أخبار العالمالشرق الأوسط

خديعة رفع “قيصر”… حين يحتفل الفاشلون بوهمٍ جديد

مرة أخرى، تثبت ما تُسمّى “سلطة الشرع” أن الكذب صار جزءًا من بنيتها، وأنها لا تستطيع أن تتنفس دون دعاية. فبمجرد أن صوّت مجلس الشيوخ الأمريكي على قانون الدفاع الوطني لعام 2026، خرج وزير خارجيتها أسعد الشيباني ليعلن بكل ثقة أن “قانون قيصر أُلغي”، وأن “الانتصار السياسي تحقق”، فيما الحقيقة أن لا شيء من ذلك حدث.

أولًا، ما جرى في واشنطن لم يكن تصويتًا على رفع العقوبات، بل على قانون دفاع ضخم يتضمن أكثر من 1300 بند. من بين تلك البنود تعديل رمزي صغير يطلب من الإدارة الأمريكية “مراجعة” العقوبات على سوريا في حال تحقيق “تقدّم سياسي ملموس” لا يتضمن هذا التعديل أي إلغاء، ولا يحمل أي أثر تنفيذي إلا بعد موافقة مجلس النواب والرئيس، وهو ما لم يحصل إطلاقًا. ما جرى مجرد إشارة سياسية، استغلّها البعض لتضليل جمهورٍ مخدوعٍ يبحث عن أي بارقة أمل.

ثانيًا، حتى لو قررت واشنطن تخفيف العقوبات، فإنها وضعت سلسلة طويلة من الشروط العلنية، الواردة في بيانات وزارة الخزانة ووزارة الخارجية وتقارير الكونغرس. من أبرز هذه الشروط:

  • محاربة الإرهاب وتنظيم داعش،
  • وضمان حماية الأقليات ومشاركتهم في السلطة،
  • وإبعاد المقاتلين الأجانب عن مراكز القرار،
  • ومكافحة الفساد وغسيل الأموال،
  • والإفراج عن المعتقلين والكشف عن المفقودين،
  • وتقديم تقارير دورية تُثبت التزام السلطة بكل ما سبق.

هذه ليست تفاصيل شكلية، بل جوهر السياسة الأمريكية التي تربط أي تخفيف للعقوبات بتغيير سلوك حقيقي، لا بخطاب شعاراتي.

ثالثًا، واشنطن تدرك أن العقوبات لم تُحقق نتائجها بالكامل، لكنها تستخدمها كورقة ضغط قابلة للضبط، فالتخفيف أو التشديد ليسا مكافأة أو عقوبة دائمة، بل أدوات سياسية تُربط بمصالحها وموازين القوى. لذا، فإن الاحتفال الذي أقامته “سلطة الشرع” يشبه من يحتفل بفتح الباب وهو لا يملك مفتاح الدخول.

رابعًا، من المؤسف أن تتحول معاناة السوريين إلى مادة دعائية رخيصة في يد سلطة فاشلة، تُصرّ على تزييف الواقع كلما عجزت عن مواجهته، فالحديث عن “إلغاء قيصر” محاولة بائسة لتغطية فشل سياسي واقتصادي وأخلاقي متراكم. والأسوأ أن هؤلاء يحاولون استثمار مأساة الشعب لتلميع أنفسهم، وكأنّ رفع العقوبات ـ إن حدث ـ سيُحوّل الفساد إلى كفاءة، والعجز إلى تنمية!

خامسًا، الحقيقة البسيطة التي يعرفها كل سوري هي أن رفع العقوبات، حتى لو تحقق غدًا، لن يحلّ شيئًا من أزماتنا، ما لم يسبقه حلّ سياسي شامل داخلي، يقوم على المصالحة الوطنية، والمواطنة، والعدالة، ومحاربة الفساد، لا على الاستبدال بين سلطة وأخرى. فالمشكلة ليست في “قيصر”، بل في غياب المشروع الوطني الجامع الذي يعيد للسوريين ثقتهم بأنفسهم ودولتهم.

سادسًا، لسنا ضد رفع العقوبات الجائرة، لأنّ ضحاياها الحقيقيين هم الناس، لا الحكومات، لكننا ضدّ أن يُستعمل هذا الملف الإنساني لتعويم سلطة أثبتت يوميًا فشلها الأخلاقي والسياسي والإداري. فرفع العقوبات لا يرفع الغباء، ولا يعيد الكرامة، ولا يحيي الأوطان التي تقتلها الأكاذيب.

وفي الختام، يمكن القول بسخرية مريرة إن “سلطة الشرع” نجحت في شيء واحد فقط: إقناع نفسها بالوهم. أما السوريون الحقيقيون، فيعرفون أن الطريق إلى الخلاص لا يمرّ عبر تغريدة ولا تعديل رمزي، بل عبر إرادة وطنية صادقة، تعيد صياغة معنى الدولة، وتضع نهايةً لزمن الوهم والدجل.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق