آسياأخبار العالمأمريكا

عقدة باغرام تعيد إثارة المعضلة الأميركية في أفغانستان وسط صعود الصين

تمثل قاعدة باغرام الجوية في أفغانستان رمزاً لفترة طويلة من الوجود الأميركي في آسيا الوسطى، إذ استخدمتها واشنطن على مدى عقدين كأكبر مركز عمليات جوية واستخباراتية في المنطقة. ومع انسحاب القوات الأميركية عام 2021، بدا أن أفغانستان قد طوت صفحة طويلة من الهيمنة العسكرية الأجنبية. غير أن الحديث المتجدد من الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن ضرورة استعادة السيطرة على القاعدة أعاد النقاش حول أهداف الولايات المتحدة وحدود قدراتها في بيئة إقليمية تغيرت جذرياً.

وتشير تصريحات ترامب إلى أن ملف باغرام بات مرتبطاً مباشرة بمواجهة الصين، فالموقع الاستراتيجي للقاعدة قرب مناطق حساسة في غرب الصين يمنح واشنطن نافذة لمراقبة تحركات بكين وممارسة الضغط عليها. من هذا المنطلق، يظهر أن الرغبة الأميركية ليست محصورة بأبعاد أفغانية بحتة، بل تتعلق بموازين القوى العالمية.

مع ذلك، تبدو العودة الأميركية إلى باغرام شبه مستحيلة في ظل الظروف الراهنة. فالانسحاب الأميركي جاء استناداً إلى اتفاق سياسي مع كابل ينص على إنهاء الاحتلال واحترام السيادة الأفغانية، ما يجعل إعادة فرض السيطرة خطوة تتطلب تجاوز التزامات مكتوبة ومواجهة مباشرة مع الحكومة الأفغانية الرافضة لأي نقاش حول القاعدة. إضافة إلى ذلك، تغيّر الواقع الميداني بشكل كبير، إذ لا توجد سفارة أميركية في كابل ولا بنية تحتية لوجستية تسمح بتمركز القوات بسهولة، ما يجعل التلويح بالعودة أقرب إلى ورقة ضغط سياسية منه إلى خطة عملية.

وعلى الصعيد الداخلي، تعكس تصريحات ترامب سعيه لإحياء شعاره “جعل أميركا عظيمة” من خلال إظهار القوة واستعادة المبادرة في ملفات حساسة. لكن استخدام ملف باغرام يظهر إشكالية واضحة، إذ يلوّح بخطوة غير واقعية قد توتر العلاقة مع كابل وتضع واشنطن في موقف ضعف أمام المجتمع الدولي.

من جهتها، تؤكد أفغانستان أن القاعدة جزء من سيادتها الوطنية، وأن استعادتها من قبل أي قوة أجنبية غير مطروحة، بما يتماشى مع سياسة خارجية متوازنة تهدف إلى فتح قنوات مع الدول المجاورة وضمان عدم استخدامها كمنصة تهديد.

يبقى البعد الصيني الأكثر حساسية، إذ رغم عدم وجود حضور عسكري صيني مباشر في باغرام، إلا أن مجرد الإشارة إلى الصين يكشف حدود المعضلة الأميركية: واشنطن تخشى أن تحل بكين محلها في الفراغ الاستراتيجي، لكنها لا تملك أدوات كافية لمنع ذلك، فتستخدم التهديد اللفظي كوسيلة ردع أكثر من كونه خطة تنفيذية.

وتكشف أزمة باغرام أن الولايات المتحدة لا تزال أسيرة عقدة أفغانستان، فحتى بعد الانسحاب، يظل الملف حاضرًا في العقل الاستراتيجي الأميركي كأداة ضغط محتملة في صراعات التوازنات الدولية. وفي المقابل، فإن المراهنة على فرض السيطرة من جديد من دون قدرة على التنفيذ قد تضر بمصداقية واشنطن، وتمنح كابل القوة لتأكيد استقلال قرارها، بينما تتيح لبكين وموسكو استغلال التناقضات الأميركية لإظهار ضعفها في إدارة الانسحابات.

إن الحديث عن استعادة باغرام لا يعكس خطة واقعية بقدر ما يعبّر عن مأزق استراتيجي تواجهه الولايات المتحدة في مواجهة صعود الصين، ويجعل “عقدة باغرام” عنواناً جديداً لصراع أميركا مع واقع إقليمي يتغير بسرعة أكبر من قدرتها على الاستيعاب.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق