“فورين بوليسي” تتحدث عن العزلة الدولية لتل أبيب بعد 7 أكتوبر

قسم البحوث والدراسات الاستراتجية والعلاقات الدولية 10-2025
نشرت مجلة “فورين بوليسي” تقريرًا تناولت فيه أبرز التغييرات العميقة التي شهدتها إسرائيل بعد هجوم 7 أكتوبر 2023، موضحة أن الهجوم ألقى بظلاله على الثقة المجتمعية بالأمن والاستقرار، لكنه لم يدفع الدولة نحو الانهيار اقتصاديًا أو عسكريًا رغم التوقعات المتشائمة.
وأفادت المجلة، في تقريرها، أن هجوم حماس في 7 أكتوبر غيّر إسرائيل جذريًا، ليس فقط بسبب سقوط نحو 1200 قتيل و250 رهينة، بل لأنه زعزع قناعات راسخة لدى الإسرائيليين، بأن البلاد آمنة أكثر من أي وقت مضى، وأن العالم العربي يتقبل وجود دولة يهودية، وأن التكنولوجيا الإسرائيلية تضمن الازدهار والأمن في آنٍ واحد.
وأشارت المجلة إلى أن التقييم النهائي لهذا الحدث الكارثي سيستغرق سنوات، لكن التوقعات الأكثر تشاؤمًا – كغرق إسرائيل في حروب طويلة ومدمرة مع حزب الله وإيران، وانهيار الاقتصاد، وأزمة ثقة عميقة – لم تتحقق. فقد انتهت المواجهات مع حزب الله وإيران لصالح إسرائيل، مع أضرار جانبية محدودة نسبيًا. ورغم تباطؤ النمو الاقتصادي، فإن إسرائيل استوعبت الصدمة بشكل أفضل مما توقع كثيرون. كما لم يشهد مستوى الثقة في الجيش والمؤسسات الرئيسية تراجعًا يُذكر، إن وُجد.
وأوضحت المجلة أن تغيّرين مهمّين و”لا تغيّر” واحدًا بارزًا، وإن بدا غير متوقع، قد طرأوا خلال العامين الماضيين. والتغيّر الأول هو استحواذ اليمين المتطرف على مفاصل الدولة، والثاني هو اعتماد إسرائيل المفرط على الولايات المتحدة وسط عزلة دولية متزايدة. أما “اللا تغيّر”- وربما التطور الأهم منذ 7 أكتوبر – فهو فشل السياسيين المتطرفين في استغلال الصدمة لتعزيز نفوذهم.
وقالت المجلة إن أحداث 7 أكتوبر كان من المفترض أن تصبّ في مصلحة اليمين المتطرف، إذ بدا هجوم حماس وكأنه يؤكد رؤيتهم للعرب كأعداء عنيفين لا يمكن التعايش معهم، وأن التعايش مجرد وهم خطير. كما أن فشل الجيش في أداء واجبه يومها عزّز مزاعم اليمين المتطرف بأن “النخبة اليسارية” في إسرائيل، بما فيها المؤسسة العسكرية، منهزمة وربما خائنة.
وأشارت المجلة إلى أنه بعد مرور عامين، لم يتمكن المتطرفون من توسيع قاعدتهم الشعبية. فقد حصل حزبا “الصهيونية الدينية” و”عوتسما يهوديت” على 14 مقعدًا في انتخابات الكنيست عام 2022، بينما تُظهر استطلاعات اليوم أنهم لن يتجاوزوا 12 مقعدًا، وربما أقل.
بل إن حزب “الصهيونية الدينية” قد لا يحصل على عدد كافٍ من الأصوات لدخول الكنيست أصلًا. ورغم تبنّي رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بعض خطاب اليمين المتطرف، فإن حزب “الليكود” نفسه شهد تراجعًا في شعبيته منذ 2022.
وأضافت المجلة أن جزءًا من أزمة اليمين الإسرائيلي المتطرف يكمن في ارتباطه باليهودية الأرثوذكسية، وبمستوطنات الضفة الغربية، وبمواقف غير متسامحة تجاه القيم الاجتماعية الليبرالية التي يتبناها حتى كثير من الإسرائيليين اليمينيين، الذين تتركز رؤيتهم المحافظة أساسًا حول الأمن القومي لا القضايا الدينية أو الاجتماعية.
وأشارت المجلة إلى أن فشل التطرف في ترسيخ نفوذه لا ينبغي تفسيره على نحو سطحي؛ إذ إن ما تبقى من دعم داخل إسرائيل لحل الدولتين قد تلاشى، ويُرجّح أن كثيرًا من عنف الحرب بعد عامين من هجوم حماس تغذّيه مشاعر انتقام. ورغم أن اليمين المتطرف لم ينجح في استثمار هذه التطورات سياسيًا، فإنه يحتفي بها ضمنيًا.
وأوضحت المجلة أن إخفاق اليمين المتطرف في استغلال أحداث 7 أكتوبر لم يدفعه إلى التراجع عن أجندته السياسية والأيديولوجية، بل يمكن القول إن إسرائيل باتت خاضعة لهيمنة سياسية من قبل متطرفين، كثير منهم – إن لم يكن معظمهم – من مستوطني الضفة الغربية.
ورغم أن المستوطنين لا يشكلون سوى نحو 5 بالمائة من السكان (باستثناء الإسرائيليين المقيمين في القدس الشرقية)، فإن خمسة من أصل 21 وزيرًا في حكومة نتنياهو يعيشون في مستوطنات. ويعتمد بقاء نتنياهو في السلطة بشكل كامل على دعم اليمين المتطرف الذي يملك 14 مقعدًا في الكنيست، ما منح وزراءه صلاحيات شبه مطلقة لتنفيذ سياساتهم دون عوائق.
وأضافت المجلة أن سكرتير الحكومة، والسفير الإسرائيلي لدى واشنطن، واثنين من أصل أحد عشر قاضيًا في المحكمة العليا هم من المستوطنين. كما أن دافيد زيني، الرئيس الجديد لجهاز الأمن الداخلي “الشاباك”، مستوطن أيضًا (في مرتفعات الجولان)، ويرتبط بالتيار اليهودي المسياني.
وقالت المجلة إن قيادة الجيش لا تزال علمانية، ويُعتقد أنها تميل إلى الوسط سياسيًا (استنادًا إلى المسارات المهنية للجنرالات السابقين)، لكن في المستويات الأدنى، يتمتع اليمين المتطرف بتمثيل واسع ومتزايد بين الضباط.
وأضافت المجلة أن السيطرة المؤسسية بدأت فعليًا منذ تولّي حكومة نتنياهو الحالية السلطة في أواخر عام 2022، وهي أول حكومة إسرائيلية تتكوّن بالكامل من أحزاب يمينية ومتدينة دون أي أطراف معتدلة توازنها.
وقد شرعت فورًا في خطوات لإضعاف الجهاز القضائي وتعزيز قبضة إسرائيل على الضفة الغربية. ورغم أن أحداث 7 أكتوبر أوقفت مشروع إعادة هيكلة القضاء، فإنها فتحت المجال أمام اليمين المتطرف لمتابعة أجندته دون عوائق، في ظل انشغال الرأي العام بما يجري في غزة وتردده، إن لم يكن إنهاكه، عن النزول إلى الشوارع للاحتجاج بينما الجنود يقاتلون ويموتون.
وأوضحت المجلة أن اليمين المتطرف حقق نجاحًا في الحرب، التي تحوّلت من عملية لهزيمة حماس وإنقاذ الرهائن إلى حرب احتلال تهدف لإعادة السيطرة على غزة وإعادة بناء المستوطنات.
ورغم تأكيد نتنياهو ورئيس الأركان أن الاحتلال ليس هدفًا، فإن خطاب اليمين المتطرف يعكس عكس ذلك، كما وصف وزير المالية بتسلئيل سموتريتش غزة في سبتمبر بأنها “فرصة عقارية ذهبية” للمستثمرين والمستوطنين بعد الحرب. وقد أصبح الجيش، بقصد أو دون قصد، يعمل كأداة تنفيذ لليمين المتطرف من خلال تسوية المدن والبلدات، وجعل الحياة في غزة لا تُطاق، ما يدفع سكانها إلى الرحيل.
وتابعت المجلة أن الساحة الأخرى التي تجلّت فيها السيطرة المؤسسية هي الضفة الغربية، حيث نفّذ الجيش منذ 7 أكتوبر عمليات متواصلة ضد الفصائل الفلسطينية، مستخدمًا الطائرات المسيّرة والمقاتلات، ومحتلًا المخيمات، ومدمرًا المنازل والبنية التحتية على نطاق يرقى إلى مستوى الحرب التقليدية.
وفي مشهد مشابه لما يجري في غزة، يزعم الجيش أنه يواجه الإرهاب، لكنه في الواقع ينفّذ أجندة اليمين المتطرف والمستوطنين لترسيخ السيطرة الإسرائيلية وجعل الحياة اليومية للفلسطينيين شبه مستحيلة.
في غضون ذلك، يهاجم المستوطنون المتطرفون بشكل متكرر القرى الفلسطينية، ويدمرون الممتلكات وأحيانًا يقتلون السكان. وغالبًا ما تُصوَّر هذه الهجمات على أنها ردّ انتقامي على العنف الفلسطيني، لكنها كثيرًا ما تكون غير مبرّرة. وفي جميع الأحوال، فإن الهدف الأوسع هو طرد الفلسطينيين من أراضيهم لإفساح المجال أمام التوسع الاستيطاني.
وأشارت المجلة إلى أن وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، زعيم حزب “عوتسما يهوديت” والمسؤول عن جهاز الشرطة، يحرص على تجاهل عنف المستوطنين أو التعامل معه بتساهل. ومن المرجّح أن يجد دافيد زيني، رئيس جهاز “الشاباك”، حليفًا له في بن غفير.
وقالت المجلة إن سموتريتش يدعم دور الجيش والشرطة في الضفة الغربية، حيث استغل منصبه كمسؤل الشؤون المدنية في الضفة الغربية لتوسيع المستوطنات، وإضفاء الشرعية على المستوطنات التي أُقيمت دون ترخيص، وتمهيد الطريق لمزيد من التوسع عبر إعلان مساحات واسعة من الضفة الغربية أنها “أراضي دولة”.
وأضافت المجلة أن سموتريتش عمل على تقويض السلطة الفلسطينية بحجب عائدات الضرائب، ما خلق فراغًا سياسيًا تسعى إسرائيل لملئه، بالتوازي مع مساعٍ لتطبيع فكرة ضم الضفة الغربية بالكامل، وهو هدف قديم لليمين المتطرف. وقد تكون العقبة الوحيدة أمام ذلك هي رفض الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لهذا المسار.
وأوضحت المجلة أن الحرب الطويلة في غزة وانعكاساتها الإنسانية أدّت إلى انقلاب عالمي في المواقف تجاه إسرائيل. فبعد أن حظيت بتعاطف واسع عقب هجوم 7 أكتوبر، تلاشى ذلك مع تزايد الضحايا الفلسطينيين وتصاعد الأزمة الإنسانية، خصوصًا بعد انهيار وقف إطلاق النار واندلاع المجاعة في الربيع، ثم الهجوم على مدينة غزة في سبتمبر الذي أنهى ما تبقّى من تعاطف دولي.
وأفادت المجلة أن الحرب جعلت إسرائيل تعتمد بشكل غير مسبوق على الولايات المتحدة، إذ لم يكن الصراع مع حماس وحزب الله وإيران والحوثيين ممكنًا دون المساعدات الأمريكية البالغة 22 مليار دولار وكميات ضخمة من السلاح. وقد قدمت الولايات المتحدة دعمًا مباشرًا لإسرائيل ضد إيران. إن ادعاء تل أبيب بأنها قوة إقليمية عظمى يتناقض مع اعتمادها العميق على السلاح والتأييد الأمريكي لعملياتها العسكرية.
وأشارت المجلة إلى أن اعتماد إسرائيل على الولايات المتحدة تزامن مع تراجع الدعم الأوروبي، الذي ظهر في الاعتراف بدولة فلسطينية، وحظر توريد الأسلحة، وإلغاء عقود وسحب استثمارات. ورغم عجز الاتحاد الأوروبي عن تعليق الامتيازات التجارية لإسرائيل، يبقى الخيار قائمًا، فيما شهد الرأي العام الأوروبي تحولًا واضحًا ضدها.
وقالت المجلة إن الإسرائيليين، وبينهم نتنياهو، يرون أوروبا قوة متراجعة يمكن تجاوزها، غير أن الاتحاد الأوروبي يظل الشريك التجاري الأكبر لإسرائيل ومصدرًا رئيسيًا لأسلحتها، إضافة إلى مكانته الثقافية والشعبية كـ”وطن ثانٍ”، ما يجعل الرفض الأوروبي مؤلمًا للإسرائيليين.
وتابعت المجلة أن نتنياهو يبدو مطمئنًا لاعتماده على واشنطن، رغم تضاؤل قاعدة الدعم الأمريكي لإسرائيل واقتصارها بشكل متزايد على الجمهوريين، وحتى داخل الحزب الجمهوري نفسه.
وأشارت المجلة إلى أنه إذا توقفت حرب غزة وتخلّت إسرائيل عن نهجها العسكري، فقد يتباطأ مسار عزلتها واعتمادها على الولايات المتحدة، لكن هذا غير مرجّح مع وجود نتنياهو، الذي يرى في إيران وحزب الله وحماس تهديدات دائمة.
واختتمت المجلة بالتأكيد على أن الأمل الوحيد في إنهاء استراتيجية إسرائيل القائمة على الحلول العسكرية وهيمنة اليمين المتطرف يكمن في الانتخابات. ولحسن الحظ، فإن رفض الإسرائيليين الانجرار وراء السياسات المتطرفة لا يزال يفتح نافذة للتغيير.