أخبار العالمالشرق الأوسطبحوث ودراسات

السابع من أكتوبر: أي دور لإعادة تشكل العلاقات الدولية في ظل تحقق الإعتراف الدولي “بدولة فلسطين”؟

ظل إعتماد الرهان الفلسطيني على القانون الدولي رهانا فاشلا لم يحقق بعد التجريم النافذ لجرائم الكيان الصهيوني الغاصب ضد الشعب الفلسطيني. فالإشكال الحقيقي يكمن في عدم وجود آليات لإنفاذ القانون الدولي بالقبض على مجرمي الحرب أو إعتقالهم أو تجميد أموالهم أو بحبسهم.

لقد راود المجتمع الدولي الشك في  ماحققته أحداث السابع من أكتوبر لكن الثابت هو فشل منظومة اللوائح الدولية وأهماها نظام روما الأساسي والذي ظل مجرد حبر على ورق لم تفلح المحكمة الجنائية الدولية في تفعيل بنوده ضد كبار مجرمي الحرب أما أجهزة الضغط الدولية فقد ثبت تسيسها لصالح القوى الكبرى فاعتمدت سياسة الكيل بمكيالين وإزدواجية المعايير وأضحت لا تحاكم إلا الضعفاء .

لكن القناع الذي سقط عن وجه الكيان دفع بظهور آليات دولية جديدة أثبتت قدرتها على  إمكانية ممارسة أساليب تحقيق ضد الكيان حتى إن لم تكن رادعة، فأي دور لأحداث السابع من أكتوبر في إعادة تشكل العلاقات والمواقف الدولية من جديد؟

1- فلسطين كفاعل في إعادة تشكيل القانون الدولي

في 11 من سبتمبر 2025، وافق البرلمان الأوروبي على قرار يدعو الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي إلى “النظر في الاعتراف بدولة فلسطين، بهدف تحقيق حل الدولتين”. وفي حين دعم البرلمان “الاعتراف المبدئي بالدولة الفلسطينية” سابقًا، يبدو أن هذا القرار الجديد يشكل دعوة أكثر مباشرة للحكومات الوطنية للتحرك.

القرار صدر بأغلبية 305 أصوات، مقابل 151 صوتًا معارضًا، وامتناع 122 عن التصويت. وصرّح النائب الاشتراكي الإيطالي في البرلمان الأوروبي  الذي ترأس الجلسة نيكولا زينغاريتي: “إن هذه النتيجة جاءت ثمرة مفاوضات مستفيضة بين الكتل السياسية حول تعديلات مختلفة”. وكان التصويت طويلًا ومتوتّرًا، حتى إن أعضاء البرلمان طلبوا التوقف مؤقتًا للاطلاع على التصويت على التعديلات بشأن غزة، قبل الانتقال إلى التصويت النهائي على القرار ككل.من النقاط الخلافية الأخرى في القرار استخدام مصطلح “إبادة جماعية” لوصف هجمات إسرائيل على غزة. وفي النهاية، رُفضت عبارة “أعمال إبادة جماعية” واستُبعدت من النص.

رئيسة المفوضية، أورسولا فون دير لاين، اقترحت اتخاذ أشدّ الخطوات لإظهار استنكار الاتحاد الأوروبي لسلوك إسرائيل في غزة. وشملت هذه الخطوات اقتراحا بتعليق البنود التجارية من اتفاقية الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل، وهي خطوة لا تتطلب إجماعا من الدول الأعضاء السبع والعشرين في الاتحاد الأوروبي، بل أغلبية مؤهلة (15 دولة عضوًا على الأقل تُمثّل 65% من سكان الاتحاد الأوروبي). أكدت كالاس: “إن إسرائيل يجب أن تخضع للضغوط، ولكن دائمًا بالاتفاقات والإجماع”. وتابعت كالاس: “أنا أمثّل الدول التي تتعامل بصرامة مع نتنياهو، ولكن تلك التي تتبنى نهجًا آخر”

2-العلاقات الدولية من الهدوء الدبلوماسي نحو التصدع الإقتصادي والعسكري

تعكس التطورات تصاعد التوتر داخل مؤسسات الاتحاد الأوروبي بشأن الموقف من حرب غزة، ويكشف عن تصدعات داخلية بين المسؤولين الأوروبيين حول كيفية التعامل مع إسرائيل.

 من جهة، تدفع أورسولا فون دير لاين باتجاه خطوات تصعيدية، كتعليق بعض بنود الشراكة التجارية مع إسرائيل، وهو اقتراح غير مسبوق يحمل دلالات سياسية واقتصادية قوية غيرت من خلالها الحرب على غزة نهج التعاون الدولي مع الكيان الصهيوني كما كان للضغوطات الشارع الأوروبي والجماهير الغربية عامة دور في التأثير على الرأي العام الغربي رغم أن الآلة الصهيونية نجعت إلى حد ما في طمس الحقائق. ومن جهة أخرى، تسعى كايا كالاس إلى الحفاظ على “الإجماع الأوروبي” وعدم القطيعة مع إسرائيل، رغم وصفها للوضع في غزة بأنه “كارثي”.

ما يلفت الانتباه في السياق السياسي هو تغيّر الرأي العام الغربي بما فيه السياسي ، الذي بات أكثر مرونة في الدعوة للاعتراف بدولة فلسطين، مع تصويت الأغلبية لصالح قرار الإعتراف وتراجع العلاقات مع إسرائيل . وعلى الرغم من تجنّب مصطلح “الإبادة الجماعية” رسميًا، فإن مجرد طرحه للنقاش يشير إلى تحوّل تدريجي في الخطاب الأوروبي، وجرأة أكبر لدى بعض المفوضين في توصيف الأوضاع في غزة.

أما بالنسبة لمستوى الأداء السياسي على أرض الواقع، فإن الجدل بين الساسة الأوروبيين يعكس صراعا بين أسلوبين دبلوماسيين: الأول يميل إلى الضغط الصامت عبر قنوات سياسية وإنسانية، والثاني يعتمد المواجهة الخطابية والإدانة العلنية.

لكن هذه الأساليب بقيت أقل فاعلية نظرا لأسلوبها الفاقد لآليات التنفيذ الفعلي في الضغط على شبكة الكيان الصهيوني في كل أرجاء أوروبا.هذا التصدع أدى إلى  وجود إنقسام متزايد بين الحلفاء وتحديدا يكمن وجه الإختلاف في درجات الإنفاق العسكري والتعامل مع الأسلحة المصدرة إلى إسرائيل. فالدول الأعضاء لا تزال متباينة في رؤيتها بخصوص حجم الإنفاق خاصة وأن إسرائيل لا تزال الحليف الإستراتيجي مع إسرائيل.

إلا أن بعض الدول كانت في مستوى تطلعات المطالبات الشعبية بالتنديد الإنساني ومناشدة المساعدات نحو قطاع غزة وقطع العلاقات مع إسرائيل بما في ذلك تعليق كامل للتعاون الاقتصادي مع إسرائيل، أو حتى التقدم الفعلي نحو اعتراف جماعي بدولة فلسطين.

إن التهديد الفعلي الذي يواجهه الإعتراف بدولة فلسطين هو تآكل مصداقية الغرب، كمجرد عنصر ثانوي في تسوية الصراع الفلسطيني الصهيوني، في ظل تصاعد أدوار قوى إقليمية ودولية أخرى كدول البريكس والإتحاد الإفريقي.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق