أخبار العالمالشرق الأوسط

قصف التوقيت في لبنان حرب تتخطّى الأفق المادي إلى الحرب النفسية

لم يعد القصف الإسرائيلي على لبنان يقتصر على التدمير المادي للأهداف العسكرية أو البنى التحتية، بل أصبح يحمل أبعادًا نفسية واستراتيجية عميقة، تنحو نحو صناعة ما يمكن تسميته بـ«حرب التوقيت» أو «القصف الزمني». هذه الحرب لا تُقاس بعدد الانفجارات أو حجم الخسائر، بل بقدرتها على تحويل الزمن والمكان اليومي لسكان الجنوب اللبناني إلى مسرح دائم للرعب.

التوقيت كسلاح نفسي

الضربات الإسرائيلية لم تقتصر على استهداف مواقع محددة، بل استخدمت عنصر التوقيت بشكل منهجي: غارات فجراً، إنذارات قبل ساعات قليلة من القصف، استهداف أعياد دينية، وكل ذلك ضمن استراتيجية متعمّدة لزرع حالة من القلق المستمر في الوعي الجمعي.
وفق ما يوضح الاختصاصي النفسي داود فرج، فإن هذا الأسلوب يختلف عن أساليب الحروب التقليدية. فبدلاً من الحضور العسكري المكثف على الأرض كما في التسعينات، استبدلت إسرائيل القوة الميدانية بآلة الحرب التكنولوجية: طائرات مسيّرة وإنذارات مفاجئة تُرسَل عبر منشورات أو خرائط، تؤدي إلى إرباك وذعر متواصل.

البعد الاجتماعي والسياسي

الاستهداف في أوقات دينية مثل عيد الفطر وعيد الأضحى لم يكن عشوائيًا. إذ يهدف إلى ضرب اللحظة الجماعية الرمزية، وتحويل الأعياد التي تحمل قيمًا اجتماعية وروحية إلى لحظات خوف ونزوح. هذا الأسلوب يخلق حالة من العزلة الجماعية والانقسام النفسي بين السكان، كما يعمّق من إحساسهم بالعجز أمام آلة الحرب.

ويذهب فرج إلى أن هذه المشهدية تسهم في صناعة حالة «التسليم القدري» لدى المدنيين، إذ تتحول حياتهم اليومية إلى انتظار مستمر لخطر قادم، ما يضعف قدرتهم على التفكير العقلاني وصنع القرار. وهذا الأمر يحمل تأثيرًا عميقًا على البنية الاجتماعية، حيث يصبح الخوف عنصراً يفرض نفسه على كل فعل اجتماعي وسياسي.

البعد العسكري والاستراتيجي

بحسب العميد المتقاعد خالد حمادة، فإن التصعيد في التوقيت يرتبط برصد أهداف محددة، لكن وراء ذلك توجد أهداف استراتيجية أوسع، من بينها استخدام القصف كأداة ضغط لفرض شروط سياسية وأمنية على لبنان و«حزب الله». في هذا السياق، يتحوّل القصف إلى جزء من «حرب الاستنزاف» النفسية، التي تستهدف إرهاق الخصم وإضعاف إرادته بقدر ما تستهدف قدرته العسكرية.

بين العناد والنرجسية السياسية

يرى داود فرج أن أسلوب إسرائيل يعكس دينامية نفسية سياسية تتسم بـ«العناد الرمزي»، حيث يسعى كل طرف لإثبات قوته حتى لو كان الانتصار مجرد رمزية. وهذا العناد يغذّيه شعور بالنقص يتبدى في محاولات تغطيته عبر القصف المستمر، وهو ما يندرج ضمن ما يمكن تسميته «النرجسية السياسية» التي تُحوّل الحرب إلى مواجهة قائمة على فرض صورة الذات القوية القادرة على الحسم.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق