أخبار العالمأوروبابحوث ودراسات

النازيون الجدد الألمان يقاتلون إلى جانب أوكرانيا ضد روسيا

نشر المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات، ألمانيا وهولندا  ECCI في شهر جويلية 2025 تقريرا حول النازيون الجدد الألمان الذين يقاتلون ضدّ الجيش الروسي وضمن الجيش الأكراني.

وفي هذا التقرير تمت دراسة الأسباب والدوافع التي تجعل من النازيون الجدد وهم مرتزقة من اليمين المتطرف الألمني اليوم يرجعون بالتاريخ لمحاربة الروس.

النص الكامل للنقرير

النازيون الجدد الألمان يقاتلون إلى جانب أوكرانيا ضد روسيا، الدوافع والتداعيات؟

تجتذب الحرب في أوكرانيا مقاتلين أجانب يرغبون في الدفاع عن  أوكرانيا ضد روسيا، ومن بينهم أيضًا نازيون جدد من ألمانيا. ليس سرًا أن متطرفين يمينيين ألمان يقاتلون في صفوف تشكيلات عسكرية لصالح أوكرانيا ضد روسيا.

فقد نشرت صحيفة “تاتس” (taz) في برلين عام 2023 تقريرًا عن النازي الجديد شتيفان ك، الذي يقاتل ما وصفه بـ”البلشفية الجديدة لبوتين”. وتُظهر تحقيقات حديثة من هيئة الإذاعة الشمالية الألمانية (NDR) أن “شتيفان ك” ليس النازي الجديد الوحيد الموجود في ساحات المعارك الأوكرانية.

أما “فـليون ب”، البالغ من العمر 26 عامًا من ولاية مكلنبورغ-فوربومرن، والذي كان سابقًا ناشطًا في حزب نازي صغير يُدعى “الطريق الثالث” (Der Dritte Weg)، يظهر في عدة صور وهو يحمل بندقية هجومية ويرتدي سترة واقية. وقد نُشرت هذه الصور على قناة تيليغرام التابعة لـ”فيلق المتطوعين الألمان” (Deutsches Freiwilligenkorps – DFK) – وهي مجموعة من المتطرفين اليمينيين الألمان الذين يقاتلون إلى جانب أوكرانيا.

ويُعتقد أن الصور قد التُقطت في منطقة القتال، حيث تشير الخلفيات التي تتضمن أسلحة وعربة عسكرية إلى الموقع والسياق المحتمل، ومن غير المؤكد ما إذا كان “ليون ب” قد شارك فعليًا في الاشتباكات، إلا أن أقاربه أكدوا أنه كان موجودًا في أوكرانيا، وأنه عاد الآن إلى ألمانيا.

ووفقًا لـNDR، فقد تم استخدام حساب “بايبال” التابع لشركته لجمع تبرعات من أجل شراء خوذة باليستية، كما نُشر في قناة DFK على تيليغرام، وكان ليون ب قد شارك في تدريبات فنون القتال مع أعضاء من “الطريق الثالث”، وساهم في أنشطة هذا الحزب.

ويصنف جهاز حماية الدستور في ولاية مكلنبورغ-فوربومرن حزب “الطريق الثالث” كتنظيم متطرف. وفي تقرير حديث له، أشار الجهاز إلى أن هدف الحزب هو إلغاء الديمقراطية عبر “ثورة قومية” كما يتمتع الحزب بمكانة خاصة في الطيف اليميني المتطرف بسبب دعمه للمواقف المؤيدة لأوكرانيا، وتقديمه دعمًا ميدانيًا للقوميين هناك.

ما مدى خطورة العائدين من ساحة الحرب؟

لقد تم دمج “فيلق المتطوعين الألمان” رسميًا ضمن الكتيبة الـ49 للمشاة في الجيش الأوكراني، والمعروفة باسم “كارباثن-سيتش” (Karpatensitsch). وينشر أعضاء الفيلق عبر شبكات التواصل الاجتماعي بشكل علني مواقفهم المتطرفة، ويشاركون تقارير عن المعارك، بالإضافة إلى دعوات لجمع التبرعات.

ويبدو أن هناك مؤشرات على وجود حالات مشابهة في ولايات ألمانية أخرى، فقد أفاد المكتب الجنائي في ولاية بادن- فورتمبيرغ، بناءً على طلب من NDRبأنه يشتبه في أن العديد من المتطرفين اليمينيين الألمان قد شاركوا على الأرجح في المعارك المسلحة.

تنظر الأجهزة الأمنية إلى العائدين من مناطق القتال على أنهم يشكلون خطرًا أمنيًا، فقد صرّحت الاستخبارات الخارجية الألمانية (BND) لـNDR أن المقاتلين الذين يحملون دوافع متطرفة يمثلون مصدر تهديد متزايد بعد عودتهم إلى البلاد. فهم قد تلقوا تدريبات على استخدام الأسلحة الحربية، واكتسبوا خبرات قتالية، وقد يحاولون تهريب أسلحة إلى داخل الاتحاد الأوروبي. 

حذّرت منظمات استشارية مثل منظمة “لوبي” (Lobbi)، التي تدعم ضحايا العنف اليميني، من خطر تطرف إضافي ناتج عن تجربة الحرب، إذ يمكن أن تُعتبر المشاركة في النزاعات المسلحة داخل الأوساط المتطرفة علامة على الهيبة والهيمنة، حيث يُعجب كثيرون بأولئك الذين “يتحولون من الأقوال إلى الأفعال”.

ولم يستجب ليون ب. لطلب التعليق الموجه إليه من قبل NDR كما امتنعت السفارة الأوكرانية عن الإدلاء بأي تصريح بشأن القضية، وأشارت وزارة الداخلية في ولاية شفيرين إلى أنها لا تستطيع تقديم تفاصيل عن مغادرات الأفراد، وذلك لأسباب تتعلق بحماية البيانات.

تقييم وقراءة مستقبلية

رغم أن مشاركة الأجانب في النزاع المسلح الدائر في أوكرانيا منذ عام 2022 ليست بالأمر الجديد، إلا أن انخراط عناصر من التيار اليميني المتطرف الألماني، وخاصة من النازيين الجدد، يثير تساؤلات أمنية وقانونية عميقة داخل ألمانيا وأوروبا. إذ أن انتقال هؤلاء المقاتلين إلى ساحة قتال دولية، وعودتهم المحتملة بعد اكتسابهم مهارات قتالية، يشكل تطورًا بالغ الحساسية، ليس فقط على المستوى السياسي، بل كذلك على صعيد الأمن الداخلي.

تستند مشاركة النازيين الجدد إلى رؤية أيديولوجية ترى في روسيا تهديدًا لـ”أوروبا القومية” بوصفها استمرارًا لما يسمى بـ”البلشفية الجديدة”، ويجد بعض المتطرفين في الحرب فرصة لاستعادة صورة “المقاتل الثوري القومي”، ضمن سردية شبه عسكرية. ومن المتوقع أن تستمر هذه الظاهرة في المدى القريب، خاصة إذا استمر النزاع أو اتسع، وستظل مجموعات مثل “فيلق المتطوعين الألمان” (DFK) تمثل مظلة تنظيمية تجذب المتطرفين اليمينيين الساعين لاكتساب “شرعية قتالية” داخل أوساطهم.

التداعيات الأمنية على أوروبا وألمانيا

عودة هؤلاء الأفراد، وهم مدربون على استخدام الأسلحة الحربية، ويمتلكون خبرة ميدانية في ساحات المعارك، يشكل تهديدًا مباشرًا للأمن الداخلي الألماني والأوروبي. إن احتمالات نقل الخبرات القتالية إلى خلايا يمينية متطرفة محلية أو إنشاء مجموعات شبه عسكرية تشكل خطرًا حقيقيًا، خصوصًا في سياق مشحون بخطابات الكراهية والشعبوية.

أحد السيناريوهات المقلقة التي تدرسها وكالات الأمن والاستخبارات، هو تهريب الأسلحة من أوكرانيا إلى الاتحاد الأوروبي عبر الحدود المفتوحة نسبياً. ومع وجود سوق سوداء نشطة للسلاح في مناطق الحرب، فإن المقاتلين السابقين يمكن أن يسهموا في إدخال أسلحة إلى الداخل الأوروبي، مما يفاقم التهديدات الإرهابية والجريمة المنظمة.

من المتوقع أن تؤدي تجربة القتال إلى مزيد من التطرف العقائدي بين هؤلاء الأفراد، بل وقد يصبح بعضهم رموزًا دعائية داخل مشهد اليمين المتطرف، خاصة إذا تم ترويج سرديات البطولة والتضحية عبر الشبكات الاجتماعية.

وفي هذا السياق، فإن بعض منظمات الدعم والمراقبة حذرت من أن التحول من الخطاب إلى الفعل يعزز قابلية بعض العناصر للانخراط في أعمال عنف مستقبلي.

الموقف الألماني من العائدين

رغم غياب سياسة موحدة ومعلنة حتى الآن، إلا أن السلطات الأمنية والاستخباراتية الألمانية، وعلى رأسها جهاز حماية الدستور (BfV) والاستخبارات الخارجية (BND)بدأت في رصد العائدين وتقييم درجة الخطورة التي يمثلونها، ضمن مقاربة مشابهة للتي اعتمدت مع “العائدين من داعش”. ومع ذلك، فإن تعقيد الحالة القانونية لا يتيح دائمًا ملاحقتهم فورًا، ما لم تكن هناك أدلة مباشرة على ارتكاب جرائم حرب أو انتهاكات قانونية.

الوضع القانوني للنازيين الجدد المشاركين في الحرب

من الناحية القانونية، لا يُجرَّم في ألمانيا مطلقًا انضمام المواطنين الألمان إلى قوات أجنبية تقاتل خارج البلاد، ما لم تكن هذه القوات مصنفة إرهابية أو تشارك في أعمال عدائية ضد دول صديقة.

في حالة المقاتلين في صفوف الجيش الأوكراني أو وحدات تابعة له، فإن الإطار القانوني مايزال غامض ولا يوجد نص قانوني واضح يمنعهم من الانخراط في هذه المعارك. لكن في المقابل، يمكن للنيابة العامة فتح تحقيقات جنائية إذا ظهرت مؤشرات على استخدام السلاح بطريقة غير مشروعة، أو إذا ارتكب هؤلاء انتهاكات لحقوق الإنسان، أو شاركوا في تنظيمات متطرفة محظورة داخل ألمانيا. وفي هذا السياق، قد تلجأ السلطات إلى أدوات قانونية أخرى، مثل قوانين مكافحة التطرف والتحريض والكراهية.

تشترك الدول الأوروبية في القلق من ظاهرة “المقاتلين الأجانب”، سواء من الإسلامويين أو اليمينيين المتطرفين. وإذا استمرت مشاركة اليمين المتطرف الأوروبي في أوكرانيا، فإن القارة ستواجه جيلًا جديدًا من المقاتلين المؤدلجين، العائدين من ساحات القتال بخبرات عالية وشعور بـ”الشرعية الثورية” وهذا يتطلب مقاربة أوروبية موحدة تدمج الأمن، والمجال القضائي، والاستخبارات الوقائية، والملاحقة الجنائية عند الضرورة.

إن مشاركة النازيين الجدد الألمان في الحرب الأوكرانية ليست مجرد حادثة فردية، بل ظاهرة تحمل في طياتها تهديدات أمنية، قانونية، ومجتمعية عميقة. وتتطلب هذه الظاهرة اهتمامًا أكبر من الدولة الألمانية والاتحاد الأوروبي، عبر وضع آليات استباقية لرصد المقاتلين، تقييمهم، وتحييد خطرهم، قبل أن يتحولوا إلى قنابل موقوتة داخل المجتمعات الأوروبية.

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق