من أساليب الحرب؛ (ج) فرض حصار شامل على غزة ومنع دخول الكهرباء والوقود والغذاء والماء ووسائل الإيواء؛ (د) منع دخول المساعدات الإنسانية، بما في ذلك الضروريات الأساسية والمعدات الطبية والأدوية؛ (هـ) الهجمات المباشرة على مرافق الرعاية الصحية، بما في ذلك مرافق الرعاية الصحية الجنسية والإنجابية.
وتشير اللجنة إلى أن العمليات العسكرية المستمرة من بدء الحرب أدت إلى نزوح الفلسطينيين في غزة قسرًا، واجبارهم على العيش في ظروف غير إنسانية، وحرمانهم من الطعام والماء والسكن اللائق والرعاية الطبية الأساسية.
وتعمدت القوات الإسرائيلية تدمير الأعيان المدنية، مما ترك الفلسطينيين في غزة بلا موارد لا غنى عنها لبقائهم، معتمدين بشكل كبير على المساعدات الإنسانية التي منعتها السلطات الإسرائيلية كليًا أو جزئيًا.
وتعمدت إسرائيل تدمير مرافق الرعاية الصحية في جميع أنحاء القطاع لمنع الفلسطينيين من تلقي الرعاية الطبية التي هم في أمس الحاجة إليها، وأجبرتهم على العيش في ظروف غير إنسانية.
ولقي فلسطينيون حتفهم نتيجة نقص الرعاية الطبية والغذاء والقتل المباشر على يد الجيش الإسرائيلي. ومما أدى إلى تفاقم الوضع الكارثي بالفعل، الزيادة السريعة في عدد مرضى الطوارئ المصابين بإصابات خطيرة، مما أضاف إلى عبء المرضى غير المعالجين الذين يعانون من أمراض مزمنة أو أولئك الذين يحتاجون إلى رعاية متخصصة.
وكانت إسرائيل على علم بأن عملياتها العسكرية، وفرض حصار شامل، وتدمير المساكن والأنظمة والمرافق الصحية، ستؤدي إلى تدمير الفلسطينيين في غزة جسديًا، كليًا أو جزئيًا. ورغم التحذيرات الدولية بأن “الظروف المعيشية الكارثية” في غزة قد تدهورت بشكل أكبر، لم تسمح السلطات الإسرائيلية بوصول مساعدات إنسانية كافية إلى الفلسطينيين في غزة. ولذلك، ترى اللجنة أن السلطات الإسرائيلية فرضت عمدًا مثل هذه الظروف المعيشية المدروسة بهدف تدمير الفلسطينيين في غزة.
وتتفاقم آثار هذه الظروف الكارثية بسبب محاصرة الفلسطينيين دون أي ملاذ آمن من هجمات إسرائيل المتواصلة؛ فليس لديهم مكان آخر يذهبون إليه، وهو وضع وصفه في 8 أبريل 2025، الأمين العام للأمم المتحدة فقال: “إن غزة ساحة قتل، والمدنيون يعيشون في حلقة موت لا نهاية لها”. وتجد اللجنة أن السلطات الإسرائيلية خلقت عمدًا ظروفًا معيشية تؤدي إلى تدمير أجيال من الفلسطينيين وتدمير الشعب الفلسطيني في غزة كمجموعة.
إن التدمير المتعمد الذي مارسته القوات الإسرائيلية للبيئة في غزة أضر بصحة الجهاز التنفسي للفلسطينيين، مما زاد من خطر الإصابة بمشاكل صحية طويلة الأمد مثل سرطان الرئة بسبب التلوث الناجم عن التدمير واسع النطاق للمباني في غزة.
إن بتدمير النظام التعليمي في غزة، والذي من شأنه أن يُشل قدرة الفلسطينيين على الحفاظ على هويتهم كشعب، يعني فرض إسرائيل عمدًا على الجماعة ظروفًا معيشية مُصممة لتدميرها جسديًا كليًا أو جزئيًا.
إن الفلسطينيين الذين تضرروا جسديًا ونفسيًا جراء العمليات الإسرائيلية سيظلون يعانون من أضرار طويلة الأمد ذات طبيعة خطيرة تؤثر على عيشهم حياة طبيعية وبناءة.
ونظرًا لمدى ومدة العمليات العسكرية، والأضرار المتوقعة، ووسائل وأساليب الحرب المستخدمة، والعنف الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي واسع النطاق والمنهجي، ورفض إسرائيل تغيير طبيعة عملياتها العسكرية، فمن المنطقي الاستنتاج أن الضرر كان متعمدًا. وعليه، خلصت اللجنة إلى ثبوت الفعل الإجرامي والنية الإجرامية المتمثلين في “إلحاق أذى جسدي أو نفسي جسيم بأعضاء الجماعة” بموجب المادة الثانية (ب) من اتفاقية الإبادة الجماعية.
رابعا ـ فرض تدابير تهدف إلى منع الإنجاب داخل الجماعة
لإثبات الفعل الإجرامي في هذه الفئة، فلا يُشترط أن تكون التدابير مادية؛ بل قد تكون نفسية أو اجتماعية مثل عدم قدرة أعضاء جماعة على الحمل أو اتخاذ قرار الإنجاب من خلال التهديدات أو الصدمات أو القانون:
- أثرت الهجمات على مرافق الرعاية الصحية، بما فيها تلك التي تقدم الرعاية والخدمات الصحية الجنسية والإنجابية، على حوالي 545,000 امرأة وفتاة في سن الإنجاب في غزة.
- أدت الهجمات المباشرة على أقسام الولادة الرئيسية في مستشفى الشفاء ومجمع ناصر الطبي إلى توقفها عن العمل لفترات.
- تم استهداف مرافق مُخصصة للرعاية الصحية الجنسية والإنجابية بشكل مباشر أو أُجبرت على وقف عملياتها.
- في ديسمبر كانون الأول 2023، قصفت إٍسرائيل عيادة البسمة لأطفال الأنابيب، وهي أكبر عيادة خصوبة في غزة، مما أدى إلى: تدمير 4000 جنين، و1000 عينة من الحيوانات المنوية، وبويضات غير مخصبة. ولم تعثر اللجنة على أي معلومات موثوقة تشير إلى أن المبنى استُخدم لأغراض عسكرية. ووجدت أن السلطات الإسرائيلية كانت تعلم أنها عيادة خصوبة، وأنها كانت تنوي تدميرها. وقد لحقت بالعيادة أكبر الأضرار، مُقارنةً بالمباني المجاورة لها، مما يُشير إلى أنها كانت الهدف الرئيسي لتدمير المواد الإنجابية الموجودة فيها.
وبناءً على ما سبق، تخلص اللجنة إلى ثبوت ارتكاب الفعل الإجرامي والنية الإجرامية لـ “فرض تدابير تهدف إلى منع الولادات داخل الجماعة” بموجب المادة الثانية (د) من اتفاقية الإبادة الجماعية.
نية الإبادة الشاملة للقطاع
دأب القادة السياسيون والعسكريون الإسرائيليون على وصف العمليات في قطاع غزة بأنها “دفاع عن النفس” و”حرب عادلة”. كما صرّحوا مرارًا وتكرارًا بأن هجوم 7 أكتوبر 2023 شكّل تهديدًا وجوديًا لإسرائيل، مُبررين بذلك قرار شن عملية عسكرية واسعة النطاق ومتواصلة في غزة، والتي ارتقت إلى مستوى الحرب الشاملة، دون أن تأخذ إسرائيل في الاعتبار حقيقة أنها استولت على الأراضي الفلسطينية بالقوة، وتحتلها وتستوطنها بشكل غير قانوني، وتحرم الشعب الفلسطيني من حقه في تقرير المصير.
وقد وثّقت اللجنة رسائل عامة متكررة لمسئولين إسرائيليين تتضمن تحريضًا على الدعوة إلى العنف ضد الفلسطينيين وقتلهم، ومحو قطاع غزة، والانتقام، والعقاب الجماعي، والإعلان عن عدم وجود مدنيين أبرياء فيه، والتخطيط لبناء مستوطنات إسرائيلية جديدة على أنقاض القطاع، والدعوة إلى ترحيل الفلسطينيين منه إلى دول ثالثة.
أوصت اللجنة في نهاية تقريرها، سواء إسرائيل أو المجتمع الدولي إلى: الإيقاف الفوري للحرب، ومنع سياسة التجويع، وإدخال المساعدات لغزة، وعودة المؤسسات الدولية بما فيها الأونروا لممارسة مهامها، ومنع توريد السلاح لإسرائيل، واستخدام جميع الوسائل المتاحة لمنع ارتكاب جريمة الإبادة الجماعية في قطاع غزة، وتسهيل التحقيقات والإجراءات اللازمة بما في ذلك فرض عقوبات ضد إسرائيل وضد الأفراد أو الشركات المتورطين أو المسهلين لارتكاب إبادة جماعية أو التحريض على ارتكابها، والتعاون مع تحقيق مكتب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية.وفي بيانه يوم 7 أكتوبر 2023، وصف نتنياهو غزة ب”المدينة الشريرة” بما يوحي أنه يراها بأكملها مسؤولة وهدفًا للانتقام، وقال للفلسطينيين في غزة: “غادروا الآن لأننا سنعمل بقوة في كل مكان”، دون تمييز بين المقاتلين والمدنيين، مدركًا أن الفلسطينيين في غزة ليس لديهم مكان يذهبون إليه.
وفي 9 أكتوبر 2023، أعلن وزير الدفاع الإسرائيلي آنذاك، يوآف غالانت، حصارًا شاملًا على غزة، مدعيًا أن إسرائيل تقاتل “حيوانات بشرية” وأن على إسرائيل “التصرف وفقًا لذلك”.
وفي 13 أكتوبر 2023، صرّح الرئيس هرتسوغ: “إنها أمة بأكملها مسؤولة. الكلام على أن المدنيين لم يكونوا على دراية ولم يكونوا متورطين هو كلام غير صحيح الإطلاق”.
وترى اللجنة أن هذه التصريحات تشجع على الكراهية تجاه الفلسطينيين والعنف ضدهم، والذي يشير إلى نية تدمير الفلسطينيين في غزة كجماعة. وقد تصرفت بناءً عليها القوات الإسرائيلية في قطاع غزة.
نمط السلوك الإسرائيلي في حرب غزة
من خلال نمط سلوك السلطات الإسرائيلية والجيش، قامت اللجنة بتقييم جميع الأدلة إجمالاً، من 7 أكتوبر 2023 حتى 31 يوليو 2025. وخلصت إلى عدم وجود ضرورة عسكرية لتبرير أعمال إسرائيل في هذه الحرب:
- دأبت إسرائيل على استهداف المدنيين بشكل مباشر. وكان الدمار أشد وطأة من أي شيء شهده الفلسطينيون في غزة سابقًا. وزعمت إسرائيل أنها التزمت دائمًا بالقانون الإنساني الدولي عند قيامها بعملياتها العسكرية مما شجع على استمرار هذا السلوك الإجرامي.
- إن التدمير الشامل والممنهج لكل المنشآت والممتلكات التي لا غنى عنها للحياة الفلسطينية، يدعم أيضًا الاستنتاج القائل بأن العمليات العسكرية كانت جزءًا من نية تدمير الفلسطينيين في غزة.
- استخدمت إسرائيل التجويع كأسلوب حرب بفرض حصار شامل على غزة ومنع دخول المساعدات الإنسانية إليها. ويُظهر نمط سلوكها عدم وجود نية لديها لتخفيف معاناة الفلسطينيين.
- منذ بدء العمليات، فرضت إسرائيل على الفلسطينيين ظروفًا معيشية لا تُطاق، مع علمها ووعيها بأنهم محاصرون فيها. وهذا يجعل غزة منطقة فريدة من نوعها بين مناطق الحرب في هذا القرن.
- منعت إسرائيل الفلسطينيين من الفرار من العنف إلى إسرائيل، أو إلى مصر. ولم يعد أمامهم سوى البقاء، يواجهون الموت. يشير هذا الوضع إلى نية واضحة من جانب السلطات الإسرائيلية لمحاصرة الفلسطينيين في غزة وخلق ظروف تؤدي في النهاية إلى تدميرهم.
- إن التدمير المنهجي والكامل لنظام الرعاية الصحية في غزة، كان جزءًا من نية تدمير الفلسطينيين في غزة من خلال منع قدرتهم وإمكانيتهم على الشفاء والتعافي والعيش.
- إن الاستخدام الواسع النطاق للعنف الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي ضد الفلسطينيين في غزة يشير إلى نية تدمير الفلسطينيين كجماعة.
- منذ بدء الحرب، هناك نمط سلوكي واضح وهو الاستهداف الواسع والمنهجي للأطفال الذي هو جزء من استراتيجية لتدمير الاستمرارية البيولوجية والوجود المستقبلي للجماعة الفلسطينية في غزة.
ووفق ما سبق، فإن طبيعة الأعمال ونطاقها لا يدعمان ولا يبرران مزاعم إسرائيل بأن عملياتها العسكرية نُفذت دفاعًا عن النفس، أو لهزيمة حماس، أو لتأمين إطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين.
التوصيات
أوصت اللجنة في نهاية تقريرها، سواء إسرائيل أو المجتمع الدولي إلى:
- الإيقاف الفوري للحرب،
- ومنع سياسة التجويع،
- وإدخال المساعدات لغزة،
- وعودة المؤسسات الدولية بما فيها الأونروا لممارسة مهامها،
- ومنع توريد السلاح لإسرائيل،
- واستخدام جميع الوسائل المتاحة لمنع ارتكاب جريمة الإبادة الجماعية في قطاع غزة،
- وتسهيل التحقيقات والإجراءات اللازمة بما في ذلك فرض عقوبات ضد إسرائيل وضد الأفراد أو الشركات المتورطين أو المسهلين لارتكاب إبادة جماعية أو التحريض على ارتكابها،
- والتعاون مع تحقيق مكتب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية.



