“خطة ترامب” هي حقل ألغام على القضية الفلسطينية وعلى الدول العربية

إعداد الدكتورة بدرة قعلول رئيسة المركز الدولي للدراسات الإستراتجية الأمنية والعسكرية 03-10-2025

التقديم:
لم تحمل خطة البرتقالي ترامب لإنهاء الحرب في غزة أي مفاجأة جوهرية في مضمونها بقدر ما حملته من إعادة توزيع للأعباء وخطة فضفاضة حمّالة للتأويلات وفي نفس الوقت ملزمة على الدول العربية وعلى الفلسطنيين ورافهية لكيان الإحتلال.
فبينما نجح نتنياهو في الظهور بمظهر الطرف “المتنازل لصالح السلام” وتحوّل بقدرة ترامب من مجرم حرب الى حمامة سلام، ألقت الخطة على عاتق الدول العربية معظم المهام الصعبة وإزاحة الألغام من أمام النازي الفاشي نتنياهو كيف لا وترامب لا يهمه شيء سوى تبييض كيان الإرهاب وزعيمهم وما على الدول العربية إلاّ المساهمة في تحقيق غايات البرتقالي والإرهابي نتنياهو.
وتتمثل مهام الدول العربية بحسب خطّة ترامب في التالي:
- إقناع حماس بالقبول،
- ضمان التنفيذ،
- وتحمل الكلفة السياسية والشعبية.
هذه المقاربة تجعل الخطة أقرب إلى مشروع توريط الدول العربية بدل أن تكون خطوة نحو تسوية عادلة، وتُبقي لإسرائيل هامش المناورة والإنكار والادعاء بالمرونة. وتضمن بعدها مباشرة الإعتراف بكيان الإحتلال وتوقيع الاتفاق الإبراهيمي والاعتراف بدولة اسرائيل جاثمة على صدور كل العالم العربي والإسلامي… ترامب قال في الوثيقة تريدون دولة فلسطينية فلكم ذلك ولكن ستكون دولة منزوعة السيادة وكل من في المنطقة يبتلعها كيان الإحتلال.
خطة الأعباء وتبييض جرائم الإستعمار الصهيوني
إن التحديات التي تفرضها الخطة على الأنظمة العربية ليست تقنية أو إجرائية فحسب، بل تتصل بجوهر الشرعية والهوية والدور الإقليمي ومستقبل الصراع الفلسطيني–الإسرائيلي. ويمكن تفصيل أبرز هذه التحديات في خمسة عشرة نقطة محوارية ومتداخلة:
-
تحميل العرب عبء التنفيذ:
تتيح الخطة لإسرائيل الادعاء بأنها قبلت إنهاء الحرب، ثم تحويل الفشل المحتمل إلى الحلقة العربية. فعدم إقناع حركة حماس أو تعثّر الترتيبات يجعل استمرار القتال قراراً مفهوماً أمام المجتمع الدولي، فيما تخرج تل أبيب من دائرة الاتهام السياسي والإعلامي.
-
إرسال قوة استقرار عربية أو دولية:
الدعوة إلى نشر قوة في غزة، مع الإشارة إلى مصر والأردن تحديداً، تضع هذه الدول أمام معضلة مزدوجة: الظهور كقوة وصاية على القطاع، أو الظهور كقوة بديلة للاحتلال. كلا الخيارين عالي الكلفة شعبياً وسياسياً ويهدد بتقويض مصداقية هذه الأنظمة أمام شعوبها وأمام الفلسطينيين.
-
التحوّل إلى جهاز أمني رديف لإسرائيل:
التصور بأن تقوم أجهزة عربية بتدريب أو تنظيم قوة أمنية فلسطينية في غزة يوحي بأن وظيفة هذه القوى ستكون حماية “الحدود الإسرائيلية”، وليس بناء منظومة أمنية فلسطينية ذات سيادة. هذا يعمق الشعور بأن الدور العربي وظيفي لا سيادي.
-
مخاطر الفشل المسبق:
نصوص الخطة تمنح إسرائيل مساحة للطعن في أي خطوة عربية أو فلسطينية باعتبارها غير مكتملة أو غير مستوفية للمعايير، ما يعني أن الدول العربية تقدم ضمانات مفتوحة بينما تبقى إسرائيل خارج أي التزامات ملزمة أو قابلة للمساءلة فالعرب سيقومون بمحاصرة المقاومة الفلسطنية والإسرائيلي يواصل جرائمه بشرعية دولية مطلقة.
-
هاجس التهجير ومسألة اللاجئين:
رغم تضمين عبارة تمنع الترحيل القسري، يبقى القلق المصري قائماً من أي سيناريو يؤدي إلى تدفق سكاني كثيف من غزة نحو سيناء، وهو سيناريو كفيل بتفجير أزمة داخلية طويلة المدى تتجاوز البُعد الإنساني إلى الأمني والسياسي والديمغرافي، وتعتبرها مصر كما بقية الدول، مسألة أمن قومي. ومصر والأردن يدركون تماما مكر وخداع الصهاينة والتهجير سيكون طوعي وباشكال مختلفة وخاصة بطريقة العصا والجزرة.
-
الكلفة السياسية الداخلية للدول التي ستطبق الخطة:
أي انخراط عربي واضح في تطبيق خطة تُقرأ فلسطينياً كتصديق على مطالب إسرائيل قد يُترجم إلى ضغط شعبي ومعارضة داخلية، خاصة في الدول ذات الحساسية التاريخية تجاه القضية الفلسطينية. بهذا المعنى، الخطة تهدد الاستقرار السياسي لبعض الأنظمة لا مجرد توازن مواقفها الخارجية وستدخل هذه الدول في صراعات داخلية وخاصة وهي تشكوا الآن من مشكاكل وصعوبات داخلية ومعارضة على أهبة الإستعداد.
-
انتهاء أوراق الضغط على إسرائيل:
لا تملك الدول العربية آليات فعلية لفرض التزامات متقابلة على تل أبيب، سواء فيما يخص الانسحاب أو الحدود أو الترتيبات الأمنية. النتيجة أنهم يتحركون بأدوات ناقصة ضمن معادلة تم تصميمها لصالح الطرف الإسرائيلي وبالتالي تجريد العالم العربي وخاصة دول الطوق من أوراق الضغط يجعلها في حالة خضوع مطلق وهامش المناورة عندها شبه منعدم.
-
الانقسام العربي–العربي:
تتباين مقاربات العواصم المعنية بالملف الفلسطيني: مصر والأردن ينظران من زاوية الأمن الإقليمي، قطر وتركيا من زاوية الوساطة، والسعودية من زاوية إعادة التموضع الاستراتيجي. هذا التباين يجعل بلورة موقف موحد أمراً بالغ الصعوبة. وهذا ما تراهن عليه خطة ترامب الصهيونية فالإنقسام العربي المصلحي يقوي الجانب الصهيوني ويضعف الجانب العربي ويجعل فلسطين في أزمة ثقة مع الدول العربية وملزمة بالتمشي معها.
-
إعادة صياغة أزمة الشرعية الفلسطينية الداخلية:
إقحام السلطة الفلسطينية في ترتيبات ما بعد الحرب من دون توافق داخلي يهدد بإشعال مواجهة سياسية أو حتى ميدانية، ما يضع العرب أمام أزمة محتملة فلسطينية–فلسطينية لا يملكون إدارتها فلا يمكن للسلطة الفلسطينية الحالية أن توافق على خطة ترامب من دون غزّة ولا غزّة يمكنها أن تنخرط في الخطة من دون السلطة الفلسطنية فيجب أن يكمّلا بعضهما البعض ويجب أن يكون بينهما إتفاق صلب.
-
تحويل غزة إلى ملف أمني دائم:
الخطة لا تقدم تصوراً لبناء سيادة فلسطينية، بل تُبقي القطاع في وضع “إدارة أمنية” متعددة الأطراف، بما يشبه الوصاية أو الإدارة الدولية، وهو ما يعزز الأمر الواقع بدل تغييره.
-
انعدام الثقة بالولايات المتحدة كضامن:
التاريخ التفاوضي يشي بأن واشنطن تلعب دور الراعي المنحاز لا الوسيط النزيه، ما يعني أن أي التزام أميركي لن يكون مطمئناً، خاصة مع غياب ضمانات ملزمة لإسرائيل. فالأمريكي يخدم مصلحة الكيان وبالتالي أية خطة مقدمة من أمريكا مشكك فيها وليست ذات مصداقية.
-
تشابك المصالح الإقليمية:
تركيا ومصر والسعودية وقطر والأردن وغيرها لكل منها موقع مختلف في خريطة النفوذ في غزة. أي خطوة عربية ضمن الخطة قد تُقرأ كإعادة تموضع أو كمصادرة لدور منافسين إقليميين. وبالتالي حتمية الواقع تقول يجب على هذه الدول الإتفاق المبدئي حول مصلحة الإستقرار في المنطقة والاستقرار الفلسطيني وبعدها كل منها يمكنها لعب دورها عدا ذلك لا يمكن المراهنة على أية دولة منهم وكذلك في ظل الإنقسام المصلحي لكل دولة منهم يكون لصالح العدو الصهيوني.
-
غياب تصور لإعادة الإعمار:
من سيتولى إعادة بناء غزة؟
من سيدفع الأموال لإعادة البناء؟
من يحدد الأولويات إعادة البناء؟
وكيف سيكون دور البنك الدولي أو الصناديق العربية؟
غياب هذه الإجابات يفتح الباب أمام فوضى مالية وسياسية قد تُستغل من قوى إقليمية ودولية متنافسة.
-
مصير الفصائل غير المشمولة:
تركيز الخطة على حماس يتجاهل وجود فصائل أخرى تمتلك نفوذاً ميدانياً، ما يعني أن أي ترتيب لا يشملها قد يسقط عسكرياً أو يُربك الاستقرار المفترض. بإعتبار ان حماس يمكن أن تنصهر داخل الفصائل الموجودة ميدانيا وبالتالي هل يعيد ترامب والكيان الحرب مع الفصائل المتواجدة ميدانيا ويرجعون من نقطة الصفر وتعود المجازر المبررة؟
-
تهديد التماسك الداخلي العربي:
التحرك وفق الخطة قد يُنظر إليه كإعادة تموضع كامل للسياسات العربية تجاه القضية الفلسطينية، ما يفتح الباب أمام ردود فعل سياسية وإعلامية ومعارضة داخلية قد تتحول إلى أزمات مفتوحة داخل الدول العربية نفسها وما بينها… فهل هذا هو مبنغى الصهيونية الأمريكية في المنطقة؟.
الخلاصة:
لا تبدو خطة ترامب محاولة لإنهاء الحرب بقدر ما هي مشروع لإعادة تعريف أدوار الفاعلين، حيث تحتفظ إسرائيل بمكاسبها وتُفرض على الدول العربية مهمة التفكيك السياسي للمقاومة وتطويع الجغرافيا وإعادة إنتاج الواقع الأمني.
ما يُطلب من العرب اليوم ليس مجرد وساطة، بل تبنٍّ كامل لمعركة تُدار بمفردات الآخر ووفق شروطه، وهو ما يجعل هذه التحديات ليست مجرد عوائق، بل اختباراً لمستقبل النظام العربي نفسه، ولحدود ما تبقى من شرعية الدور الإقليمي.