آسياأخبار العالمبحوث ودراسات

بناء مجتمع ذي مستقبل مشترك للدول المجاورة من خلال التعاون في تعزيز التحديث

منذ المؤتمر الوطني الثامن عشر للحزب الشيوعي الصيني، ازدادت أهمية دبلوماسية الجوار في التخطيط العام للدبلوماسية الصينية، ومحافظة على مكانتها كأولوية قصوى في المشهد الشامل للدبلوماسية الصينية.

 وفي المسيرة الجديدة، وبمواجهة الفرص والتحديات الجديدة، ستواصل الصين تعميق الإصلاحات بشكل شامل، وتعزيز التنمية في الدول المجاورة عبر تنميتها الذاتية، وتسير يدا بيد مع دول المنطقة في دفع التحديث وبناء مجتمع ذي مستقبل مشترك.

أركان أساسية لبناء مجتمع ذي مستقبل مشترك للدول المجاورة تزداد ترسخًا

منذ المؤتمر الوطني الثامن عشر للحزب، أصبح بناء مجتمع ذي مستقبل مشترك للدول المجاورة يتجذر وينفذ تدريجيًا، حيث جعلت الصين مبادرة “الحزام والطريق” منصة عملية، والمبادرات العالمية الثلاث توجيهًا استراتيجيًا، فيما يسير قدما في ترسيخ الأركان الأساسية لبناء هذا المجتمع.

أولاً، باعتبار مبادرة “الحزام والطريق” منصةً عملية، تتعاون الصين مع الدول المجاورة لإنشاء منطقة نموذجية للبناء المشترك العالي الجودة لـ”الحزام والطريق”، مما يفتح آفاقًا جديدة لتسارع التنمية في التواصل والترابط والتعاون الاقتصادي والتجاري مع الدول المجاورة.

وقد أصبحت مشاريع ضخمة مثل خط أنابيب الغاز الطبيعي بين الصين وآسيا الوسطى، والممر الاقتصادي بين الصين وباكستان، ومنطقة التعاون الاقتصادي بين الصين وماليزيا (الحديقتان الصناعيتان) أمثلة يحتذى بها، كما اُفتتحت سكة حديد الصين-لاوس وسكة حديد جاكارتا- باندونغ رسميًا.

وتسارع بناء الممر الاقتصادي بين الصين وروسيا ومنغوليا، وبدأ تنفيذ مشروع سكة حديد الصين- قرغيزستان- أوزبكستان، وشُغلت قطارات الشحن السريعة المباشرة بين الصين وأوروبا عبر بحر قزوين، وحققت مشاريع سكك الحديد العابرة للحدود مثل الصين- فيتنام والصين- منغوليا تقدمًا كبيرًا.

ووفقًا لإحصاءات وزارة التجارة الصينية، تبوأت الدول المجاورة  مثل سنغافورة وإندونيسيا وفيتنام وتايلاند وكازاخستان وماليزيا وكمبوديا ولاوس وكوريا الجنوبية المراتب الثانية والخامسة والسادسة والتاسعة والثانية عشرة والثالثة عشرة والرابعة عشرة والخامسة عشرة والعشرين على التوالي من حيث تدفق الاستثمارات المباشرة الصينية إلى الخارج في عام 2023 ضمن الدول والمناطق العشرين الأولى.

وأما من حيث الرصيد التراكمي للاستثمار الصيني الخارجي في 2023، فقد حلت الدول المجاورة مثل سنغافورة وإندونيسيا وفيتنام وماليزيا وتايلاند وروسيا ولاوس في المراتب الرابعة والتاسعة والرابعة عشرة والخامسة عشرة والسابعة عشرة والثامنة عشرة والعشرين على التوالي.

ومن بين الدول المشاركة في مبادرة “الحزام والطريق”، جاءت الدول المجاورة في 8 من المراتب العشر الأولى من حيث الرصيد التراكمي للاستثمارات المباشرة الخارجية الصينية.

 وتعد الصين أكبر شريك تجاري لـ18 دولة مجاورة وتعمل الصين والدول المجاورة بنشاط على حماية استقرار وسلاسة سلاسل التصنيع والتوريد، وحققت نتائج مثمرة في مجالات الاقتصاد الرقمي، والذكاء الاصطناعي، والصناعات الدوائية الحيوية، والطاقة الجديدة.

ثانياً، باعتبار مبادرة الأمن العالمي بمثابة التوجيه الاستراتيجي، تعمل الصين يداً بيد مع الدول المجاورة على بناء منطقة تجريبية لمبادرة الأمن العالمي، مما يحقق مجتمع ذي مستقبل مشترك مع دول الجوار باستمرار نتائج جديدة في تشكيل بيئة أمنية محيطة تتسم بالسلام الدائم والأمن الشامل.

 وتواصل مبادرة الأمن العالمي تحقيق تقدم فعلي في الدول المجاورة، وقد أُدرجت في البيانات الحكومية المشتركة بين الصين وكل من روسيا وفيتنام ولاوس وكمبوديا ومنغوليا وإندونيسيا وباكستان والدول الخمس في آسيا الوسطى. وتدعم الصين بنشاط الآليات والهياكل الإقليمية للتعاون الأمني التي تقودها رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان)، وتعزز الحوار والتعاون الأمني بين دول المنطقة من خلال “نهج آسيان” الذي يتميز بالتوافق والشمول والارتياح المتبادل.

وتتعزز باستمرار أيضا الثقة السياسية المتبادلة بين الصين وآسيان، مع تكثيف التبادلات الرفيعة المستوى، وتنفيذ “إعلان سلوك الأطراف في بحر الصين الجنوبي” بشكل مشترك، والمضي قُدماً في مشاورات “مدونة السلوك في بحر الصين الجنوبي”.

 وقد حقق بناء مجتمع ذي مستقبل مشترك في إطار منظمة شانغهاي للتعاون نتائج مثمرة، وعُقدت أول قمة بين الصين وآسيا الوسطى، وأُنشئت آلية لقاءات القادة بين الصين ودول آسيا الوسطى، مما أسهم بقوة في الحفاظ على الأمن والاستقرار الإقليميين.

وأعادت الصين واليابان التأكيد على دفع العلاقات الاستراتيجية ذات المنفعة المتبادلة قدماً، واستؤنف اجتماع قادة الصين واليابان وكوريا الجنوبية.

وتوصلت الصين والهند إلى توافق بشأن تعزيز التواصل الاستراتيجي، والحفاظ على السلام والاستقرار في المناطق الحدودية، والعمل على إعادة العلاقات الثنائية إلى مسار التنمية المستقرة في أقرب وقت ممكن.

 وأما بشأن القضايا الساخنة في المنطقة المحيطة، فقد اضطلعت الصين بدور الوساطة بنشاط من أجل إحلال السلام في شمال ميانمار، ودفع أطراف النزاع إلى إجراء جولات متعددة من المحادثات، كما دعمت تشكيل حكومة شاملة وإعادة بناء السلام في أفغانستان، واستمرت في الدفع باتجاه الحل السياسي لقضية شبه الجزيرة الكورية.

 وفي مجال الأمن غير التقليدي، تدعم الصين تعزيز التعاون في إطار آلية تعاون نهر لانسانغ–ميكونغ، وتنفيذ مشاريع تعاون من خلال صندوق تعاون لانسانغ–ميكونغ الخاص، ساعيةً إلى بناء مناطق تجريبية لمبادرة الأمن العالمي.

وتعمل الصين أيضا مع الدول المعنية لمواجهة تحديات الإرهاب والانفصالية والأزمات المالية الإقليمية وتغير المناخ والأمن الغذائي وأمن المعلومات والفضاء الإلكتروني. وخاصة خلال فترة تفشي جائحة كوفيد-19، وقفت الصين والدول المجاورة جنبًا إلى جنب في مكافحة الجائحة وتجاوز المحنة معًا، مما جسّد روح المجتمع ذي المستقبل المشترك بشكل حيّ.

 وفي الوقت ذاته، وفي مجال أمن البيانات، قدمت الصين مع الدول الخمس في آسيا الوسطى “مبادرة “الصين + آسيا الوسطى” للتعاون في أمن البيانات”، مما دفع بناء مجتمع ذي المستقبل المشترك في الفضاء السيبراني ليبدأ بخطى ملموسة في المنطقة المحيطة.

ثالثًا، باتخاذ مبادرة التنمية العالمية كمرشد استراتيجي، وبالتعاون المشترك لبناء منطقة ريادية  لتنفيذ هذه المبادرة، مما يحقق تقدمًا مستمرًا في بناء مجتمع ذي مستقبل مشترك للدول المجاورة يسوده الازدهار المشترك وبيئة تنموية نظيفة وجميلة.

وقد عبرت عدة بيانات مشتركة أصدرتها الصين مع الدول المجاورة والمنظمات الدولية، مثل “البيان المشترك لقمة الذكرى الـ30 لإقامة علاقات الحوار بين الصين والآسيان”، و”البيان المشترك لقادة الصين ودول آسيا الوسطى بمناسبة الذكرى الـ30 لإقامة العلاقات الدبلوماسية”، و”إعلان شيآن لقمة الصين وآسيا الوسطى”، عبرت عن الاعتراف والترحيب بمبادرة التنمية العالمية.

 وفي يناير 2022، أُسست “مجموعة أصدقاء مبادرة التنمية العالمية” رسميًا، وأصبحت الدول المجاورة من الأعضاء الرئيسيين فيها.

وفي يونيو من العام نفسه، عُقد حوار رفيع المستوى بشأن التنمية العالمية في بكين، بمشاركة قادة من دول مجاورة مثل روسيا والهند وإندونيسيا وكازاخستان وأوزبكستان وكمبوديا وماليزيا وتايلاند.

وأما على صعيد التعاون الإقليمي، فقد دفعت الصين بنشاط نحو تنفيذ وتوسيع “اتفاقية الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة (RCEP).”

 وأُكملت بشكل جوهري مفاوضات الإصدار 3.0 لمنطقة التجارة الحرة بين الصين والآسيان، ويُتوقع توقيع البروتوكول المُحدّث بحلول عام 2025.

وحافظت الصين على موقعها كأكبر شريك تجاري لآسيان لمدة 15 عامًا متتالية، فيما أصبحت آسيان الشريك التجاري الأول للصين لمدة 4 أعوام متتالية.

وطرحت الصين أيضا ستة مجالات تركيز رئيسية وست مبادرات لمصلحة منطقة نهر الميكونغ للارتقاء المستمر بمستوى التعاون في منطقة لانتسانغ – ميكونغ دون الإقليمية.

وفي عام 2024، بدأت أمانة آلية الصين وآسيا الوسطى عملها رسميا، كما شرعت منظمة شانغهاي للتعاون في إنشاء منصة “منظمة شانغهاي +” الجديدة، بينما تواصل مفاوضات اتفاقية التجارة الحرة بين الصين واليابان وكوريا الجنوبية تقدمًها بثبات.

 وتقدّمت الصين بطلب للانضمام إلى “الاتفاق الشامل والتقدمي للشراكة العابرة للمحيط الهادئ” (CPTPP)، وبدأت في مواءمة قواعدها المحلية معها لتعزيز الإصلاح الداخلي.

وفي مجال التنمية الخضراء والمنخفضة الكربون، تعاونت الصين مع الدول المجاورة في مشاريع خضراء مثل السيارات الكهربائية وبطاريات الليثيوم ومعدات الطاقة الشمسية، كما عمّقت التفاهم والتعاون في مجالات مثل مكافحة النفايات البلاستيكية البحرية، ومعالجة تلوث الهواء، وحماية البيئة البحرية، والحفاظ على التنوع الأحيائي، وذلك لتعزيز التنمية المستدامة في المنطقة المحيطة.

رابعًا، باعتبار مبادرة الحضارة العالمية ريادة استراتيجية، تعمل الصين مع الدول المجاورة على بناء منطقة رائدة لمبادرة الحضارة العالمية، بحيث يواصل المجتمع ذو المستقبل المشترك للدول المجاورة تحقيق اختراقات جديدة في تعزيز التعلم المتبادل بين الحضارات والتبادلات الثقافية المفتوحة والشاملة بين الدول المجاورة.

وفي مايو 2019، استضافت بكين مؤتمر الحوار بين الحضارات الآسيوية  تحت شعار “التبادلات والتعلم المتبادل بين الحضارات الآسيوية ومجتمع ذو مستقبل مشترك”، حيث شاركت الدول المجاورة بنشاط، وأسهم ذلك بشكل مشترك في وراثة إنجازات الحضارات ونقلها إلى الأمام وتعزيز التبادلات والتعلم المتبادل بين الحضارات.

 وتلتزم الصين بالقيم الآسيوية المتمثلة في السلام والتعاون والتسامح والتكامل، وتوسّع التبادلات والتعاون الثقافي، وتوطّد أسس حسن الجوار والصداقة في المجتمع والرأي العام.

 وقد افتتحت الصين معاهد كونفوشيوس وورش عمل لوبان في الدول المجاورة، وزادت عدد المنح الدراسية الحكومية الصينية، ومنح الجامعات والمنح المتنوعة للدول المجاورة، ووفّرت ظروفًا ملائمة لتسهيل تنقل الطلاب الدوليين.

واستفادت الصين أيضا من تنظيم مناسبات مثل “عام التبادلات الثقافية بين الصين والآسيان” لتعزيز التبادلات المعمقة في مجالات الثقافة والسياحة والتدريب والشباب وغيرها.

وتعاونت الصين مع عدة دول في إقامة معارض متنقلة للآثار عبر الحدود، وتنفيذ مشاريع مشتركة لحماية وترميم والمواقع الأثرية في أوزبكستان وكمبوديا ودول أخري،  وتنفيذ مبادرة “طريق الحرير الثقافي”.

بناء مجتمع ذي مستقبل مشترك للدول المجاورة يواجه واقعا جديدا

دخل العالم مرحلة جديدة من التحولات المضطربة، وهو ما تجلي بوضوح في الفضاء المحيط  بالصين، مما يفرض سياقا متغيرا لتشييد مجتمع ذي مستقبل مشترك للدول المجاورة.

أولاً، تتصاعد المنافسة الاستراتيجية الأمريكية مع الصين، وتسعى الولايات المتحدة بسرعة إلى دفع “استراتيجية المحيطين الهندي والهادئ” قدمًا، مع تعزيز منظومة التحالفات الإقليمية، مما يضيف مخاطر جيوسياسية أكثر تعقيدًا وخطورة على بناء مجتمع ذي مستقبل مشترك للدول المجاورة.

وتعزز الولايات المتحدة في المناطق المحيطة بالصين أجندة الأمن ضمن “استراتيجية المحيطين الهندي والهادئ”، وتقوي التحالفات الثنائية والمتعددة الأطراف في المنطقة، مما أدى إلى تشكيل منظومة تحالفات تُعرف بـ “2+3+4+5+X”. ويشير الرقم “2” إلى تعزيز التحالفات العسكرية الثنائية في المناطق المحيطة بالصين، مثل التحالفات بين الولايات المتحدة واليابان، وبين الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية، وبين الولايات المتحدة والفلبين، وبين الولايات المتحدة وأستراليا، وغيرها؛ ويشير الرقم “3” إلى إنشاء شراكة أمنية ثلاثية بين الولايات المتحدة، بريطانيا، وأستراليا تُسمى “أوكوس” (AUKUS)، مع الدفع بنشاط لتطوير “الركيزة الثانية”، بهدف جذب اليابان وكوريا الجنوبية للانضمام إلى “أوكوس”، وتعزيز التعاون في مشاريع التكنولوجيا العسكرية المتقدمة، بالإضافة إلى دفع إنشاء آليات ثلاثية صغيرة مثل الولايات المتحدة- اليابان- كوريا الجنوبية والولايات المتحدة- اليابان- الفلبين والولايات المتحدة- كوريا الجنوبية- الفلبين وغيرها لتشكيل منصات تعاون أكثر عملية؛ ويشير الرقم “4” إلى تعزيز آلية “الحوار الأمني الرباعي” (QUAD) بين الولايات المتحدة واليابان والهند وأستراليا، من أجل دفع “الشراكة من أجل الوعي بالمجال البحري في منطقة المحيطين الهندي والهادئ”؛ ويشير الرقم “5” إلى تعزيز التعاون ضمن “تحالف العيون الخمسة”، وتشكيل شراكة جديدة بين الولايات المتحدة وبريطانيا واليابان وأستراليا ونيوزيلندا تُعرف باسم “شراكة المحيط الهادئ الأزرق” (PBP) ؛ ويشير الحرف “X” إلى الدفع باتجاه تحويل الناتو إلى كيان “هندي-هادئ”، بل وحتى تحويل منطقة “الهندي-الهادئ” إلى نسخة من الناتو. وقد تعزز هذا التوجه بشكل خاص بعد أزمة أوكرانيا، مما أدى إلى اشتداد سباق التسلح بين الدول المجاورة.

وفي هذا السياق، تواصل الولايات المتحدة زيادة مساعداتها العسكرية وتسليحها لتايوان، وأنشأت أربع قواعد عسكرية جديدة في الفلبين تواجه مباشرة مضيق تايوان أو بحر الصين الجنوبي، ودفعت نشر منظومة صواريخ “تايفون” المتوسطة المدى، مع توضيح أن “معاهدة الدفاع المشترك بين الولايات المتحدة والفلبين” تغطي مضيق تايوان وبحر الصين الجنوبي.

وبعد إعادة انتخاب دونالد ترامب رئيسًا للولايات المتحدة، ضم فريقه الدبلوماسي والأمني غالبية من “الصقور” المعادين للصين، ما قد يؤدي إلى تشديد سياسة الاحتواء الاستراتيجية الأمريكية تجاه الصين.

وفي مجال الأمن غير التقليدي، استعاد الإرهاب نشاطه في مناطق جنوب آسيا وآسيا الوسطى المجاورة، حيث دفعت بعض الدول إلى تعزيز الإدراك المعادي للصين لدى الجماعات الإرهابية، مع ظهور توجهات “استقطاب الإرهاب لمناهضة الصين”، مما شكل تهديدًا خطيرًا لمصالح الصين الخارجية.

وإن الدول الغربية تضع مصالحها الوطنية فوق التعاون العالمي في مواجهة تغير المناخ، حيث فرضت رسوم جمركية إضافية على مركبات الطاقة الجديدة والمعدات الكهروضوئية الصينية، مما جعل آفاق التعاون الدولي في مجال تغير المناخ غير مشجعة، ويشكل عوائق أمام جهود الصين والدول المجاورة للتعاون المشترك لمواجهة تغير المناخ.

ثانيًا، يشهد الاقتصاد الجيوسياسي العالمي تفتتًا تدريجيًا على طول التصدعات الجيوسياسية، مما يؤثر على استقرار سلاسل الصناعة والتوريد العالمية، وقد يؤدي ذلك إلى انقسام في النظام البيئي للصناعات التكنولوجية الجديدة، وهو ما سيؤثر سلبًا على البيئة الجيو-اقتصادية والجيو-تكنولوجية المحيطة بالصين.

 (أ) تواصل الولايات المتحدة دفع “الإطار الاقتصادي لمنطقة المحيطين الهندي والهادئ”، حيث أن ركيزتي سلسلة التوريد والاقتصاد النظيف في هذا الإطار تؤثران على تعاون الصين الصناعي مع الدول المجاورة، نظرًا للطابع الإقصائي للتعاون في سلاسل التوريد في مجالات مثل الاقتصاد الرقمي والطاقة النظيفة بين الدول الأعضاء في الإطار. وتسعى الولايات المتحدة أيضا إلى تشكيل ما يسمى بـ”شراكة أمن المعادن” (MSP)، في محاولة لبناء سلسلة توريد للمعادن الإستراتيجية والحيوية تستبعد الصين. وقد انضمت بالفعل كل من اليابان وكوريا الجنوبية والهند إلى هذه المبادرة، بينما تحاول الولايات المتحدة استقطاب دول مثل الفلبين وإندونيسيا وبعض دول آسيا الوسطى.

(ب) تتبع الولايات المتحدة سياسة “الجدار العالي للفناء الصغير” فيما يتعلق بالاستثمار والتصدير الأمريكي للتكنولوجيا المتقدمة إلى الصين، وقد بدأت بعض الدول والمناطق المجاورة في تقليد هذا النهج.

فعلى سبيل المثال، أسست الولايات المتحدة “تحالف الرقائق الرباعي” (CHIP4) مع كل من كوريا الجنوبية واليابان ومنطقة تايوان الصينية.

(ج) تسرّع الولايات المتحدة “فك الارتباط وكسر السلاسل” مع الصين، وتسعى لـ”إعادة التصنيع” داخل أراضيها، كما تروّج لمفاهيم “التصنيع القريب” و”التصنيع عند الحلفاء”، في محاولة لفرض نقل بعض سلاسل التصنيع من الصين إلى الدول المجاورة لها.

ومع استمرار الولايات المتحدة في تشديد قواعد المنشأ وتعزيز إنفاذ الجمارك المستهدف، فإنها تسعى إلى منع المنتجات الصينية من دخول السوق الأمريكية من خلال التصدير أو إعادة التصدير أو تحويل الاستثمارات بهدف التحايل على الرسوم الجمركية.

 وبشكل خاص، فإن السياسات الجمركية الجديدة التي اعتمدتها إدارة ترامب ستُحدث صدمات جديدة في سلاسل التصينع والتوريد القائمة بين الصين والدول المجاورة، كما ستزيد من حدة الاحتكاكات التجارية والاستثمارية بين الصين وهذه الدول.

ثالثا، إن تنامي قدرات دول “الجنوب العالمي” وتعزيز استقلالها الاستراتيجي من شأنه أن يضفي مزيدًا من اليقين والاستقرار والطاقة الإيجابية على الساحتين الإقليمية والدولية، ويسهم في تعافي الاقتصاد العالمي وتحقيق التنمية المستدامة.

 ومنذ أن أصبحت الصين ثاني أكبر اقتصاد في العالم عام 2010، شهدت دول “الجنوب العالمي” والدول النامية نهوضًا جماعيًا، ما أدى إلى تغييرات كبيرة في ميزان القوى الدولية. وفي عام 2018، بلغ معدل إسهام الأسواق الناشئة والدول النامية في نمو الاقتصاد العالمي 80%.

وتُعد المناطق المجاورة للصين من أكثر المناطق التي تتركز فيها دول “الجنوب العالمي”، كما تشغل هذه الدول نسبة كبيرة من المنصات المهمة للتعاون بين دول الجنوب. فروسيا والهند وإندونيسيا وكازاخستان وتايلاند وماليزيا وأوزبكستان هي دول أعضاء أو شركاء في آلية تعاون البريكس.

وأما في منظمة شانغهاي للتعاون، فإن 7 من أصل 10 أعضاء رسميين، و2 من الدول المراقبة، و5 من بين 14 دولة شريكة في الحوار هم من الدول المجاورة للصين. وقد أكدت قمة منظمة شانغهاي للتعاون في أستانا لعام 2024 دعم الدول الأعضاء لمواصلة تحسين وإصلاح نظام الحوكمة الاقتصادية العالمي.

وتتماشى “روح شانغهاي” بشكل كبير مع رؤية آسيا للأمن وقيمها المشتركة، كما يتميز نموذج التعاون “منظمة شانغهاي+” بالانفتاح والشمول، مما يساعد الدول المجاورة للصين على تعزيز التعاون وتقديم حلول مستقلة للحوكمة الإقليمية.

ومن جهة أخرى، فقد نمت آسيان منذ تأسيسها بشكل ملحوظ، وحققت تعاونًا مثمرًا مع الصين، خاصة في بناء مجتمع الصين-آسيان ذي مستقبل مشترك، ما أسهم في تشكيل هيكل تعاون إقليمي مفتوح وشامل يتمحور حول آسيان في جنوب شرق آسيا.

وتلتزم الغالبية العظمى من دول المنطقة المجاورة للصين بالمبادئ الخمسة للتعايش السلمي، وتسعى إلى تعميق التعاون بين دول الجنوب وتعزيز الحوار بين الشمال والجنوب، وقد نجحت في شق طريق تنمية مستقل وقائم على الذات.

وفي عام 2024، بلغ معدل نمو الاقتصاد الآسيوي حوالي 4.5%، ومن المتوقع أن تمثل آسيا 49% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، مما جعلها لا تزال المنطقة الأكثر إسهاما في نمو الاقتصاد العالمي. وجدير بالذكر أن مناطق شرق آسيا وجنوب آسيا وآسيا الوسطى المجاورة للصين سجلت معدلات نمو تفوق أو تقترب من متوسط النمو العالمي.

تعزيز بناء مجتمع ذي مستقبل مشترك للدول المجاورة من خلال التحديث المشترك

طرح الرئيس الصيني شي جين بينغ، خلال منتدى “الحزام والطريق” الثالث للتعاون الدولي عام 2023، رؤية مفادها أن دول العالم يجب عليها التكاتف لتحقيق تحديث عالمي يسوده السلام والتنمية والتعاون المتبادل المنفعة والازدهار المشترك. وتنسجم هذه الرؤية الطموحة مع مفهوم بناء مجتمع ذي مستقبل مشترك للبشرية. وفي ظل المستجدات التي تشهدها الساحة الإقليمية، يتعين على الصين أن تعمّق إصلاحاتها الشاملة بشكل أكبر، وتتعاون مع الدول المجاورة في دفع مسيرة التحديث، من أجل تعزيز بناء مجتمع ذي مستقبل مشترك للدول المجاورة بشكل مستقر ومستدام.

أولاً، التعاون المشترك مع الدول المجاورة لدفع التحديث المشترك على طريق التنمية السلمية.

إن التحديث الصيني النمط هو تحديث يسير على درب التنمية السلمية، وسيُضفي مزيدًا من اليقين وفرص التنمية على السلام والاستقرار والازدهار في المناطق المجاورة. وفي الوقت نفسه، ستدفع الصين الدول المجاورة إلى اتباع طريق التنمية السلمية معًا.

(أ) تُدافع الصين عن تعددية الأقطاب العالمية العادلة والمنظمة، وتتمسك بالمبادئ الخمسة للتعايش السلمي، وتعمل مع الدول المجاورة على تطبيق رؤية الأمن الآسيوي المشترك والشامل والتعاوني والمستدام. وتدعم وتعمل على تحسين آليات وهيكليات التعاون الأمني الإقليمي التي تقودها آسيان، وتسعى إلى تعزيز دور منظمة شانغهاي للتعاون، وآلية تعاون بريكس، ومؤتمر آسيا للتفاعل وتدابير بناء الثقة، وآلية “الصين + دول آسيا الوسطى الخمس”، وآلية التعاون في شرق آسيا وغيرها، بهدف بناء هيكل أمني آسيوي أكثر توازنًا وفعالية واستدامة.

 (ب) تؤكد الصين على اتباع نهج تدريجي يبدأ بالمجالات الأمنية غير التقليدية، وتواصل تحسين آليات التعاون في مكافحة الإرهاب، واستقرار القطاع المالي، والصحة العامة، وتعمل على إنشاء منصات وآليات تعاون في مجالات إقليمية مثل تغير المناخ والأمن السيبراني والذكاء الاصطناعي والأمن الغذائي، واتخاذ التعاون في مجالات الأمن غير التقليدي في إطار نهر لانسانغ–ميكونغ نموذجًا يُسترشد به، وبناء الثقة من خلال التعاون في الأمن غير التقليدي، مع التوسع التدريجي ليشمل مجالات الأمن التقليدي.

 (ج) تبتكر الصين أساليب جديدة للعمل الجماعي من خلال المنظمات الإقليمية، لتعزيز دور هذه المنظمات في التنسيق والوساطة، وتنفيذ عمليات مشتركة لحفظ السلام والحفاظ على الاستقرار، ودفع التدخل البناء والحل العادل والفعال في القضايا الساخنة بالمناطق المجاورة.

ثانيًا، التعاون المشترك لدفع التحديث المشترك المتسم بالتعاون والمنفعة المتبادلة للدول المجاورة.

تُعدّ المناطق المجاورة مكانا أطلقت منه مبادرة “الحزام والطريق لأول مرة”. ويتعين على الصين تحسين آليات الانفتاح الرفيع المستوى على العالم، ودفع بناء “الحزام والطريق” بوصفه منصة عملية لبناء مجتمع ذي مستقبل مشترك للبشرية نحو تنمية ذات جودة ومستوى أعلى في المناطق المجاورة، مما يضخ زخمًا قويًا في تحديث هذه الدول.

 (أ) من خلال بناء نمط تنمية جديد، تعمل الصين على توسيع الانفتاح المؤسسي بشكل تدريجي، وتعزيز بناء نسخة 3.0 من منطقة التجارة الحرة بين الصين والآسيان، ودفع توسيع وترقية اتفاقية الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة (RCEP)، والسعي للانضمام إلى “الاتفاق الشامل والتقدمي للشراكة عبر المحيط الهادئ” (CPTPP) و”اتفاقية شراكة الاقتصاد الرقمي” (DEPA)، والتفاوض مع مزيد من الدول المجاورة على اتفاقيات تجارة حرة عالية المستوى، وتحسين شبكة التجارة الحرة الإقليمية، وإقامة سوق موحدة كبرى مشتركة.

(ب) تعزيز التعاون في سلاسل التصنيع والتوريد. ستُعزز المواءمة مع خطط الصناعة 4.0 لدول الآسيان، ويُستفاد من مزايا التكامل الاقتصادي بين الصين واليابان وكوريا الجنوبية، وتُستكشف إمكانات السوق في دول آسيا الوسطى الخمس، ويُدفع التحول والتحديث الهيكلي في الاقتصاد والطاقة والصناعة بقيادة الابتكار، من أجل تعزيز استقرار وتنافسية سلاسل التصنيع والتوريد في المنطقة.

(ج) من خلال بدء تنفيذ مشروع سكة حديد الصين– قيرغيزستان– أوزبكستان، ومشروع التعاون في السكك الحديدية ذات المقياس القياسي بين الصين وفيتنام، ومشروع الشبكة التكاملية العابرة لجبال الهيمالايا بين الصين ونيبال، فضلًا عن بناء الكابلات البرية العابرة للحدود والكابلات البحرية، تُعطى الأولوية لمشاريع ممرات التواصل والترابط مع الدول المجاورة، وتسريع بناء ممرات جديدة للتجارة الدولية البرية والبحرية، مما يعزز قدرة الصين على الإشعاع في الأسواق المجاورة، ويجعل من الصين أحد أسواق الاستهلاك النهائية للدول المجاورة، وذلك بهدف دفع تحديث هذه الدول من خلال الفرص السوقية التي توفرها الصين.

ثالثًا، التعاون المشترك مع الدول المجاورة لدفع التحديث المشترك القائم على الازدهار المشترك.

تُظهر الدول المجاورة تباينًا كبيرًا في مساراتها نحو التحديث، حيث تشمل دولًا متقدمة اقتصاديًا، وأخرى ناشئة، بالإضافة إلى العديد من الدول الأقل نموًا. وفقًا لقائمة الأمم المتحدة لعام 2023 للدول الأقل نموًا، هناك 8 دول مجاورة للصين مدرجة ضمن هذه الفئة، وهي أفغانستان وبنغلاديش وبوتان وكمبوديا ولاوس وميانمار ونيبال وتيمور الشرقية، وتمثل نحو ثلث عدد الدول المجاورة.

وقد أكد الرئيس الصيني شي جين بينغ أنه “لا ينبغي استبعاد أي بلد على طريق التحديث، ولا يجب تخلف أحد عن الركب”.

(أ) يتعين تعزيز العولمة الاقتصادية الشاملة والمتوازنة، وتكثيف المساعدات التنموية للدول المجاورة، ودفع تنفيذ مشاريع معيشية “صغيرة وجميلة”، لسد الفجوات التنموية التي تعيق تحديث هذه الدول.

(ب) تعزيز التعاون في المجال الرقمي لتقليص “الفجوة الرقمية”. ومع التطور السريع للتكنولوجيا الرقمية، هناك خطر من اتساع الفجوة بين الشمال والجنوب بفعل هذا التفاوت. ومن هنا، ينبغي للصين تعزيز التعاون الرقمي مع الدول المجاورة من خلال بناء “طريق الحرير الرقمي”، وتعزيز البنية التحتية الرقمية مثل شبكات الجيل الخامس (G5)، والحوسبة السحابية، وفضاءات البيانات، ومنصات التجارة الإلكترونية عبر الحدود، وزيادة معدلات انتشار الإنترنت، ودفع التحول الرقمي الاقتصادي، لتمكين الدول المجاورة من تحقيق “قفزة نوعية” في مسار التنمية عبر الاقتصاد الرقمي.

 (ج) تعزيز التعلم المتبادل بين الحضارات وتبادل الخبرات في الحكم والإدارة مع الدول المجاورة، والعمل على إحياء وتعزيز القيم الآسيوية القائمة على السلام والتعاون والتسامح والتكامل، ودفع تحقيق التحول الإبداعي والتطور الابتكاري للثقافات التقليدية المتميزة لمختلف البلدان خلال عملية التحديث، وتمكينها من استكشاف طرق تحديث تتناسب مع الخصوصيات الوطنية لها بشكل مستقل.

_______________________

*وانغ جيان: مدير لمعهد الدراسات الدولية بالأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية في شانغهاي

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق